الاعتكاف
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو
اللبث في
مسجد جامع ثلاثة أيام فصاعدا
صائما للعبادة .
الاعتكاف: وزان افتعال، من عكف على الشيء من باب قعد، بمعنى أقبل عليه مواظباً، إذا لازمه وواظب عليه، وعكف فلان في
المسجد واعتكف، أي أقام به ولازمه وحبس نفسه فيه لا يخرج منه إلّا لحاجة الإنسان.
وعكفت الشيء: حبسته، وعكفته عن حاجته: منعته.
والاعتكاف:
الاحتباس ؛ لأنّه حبس النفس عن التصرّفات العاديّة.
الاعتكاف: هو اللبث في المسجد
للعبادة بشروط خاصّة، وقد اختلفت كلمات
الفقهاء في تعريفه، وإليك فيما يلي بعض عباراتهم:
قال
المحقق الحلي : «هو اللبث المتطاول للعبادة».
وناقش فيه
الشهيد الثاني بعدم كونه مانعاً، حيث قال: «هذا التعريف ليس بجيّد؛ لأنّه يدخل فيه مطلق اللبث الطويل لأجلها، سواء أكان في مسجد أم في غيره،
صائماً أم غير صائم،
بنيّة الاعتكاف وعدمها، وليس كلّ ذلك اعتكافاً».
وقال العلّامة الحلّي: «إنّه عبارة عن لبث مخصوص للعبادة».
واستجوده الشهيد الثاني، حيث قال: «وهو تعريف جيّد؛ لأنّ المخصوص يخرج منه ما ليس بمراد وإن كان موجباً للإجمال».
وقال
الشهيد الأول : «هو اللبث في
مسجد جامع ثلاثة أيّام فصاعداً صائماً للعبادة».
وقال بعض المتأخّرين: «هو اللبث في المسجد بقصد العبادة».
إلى غير ذلك من تعريفاتهم.
وسيأتي- إن شاء اللَّه تعالى- في بحث الشروط الحديث عن أنّ اللبث بنفسه عبادة أم أنّه مقدّمة لعبادة اخرى خارجة عنه.
وهو الملاصقة في السكنى،
وقد فسّر بالاعتكاف.
والمجاورة : الاعتكاف في المسجد،
وقد ورد في الحديث: «أنّ
رسول اللّه صلى الله عليه وآله كان يجاور بحراء ويجاور في العشر الأواخر من
رمضان ».
والذي يبدو أنّ الجوار يطلق على غير الاعتكاف أيضاً وإن عبّر عن الاعتكاف أحياناً به.
وهي من خلا المكان والشيء، إذا لم يكن فيه أحدٌ، ولا شيء فيه وهو خالٍ، ومنه خلا الرجل بنفسه إذا وقع في مكان خالٍ لا يزاحم فيه.
والاعتكاف قد يكون مع الآخرين بنفس المكان المعدِّ لذلك، فالمعتكف قد ينفرد بنفسه، وقد لا ينفرد.
كما أنّ الخلوة قد تكون اعتكافاً وقد لا تكون عبادةً أصلًا فالنسبة هي العموم والخصوص من وجه.
الرباط: هو
الملازمة والمواظبة على الأمر وملازمة ثغر العدوّ.
والمرابطة: أن يربط كلّ من الفريقين خيلًا لهم في ثغره وكلّ معدّ لصاحبه، فسمّي المقام في الثغر رباطاً، والمرابطة
أيضاً حبس الرجل نفسه على تحصيل معالم الدين.
والنسبة بين الاعتكاف والرباط هي العموم والخصوص المطلق؛ لأنّ في الاعتكاف مرابطةً على عبادة خاصّة ومواظبة، وليس كل رباط اعتكافاً بالمعنى المصطلح.
انفرد الرجل بنفسه، أي انقطع وتنحّى، وفرد الرجل إذا تفقّه واعتزل الناس، وخلا بمراعاة
الأمر والنهي والعبادة.
والاعتكاف أحد أشكال الانفراد أحياناً، لكنه قد يكون مع الناس في المسجد.
وهي
الانقطاع عن الناس، ومن فوائدها الفراغ للعبادة والفكر والاستئناس
بمناجاة اللَّه تعالى وغيرها.
والنسبة بينها وبين الاعتكاف كالنسبة بين
الانفراد والاعتكاف.
وهي
الاعتزال عن الناس إلى دير أو كهف أو مغارة طلباً للعبادة.
والرهبانية بمعناها المتقدم أعم من الاعتكاف، لكنّها بمعناها المصطلح في الديانة المسيحية الحالية مباينة له؛ لاشتمالها على قيود مقوّمة ليست في الاعتكاف من حيث الزمان والأفعال.
اتّفق
المسلمون على أنّ مشروعيّة الاعتكاف ثابتة على وجه
الندب في
شريعتنا ،
بل والشرائع السابقة.
ويدلّ عليه:
قال تعالى: «أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ»،
وقوله تعالى: «وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ».
السنّة القوليّة والفعليّة
: منها: خبر
السكوني عن
الإمام الصادق عليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: اعتكاف عشر في شهر رمضان تعدل
حجتين وعمرتين ».
ومنها: ما ورد عن
الحلبي عن أبي عبداللَّه عليه السلام أنّه قال: «كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إذا كان العشر الأواخر اعتكف في المسجد، وضربت له قبّة من شعر، وشمّر المئزر، وطوى فراشه».
ومنها: ما ورد عن
أبي العبّاس عن الإمام الصادق عليه السلام قال: «اعتكف رسول اللَّه صلى الله عليه وآله في شهر رمضان في العشر الاولى، ثمّ اعتكف في الثانية في العشر الوسطى، ثمّ اعتكف في الثالثة في العشر الأواخر، ثمّ لم يزل صلى الله عليه وآله يعتكف في العشر الأواخر».
إجماع الطائفة والمذهب،
بل ادّعى
المحقق النجفي عليه إجماع المسلمين.
السيرة المتشرعية القطعيّة، بل الضرورة الفقهية.
الاعتكاف
مستحب في أصل
الشرع ، مندوب إليه، مرغّب فيه، وفيه فضل كبير؛
وذلك لما ورد عن السكوني عن الإمام الصادق عليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: اعتكاف عشر في شهر رمضان تعدل حجّتين وعمرتين».
وما ورد عن أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه قال: «كانت
بدر في شهر رمضان فلم يعتكف رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، فلمّا أن كان من قابل اعتكف رسول اللَّه صلى الله عليه وآله عشرين: عشراً لعامه، وعشراً قضاء لما فاته».
وتختلف فضيلة الاعتكاف باختلاف فضيلة الزمان كشهر رمضان، والمكان ككونه في
مسجد الحرام ، فللمسجد الحرام فضل على ما عداه، ثمّ
مسجد النبي صلى الله عليه وآله، ثمّ
مسجد الكوفة ، ثمّ
مسجد البصرة ، ثمّ
مسجد المدائن ، ثمّ
مسجد بُراثا ، ثمّ باقي المساجد مرتّبة، ثمّ ما زادت جماعة الناس فيه فضيلته زائدة على غيره، وما كان في البقاع المشرّفة
كالنجف ونحوه على غيره.
يستفاد من مطاوي الروايات أنّ الحكمة فيه هي تربية النفوس، بالانزواء عن الناس تحفّظاً من آفاتهم، والتجرّد للذكر عن الشواغل الخارجة، وترك
الذنوب خشية أو
حياء أو إصابة أخ مستفاد في اللَّه أو علم مستطرف أو كلمة تدلّه على هدى أو تردّه عن ردى أو رحمة منتظرة.
وفيه أيضاً استغراق المعتكف أوقاته في الصلاة إمّا حقيقةً أو حكماً.
•
أقسام الاعتكاف.
الاعتكاف مستحبّ دائماً وفي أيّ وقت، إلّا الأوقات التي لا يصحّ فيها الصوم كالعيدين؛ لأنّ من شرطه
الصوم .
وأفضل ما يعتكف الإنسان فيه من الأوقات شهر رمضان؛
وذلك لما ورد عن
السكوني عن
الإمام الصادق عن آبائه عليهم السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: اعتكاف عشر في شهر رمضان تعدل حجّتين وعمرتين».
وأفضله العشر الأواخر منه؛
لمزيّة
الاهتمام بشأنه في هذا الوقت، كما يظهر من صحيحة
أبي العباس عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «اعتكف رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم في شهر رمضان في العشر الاولى، ثمّ اعتكف في الثانية في العشر الوسطى، ثمّ اعتكف في الثالثة في العشر الأواخر، ثمّ لم يزل صلى الله عليه وآله وسلم يعتكف في العشر الأواخر».
فإنّ مواظبة
النبي صلى الله عليه وآله وسلم تكشف عن مزيد الفضل في هذا الوقت، بل نفس حكاية الإمام عليه السلام عن ذلك تدلّ على مزيد الفضل في هذا الوقت؛ لوضوح كون الإمام عليه السلام في مقام الحثّ
والترغيب لا مجرّد نقل التاريخ.
واستدلّ على أفضليّة العشر الأواخر بأنّ ليلة القدر داخلة فيها.
وقال في
كشف الغطاء : «والظاهر اختلاف مراتب الرجحان باختلاف فضيلة الصوم في الأوقات والشهور، فلفعله في
شعبان امتياز على
رجب ، ولرجب امتياز على غيره، وهكذا».
ذكر الفقهاء لصحّة الاعتكاف عدّة شروط لابدّ من توفّرها في المعتكف، وهي على ما يلي:
فلا يصحّ الاعتكاف من
الكافر ؛
لأنّه عبادة تتوقّف على الصوم، واللبث في المساجد،
وقصد القربة ، وكلّها متعذّرة من الكافر.
والظاهر اعتبار ذلك ابتداءً واستدامة، فلو ارتدّ في الأثناء بطل اعتكافه وإن رجع كالصوم،
بل هنا أولى؛ للنهي حينئذٍ عن اللبث في المسجد،
ووجوب إخراجه منه
إجماعا .
واشترط بعض الفقهاء في صحّته أيضاً
الإيمان ، فلا يصحّ الاعتكاف من المخالف؛
استناداً إلى أنّ الإيمان معتبر في العبادات، وهناك روايات دلّت على أنّ صحّة العبادات بأسرها منوطة بالإيمان بإمامة
الأئمة الإثني عشر عليهم السلام.
فلا يصحّ الاعتكاف من
المجنون ولو أدواراً في دوره، ولا من
السكران وغيره من فاقدي العقل؛ لأنّ المناط في
الثواب والعقاب والمدار في
الطاعة والعصيان هو العقل،
ولأنّه لا قصد بدون العقل، والقصد من ضروريات العبادة.
صرّح جملة من الفقهاء بأنّه يشترط في المعتكف أن يكون
بالغاً ، فلا يصحُّ الاعتكاف من غير البالغ؛ لعدم الاعتبار بفعله.
وهذا الشرط مبنيّ على أنّ عبادة
الصبيّ ليست صحيحة لا تمريناً ولا شرعيّة.
وقد اختار بعض آخر عدم اشتراط البلوغ،
بناءً على صحّة عبادة الصبيّ، فيصحّ اعتكاف الصبيّ المميّز، كما يصحّ منه صوم التطوّع؛ لأنّه من أهل العبادة.
وأمّا الصبيّ غير المميّز فلا يصحّ منه الاعتكاف؛ لعدم الاعتبار بفعله أو لعدم تأتّي القصد التام منه.
لا يصحّ الاعتكاف من
الجنب ابتداءً؛
وذلك لأنّه ممنوع من اللبث في المسجد، قال تعالى: «وَلَا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ».
وكذا لا يصحّ الاعتكاف من
الحائض والنفساء ؛ وذلك لأنّهما ممنوعتان عن اللبث في المسجد، ولا يصحّ الاعتكاف إلّا في مسجدٍ، ولأنّ الصوم شرط في صحة الاعتكاف، والحيض والنفاس لا يجامعه.
•
أفعال الاعتكاف .
•
ما يحرم على المعتكف فعله .
يجوز للمعتكف النظر في معاشه، والخوض في
المباح المحتاج إليه، وأن يتزيّن برفيع الثياب ويخيط ويكتب وما أشبه ذلك إذا اضطرّ إليه.
قال
الشهيد الثاني : «أمّا النظر فيما يضطرّ إليه من المعاش فلا ريب في جوازه، وأمّا ما لا يحتاج إليه والخوض في المباح بغير فائدة دينيّة فينبغي للمعتكف تجنّبه».
وقال
السيد الخوئي : «أمّا الاشتغال بالمباحات فلا ينبغي الشكّ في
جوازه أيضاً سواء أقلنا بأنّ الاعتكاف بنفسه عبادة كما قرّبناه أم أنّه مقدّمة للعبادة كما ذكره بعضهم، أمّا على الأوّل فواضح؛ إذ لا موجب للاشتغال بعبادة اخرى زائدة على
الفرائض اليوميّة فله صرف بقيّة وقته في المباحات، وأمّا على الثاني فكذلك؛ إذ ليس المراد أن يعتكف ليعبد اللَّه تعالى في تمام الأيّام الثلاثة، ولعلّ ذلك غير ميسور لغالب الناس، بل ليعبده في الجملة، وعلى كلّ حال فما كان مباحاً لغير المعتكف مباح له أيضاً».
يستحبّ في الاعتكاف المحافظة على العبادات من
تلاوة أو
دعاء أو
صلاة أو
تدريس أو
تعلّم أو
تعليم أو
ذكر أو
تعزية أو
مدح لأهل اللَّه بشعر أو نثر أو استماعها أو قضاء حوائج المؤمنين أو خدمة المعتكفين أو إصلاح بناءٍ في المسجد أو كنسه أو فرشه إلى غير ذلك.
وقد رجّح جمع من الفقهاء التلاوة والتدريس على الصلاة ندباً،
ومن كان عليه فرض صلاة أو غيرها بإجارة أو بدونها، فالاشتغال به أولى من فعل الندب.
قال
العلّامة الحلّي : «وينبغي للمرأة إذا اعتكفت أن تستتر بشيء؛ لأنّ أزواج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لمّا أردن الاعتكاف امرن بأبنيتهنّ فضربن في المسجد،
ولأنّ المسجد يحضره الرجال وقد امرن بالاختفاء عنهم. وينبغي أن تضرب خباءها في ناحية المسجد لا في وسطه؛ لئلّا يمنع من اتّصال الصفوف. وكذا يستحبّ للرجل أيضاً أن يستتر بشيء، روى الجمهور عن
أبي سعد أنّ
رسول الله صلى الله عليه وآله اعتكف في قبّة تركيّة على سدّتها قطعة حصير، قال: فأخذ الحصير بيده فنحّاها في ناحية القبّة، ثمّ أطلع رأسه فكلّم الناس.
ومن طريق الخاصة ما رواه
ابن بابويه - في الصحيح- عن
الحلبي عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إذا كان العشر الأواخر اعتكف في المسجد وضربت له قبّة من شعر وشمّر المئزر وطوى فراشه».
ولأنّه أستر له وأخفى لعمله، وربّما احتاج إلى
الأكل والنوم ، وينبغي له سترهما عن الناس».
ويستحبّ فيه أيضاً المداومة على العبادات وإحياء الليالي بها، كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وآله.
...... - وكذا يستحب طلب المعتكفين وإضافتهم والاجتماع معهم في الدعاء والأعمال وتنبيههم على واجبات الاعتكاف
ومحرّماته ومكروهاته ومصحّحاته ومفسداته.
•
مفسدات الاعتكاف .
•
ما يترتب على فساد الاعتكاف .
•
نذر الاعتكاف .
الموسوعة الفقهية، ج۱۴، ص۴۱۱-۵۱۷.