الاستغفار
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الاستغفار (توضيح).
هو طلب
المغفرة والعفو من الله.
طلب
المغفرة بالمقال والفعال.
ويقال: استغفرت اللَّه أي سألته المغفرة، وأصل الغَفر
التغطية والستر
وكلّ شيء سترته فقد غفرته، ومن هنا قالت العرب: «اصبُغ ثَوْبَك بالسواد فهو أغفَرُ لوسَخِه، أي أحمل له وأغطى له».
وقال
الراغب : «الغَفْرُ: إلباس ما يصونه عن الدنس... والغفران والمغفرة من اللَّه:هو أن يصون العبد من أن يمسّه لعذاب...والاستغفار: طلب ذلك بالمقال والفعال».
ولا يختلف معناه الاصطلاحي عن معناه اللغوي؛ لأنّه عبارة عن طلب المغفرة من اللَّه تعالى، إمّا بسؤال العفو وعدم العقاب ممّا وقع من
المعاصي ،
وإمّا بطلب الغفر والستر عن الأغيار.
نعم، قد يطلق الاستغفار عند
الفقهاء ويراد به الصيغ الخاصّة للاستغفار، أي قول: (أستغفر اللَّه).
وهي لغةً الرجوع عن المعصية.
ولا يختلف معناها الاصطلاحي عن المعنى اللغوي،
وقد صرّح بعضهم بعدم ثبوت حقيقة شرعيّة أو متشرّعيّة لها، وإنّما هي بمعناه اللغوي.
والفرق بين
التوبة والاستغفار هو أنّ التوبة مفهوم إخباري، وهو الرجوع إلى اللَّه تعالى مع
الندم على المعصية والعزم على عدم العود. وأمّا الاستغفار فهو طلب المغفرة
والتماسها ، فيكون مفهوماً إنشائياً.فهما بالدقّة معنيان متغايران مفهوماً ومصداقاً.
وممّا يدلّ على ذلك قوله تعالى: «وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ»،
وقوله عليه السلام في
الحديث المشتمل على بيان جنود
العقل والجهل : «التوبة وضدّها
الإصرار ، والاستغفار وضده
الاغترار »،
حيث عدّهما جندين للعقل، وجعل ضدّ التوبة الإصرار، وضدّ الاستغفار الاغترار، ومثله في بعض
الأدعية والمناجاة،
بل الاستغفار لكونه معنى إنشائياً طلبيّاً قد يتحقّق بالنسبة إلى الغير، فيستغفر الإنسان لغيره، أي يطلب المغفرة له، كاستغفار
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للمؤمنين، قال تعالى: «وَاستَغفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ»،
وهذا بخلاف التوبة، فإنّه لا معنى للتوبة للغير.وقد يظهر من بعض النصوص اتّحاد التوبة والاستغفار مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا كبيرة مع الاستغفار»،
و «دواء الذنوب الاستغفار»،
ونحو ذلك، إلّاأنّه محمول على إمكان كون الاستغفار ماحياً كالتوبة، أو يكون المراد منه المرتبة الكاملة منه،
كما ورد عن
أمير المؤمنين عليه السلام في الخبر المشهور المروي في
نهج البلاغة ، في تفسير الاستغفار لمن قال بحضرته: استغفر اللَّه ربّي وأتوب إليه، فقال له الإمام:«أتدري ما الاستغفار؟»،
ثمّ فسّره بما يجمع الندم على ما مضى، والعزم على الترك
وقضاء الحقوق وغير ذلك، وقد أطلق سلام اللَّه عليه على المجموع اسم الاستغفار.
وهي
الإقبال إلى اللَّه تعالى، والرجوع عن كلّ شيء سواه بالسرّ والقول والفعل، حتى يكون دائماً في فكر المكلّف وذكره وطاعته، فهي أعلى درجات التوبة وأقصى مراتبها؛ إذ هي رجوع عن الذنب إلى اللَّه تعالى،
والإنابة رجوع إليه سبحانه حتى عن
المباحات ،
وقد عرفت معنى الاستغفار بأنّه طلب المغفرة من اللَّه تعالى.
لكن هناك من احتمل أن يكون الاستغفار هو نفس الإنابة.
وقيل: الإنابة هي التوجّه إلى اللَّه بعد طلب العفو عمّا سلف.
وهو في الأصل طلب الفعل،
ثمّ خصّ في
العرف الشرعي بسؤال
العبد ربّه على وجه
الابتهال ،
وقد يطلق على مجرّد التعظيم والمدح
الذي يمكن
إرجاعه إلى الابتهال أيضاً
باعتباره سؤالًا بلطف وتعرّضاً للطلب بخفاء.
فالدعاء أعمّ من الاستغفار؛ لأنّ الاستغفار دعاء لطلب المغفرة خاصّة، فهو من أفراد الدعاء ومصاديقه.
يمكن تصوير سرّ الاستغفار وحكمته في الأمور التالية.
:
محو آثار الذنوب وجليّ مرآة القلوب وصقلها من ظلمات المعاصي وكدوراتها؛ فإنّ مجرّد ترك المعاصي والذنوب وعدم العود إليها غير كافٍ، بل لابدّ من محو آثار تلك الظلمات بأنوار الطاعات، وإرغام أنف
الشيطان وإذلاله.
تجديد رجاء المغفرة في القلوب، ودفع اليأس والقنوط عن النفوس، قال تعالى: «قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَاتَقْنَطُوا مِن رَحْمَةِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَغفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً».
كبح
الغرور ،
وإلجام النفوس عن اتّباع الهوى الصادّ عن الحقّ، وقلع أسباب الإصرار عن القلب بالمبادرة إلى الاستغفار.
يختلف الحكم التكليفي للاستغفار باختلاف الموارد، فقد يكون
واجباً ، أو
مستحبّاً ، أو
محرّماً :
•
الاستغفار (الواجب)،الكلام في ذلك تارة يقع في وجوب
الاستغفار عن
المعصية ، واخرى في وقوعه متعلّقاً لأحكام اخرى.
•
الاستغفار (المستحب)،الظاهر
استحباب الاستغفار في جميع الأوقات والأحوال،وقد وردت نصوص كثيرة من الكتاب
والسنّة تحثّ عليه.
•
الاستغفار (في أذكار الصلاة وتعقيباتها) ،ورد
الاستغفار في بعض أذكار
الصلاة كما يأتي بين التكبيرات الفتتاح
والقنوت.
•
الاستغفار (المحرم)،يحرم
الاستغفار للمشركين
والكفّار ولو كانوا اولي قربى،بل ادّعي عليه
الإجماع.
•
الاستغفار (آدابه)،يستفاد من بعض النصوص
والفتاوى امور تعدّ من مقوّمات الاستغفار أو كماله، أو شرائط قبوله، وترتّب الأثر المطلوب عليه.
هناك صيغ متعدّدة للاستغفار فإنّه يكون بصيغة (اغفر)، والدعاء بها يختلف باختلاف من يطلب له الاستغفار، فتقول مرّة: (اللهمّ اغفر لي)، واخرى: (اللهمّ اغفر لنا)، وثالثة: (اللهمّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات)، ورابعة: (اللهمّ اغفر للذين تابوا واتّبعوا سبيلك).
وبصيغة (أستغفر)، فتقول كما ورد ذلك (أستغفر اللَّه وأتوب إليه) في قنوت
الوتر - مثلًا- وبين
السجدتين وعقيب
الصلاة.ومن هذا القبيل صيغة (أستغفرك) التي وردت في مواضع متعدّدة.
ويتحقّق أيضاً بصيغة (أسألك العفو)، كما في خبر
معاوية بن عمار عن
أبي عبد الله عليه السلام «... اللهمّ إنّي أسألك العفو والعافية واليقين في
الدنيا والآخرة ».
إلى غير ذلك من صور الاستغفار المأثورة عن
الأئمة عليهم السلام، والتي من الأولى عدم الدعاء بغيرها،
خصوصاً مع تأكيد الأئمة عليهم السلام على عدم التعدّي عن بعض الأدعية إلى غيرها، فقد روى
عبد اللَّه بن سنان عن الإمام الصادق عليه السلام... قلت:وكيف دعاء الغريق؟ قال: «تقول: يا
رحمن يا
رحيم ، يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك»، فقلت: يا مقلّب القلوب والأبصار ثبّت قلبي على دينك، فقال: «إنّ اللَّه عزّوجلّ مقلّب القلوب والأبصار، ولكن قل كما أقول: يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك».
ويتحقّق أيضاً بأيّ لفظ يدلّ على طلب المغفرة فإنّه استغفار حقيقة؛ إذ لم يؤخذ في مفهوم الاستغفار صيغة خاصّة.
نعم، قد يكون للصيغ المتقدّمة الواردة في
النصوص بعض الآثار
والبركات ، كما أنّه قد تعتبر صيغة معيّنة في بعض الموارد التي يجب أو يستحبّ فيها الاستغفار، كما تقدّم.
ليس للاستغفار المستحب مقدار وطريقة خاصّة إلّاما ورد النصّ في تحديده وطريقته، كالاستغفار خمساً وعشرين في كلّ مجلس،
وسبعين مرّة في ركعة الوتر- مثلًا
- وكذا سبعين مرّة
أو مئة مرّة في كلّ يوم،
أو غير ذلك.وأمّا طريقته فيجوز العدّ بالحصى والأصابع والسبحة وغير ذلك. نعم، يستحب أن يكون بتربة
الإمام الحسين عليه السلام؛
للروايات الكثيرة الواردة في فضلها وأنّ
التسبيح والاستغفار بها مضاعف
الثواب والتي منها ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: «من أدار سبحة من
تربة الحسين عليه السلام مرّة واحدة بالاستغفار أو غيره كتب اللَّه له سبعين مرّة...».
•
الاستغفار (أفضل أوقاته)،
الاستغفار وإن كان
مستحبّاً في جميع الأوقات،إلّاأنّه يتأكّد في أوقات مخصوصة.
أفضل الأدعية وأحسنها الأدعية القرآنية، ثمّ الأدعية المأثورة عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام، فهي
شفاء لصدور العالمين، ونجاح لمطالب العابدين،
وخير تلك الأدعية وأفضلها هو الاستغفار
كما ورد في الأخبار:
منها: ما عن
السكوني عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: خير الدعاء الاستغفار».
ومنها: ما روي عنه عليه السلام أيضاً قال:«... إنّ من أجمع الدعاء أن يقول العبد الاستغفار».
ومنها: ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال:«... ما من الدعاء شيء أفضل من الاستغفار، ثمّ تلا: «فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَاإِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ»
والسرّ في ذلك هو أنّ الغفران أهمّ المطالب، أو لأنّه يصير سبباً لرفع
السيّئات التي هي أعظم حجب الدعوات.
إنّ الاستغفار كما يطلق ويراد به طلب المغفرة بالمقال قد يطلق أيضاً ويراد به طلبها بالفعال، كفعل بعض الطاعات وأفعال
الخير الموجبة لمغفرة الذنوب.
قال
العلّامة الطباطبائي في تفسير قوله تعالى «وَاسْتَغْفِرُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ»
: «لا يبعد أن يكون المراد بالاستغفار
الإتيان بمطلق الطاعات؛ لأنّها وسائل يتوسّل بها إلى مغفرة اللَّه، فالإتيان بها استغفار».
الاستغفار- الذي هو بمعنى طلب الغفران والعفو- قد يكون من المكلّف لنفسه، واخرى لغيره، ومنه استغفار النبي صلى الله عليه وآله وسلم للغير، قال تعالى: «وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ»،
والاستغفار هنا بمعنى
الشفاعة للغير.
وقد جاء في خبر معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «إذا دخلت المدينة فاغتسل... وتقول:... اللهمّ إنّك قلت: «وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللّهَ تَوَّاباً رَحِيماً»،
وإنّي أتيت نبيّك تائباً مستغفراً من ذنوبي، وإنّي أتوجّه بك إلى اللَّه ربّي وربّك ليغفر ذنوبي».
•
الاستغفار (للمعصوم عليه السلام)،ورد
استغفار الأنبياء عليهم السلام لأنفسهم في كثير من
الآيات الكريمة.
ورد في بعض الأخبار استغفار
الملائكة لجملة من الناس، وهم:
۱- من أسرج في
المسجد سراجاً، فقد ورد عن
أنس قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم:«من أسرج في مسجد من مساجد اللَّه سراجاً لم تزل الملائكة وحملة العرش يستغفرون له ما دام في ذلك المسجد ضوء من ذلك
السراج ».
۲- من مشى إلى المسجد يطلب فيه الجماعة، فإنّه ورد عن
الإمام الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام- في حديث المناهي- قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم:... فإن مات وهو على ذلك وكّل اللَّه (عزّوجلّ) به سبعين ألف ملك... يستغفرون له حتى يبعث».
۳- من أذّن، فإنّه ورد عنه عليه السلام أيضاً قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم:... إنّ
المؤذّن إذا قال: أشهد أن لا إله إلّااللَّه صلّى عليه سبعون ألف ملك، ويستغفرون له...».
۴- من صلّى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلى آله عليهم السلام ليلة
الجمعة ، فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام قال: «... إنّ ملائكة اللَّه في السماوات ليستغفرون له، ويستغفر له الملك الموكّل بقبر رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم إلى أن تقوم الساعة».
۵- من زار الإمام علي عليه السلام، فقد روى محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه قال: «... إن مات شيّعوه (الملائكة) بالاستغفار إلى
قبره ».
وقريب منه ما ورد فيمن زار الإمام الحسين عليه السلام.
۶- من كتب فضيلةً من فضائل الإمام علي عليه السلام، فإنّه ورد عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «... لم تزل الملائكة تستغفر له ما بقي لذلك الكتاب رسم...».
۷- من أحبّ
علي بن أبي طالب عليه السلام، فقد ورد عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: «أنّ عدد الملائكة المستغفرين لمحبّي علي بن أبي طالب عليه السلام أكثر من عدد هؤلاء»»، أي من عدد الملائكة النازلين مع كلّ قطرة من قطرات المطر.
۸- من صام يوم
دحو الأرض - وهو اليوم الخامس والعشرون من
ذي القعدة - فإنّه ورد: «استغفر له كلّ شيء بين
السماء والأرض »،
وكذا الصائم في شهر
رمضان فإنّه ورد عن محمّد بن مسلم الثقفي قال: سمعت
أبا جعفر عليه السلام يقول:«إنّ للَّه (تعالى) ملائكة موكّلين بالصائمين يستغفرون لهم في كلّ يوم من شهر رمضان...».
۹- من قرأ سورة (يس)، فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: «من قرأ
يس ومات في يومه أدخله اللَّه
الجنّة ، وحضر غسله ثلاثون ألف ملك، يستغفرون له ويشيّعونه إلى قبره بالاستغفار له...».
۱۰- طالب العلم، فقد روى القدّاح عن الإمام الصادق عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال:«قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم:... إنّه ليستغفر لطالب العلم من في السماء ومن في الأرض...».
۱۱- من مشى لعيادة المريض، فإنّه ورد عن
أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال:«إذا انصرف وكّل اللَّه به سبعين ألف ملك يستغفرون له ويسترحمون عليه...».
۱۲- من أكل
الحلال ، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّ «من أكل الحلال قام على رأسه ملك يستغفر له حتى يفرغ من أكله».
•
الاستغفار (آثاره) ،المستفاد من
الآيات والروايات المتضمّنة
للاستغفار أنّ له آثاراً كثيرة ومهمّة كغفران الذنوب و
نزول الخيرات والبركات ورفع
العذاب وجلاء القلوب.
الموسوعة الفقهية، ج۱۲، ص۶۹-۱۰۶.