الاستبراء
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو طلب
البراءة و
الإبراء ، وأصله هو
البُرء بمعنى خلوص الشيء عن غيره، أو بمعنى التباعد من الشيء ومزايلته، واستعمل الاستبراء في
الفقه في موارد عديدة منها: أ-الاستبراء في الطهارة، ب-الاستبراء في النسب، ج-الاستبراء في الموت د-الاستبراء في
الأهلية ، ه-الاستبراء في العيوب، و-الاستبراء في الحقوق، ز-الاستبراء في الذنوب.
الاستبراء- لغة- طلب
البراءة ، يقال: استبرأ الشيء إذا طلب آخره لقطع الشبهة عنه، ومن ذلك استبراء الجارية أو
المرأة بترك وطئها حتى تحيض، ومعناه طلب براءتها من الحمل، وكذلك استبراء الرحم، واستبراء الذكر طلب براءته من بقيّة البول أو المني حتى يعلم أنّه لم يبق فيه شيء.
والاستبراء من الدين أو الذنب أو غيرهما طلب
الإبراء منه.
و
الأصل في كلّ ذلك هو البُرء بمعنى خلوص الشيء عن غيره، أو بمعنى التباعد من الشيء ومزايلته. فالجارية- مثلًا- بالاستبراء تكون قد بُرّئت من الريبة التي تمنع المشتري من مباشرتها.
استعمل الاستبراء في
الفقه بنفس معناه اللغوي ولكن في موارد وأبواب عديدة اختلف المراد الفقهي منه في كلّ باب عن الباب الآخر تبعاً
لاختلاف الموارد من حيث المستبرإ والمستبرأ منه والمستبرأ لأجله، وتلك الموارد
إجمالًا ما يلي:
۱- الاستبراء في الطهارة: بمعنى طلب البراءة من النجاسة كالبول والمني والدم والجلل.
۲- الاستبراء في النسب: بمعنى طلب نقاوة الرحم من النطفة والحمل كاستبراء
الأمة المنتقلة إلى شخص، والمرأة التي يراد تطليقها والزانية.
۳- الاستبراء في الموت: بمعنى طلب اليقين بالموت بتطبيق علاماته.
۴- الاستبراء في
الأهليّة : بمعنى طلب البراءة من الجنون والسفه كاستبراء حال المقرّ ومن ادّعى عليه الخصم ولم يجب القاضي.
۵- الاستبراء في العيوب: بمعنى طلب التنزّه من العيب كاستبراء حال المرأة التي حلق رأسها واستبراء حال المجروح والمكسور.
۶- الاستبراء في الحقوق: بمعنى طلب تخلّص الذمّة وبراءتها من الدين ونحوه.
۷- الاستبراء في الذنوب: بمعنى طلب براءة الذمّة من الذنب كما في الاستبراء من الغيبة
بالاعتذار للمغتاب وطلب السماح منه وإبراء الذمّة.
من
النتر وهو الجذب بجفاء، واستنتر الرجل من بوله، أي اجتذبه واستخرج بقيّته من الذكر عند
الاستنجاء ،
حريصاً عليه مهتمّاً به.
وفي
النهاية : «(في) الحديث: أنّ أحدكم يعذّب في قبره فيقال: إنّه لم يكن يستنتر عند بوله.
الاستنتار :
استفعال من النتر، يريد الحرص عليه و
الاهتمام به، وهو بعثٌ على التطهّر بالاستبراء من البول».
والاستبراء من البول طلب براءة المجرى منه عن طريق الاستنتار، وهو الوارد في الروايات، ففيها: «ينتره ثلاثاً»،
أو «يعصر أصل ذكره إلى طرفه ثلاث عصرات وينتر طرفه»،
وفي بعضها: التعبير ب (الخرط)،
والغاية من ذلك هو الاستبراء من البول، وهو المصطلح لدى الفقهاء. نعم، هذا في الاستبراء من البول، أمّا من غيره كالمني أو الدم أو الحمل أو غير ذلك فالاستبراء منه بطرق وكيفيّات اخرى كما ستعرف.
وهو طلب النقاء،
والنقاء- بالمدّ- النظافة.
والاستبراء طلب البراءة بمعنى الخلوص أو التباعد والتنزّه عن الشيء، ونقاوته منه كنقاوة المجرى من البول أو المني والرحم من الدم أو النطفة والحمل وغير ذلك من موارد الاستبراء.
ففي
لسان العرب : «استبرأ المرأة: إذا لم يطأها حتى تحيض، وكذلك استبرأ الرحم.
وفي الحديث في استبراء الجارية: لا يمسّها حتى تبرأ رحمها ويتبيّن حالها هل هي حامل أم لا. وكذلك الاستبراء الذي يذكر مع الاستنجاء في الطهارة، وهو أن يستفرغ بقيّة البول، وينقّي موضعه ومجراه حتى يبرئهما منه، أي يبينه عنهما، كما يبرأ من الدين والمرض، والاستبراء استنقاء الذكر عن البول».
فالاستبراء و
الاستنقاء كلاهما طلب البراءة والنقاء من النجاسة أو النطفة أو غير ذلك مما يخالط ويداخل.
وهو- لغة- غَسل محلّ الغائط أو مسحه بالأحجار ونحوها، من النجو بمعنى الخلاص، باعتبار طلب الخلاص من القذارة، أو بمعنى القطع
باعتبار قطع القذارة والأذى عن النفس،
وفي
الاصطلاح غَسل موضع البول والغائط.
والاستبراء في التخلّي للتخلّص من النجاسة المحتمل بقاؤها داخل المجرى أو الرحم، بينما الاستنجاء للتخلّص من النجاسة الظاهرة. فهما يختلفان معنى وكيفيّة وغرضاً كما هو واضح. والاستبراء من البول ينبغي أن يكون قبل الاستنجاء منه، وإلّا يلزم
إعادة الاستنجاء إذا خرجت رطوبة بالاستبراء؛ لأنّها محكومة بالبوليّة.
من معاني
الاستظهار لغة
الاحتياط و
الاستيثاق أو طلب الاحتياط بالشيء، ومنه (تستظهر الحائض بثلاثة أيّام)، واستظهر إذا احتاط في الأمر وبالغ في حفظه و
إصلاحه ، واستظهرت في طلب الشيء تحريت.
وقد ورد في الفقه- كما في الروايات- استظهار الحائض، والمراد به أنّ ذات العادة العدديّة إن استمرّ دمها زائداً على عادتها وكانت أقلّ من عشرة أيّام واحتملت التجاوز عن العشرة يجب عليها أو يستحبّ لها- على الخلاف- الاستظهار بترك العبادة فإن انقطع الدم على العشرة أو ما دونها فالجميع حيض، وإلّا تحيّضت بعدد أيّام عادتها وكان الباقي استحاضة.
وكذا ذكروا ذلك في النفساء.
فالمقصود منه الاحتياط بترك العبادة حتى يتبيّن حال الدم الزائد هل هو حيض أم
استحاضة ؟
وعلى كلّ حال فهو بهذا المعنى غير استبراء الحائض أو النفساء بمعنى طلب براءة الرحم أو الفرج من الدم بإدخال قطنة بالكيفيّة الخاصّة.
نعم، الغرض من الاستبراء في مثل هذه الموارد- أي الاستبراء من البول أو المني أو الدم أو الحمل- هو الاستظهار أي الاستيثاق وطلب تبيّن الحال، من هنا قد يطلق الاستظهار ويراد منه الاستبراء بهذه المعاني كما في عبارات بعض الفقهاء.
وكان قد عبّر في الحيض بالاستبراء.
ومن موارد
استعمال الاستظهار في الفقه استظهار المستحاضة بحشو الفرج بقطن أو غيره بعد غسله لمنع خروج الدم، فإن انحبس وإلّا فبالتلجّم و
الاستثفار ، وكذا المسلوس والمبطون ومن يقطر منه الدم لمنع النجاسة قدر
الإمكان .
في اللغة: مصدر عددت الشيء عدّاً وعدّة،
والجمع: عدد من
الإحصاء والحساب، والعدّة: عدّة المرأة شهوراً كانت أو أقراء أو وضع حمل حملته من الذي تعتدّ منه.
واصطلاحاً:
اسم لمدّة مقدّرة في الشرع بالأشهر أو الأقراء أو الحمل، تتربّص فيها المرأة لمعرفة براءة رحمها أو للتعبّد أو للتفجّع، يوجبها رفع النكاح بأسبابه.
وهي من الألفاظ ذات الصلة لاستبراء الرحم من النطفة والحمل كما هو واضح.
وهي تشترك مع الاستبراء في بعض الجهات وتختلف عنه في اخرى. وتفصيل ذلك تحت عنوان: (الفرق بين الاستبراء والعدّة) الآتي في استبراء الرحم من الحمل والنطفة.
تختلف كيفيّة الاستبراء في الموارد المتقدّمة من موردٍ إلى مورد، وكذا حكمه التكليفي والوضعي من حيث الوجوب أو
الاستحباب والنفسيّة أو الشرطيّة وما يترتّب عليه من طهارة أو نجاسة أو صحّة أو فساد أو غير ذلك، من هنا اقتضى الحال أن يبيّن حكم كلّ مورد بالخصوص.
موارد الاستبراء في الطهارة ما يلي:
•
الاستبراء من البول ، والمراد منه: تحرّي خروج ما يحتمل بقاؤه من البول في قصبة الذكر
بالكيفيّة المعروفة بالخرطات التي يأتي بيانها.
•
الاستبراء من المني ، المراد به
الاجتهاد في
إزالة بقاياه المتخلّفة في المحلّ بالبول أو به وبالاجتهاد المعهود- أي
الخرطات - جمعاً أو تخييراً أو عند تعذّر البول.
•
الاستبراء من الدم ، يكون ذلك للطهارة من الحيض أو النفاس عند
انقطاع دمهما ظاهراً قبل أقصى المدّة، مع
احتمال بقائه في
الباطن .
ويرد الاستبراء من الدم في موارد اخرى في
الفقه ليس المراد منه فيها طلب البراءة، وإنّما
الاستظهار و
الاختبار لتشخيص الحال ومعرفة نوعيّة الدم كما في استبراء المستحاضة لمعرفة نوعيّة
الاستحاضة ومن ثمّ ترتيب وظيفتها، وكما في استبراء من اشتبه عليها الحيض بالعذرة أو القرحة.
الحيوان الجلّال هو الحيوان المأكول اللحم الذي يتغذّى بعذرة
الإنسان خاصّة على المشهور،
بحيث يعتاد ذلك، فإنّه يحرم بذلك لحمه وينجس بوله وروثه حتى يستبرأ من الجلل، كما ذهب إليه الأكثر،
بل المشهور،
بل ادّعي عدم الخلاف إلّا من شاذّ.
وكيفية استبرائه أن يمنع عن التغذّي بالعذرة ويعلف علفاً طاهراً في مدّة الاستبراء، والتي اختلف فيها فقيل: إنّها في المنصوص المدار فيها على مضيّ المدّة المنصوصة في الروايات، وفي غيره المدار على زوال اسم الجلل عنه.
وقيل: إنّ المدار في الجميع على زوال اسم الجلل وإن كان الأحوط مع زوال الاسم مضيّ المدّة المنصوصة في المنصوص، وربّما قيل بغير ذلك.
ثمّ إنّ الموارد التي ورد النص فيها هي:
الإبل واستبراؤها بأربعين يوماً، والبقر واستبراؤها بثلاثين وقيل: عشرين يوماً، والغنم واستبراؤها بعشرة أيّام، و
البطة وما شابهها بخمسة، والدجاجة وما شابهها بثلاثة، وفي بعضها روايات اخرى.
وبيان ذلك تفصيلًا وتوثيقاً في مصطلح (جلل).
•
الاستبراء في النسب ، للحامل حينئذٍ حتى تضع أو إلى مضيّ المدّة للاستبراء بهذا المعنى.
هذا، وقد وقع الخلاف بين الفقهاء؛ لاختلاف الروايات في حكم وطئها حينئذٍ على أقوال، فذهب بعضهم إلى كراهة وطئها، وقال آخرون: يجب الصبر إلى وضع الحمل، وقال ثالث: لا يجوز وطؤها إلى أن يمضي لها أربعة أشهر وعشرة أيّام، ويجوز بعد ذلك على كراهة، وهناك أقوال وتفصيلات اخرى من شاء
الاطّلاع عليها فليراجع المطوّلات الفقهيّة.
وهناك موارد اخرى يسقط فيها الاستبراء تركناه رعاية
للاختصار بعد كون المسألة ليست من المسائل المهمّة اليوم؛ لخروجها عن محلّ
الابتلاء .
ذكر الفقهاء
في جملة أحكام الميّت أنّ المحتضر إذا تحقّق موته يستحبّ التعجيل في تجهيزه ودفنه، بلا خلاف في ذلك،
بل عليه
الإجماع ؛
للروايات المستفيضة الآمرة بذلك والناهية عن التأخير، (كقول
النبي صلى الله عليه وآله وسلم : «لا ينبغي لجيفة
المسلم أن تحبس بين ظهراني أهله».
المحمولة على الاستحباب؛ للإجماع،
ولظاهر بعضها
كالنبوي: «كرامة الميّت تعجيله».
أمّا إذا اشتبه حاله في الموت وعدمه فلا يستحبّ تعجيله، بل لا يجوز بالإجماع
حتى يعلم موته؛ لئلّا يعان على قتل المسلم، ولورود الروايات في ذلك
أيضاً:
منها: ما رواه
إسماعيل بن عبد الخالق قال: قال
أبو عبد اللَّه عليه السلام : «خمس ينتظر بهم، إلّا أن يتغيّروا: الغريق، والمصعوق، و
المبطون ، والمهدوم، والمدخن».
ومنها: ما رواه
علي بن أبي حمزة قال: أصاب الناس بمكّة- سنة من السنين- صواعق كثيرة مات من ذلك خلق كثير، فدخلت على
أبي إبراهيم عليه السلام فقال مبتدئاً من غير أن أسأله: «ينبغي للغريق والمصعوق أن يتربّص به ثلاثاً لا يدفن إلّا أن يجيء منه ريح تدلّ على موته...».
وغير ذلك من الروايات،
وقد ذكر أكثرهم أنّ طريق العلم بموته أمران: الاستبراء بعلامات الموت، أو الصبر عليه ثلاثة أيّام.
وذكروا من علامات الموت
استرخاء رجليه و
انفصال كفّيه، وميل أنفه، و
امتداد جلدة وجهه، و
انخساف صدغيه، وزاد بعضهم تقلّص انثييه إلى فوق مع تدلّي الجلدة.
وعن
الإسكافي : «زوال النور من بياض العين وسوادها، وذهاب النفس، وزوال النبض».
ونقل البعض عن
جالينوس الاستبراء بنبض عروق بين الانثيين، أو عرق يلي الحالب والذكر بعد الغمز الشديد، أو عرق في
باطن الالية، أو تحت اللسان، أو في
بطن المنخر.
وليس شيء من هذه العلامات التي ذكرها الفقهاء وكذا التي ذكرها جالينوس في شيء من الأخبار، وإنّما الموجود فيها التغيير أو الصبر ثلاثة أيّام.
نعم، احتمل بعضهم شمول لفظ (التغيير) الموجود فيها لها.
لكن اورد عليه من قبل بعض آخر بأنّ المتبادر من (التغيير) التغيير في الريح؛ ولذلك لا بدّ أن يكون المدار على حصول العلم بالموت، فلا يجوز
الاعتماد على هذه العلامات إن لم تفد العلم به.
وكذا وقع الكلام في الفرد الثاني- أي التربّص ثلاثة أيّام- الذي ورد في الأخبار، فإنّ ظاهر بعض الفقهاء بل كاد يكون صريح بعضهم أنّ الثلاثة أقصى مدّة التربّص،
إلّا أنّ بعض الفقهاء كصاحب الجواهر ومن تأخّر عنه اعتبر المدار على حصول العلم، وأنّ التحديد بالتغيّر أو الثلاثة أيّام مقدّمة علميّة لذلك كما يشعر به اختلافها في تعليق ذلك؛ إذ منها ما هو على العلم، وآخر على الثلاثة، وثالث على التغيّر، ورابع على اليومين، ونحو ذلك.
من هنا جاءت الفتوى في أكثر الرسائل العمليّة بلزوم
الانتظار حتى حصول اليقين بالموت،
من دون تعرّض إلى شيء من تلك العلامات أو التحديد بالأيّام.
هذا مجمل المسألة. والتفصيل في محالّه من مصطلح (ميّت).
والمراد به اختبار حال المقرّ ليتبيّن حاله من حيث صحّة عقله أو صوابه وأهليّته للإقرار، فيما إذا ارتاب الحاكم في صحّة عقله و
اختياره في
الإقرار .
قال
الشيخ المفيد : «إن ارتاب القاضي بكلام المقرّ وشكّ في صحّة عقله واختياره للإقرار توقّف عن الحكم عليه حتى يستبرئ حاله...».
ومثله قال الشيخ في
النهاية والحلّي في
السرائر .
والمراد به الاستبراء من العيب الحادث بسبب الجناية حتى يتبيّن السلامة من النقص الوارد عليه.
فقد ذكر بعض الفقهاء في باب القصاص أو الديات أنّ هناك بعض العيوب ينتظر بها إلى أن ينكشف حالها قبل الحكم بالقصاص أو الدية.
ففي
المقنعة : «ينبغي أن ينتظر الحاكم بالمجروح والمكسور حتى يعالج ويستبرئ حاله
بأهل الصناعة، فإن صلح بالعلاج لم يقتصّ له، لكنّه يحكم على الجاني بالأرش فيما جناه، فإن لم يصلح بعلاج حكم له بالقصاص...».
وذكر في دية حلق الشعر أنّه لو كان المقطوع شعر رأس المرأة يستبرئ حاله فإن لم يعد فكالرجل، وإن عاد ففيه مهر نسائها؛ لرواية
عبد الله بن سنان قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: جعلت فداك ما على رجل وثب على امرأة فحلق رأسها، قال: «يضرب ضرباً وجيعاً، ويحبس في سجن المسلمين حتى يستبرئ شعرها، فإن نبت اخذ منه مهر نسائها، وإن لم ينبت اخذ منه الدية كاملة...»،
وفي طريقها جهالة، لكنّ المشهور العمل بمضمونها.
وتفصيل هذه المسائل في محالّها.
والمراد به طلب تخليص الذمّة ممّا اشتغلت به من حقّ للغير وبراءتها منه.
وهذا تارة يراد منه طلب
براءة الذمة ممّا اشتغلت به من خلال
الأداء و
الامتثال ، وهذا ممّا لا شكّ في وجوبه شرعاً وعقلًا، من هنا تجدهم يفتون بوجوب أداء الدين، ووجوب ردّ المال المغصوب ونحو ذلك، بل بوجوب الوصيّة على كلّ من له حقّ للَّه أو للناس؛ لوجوب استبراء الذمّة كيف أمكن.
وتارة يراد به طلب الإبراء ممّن له الحقّ، وهذا لا حكم له في حدّ ذاته وبعنوانه، وإنّما هو مباح لا مانع منه شرعاً ولا عقلًا، ولا يترتّب عليه
أثر ، ولا تحصل براءة الذمّة إلّا بالأداء أو الإبراء أو
الإسقاط من قبل من له الحقّ أو العجز أو غير ذلك من المسقطات. نعم، قد يحسن ويستحبّ لمن له الحقّ الإبراء و
الإحلال لاستحباب التسامح ورجحانه كما هو واضح.
والمراد به طلب براءة الذمّة منها، وهذا تارة يكون المراد به الطلب من اللَّه تبارك وتعالى بأن يغفر له ذنوبه أو يسترها عليه، وهذا يرتبط بوجوب التوبة عن الذنوب و
الاستغفار منها، وهو واجب بلا
إشكال عقلًا وشرعاً.
واخرى يراد به طلب الإبراء من شخص كانت له مظلمة عليه كما لو قذف مؤمناً أو اغتابه أو بهته أو غير ذلك، فيطلب منه أن يُبرئ ذمّته.
وهذا لم يتعرّض له الفقهاء إلّا في بحث الغيبة، وأنّه هل يجب
الاستحلال من المغتاب أم لا؟ والظاهر أنّ المشهور عدم وجوب الاستحلال من المغتاب، وإنّما الواجب على المغتاب التوبة والاستغفار لنفسه، وإن كان الأحوط الاستحلال.
وربّما يفصّل بين وصول الغيبة إلى المغتاب فيجب الاستبراء والاستحلال، وبين عدم وصولها فلا يجب، أو بين إمكان الاستحلال فيجب، وبين عدم إمكانه لموت أو بُعد مكان أو
استلزام فتنة أو
إهانة فلا يجب.
وتفصيل ذلك في محالّه من مصطلح (توبة، استغفار، استحلال).
الموسوعة الفقهية، ج۱۰، ص۳۴۷- ۵۱۰.