الاستغفار (للمعصوم عليه السلام)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الاستغفار (توضيح) .
ورد
استغفار الأنبياء عليهم السلام لأنفسهم في كثير من
الآيات الكريمة، كاستغفار
نوح وإبراهيم
وموسى وداود وسليمان عليهم السلام.
وكذا
النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم فقد أمره اللَّه سبحانه وتعالى بالاستغفار بقوله تعالى:«وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ»
وقوله تعالى أيضاً: «وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً»،
وكان صلى الله عليه وآله وسلم يستغفر اللَّه كثيراً.
فعن
الحارث بن المغيرة عن
الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: «كان
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم يستغفر اللَّه عزّوجلّ كلّ يوم سبعين مرّة، ويتوب إلى اللَّه عزّوجلّ سبعين مرّة»، قال: قلت: كان يقول:أستغفر اللَّه وأتوب إليه؟ قال: «كان يقول:أستغفر اللَّه، أستغفر اللَّه، سبعين مرّة، ويقول: وأتوب إلى اللَّه، أتوب إلى اللَّه، سبعين مرّة».
وقد وردت عن
الأئمّة عليهم السلام أدعية كثيرة تضمّنت
الاعتراف بأنواع الذنوب والاستغفار منها.
ومن تلك
الأدعية ما كان يدعو به
الإمام الكاظم عليه السلام في
سجدة الشكر بقوله: «ربّ عصيتك بلساني ولو شئت وعزّتك لأخرستني، وعصيتك ببصري ولو شئت وعزّتك لأكمهتني،(أكمهتني: أي أعميتني.)
وعصيتك بسمعي ولو شئت وعزّتك لأصممتني، وعصيتك بيدي ولو شئت وعزّتك لكنعتني،(كنعتني، التكنّع: القبض، ويقال: كنِعت أصابعه كَنَعاً، أي تشنّجت ويبست.)
وعصيتك برجلي ولو شئت وعزّتك لجذمتني، وعصيتك بفرجي ولو شئت وعزّتك لعقمتني، وعصيتك بجميع جوارحي التي أنعمت بها عليّ وليس هذا جزاؤك مني...».
ومن هنا قد يستشكل في كيفيّة التوفيق بين
عصمة الأنبياء والأئمّة عليهم السلام وبين استغفارهم واعترافهم بالذنوب.
وقد ذكر لدفع هذا
الإشكال عدّة وجوه:
منها: أنّ استغفارهم من الذنوب كان استغفاراً عن ترك الأولى؛
لكون حسنات
الأبرار سيّئات المقرّبين، ولعلّه إلى هذا يشير ما ذكره
الإربلي في
كشف الغمّة من: «أنّ الأنبياء والأئمّة عليهم السلام تكون أوقاتهم مشغولة باللَّه تعالى، وقلوبهم مملوءة به، وخواطرهم متعلّقة بالملأ الأعلى، وهم أبداً في
المراقبة ، كما قال عليه السلام: «اعبد اللَّه كأنّك تراه، فإن لم تره فإنّه يراك»،
فهم أبداً متوجّهون إليه ومقبلون بكلّهم عليه، فمتى انحطوا عن تلك الرتبة العالية والمنزلة الرفيعة إلى
الاشتغال بالمأكل والمشرب والتفرّغ إلى
النكاح وغيره من
المباحات عدّوه ذنباً، واعتقدوه خطيئةً واستغفروا منه...
وإلى هذا أشار عليه السلام (بقوله): «إنّه ليُران على قلبي، وإنّي لأستغفر بالنهار سبعين مرّة...»، وقوله: «حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين»».
وقد عدّ هذا أفضل ما تدفع به الشبهة.
ومنها: أنّهم عليهم السلام كانوا أبداً مترقّين في مراتب القرب والحبّ
والعرفان والإيقان ، ولعلّه يحصل لهم ذلك في كلّ يوم سبعين مرّة وأكثر، فلمّا صعدوا درجة استغفروا من الدرجة السابقة، وإن كانت فوق تمنّيات جميع العارفين والواصلين.
ومنها: أنّه لمّا كان الممكن وأعماله وأحواله كلّها في مراتب النقص وكلّ كمال حصل فيهم فهو من مفيض الخيرات والسعادات، فإذا نظروا إلى عظمته سبحانه على ما تجلّت لهم في مراتب عرفانهم وإلى عجزهم عن
الإتيان بما يليق بذاته القدسية عدّوا أنفسهم مقصّرين في المعرفة
والعبادة ، فقالوا: سبحانك ما عرفناك حقّ معرفتك وما عبدناك حقّ عبادتك، وأوقفوا أنفسهم الكاملة في حدّ
التقصير ، واستغفروا لجميع ذلك من العليم الخبير.
وقد اعتبر
المجلسي هذين الوجهين من أحسن الوجوه.
ومنها: أنّهم عليهم السلام أرادوا بالاستغفار من الذنوب تعليم الناس كيفيّة
التوبة والاستغفار.
ومنها: أنّ استغفارهم عليهم السلام ينشأ من
انقطاعهم إلى اللَّه تعالى وخضوعهم وتذلّلهم بالعبادة والسجود من دون أن يكون لهم ذنب يحتاج إلى غفران.
فيكون استغفارهم- الذي هو أمر إنشائي- أدباً من آداب
الخضوع والعبودية والتذلّل بين يدي اللَّه تعالى،
وإبراز التقصير في العبادة اللائقة باللَّه سبحانه رغم عدم وجود معصية من
العبد ، فإنّ الأمر الإنشائي لا يتوقّف تحقّقه على وجود معصية للمتذلّل بالاستغفار أصلًا.
وهناك وجوه اخرى ذكرها الشيخ المجلسي لدفع الإشكال
ربّما يعود بعضها إلى ما ذكر.
الموسوعة الفقهية، ص۹۸-۱۰۳.