أفعال الاعتكاف
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
تشتمل
عبادة الاعتكاف على أفعال نوردها فيما يلي.
•
نية الاعتكاف.
•
اللبث في المسجد للاعتكاف.
•
الاعتكاف في المسجد الجامع.
۱- صرّح
الفقهاء باشتراط
الصوم في الاعتكاف،
فلا يصحّ إلّا في زمان يصحّ فيه الصوم ممّن يصحّ منه الصوم، ولا يصحّ الاعتكاف في
العيدين ، بل لو دخل فيه قبل العيد بيومين لم يصحّ وإن كان غافلًا حين الدخول،
ولا لمن لا يصحّ منه الصوم
كالحائض والنفساء ،
ولا لمن فسد صومه ببعض المفسدات.
قال
ابن زهرة : «من شروط انعقاده الصوم، بدليل
الإجماع ... وطريقة
الاحتياط ؛ لأنّ من أوجب على نفسه الاعتكاف
بنذر أو
عهد لابدّ أن يتيقّن
براءة ذمّت ه منه، ولا خلاف في براءة ذمّته إذا صام، وليس كذلك إذا لم يصم».
ويستدلّ عليه أيضاً بقوله تعالى: «وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ».
بدعوى أنّ الاعتكاف لفظ
شرعي وله شروط شرعيّة مفتقرة إلى بيان، وإذا لم يبيّنه سبحانه في كتابه، احتجنا إلى بيان من غيره، فلمّا وجدنا
النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يعتكف إلّا بصوم كان فعله ذلك بياناً
للآية ، وفعله إذا وقع على وجه البيان كان كالموجود في أوجه الآية.
والمهم
الاستدلال عليه
بالروايات المستفيضة:
منها: ما ورد عن
أبي العبّاس عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «لا اعتكاف إلّا بصوم».
ومنها: ما عن
الحلبي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام- في
حديث - قال: «وتصوم ما دمت معتكفاً».
ومنها: ما عن
الإمام الرضا عن آبائه عليهم السلام قال: «قال
علي بن أبي طالب عليه السلام: لا اعتكاف إلّا بالصوم».
وغيرها من الروايات.
۲- الظاهر أنّ شرطيّة الصوم له كشرطيّة
الطهارة للصلاة لا يعتبر فيه الوقوع للاعتكاف، بل يكفي في صحّة الاعتكاف مسمّى الصوم وإن لم يكن لأجله، سواء كان الصوم واجباً أم ندباً، رمضاناً كان أم غيره، مؤدّياً عن نفسه أم متحمّلًا عن غيره، وقد نفى
المحقق النجفي عنه الخلاف،
بل في
المعتبر : أنّ عليه
فتوى علمائنا.
ويستدلّ له أيضاً بالروايات الدالّة على أنّه لا اعتكاف إلّا بصوم.
فإنّ
إطلاق هذه الروايات يقتضي
الاكتفاء بالصيام كيف اتّفق، بمعنى أنّه لا يشترط في الصيام أن يكون لأجل الاعتكاف،
ولذا صرّح عدّة من الفقهاء بكفاية الصوم عن الغير في الاعتكاف عن نفسه.
قال
السيد اليزدي : «لا يعتبر في صوم الاعتكاف أن يكون لأجله، بل يعتبر فيه أن يكون صائماً أيّ صوم كان، فيجوز الاعتكاف مع كون الصوم استئجارياً أو واجباً من جهة النذر ونحوه، بل لو نذر الاعتكاف يجوز له بعد ذلك أن يوجر نفسه للصوم ويعتكف في ذلك الصوم، ولا يضرّه وجوب الصوم عليه بعد نذر الاعتكاف، فإنّ الذي يجب لأجله هو الصوم الأعمّ من كونه له أو بعنوان آخر».
۳- ويترتّب على عدم صحّة الاعتكاف ممّن لا يصحّ منه الصوم أيضاً عدم جواز اعتكاف
المسافر ، بناءً على عدم مشروعية الصوم منه، إلّا أن ينذر الصوم في السفر على المشهور.
ولكن جوّز بعض الفقهاء الاعتكاف في السفر أيضاً؛
نظراً إلى إطلاق أدلّة الاعتكاف؛ إذ لم يقيّد شيء منها بالحضر، فتدلّ
بالدلالة الالتزاميّة على مشروعيّة ما يتوقّف عليه وهو الصوم.
وقد نوقش فيه بالمنع من عدم اشتراط
الحضر في الاعتكاف، فإنّه مشروط بالصوم المشروط بالحضر، وشرط الشرط شرط.
يعتبر في الاعتكاف الواحد وحدة
المسجد ، فلا يجوز أن يجعله في مسجدين، سواء كانا متّصلين أو منفصلين.
نعم، لو كانا متّصلين على وجه يعدّ مسجداً واحداً عرفاً فلا مانع؛
وعلّل ذلك بظهور النصوص الدالّة على لزوم الاعتكاف في مسجد الجامع في وحدة المسجد بحكم الانصراف،
فإنّ الحمل على إرادة الجنس بعيد عن مساقها غايته.
ومع الغضّ عن هذا الانصراف فقد استدلّ بإطلاق طائفتين من
الروايات أيضاً:
النصوص الدالّة على أنّ من خرج عن المسجد لحاجة لزمه
الرجوع بعد
الفراغ عنها إلى مجلسه،
فإنّه لو جاز الاعتكاف فى مسجدين لم يلزمه الرجوع إلى نفس المكان بل جاز الدخول في مسجد آخر. ومقتضى إطلاق هذه النصوص عدم جواز المكث خارج المسجد الذي اعتكف فيه بعد انقضاء الحاجة، من غير فرق بين مسجد آخر وسائر الأمكنة بمقتضى الإطلاق.
النصوص الدالّة على أنّ من خرج عن المسجد لحاجة فحضرت
الصلاة لا يجوز له أنّ يصلّي في غير
مكّة إلّا في المسجد الذي سمّاه
- أي اعتكف فيه- فإنّ مقتضى الإطلاق عدم جواز الصلاة حتى في مسجد آخر، فيكشف ذلك عن اعتبار وحدة المكان وعدم جواز الاعتكاف في مسجدين.
قال في
كشف الغطاء : «لو كانت بين الجامعين باب فاعتكف وصار لكلّ من المسجدين شطر منه فلا تبعد الصحّة، والأحوط الاقتصار على الواحد».
وقال
العلّامة الحلّي : «لو فصل الجامع الذي يجوز الاعتكاف فيه بحاجز جاز أن يعتكف في كلّ واحد منهما؛ لأنّه بعضه، وليس له أن يخرج من أحدهما إلى الآخر إلّا لضرورة أو لحاجة من حرٍّ أو برد أو غير ذلك، أمّا لو كان أحد الموضعين ملاصقاً للآخر بحيث لا يحتاج إلى المشي في غيرهما جاز له أن يخرج من أحدهما إلى الآخر».
اشترط
الفقهاء في صحّة الاعتكاف
إذن من له
الولاية أو الحقّ، وذلك في موارد:
يعتبر في اعتكاف الزوجة إذن زوجها إذا كان الاعتكاف منافياً لحقّه، دائماً كانت أو منقطعاً،
وادّعي عدم الخلاف فيه؛
وذلك للروايات الكثيرة،
من مقدّمات
النكاح الدالّة على عدم جواز خروجها عن البيت بدون إذن الزوج فيما إذا كان منافياً لحقّه، دون غير المنافي كالخروج اليسير، ولا سيّما نهاراً لملاقاة أبيها أو امّها أو
لزيارة الحرم الشريف ونحو ذلك.
فإنّ المستفاد من تلك الأدلّة بمقتضى الفهم العرفي أنّ المحرّم هو الكون خارج البيت والبقاء في غير هذا المكان، فالمنهيّ عنه هو المكث خارج الدار عند كونه منافياً لحقّ الزوج الذي هو القدر المتيقّن من الأدلّة، فإذا كان هذا المكث
حراماً فكيف يمكن صرفه في الاعتكاف؟! فإنّ الحرام لا يكون مصداقاً للواجب، والمبغوض لا يكاد يكون مقرّباً، فلا يقع
عبادة .
وأمّا إذا لم يستلزم الاعتكاف
الخروج من البيت بغير الإذن- كما لو كان الزوج مقيماً معها في المسجد لكونه مسكناً لهما مثلًا، أو أذن في الخروج إلى المسجد، أو المكث خارج البيت ولكن نهاها عن عنوان الاعتكاف- فلا دليل على البطلان حينئذٍ بوجه؛ لعدم الدليل على وجوب
إطاعته في غير ما يرجع إلى حقّه.
قال
السيد الخوئي : «نعم، لو كان
صومها تطوّعاً واعتبرنا في صحّة صوم التطوّع إذن الزوج بطل الاعتكاف ببطلان الصوم المعتبر فيه، ولكن هذا بحث آخر غير مرتبط بالاعتكاف من حيث هو اعتكاف».
هذا كلّه في اليومين الأوّلين من الاعتكاف. وأمّا اليوم الثالث المحكوم بالوجوب فلا أثر لنهيه قطعاً؛ إذ لا طاعة لمخلوق في
معصية الخالق.
ثمّ إنّه لو اعتكفت المرأة فطلّقها زوجها في الأثناء لم يجب عليها
الإتمام إذا كان الشروع بدون الإذن.
لا خلاف بين الفقهاء في اعتبار إذن السيّد بالنسبة إلى مملوكه الذي هو عبد محض مدبَّراً كان أو امّ ولد أو غيرهما؛
وذلك لأنّ العبد بجميع منافعه مملوك لمولاه، فتصرّفه في نفسه من حركاته وسكناته التي منها اللبث في المسجد
كالتوقّف في مكان آخر من سوق أو دار شخص، كلّ ذلك منوط بإذن المالك، وإلّا فهو
تصرّف في ملك الغير بغير إذنه.
هذا كلّه في
العبد المحض. وأمّا المبعّض كالمكاتب الذي تحرّر منه شيء من نصف أو ثلث ونحوهما وقد هاياه مولاه- أي قاسمه فجعل له يوماً أو اسبوعاً أو شهراً ونحو ذلك وللعبد كذلك- ففي اعتكافه في نوبة مولاه هو الكلام المتقدّم، وأمّا في نوبته فيجوز من غير إذن، بل حتى مع المنع عنه؛ إذ لا حقّ له في المنع بعد فرض حصول المهاياة ولزومها.
قال
المحقق النجفي : «المملوك المبعّض إذا هاياه
مولاه جاز له الاعتكاف في أيّامه التي تسع أقلّ الاعتكاف وإن لم يأذن له مولاه؛ لعدم السلطان له فيها. نعم، قيّده بعضهم بما إذا لم يضعفه في نوبة
السيّد ، وزاد آخر: ولم يكن الاعتكاف في صوم
مندوب إن منعنا المبعّض من الصوم بغير إذن المولى، وهو جيّد في الأخير، أمّا الأوّل فيمكن المناقشة فيه».
وأمّا المكاتب الذي لم يتحرّر منه شيء حكمه حكم القنّ في عدم جواز الاعتكاف بغير الإذن.
نعم، لو كان اعتكافه اكتساباً اتّجه عدم اعتبار الإذن حينئذٍ.
قال
السيد الخوئي : «العبد المكاتب إذا اعتكف بعنوان الاكتساب- كما لو صار أجيراً لأحد- لم يحتج حينئذٍ إلى الإذن؛ لأنّ ذلك هو مقتضى
عقد الكتابة، فيختصّ الافتقار إليه بما إذا لم يكن اعتكافه اكتساباً».
ولو اعتكف العبد بغير إذن مولاه فأعتقه مولاه في الأثناء لم يجب الإتمام،
إلّا أن يكون شرع بإذن المولى وحصل سبب الوجوب. خلافاً
للشيخ الطوسي فأوجب الإتمام عليه فيه وإن لم يكن أصله مأذوناً فيه.
وقال
العلّامة الحلّي : «لو أذن لعبده فاعتكف ثمّ اعتق أتمّ واجباً إن كان
منذوراً أو مضى يومان... وإلّا ندباً».
يعتبر إذن المستأجر بالنسبة إلى
أجيره الخاصّ،
وهو من كان جميع منافعه- ومنها منفعة الاعتكاف- مختصّاً بالمستأجر ومملوكاً له، كما لو اتّخذ خادماً له مدّة معيّنة من شهر أو سنة؛ وذلك لأنّهم ممنوعون من الصوم تطوّعاً إلّا بإذن من له ولاية عليهم.
وأمّا في غير الأجير الخاصّ- كمن كان أجيراً لعمل معيّن
كالسفر في وقت خاصّ فخالف واشتغل بالاعتكاف- فالظاهر هو الصحّة، وإن كان
آثماً في المخالفة؛ لوضوح أنّ الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضدّه، فيمكن حينئذٍ تصحيح العبادة بالخطاب الترتّبي، بأن يؤمر أوّلًا بالوفاء بعقد
الإيجار ، ثمّ على تقدير
العصيان يؤمر بالاعتكاف من غير حاجة إلى الإذن إلّا في رفع الإثم لا في صحّة الاعتكاف.
هذا كلّه فيما إذا كان العمل المستأجر عليه منافياً للاعتكاف، كما في السفر ونحوه.
وأمّا مع عدم المنافاة- كما لو استؤجر على
عمارة المسجد أو كنسه ثلاثة أيّام، أو
حفر بئر فيه، أو
خياطة ثوب أو
حياكة فرش فيه، ونحو ذلك ممّا يمكن إيقاعه في المسجد- فلا إشكال في الصحّة من غير حاجة إلى الإذن، بل هو خارج عن محلّ الكلام.
يعتبر إذن الوالد أو الوالدة بالنسبة إلى ولدهما إذا كانت مخالفتهما مستلزمة
لإيذائهما فيبطل الاعتكاف؛ وذلك لعدم جواز إيذاء الوالدين، قال تعالى: «فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيماً».
وأمّا مع عدم المنافاة أو إذا لم يستلزم الإيذاء- كما لو لم يكن عن اطّلاع منهما بأن كانا مثلًا في بلد والولد يعتكف في بلد آخر- فلا يعتبر إذنهم
وإن كان أحوط.
هذا إذا كان إيذاء الوالدين فيما يرجع إليهما ويكون من شؤونهما وراجعاً إلى حرمتهما وحقوقهما على الولد.
وأمّا الإيذاء فيما يرجع إلى الشخص نفسه بأن يعمل فيما يعود إلى نفسه ويتصرّف في شأن من شؤونه ولكن قد يتأذّى الوالد أو الوالدة من ذلك- كما لو أراد الولد أن يتزوّج بامرأة ولكنّ الامّ تتأذّى؛ لعدم تلائم أخلاقها معها خصوصاً أو عموماً أو أنّه أراد أن يتصدّى لتحصيل العلوم الدينية والأب يتأذّى؛ لرغبته في تحصيل العلوم الحديثة فلا يحرم مثل هذا الإيذاء؛ لعدم الدليل على ذلك، وإنّما الواجب
المعاشرة الحسنة
والمصاحبة بالمعروف على ما نطقت به
الآية الكريمة وغيرها، مثل أن لا يجادل معهما في القول ولا يقول لهما افّ.
ثمّ إنّ
السيد العاملي قال: «والأصح عدم اعتبار إذنهما (الوالد والمضيف) في ذلك (الاعتكاف)؛ للأصل،
وبطلان القياس ».
اعتبر جملة من الفقهاء في صحّة اعتكاف
الضيف إذن المضيف؛
استناداً إلى أنّ الضيف ممنوع من الصوم تطوّعاً، إلّا بإذن من له ولاية عليهم، والاعتكاف لا يصحّ إلّا بصوم. لكن السيّد العاملي نفى ذلك كما تقدّم في نصّه الذي نقلناه آنفاً.
لو أذن من له ولاية ثمّ أراد المنع فلا يخرج عن حالين: إمّا أن يكون قبل الشروع في الاعتكاف فله ذلك؛
للأصل السالم عن المعارض، أو يكون بعده فإنّ ذلك أيضاً لا يخلو من حالين:
الأوّل: ما لم يمضِ يومان فكان له المنع بناءً على وجوبه حينئذٍ، أو يكون واجباً بنذرٍ وشبهه وقلنا بوجوب
إتمامه بالشروع.
الثاني: بناءً على القول بوجوب الاعتكاف بالشروع مطلقاً لم يكن له الرجوع معه؛ ولعلّه لذا أطلق
الشيخ الطوسي في المبسوط عدم جواز الرجوع مع الإذن، حيث قال: «ومتى اعتكف من عليه ولاية بإذن من له الولاية لم يكن للآذن
فسخه عليه، ويلزمه أن يصبر عليه حتى يمضي مدّة الإذن، فإن لم يكن قيّد وأطلق لزمه أن يصبر عليه ثلاثة أيّام، وهو أقلّ ما يكون اعتكافاً».
من تعيّن عليه الاعتكاف فعارضه حقّ لازم- من
أداء دين فوري أو
إنقاذ ما يجب إنقاذه أو نحو ذلك- هدمه وقضاه بعد ذلك، ولا
كفّارة عليه، ولو كان من تسبيبه مختاراً بعد وجوب الاعتكاف كفّر.
قال
الشيخ جعفر كاشف الغطاء : «(الشرط) السادس:
إباحته ، فلو وجب عليه الخروج... فمكث بطل اعتكافه»، ثمّ قال بعد ذلك: «وكلّ من حرم عليه اللبث- لخوف على نفسه أو
عرضه أو أمر يلزمه حفظه- فلبث بطل اعتكافه».
وقال
المحقق النجفي بعد نقل كلامه:
«وهو كذلك، وكأنّ الأصحاب تركوا التعرّض له لوضوحه... نعم، ينبغي أن يخصّ ذلك بما إذا كان محرّماً في نفسه، لا من حيث الضدّية لأداء دين ونحوه، فإنّ الأقوى حينئذٍ الصحّة».
ووجهه ظاهر فإنّ الاعتكاف
عبادة فإذا حرم أو حرم بعض أفعاله بطل على ما هو محقّق في محلّه.
•
استدامة اللبث في المسجد للاعتكاف.
الموسوعة الفقهية، ج۱۴، ص۴۲۰-۴۷۶.