الاستغفار (المحرم)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الاستغفار (توضيح) .
يحرم
الاستغفار للمشركين
والكفّار ولو كانوا اولي قربى،
بل ادّعي عليه
الإجماع ؛
وذلك:
أوّلًا: لقوله تعالى: «مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ»،
فلا يجوز الاستغفار لمن قطع اللَّه تعالى على عذابهم وعدم غفران ذنوبهم.
وثانياً: لما رواه
علي بن جعفر عن أخيه
الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، قال: سألته عن رجل
مسلم وأبواه كافران، هل يصلح له أن يستغفر لهما في
الصلاة ؟ قال: «إن كان فارقهما صغيراً لا يدري أسلما أم لا فلا بأس، وإن عرف كفرهما فلا يستغفر لهما، وإن لم يعرف فليدعُ لهما».
وأمّا استغفار
إبراهيم عليه السلام لأبيه فما كان «إِلَّا عَن مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ».
ولكن ما هذه الموعدة؟ ومن الواعد؟وكيف صار ذلك مبرّراً لاستغفار إبراهيم عليه السلام لأبيه الكافر؟
أجاب عن ذلك بعض
الأعلام بعدّة أجوبة:
الأوّل: أنّ
أباه وعده
الإيمان باللَّه إن استغفر له، فلمّا استغفر له لم يفِ بوعده، فتبرّأ منه إبراهيم عليه السلام.
وهذا هو المشهور بين المفسرين.
وقيل: إنّ أباه قد تظاهر بالإيمان مدّة من الزمن فاستغفر له إبراهيم عليه السلام ظنّاً منه أنّه آمن حقّاً، فلمّا تبيّن أنّه عدوّ للَّهرجع عن استغفاره وتبرّأ منه.
الثاني: أنّ الموعدة كانت من إبراهيم عليه السلام لأبيه، فوعده بالاستغفار عندما كان يأمل منه خيراً؛
لاعتقاده بأنّه مستضعف مغفّل يؤمن بالحقّ لو اطّلع عليه، ولم يعلم أنّه من أولياء
الشيطان المطبوعة قلوبهم على الجحد
والإنكار ، فاستعطفه لذلك ووعده الاستغفار الذي يمكن أن يكون مقبولًا لو كان مستضعفاً حقّاً؛ لقوله تعالى: «إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ».
وممّا يؤيّد هذا
الرأي أنّ إبراهيم عليه السلام تبرّأ من أبيه عندما انكشف واقعه، ممّا يعني أنّه كان يرجو هدايته ويتوقّع رجوعه، وإلّا لما كان هناك مبرّر لهذا
التبرّي .
وتجدر
الإشارة هنا إلى أنّ المراد من (أبيه) في
الآية عمّه
كما هو المشهور بين
الإمامية ،
أو
جدّه لُامّه كما قيل،
فإنّ أبويه لم يكونا كافرين؛ إذ لو كانا كذلك لما استغفر لهما في قوله: «رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ»،
حيث سأل المغفرة لهما يوم
القيامة .
وهنا ينبغي التنبيه على أمرين:
الأوّل: أنّ
النهي عن الاستغفار للكافر لا يختصّ
بالمشرك بل يعمّ أهل الكتاب وسائر الكفّار، بل كلّ من يتبيّن أنّهم من
أصحاب الجحيم ، كالمنافقين والنواصب
والخوارج والظالم
لأهل البيت عليهم السلام، وإن سمّي مسلماً؛ لكونه منتحلًا
للإسلام عنواناً.أمّا الاستغفار لمطلق الكفّار فقد عرفت حكمه.
وأمّا الاستغفار للمنافقين فإنّه وإن لم يتعرّض الفقهاء لحكمه إلّاأنّه يمكن إثباته من طرق متعدّدة:
منها: أنّ المنافقين كفّار كسائر الكفرة؛
لقوله تعالى: «ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ»،
فتشملهم حرمة الاستغفار الثابتة للكفّار.
ومنها: أنّ اللَّه تعالى نهى نبيّه عن الاستغفار لهم،
وهو نهي متوجّه إلى سائر المكلّفين
بقاعدة الاشتراك .
ومنها: أنّ ذيل الآية المتقدّمة- وهو قوله تعالى: «مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ»
- يعمّ مطلق من تبيّن أنّهم من أصحاب الجحيم، فيعمّ المنافقين أيضاً.وأمّا الاستغفار للنواصب فهو أيضاً
حرام ؛ لأنّهم- كسائر الكفّار
- من أصحاب الجحيم، وكذا الحال في الخوارج وسائر الفرق الإسلامية غير المستضعفة المحكوم بكفرها للسبب نفسه.
وأمّا غيرهم من المخالفين المستضعفين الذين لا يجدون حيلة ولا يهتدون سبيلًا، فلا إشكال في جواز الاستغفار لهم، وقد ذكر بعض الفقهاء في صلاة الجنائز أنّه يدعى لهم بدعاء المستضعفين،
وهو كما ورد في
الصحاح : «اللهمّ اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك، وقِهِم عذاب الجحيم»،
أو: «ربّنا «فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ»
وفي بعضها غير ذلك، والتفصيل في محلّه.
وأمّا مجهول الحال فيدعى له
بدعاء المجهول، وهو: (اللهمّ احشره مع من كان يتولّاه...).
الأمر الثاني: أنّه لا شبهة في أنّ الاستغفار للكافر
والمنافق بعد موته حرام؛ لأنّه لا يرجى منه
الهداية . وأمّا الاستغفار له في حياته بداعي أن يهديه اللَّه ويغفر ذنوبه فالظاهر أنّه لا حرمة فيه إذا كان يرجى منه
التوبة .
ويمكن أن يقال: إنّ الاستغفار المحرّم هو ما يكون بمعنى طلب المغفرة من اللَّه على الكفر بأن يغفر للكافر كفره وهو كافر؛ لأنّ اللَّه يغفر الذنوب جميعاً إلّاالكفر والشرك، بل أقسم تبارك وتعالى بأن يدخله جهنّم وأنّه من أصحاب الجحيم، فالاستغفار له حينئذٍ لغو فلا حرمة اصطلاحية أيضاً.
نعم، حيث إنّ الاستغفار يتضمّن نحواً من التولّي والترحّم والتعاطف مع المستغفر له، من هنا قد يحرم بهذا العنوان إذا انطبق عليه،
كما في موارد
الإعلان بالاستغفار، مع أنّ
الواجب هو التبرّي من الكفّار، كما تشهد به الآيات
والروايات، فإذا لم يكن الاستغفار منافياً مع التبرّي منه لم يكن محرّماً أصلًا.
الموسوعة الفقهية، ج۱۲، ص۸۸-۹۱.