الاستثفار
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هذا
اصطلاح في باب
الاستحاضة والمراد به هنا
التلجّم بأن تشدّ
المرأة على وسطها
خرقة كالتكّة ، وتأخذ خرقة اخرى وتعقد أحد طرفيها بالاولى من قدّام وتدخلها بين
فخذيها وتعقد الطرف الآخر من
خلفها بالاولى للتحفّظ من تعدّي
الدم .
الاستثفار وزان استفعال، قال
الفيروزآبادي في
تعريفه : «الاستثفار أن يدخل
إزاره بين
فخذيه ملويّاً، وإدخال
الكلب ذنبه بين فخذيه حتى يلزقه
ببطنه ».
وقال
الجوهري : «استثفر
الرجل بثوبه إذا لوّى بطرفه بين
رجليه إلى حجزته».
وقال
الخليل : «الرجل يستثفر بإزاره عند الصراع، إذا لوّاه على فخذيه ثمّ أخرجه من بين فخذيه فشدّ طرفه في حجزته».
ولكن قال
ابن فارس : «استثفرت
المرأة بثوبها، إذا ائتزرت به ردّت طرف الإزار من بين رجليها وغرزته في الحجزة من ورائه».
فإنّه قيّد شدّ طرف الإزار في حجزته بقوله: (من ورائه).
وكذا قال
الزمخشري : «أن يردّ طرفه من بين رجليه ويغرزه في حجزته من ورائه».
وقال
الثعالبي : «الاستثفار: أخذ الثوب من خلف بين الفخذين إلى
قدّام ».
هذا، وقد أرجع بعض الاختلاف في بعض القيود في هذه التعاريف إلى الاختلاف في الهيئات التي تقع على
العمل ، لا إلى الاختلاف في
المعنى الذي استعمل فيه
لفظ الاستثفار.
ثمّ إنّ جماعة من
اللغويّين قد ذكروا
احتمالين في معنى الاستثفار الوارد في
الحديث المأثور عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم
المتضمّن لأمره
المستحاضة بالاستثفار والتلجّم عند
غلبة الدم :
۱- أن يكون مأخوذاً من ثفر [[|الدابة]]، والثفر- بالتحريك- هو
السير الذي في مؤخّر
السرج ، وعليه فمعنى استثفار المستحاضة هو أن تفعل بالخرقة فعل المستثفر بإزاره، وهو أن يردّ طرفه من بين رجليها ويغرزه في حجزتها، وبعبارة اخرى: أن تشدّ الخرقة عليها كما تشدّ الثفَر تحت الذنب.
۲- أن يكون مأخوذاً من الثّفر- بفتح الثاء أو ضمّه وسكون الفاء- وهو
فرج المرأة، والثفر وإن كان أصله
للسباع إلّا أنّه استعير للمرأة وغيرها، وعليه فمعنى استثفار المستحاضة هو شدّ ثفرها بعد
الاحتشاء بشيء من
الكرسف ونحوه.
استعمل
الفقهاء لفظ (استثفار) في عدّة مواضع، منها: في باب الاستحاضة عند التعرّض لما تفعله المستحاضة للاستظهار والتحفّظ من تعدّي الدم، وعرّفه جملة منهم
بنحو ما عرّفه بعض أهل اللغة في الاحتمال الأوّل من الاحتمالين المتقدّمين.
قال
الشهيد الثاني : «والمراد به هنا التلجّم بأن تشدّ على وسطها خرقة كالتكّة، وتأخذ خرقة اخرى وتعقد أحد طرفيها بالاولى من قدّام وتدخلها بين فخذيها وتعقد الطرف الآخر من خلفها بالاولى...».
وقال
السيد اليزدي في تعريفه: «أي شدّ وسطها بتكّة- مثلًا- وتأخذ خرقة اخرى مشقوقة الرأسين تجعل إحداهما قدّامها والآخر خلفها، وتشدّهما بالتكّة أو غير ذلك ممّا يحبس الدم».
وعرّفه
الفاضل الاصفهاني في باب
تكفين الميّت بالتعريف اللغوي أيضاً، وهو جعل الإزار ونحوه بين الفخذين كاستثفار
الكلب بذنبه بأن يدخله بين
رجليه .
وهو قد يأتي بمعنى الاستثفار بقلب الثاء ذالًا، يقال: استذفرت المرأة أي استثفرت.
وقد لا يكون في الاستذفار قلب فربّما يأتي بمعنى
التطيّب ، وهو مأخوذ من
الذفر - بالتحريك- يقع على الطيّب والكريه، ويفرّق بينهما بما يضاف إليه ويوصف.
واستعمل الفقهاء الاستذفار بكلا المعنيين، وسنشير إلى ذلك عن قريب.
وهو في اللغة
الامتلاء من حشا
الوسادة حشواً أي ملأها. ومنه
الحائض تحتشي بالكرسف لتحبس الدم،
قال
المطرّزي : «احتشت الحائض بالكرسف إذا أدخلته في
الفرج ».
واستعمله الفقهاء بهذا المعنى كما في باب الاستحاضة، وقد يعرّف باستدخال المستحاضة شيئاً من
القطن أو
خرقة في فرجها للتحفّظ من سيلان الدم.
وهو مأخوذ من
اللجام الذي يوضع في
فم الدابّة، ومعناه شدّ اللجام، ويقال: ألجمت
الفرس إذا جعلت اللجام في فيه، وفي
حديث المستحاضة: «استثفري وتلجّمي»
أي اجعلي موضع الدم عصابة تمنع الدم تشبيهاً باللجام في فم الدابّة.
واستعمل الفقهاء هذا
اللفظ في باب الاستحاضة، وعرّفوه بما عرّفوا به الاستثفار، فالتلجّم والاستثفار المأخوذ من ثَفَر الدابّة بمعنى واحد.
وقد صرّح جملة من الفقهاء في باب الاستحاضة بأنّ التلجّم والاستثفار بمعنى واحد.
۱- يجب على المستحاضة بعد
الوضوء والغسل الاستظهار والتحفّظ من خروج الدم مع عدم
خوف الضرر بحشو قطنة أو غيرها وشدّها بخرقة فإن احتبس الدم وإلّا فبالاستثفار بالمعنى المتقدّم،
ولو خرج الدم لتقصيرها في الشدّ أعادت
الصلاة ،
وادّعي عليه
الإجماع ،
ويدلّ عليه جملة من
النصوص .
وقد صرّح هنا جملة من الفقهاء بأنّ الاستثفار غير متعيّن على المستحاضة، بل يكفي للمنع من التعدّي مطلق ما يحصل به
التوقّي والتحفّظ ولو بغير الاستثفار.
ثمّ إنّه قد يعبّر هنا عن الاستثفار بالاستذفار بقلب الثاء ذالًا،
وعلى هذا
فالحكم هو ما تقدّم.
وأمّا الاستذفار بمعنى التطيّب والاستجمار بالدخنة ونحو ذلك فلا يجب على المستحاضة قطعاً، كما صرّح بذلك غير واحد من
الفقهاء .
والتفصيل في مصطلح (استحاضة).
۲- ذهب
الشيخ الطوسي في
الخلاف إلى أنّه إذا اختلف الرجل مع
زوجته الثيّب في
الإصابة فقال: أصبتها وأنكرت ذلك، امرت بأن تحشو
قبلها خلوقاً ثمّ يؤمر الرجل
بجماعها ، فإن جامعها فظهر على
ذكره أثر ذلك صدّق وكذّبت، وإن لم يظهر ذلك على ذكره صدّقت
المرأة وكذّب
الرجل ، ثمّ ادّعى الإجماع عليه.
ويستدلّ على ذلك بخبرين
أحدهما:
رواية غياث بن إبراهيم عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «ادّعت امرأة على
زوجها على عهد
أمير المؤمنين صلوات اللَّه عليه أنّه لا يجامعها، وادّعى أنّه يجامعها، فأمرها أمير المؤمنين عليه السلام أن تستذفر
بالزعفران ثمّ يغسل ذكره، فإن خرج
الماء أصفر صدّقه، وإلّا أمره
بطلاقها ».
ومعنى قوله: (أن تستذفر بالزعفران) أن تُدخل الزعفران في
فرجها ، والظاهر أنّ الاستذفار هو الاستثفار بقلب الثاء ذالًا.
والآخر
خبر عبد اللَّه بن الفضل الهاشمي عن بعض مشيخته، قال: قالت امرأة لأبي عبد اللَّه عليه السلام أو سأله رجل عن رجل تدّعي امرأته أنّه
عنّين ، وينكر الرجل؟ قال:
«تحشوها
القابلة الخلوق ، ولا تعلم الرجل، ويدخل عليها الرجل، فإن خرج وعلى ذكره الخلوق كذبت وصدق، وإلّا صدقت وكذب.
والمحصّل: أنّ الاستذفار بالزعفران ونحوه وظهوره على الذكر بعد جماع الزوجة الثيّب يكون
طريقاً شرعيّاً لإثبات عدم العُنّة عند
الشيخ الطوسي .
۳- إذا وقف
المصلّي على سطح بحيث يرى الناظر
عورته من تحت فيجب عليه في هذه الحالة أن يستر عورته من هذا الجانب أيضاً، ويتحقّق ذلك بالاستثفار ونحوه، فلو أخلّ المصلّي به يحكم
ببطلان صلاته.
واستدلّ على ذلك
السيد الحكيم بأنّ النصوص وإن كانت خالية عن التعرّض لذلك إلّا أنّ مناسبة
الحكم والموضوع تساعد على أنّ موضوع الشرطيّة أن لا يكون
المكلّف على حالة ذميماً مهتوكاً ستره وحجابه، ومقتضى ذلك أنّه لا فرق في اعتبار
الستر بين
الجهات . والاكتفاء في النصوص
بالقميص إنّما هو لكون الصلاة على
الأرض غالباً الذي لا يكون معه المصلّي في معرض النظر من تحت، فلو كان الأسفل في معرض النظر
كالأمام والخلف - بأن وقف على مخرم أو على طرف سطح- فلا بدّ من التستّر من تحت
بالسراويل أو الاستثفار- مثلًا- وإلّا بطلت
الصلاة .
۴- من جملة
مندوبات تكفين الميّت إثفاره بخرقة طولها ثلاثة
أذرع ونصف في عرض نصف ذراع إلى ذراع، وهي زيادة على القطع الثلاث الواجبة في التكفين.
والمراد بالإثفار: هو أن يربط أحد طرفي الخرقة على وسطه، إمّا بشقّ رأسها أو بأن يجعل فيها خيط ونحوه يشدّها، ثمّ يدخل الخرقة بين فخذيه ويضمّ بها
عورته ضمّاً شديداً، ويخرجها من الجانب الآخر ويدخلها تحت الشداد الذي على وسطه.
ويمكن أن نعبّر عن إثفار
الميّت بخرقةٍ بالاستثفار بالميّت بخرقةٍ.
الموسوعة الفقهية، ج۱۱، ص۴۹-۵۳.