اللبث في المسجد للاعتكاف
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
اللبث في
المسجد ركن
الاعتكاف وحقيقته عند جميع
الفقهاء ؛
لرواية
عمر ابن يزيد قال: قلت
لأبي عبد اللَّه عليه السلام: ما تقول في الاعتكاف ببغداد في بعض مساجدها؟ فقال: «لا اعتكاف إلّا في مسجد...».
وليس المراد باللبث أن لا يخرج من المسجد أبداً بل يجوز له الخروج لحاجة ثمّ الرجوع على ما يأتي تفصيله.
فقد اعتبر فقهاؤنا في صحّة الاعتكاف اللبث ثلاثة أيّام فصاعداً لا أقلّ منها»،
بل ادّعي عدم وجود الخلاف فيه نصّاً
وفتوى ،
بل عليه
الإجماع ،
فمن نذر اعتكافاً مطلقاً وجب عليه أن يأتي بثلاثة، وكذا إذا وجب عليه قضاء يوم من اعتكاف اعتكف ثلاثة أيّام بضمّ يومين
ندباً له ليصحّ له قضاء ذلك اليوم، وإن كان مخيّراً في جعله أوّلًا أو أخيراً أو وسطاً.
واستدلّ له بامور:
منها: صحيحة
أبي بصير عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «لا يكون الاعتكاف أقلّ من ثلاثة أيّام».
ومنها: خبر
داود بن سرحان قال: بدأني أبو عبد اللَّه عليه السلام من غير أن أسأله، فقال: «الاعتكاف ثلاثة أيّام».
لأنّ الاعتكاف
عبادة متلقّاة من
الشارع ، فتتوقّف على
النقل ولم ينقل اعتكاف ما دون الثلاثة.
وهذا
الاستدلال فرع أن لا يتمّ إطلاق في شيء من
الروايات البيانية للاعتكاف، والتي تقدّم بعضها.
المراد باليوم- لغةً وعرفاً- ما يكون من طلوع
الفجر إلى زوال
الحمرة المشرقية عن قمّة الرأس وانتقالها من ناحية
الشرق إلى
الغرب ،
فلا تدخل الليلة الاولى ولا الرابعة في الثلاثة.
أمّا الليلة الاولى فالمشهور خروجها عن الثلاثة؛
لأنّ اليوم ظاهر- لغة وعرفاً- في بياض النهار فى مقابل قوس الليل،
قال تعالى: «سَبْعَ لَيَالٍ وَ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ».
إلّا أنّ
العلّامة في
المختلف والشهيد الثاني في
المسالك اختارا الدخول.
وأمّا الليلة الرابعة فصرّح كثير من الفقهاء بعدم دخولها في الثلاثة؛
وذلك لأنّ اليوم ظاهر عرفاً في أنّه ينتهي بانتهاء النهار، ويؤيّد هذا الفهم العرفي رواية
عمر ابن يزيد ،
قال: قلت
لأبي عبد اللَّه عليه السلام:
إنّ
المغيريّة يزعمون أنّ هذا اليوم لهذه الليلة المستقبلة، فقال: «كذبوا، هذا اليوم لليلة الماضية، إنّ أهل بطن نخلة (نخلفة: قرية قريبة من
المدينة المنوّرة.)
حيث رأوا
الهلال قالوا: قد دخل
الشهر الحرام ».
لكن قال
صاحب المدارك : «احتمل بعض الأصحاب دخول الليلة المستقبلة في مسمّى اليوم، وعلى هذا فلا تنتهي الأيّام الثلاثة إلّا بانتهاء الليلة الرابعة، وهو بعيد جدّاً، بل مقطوع بفساده».
اشتهر بين
الفقهاء أنّه لا إشكال في دخول الليلتين المتوسّطتين في الثلاثة.
ويستدل له:
أوّلًا: بأنّ نفس التحديد بالثلاثة ظاهر بحسب الفهم العرفي في
الاتّصال والاستمرار ، فإنّه المنصرف إلى الذهن في الامور القابلة
للدوام والاستمرار، كما في إقامة العشرة ونحوها، فلو قلت: مكثت في البلدة الفلانية ثلاثة أيّام كان المنسبق إلى الذهن الاتّصال، فهو يستلزم دخول الليلتين المتوسّطتين بطبيعة الحال.
وثانياً: بإطلاقات الأدلّة الدالّة على المنع عن الخروج من المسجد أو عن
الجماع ونحوهما من موانع الاعتكاف، فإنّها كما تعمّ النهار تعمّ الليل أيضاً، فيكشف لا محالة عن الدخول.
وقد ذكر
الشيخ الطوسي فيمن نذر اعتكاف ثلاثة أيّام أنّهما غير داخلين في الثلاثة؛ لخروجهما عن اليومين.
ونوقش فيه بأنّه وإن كان كذلك إلّا أنّ المنصرف إلى الذهن فى الامور القابلة للاستمرار هو الدخول، كما فى إقامة العشرة.
تقدّم أنّ الثلاثة أيّام شرط لصحّة الاعتكاف، فلا يكفي أقلّ منها، وأمّا الزائد عليها فقد قال الفقهاء: لا بأس به وان كان يوماً أو بعضه أو ليلة أو بعضها،
ونفى
السيد الخوئي عنه الخلاف.
قال
السيد الحكيم : «كأنّه لا خلاف فيه، وقد أرسله غير واحد
إرسال المسلّمات من دون ذكر خلاف في ذلك».
واستدلّ له بما يلي:
أ- معتبرة
أبي عبيدة عن
أبي جعفر عليه السلام- في حديث- قال: «من اعتكف ثلاثة أيّام فهو يوم الرابع بالخيار، إن شاء زاد ثلاثة أيّام اخر، وإن شاء خرج من المسجد، فإن أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتى يتمّ ثلاثة أيّام اخر».
فإنّ مفهوم الشرطيّة الأخيرة جواز الخروج قبل استكمال اليومين بعد الثلاثة، كأن يخرج فى اليوم الرابع أو أثناء اليوم الخامس فيدلّ
بالدلالة الالتزامية على جواز نيّة الاعتكاف هذا المقدار من الأوّل، وأنّ ذلك مشروع من حين الشروع.
ونوقش فيه بأنّ المفهوم وإن كان تامّاً إلّا أنّ الدلالة الالتزامية ممنوعة؛ ضرورة عدم استلزام جواز رفع اليد بقاءً لمشروعيّته حدوثاً كي تسوغ نيّته كذلك من أوّل الأمر، ألا ترى أنّ
النافلة يجوز
قطعها ورفع اليد عنها بعد
الإتيان بركعة واحدة، ولايجوز أن ينوى الركعة حين الشروع أو نصفها.
وبالجملة: مفاد المعتبرة جواز
الخروج عن المسجد فيما إذا بدا له ذلك، ولا يدلّ هذا بوجه على جوازه من الأوّل لتدلّ على مشروعيّة الاعتكاف أربعة أيّام مثلًا.
ب- إطلاقات مشروعية الاعتكاف من
الكتاب والسّنة ؛ إذ لم يرد عليها التقييد إلّا التحديد من ناحية القلّة دون الكثرة، فنفس الإطلاقات السليمة عن التقييد من طرف الزيادة وافية لإثبات المشروعيّة.
ج- بعض النصوص المتعرّضة للتحديد من طرف الأقلّ من دون تعرّض للأكثر.
واستشكل فيه بأنّ عدم التعرّض أعمّ من عدم التحديد، فلا دلالة له على النفي بعد أن لم تكن في مقام البيان إلّا من ناحية الأقلّ.
اختلف الفقهاء في
إجزاء التلفيق في صدق الثلاثة بأن يشرع من زوال يوم- مثلًا- إلى زوال اليوم الرابع.
ذهب بعض إلى الأوّل.
قال
العلّامة الحلّي : «يلفّق ثلاثة أيّام من نصف الأوّل ونصف الرابع»؛ وذلك لصدق اليوم على الملفّق عرفاً.
وذهب جمع منهم إلى الثاني؛
وعلّلوا ذلك بعدم صدق اليوم على الملفّق.
قال
الشيخ الطوسي : «لا يبتدئ بإنصاف النهار، ولا يعتدّ من أوّلها؛ لأنّه لابدّ من
الصوم ، والصوم لا يكون إلّا من أوّل النهار».
لكن قد يناقش في التعليل بأنّا لو فرضنا صائماً في نهار
رمضان أو في
نذر معيّن أو غير معيّن أو في
مندوب ، ثمّ اعتكف من وسط ذلك النهار كان الشرط موجوداً، فإن صحّ اعتكافه بطل حكمه، وإن بطل بطل تعليله.
واستشكل جمع في كفاية الثلاثة التلفيقيّة.
قال
السيد الحكيم : «ينشأ (الإشكال) : من البناء عليه في الامور المستمرّة؛ لظهور الكلام فيه عرفاً، مثل أقلّ
الحيض وأكثره، وأكثر
النفاس ، وإقامة العشرة، ومدّة
الاستبراء ،
والعدّة ، ومدّة
الخيار ، وغير ذلك. ومن أنّ مقتضى الجمود على ما تحت الكلام هو العدم، وثبوت ذلك في الموارد المذكورة- لظهور الكلام في إرادة التقدير- لا يقتضي الثبوت هنا؛ لاحتمال اعتبار خصوصية ما بين المبدأ والمنتهى- أعني: ما بين طلوع الفجر وغروب الشمس- من دون ثبوت ما يقتضي رفع اليد عن الظاهر، ولا سيّما بملاحظة ما دلّ على اعتبار الصوم، فإنّ المناسب إرادة أيّام الصوم».
الموسوعة الفقهية، ج۱۴، ص۴۳۸-۴۴۳.