البرء
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو
السلامة من
السقم ، و
انقطاع المرض.
البرء- بالضم والفتح- لغةً:
انقطاع المرض و
السقم ، يقال: برأ من
المرض برءاً،
أي: نقِهَ وسلم من السقم،
و
أصله التباعد والانقطاع،
ومنه قول بعضهم: «طبّ
النبي صلى الله عليه وآله وسلم متيقّن البرء؛ لصدوره عن
الوحي »،
أي قطعي
الشفاء .
ولا يخرج
اصطلاح الفقهاء عن المعنى اللغوي.
وهو
الدواء ، وأصله البرء من
المرض ، ثمّ وضع موضع
العلاج والدواء.
ومنه قوله تعالى: «فِيهِ
شِفَاءٌ لِلنَّاسِ».
وقال الراغب: «الشِفاء من المرض:
موافاة شَفا
السلامة ، وصار
اسماً للبرء»،
وحيث يستعمل الشفاء في
الدواء والبرء صار أعم من البرء.
مصدر اندمل، يقال: اندمل الجرح، أي أخذ في البرء، واندمل
المريض : قارب الشفاء من مرضه أو من جرحه.
وهو أخصّ من البرء.
من نقِه، وهي
الصحّة الخفيفة التي تكون
عقيب مرض،
ونقه من مرضه نقهاً ونقوهاً: أي برء ولا يزال به ضعف،
وهي أعم من البرء.
لا حكم للبرء نفسه، ولكن حيث كان المرض من الأسباب الرافعة أو المؤخّرة لبعض
التكاليف و
الحدود ، فإذا برأ قد يرجع
الأمر إلى ما كان عليه في حال الصحّة ويرتفع المانع، وقد ذكر
الفقهاء للبرء من هذه الجهة أحكاماً نشير إليها
إجمالًا فيما يلي:
إنّ
انقطاع دم
الاستحاضة قد يكون انقطاع برء، وهو انقطاع
الدم كلّياً وبرء
المستحاضة من استحاضتها، وله أقسام:
ذهب كثير من الفقهاء إلى أنّه يجب على المستحاضة حينئذٍ ما كان واجباً عليها من قبل من
الوضوء خاصة أو مع الغسل؛ لأنّ مجرّد خروج دم الاستحاضة كافٍ لوجوب الوضوء فقط أو مع
الغسل .
ولكن أطلق
الشيخ الطوسي والعلّامة الحلّي القول بأنّ الانقطاع موجب للوضوء خاصّة.
والتفصيل في محلّه.
انقطاع الدم بعد
الشروع في الأعمال، إمّا أن يكون في أثناء
الطهارة ، وإمّا يكون بين الطهارة والصلاة، وإمّا يكون في أثناء
الصلاة .
وقد أطلق جماعة من الفقهاء القول هنا بوجوب
استئناف الطهارة؛ لأنّ دم الاستحاضة حدث ناقض للطهارة بحيث يوجب الوضوء فقط تارة أو مع الغسل اخرى،
ولكن ذهب في قبال ذلك بعض الفقهاء إلى عدم
وجوب الاستئناف.
ولعلّ دليله
إطلاق الأدلّة بالنسبة إلى هذه الصورة، وعليه فهذا الدم معفو عنه، فلا يجب تجديد الطهارة.
و
التفصيل في محلّه.
ذهب جمع من الفقهاء إلى وجوب
إعادة الطهارة والصلاة في هذه الصورة؛ لأنّه بعد انقطاع الدم ينكشف
فساد الطهارة الاولى، فلا تكليف في حقّها، لا
اختياريّاً ولا اضطرارياً.
لكن ذهب آخرون إلى عدم وجوب الإعادة في هذه الصورة.
واستدلّ له بأنّ عدم وجوب الإعادة لم يكن
لإجزاء الأمر
التخييري أو الظاهري عن المأمور به الواقعي، بل للأمر الواقعي
الاضطراري ، فإنّ في قول
أبي عبد اللَّه عليه السلام في رواية
معاوية بن عمّار : «... تؤخّر هذه وتعجّل هذه...»،
ونظيره
دلالة على جواز
البدار في حقّ المستحاضة.والتفصيل في محلّه.
ذهب بعض الفقهاء إلى
العفو عن دم
القروح و
الجروح حال الصلاة ما لم يبرأ؛
لروايات متعدّدة، كرواية
سماعة ابن مهران عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «إذا كان بالرجل جرح سائل فأصاب ثوبه من دمه فلا يغسله حتى يبرأ وينقطع الدم».
كما أنّ ما ينجمد على
الجرح عند البرء ويصير كالجلد لا يجب رفعه وإن حصل البرء، ويجزي غسل ظاهره؛ لأنّه جزء عرفاً.
وكذلك الماء
الأصفر الذي ينجمد على الجرح عند البرء طاهر؛ إمّا
للأصل الموضوعي وهو
أصالة عدم كونه دماً، أو لأصالة الطهارة.
والتفصيل في محلّه.
يجري حكم
الجبيرة ما دام خوف
الضرر باقياً وإن احتمل البرء؛
لاستصحاب بقاء جرحه أو كسره أو قرحه. ولا تجب الإعادة إذا تبيّن برؤه سابقاً؛
لإطلاق
صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج ، قال: سألت
أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الكسير تكون عليه الجبائر أو تكون به
الجراحة ، كيف يصنع بالوضوء وعند غسل
الجنابة وغسل
الجمعة ؟ فقال: «يغسل ما وصل إليه الغسل ممّا ظهر ممّا ليس عليه الجبائر، ويدع ما سوى ذلك ممّا لا يستطيع غسله، ولا ينزع الجبائر، ولا يعبث بجراحته»،
حيث أمر عليه السلام في هذه الصحيحة بغسل ما عدا
الكسر أو الجرح، فموضوع الحكم
بالمسح على الجبيرة فيها هو
الكسير أو الجريح الذي جبر كسره أو جرحه،
مضافاً إلى أنّ العادة قاضية بعدم حلّ الجبائر إلى أن يزول
الخوف ويظن بالبرء.
وقال
المحقّق النجفي : لو ظهر سبق البرء ولمّا يعلم به حين
الوضوء اتّجه الإعادة،
ولو ظنّ البرء وزال الخوف وجب رفعها؛ أخذاً بالأدلّة الأولية.
والتفصيل في محلّه.
اتّفق الفقهاء على جواز
التيمّم للمريض إذا خاف بطء البرء
باستعمال الماء؛
لعموم قوله سبحانه وتعالى: «وَإِن كُنتُم مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنكُم مِنَ
الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ
النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا
صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ
عَفُوّاً غَفُوراً ».
فهذه
الآية تدلّ على أنّ المرض الذي لا تقدرون على استعمال الماء معه أو
السفر كذلك يجب معه
التطهير مطلقاً، ويكون هذا التطهير بالتيمّم حيث لا يمكن الوضوء.
والتفصيل في محلّه.
المشهور بين الفقهاء وجوب
الصوم على المريض الذي برأ قبل الزوال ولم يتناول شيئاً؛ لأنّه يتمكّن من
أداء الواجب ببقاء وقت النيّة، فيشمله
عموم ما دلّ على وجوب صوم الشهر،
كقوله سبحانه وتعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ
الصِّيَامُ ».
ولكن ذهب بعض الفقهاء إلى
استحباب الإمساك للمريض إذا برأ قبل الزوال.
أفتى بعض الفقهاء بوجوب
إفطار المريض الذي لو صام بطؤ برؤه؛
لقوله تعالى: «فَمَن شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ»؛
لصدق المريض عليه.
ورواية
حريز عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «
الصائم إذا خاف على عينيه من
الرمد أفطر».
لا خلاف بين الفقهاء في وجوب قضاء الصوم و
التكفير عن كلّ يوم بمدّ لذي
العطاش - وهو بالضم: داء لا يروى صاحبه- مع البرء (وهو الداء
المعروف بالسكّري).
وأمّا وجوب
القضاء بعد البرء فاستدلّ له بأنّه أفطر للمرض، فيجب عليه القضاء،
ولقوله تعالى: «وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ».
وأمّا وجوب
الكفّارة فلرواية محمّد بن مسلم، قال: سمعت
أبا جعفر عليه السلام يقول: «
الشيخ الكبير والذي به العطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر
رمضان ، ويتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمدّ من
طعام ...».
وفي المسألة قولان آخران:
أحدهما: أنّ العطاش إذا كان مرجوّ
الزوال يجب على صاحبه القضاء بعد البرء ولا كفّارة؛ لأنّه مريض فلا تجب عليه الكفّارة مع القضاء، ولأنّ الأصل
براءة الذمّة .
ثانيهما: أنّ العطاش إذا كان غير مرجوّ الزوال لم تجب الكفّارة ولا القضاء لو برأ على خلاف
الغالب .
أجمع الفقهاء على أنّ من فاته شهر رمضان أو بعضه لمرض ومات قبل البرء لم يقض عنه؛
لعدّة روايات، كصحيحة
محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن رجل أدركه رمضان وهو مريض، فتوفّي قبل أن يبرأ، قال: «ليس عليه شيء، ولكن يقضى عن الذي يبرأ ثمّ يموت قبل أن يقضي».
ذهب الفقهاء إلى وجوب قضاء
الاعتكاف على من فسد اعتكافه لمرض بعد البرء إذا كان واجباً معيّناً؛
وذلك لرواية
عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبد اللَّه الصادق عليه السلام قال: «إذا مرض
المعتكف أو طمثت
المرأة المعتكفة فإنّه يأتي بيته، ثمّ يعيد إذا برئ ويصوم».
هذا بناءً على أنّ القضاء تابع للأداء في الوجوب، ولا يحتاج إلى
أمر جديد، وإلّا فلا يجب القضاء في صورة
إفساد الاعتكاف كما هو خيرة بعض الفقهاء المعاصرين.
وأمّا إن كان واجباً غير معيّن وجب استئنافه، إلّاإذا كان مشروطاً فيه
الرجوع ؛ لوجوب
امتثال الأمر به، ولا يصدق فيه عنوان (القضاء)؛ لعدم صدق فوته في زمان معيّن.
والتفصيل في محلّه.
ذهب الفقهاء إلى عدم وجوب
مباشرة الحجّ للمريض الذي يضرّه
الركوب أو السفر إن كان مرضه لا يرجى زواله وكان مأيوساً من برئه وكان واجداً لشرائط الحجّ من
الزاد و
الراحلة وغيرهما؛
للإجماع،
ولما فيه من
المشقّة والحرج، وقد قال اللَّه تعالى: «وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ».
وذهب جملة من الفقهاء إلى وجوب
الاستنابة عليه؛
لعدة أخبار، كخبر محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: «كان
علي عليه السلام يقول: لو أنّ رجلًا أراد الحجّ فعرض له مرض أو خالطه سقم، فلم يستطع الخروج، فليجهّز رجلًا من ماله، ثمّ ليبعثه مكانه».
وذهب بعض الفقهاء إلى عدم الوجوب؛ لأنّ
الاستطاعة غير موجودة؛ لعدم
التمكّن من المباشرة، و
النيابة فرع الوجوب، والوجوب ساقط لعدم شرطه،
فإنّ اللَّه تعالى قال: «من استطاع»،
وهذا غير مستطيع.
كما أنّه تجوز
استنابة المريض -
كالمبطون والكسير- للطواف إذا لم يرج البرء وضاق الوقت؛
لرواية
يونس بن عبد الرحمن البجلي ، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام- أو كتبت إليه- عن
سعيد بن يسار أنّه سقط من جمله فلا يستمسك بطنه، أطوف عنه وأسعى؟ قال: «لا، ولكن دعه، فإن برئ قضى هو، وإلّا فاقض أنت عنه».
يأتي هذا البحث بعد
الفراغ من عدم
البينونة بين الزوجين، وأمّا بناء على البينونة
بالإفضاء فلا محلّ له. وفي المسألة قولان:
أ- حرمة وطئها
تحريماً مؤبّداً، وهو رأي أكثر الفقهاء، بل ادّعي عدم
الخلاف فيه.
ب- جواز
الوطء بعد
الاندمال والبرء،
قال
ابن البرّاج : «إذا وطأ الرجل زوجته فأفضاها، ثمّ أراد جماعها بعد ذلك، هل يجوز له جماعها أم لا؟
الجواب : إذا كان الموضع قد اندمل بعد الإفضاء وبرئ كان له جماعها، وليس لها منعه، وإن لم يكن اندمل لم يجز له جماعها...».
وحمله
المحقّق النجفي على وطء الكبيرة، لكن قال: إلّاأنّ
الانصاف عدم خلوّه عن القوّة؛ للعمومات، ولتصريح بعض
النصوص بالبقاء على
الزوجية كخبر
بريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السلام، في رجل اقتضّ (اقتضّ
المرأة : افترعها.)
جارية- يعني امرأته- فأفضاها، قال: «عليه
الدية إن كان دخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين»، قال: «وإن أمسكها ولم يطلّقها فلا شيء عليه...».
والتفصيل في محلّه.
يكره
الطلاق للمريض؛
للنهي عنه في كثير من الأخبار، فإذا طلّقها في حال مرضه ورثته ما بينها وبين سنة ما لم تتزوّج أو يبرأ
الزوج من مرضه الذي طلّقها فيه؛
لعدة أخبار، منها: ما رواه
عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سألته عن رجل طلّق امرأته وهو مريض حتى مضى لذلك سنة، قال: «ترثه إذا كان في مرضه الذي طلّقها لم يصحّ بين ذلك».
فإن برأ المريض ثمّ مرض بعد ذلك ومات، لم ترثه
المرأة .
صرّح بعض الفقهاء بجواز
مقاطعة الطبيب و
الاتّفاق معه على
المعالجة إلى مدّة أو مطلقاً بقيد البرء أو بشرطه إذا كان مظنوناً، بل مطلقاً.
وذهب
العلّامة الحلّي إلى عدم جوازه بعنوان
الإجارة ؛ لعجز الطبيب عن البرء، لكونه بيد اللَّه تعالى وعدم
اختيارية فعله، فاللازم أن يكون ذلك بعنوان
الجعالة ؛ لكفاية
إيجاد السبب إلى تحقّقه في
استحقاق الجعل، وإن كان خارجاً عن اختياره، وإنّه من فعل
اللَّه تعالى.
ثمّ إنّ
السيّد اليزدي أشكل على كلام العلّامة بأنّه يكفي كون مقدّمات العمل العادية اختيارية، وأنّه لا يضرّ
التخلّف في بعض الأوقات، وإلاّ لم يصحّ بعنوان الجعالة أيضاً.
وناقش في ذلك
المحقّق الخوئي ، فحكم
بالبطلان إذا كان البرء بنحو
التقييد وصحّته مع
الاشتراط أو كان بعنوان الجعالة؛ أمّا وجه البطلان في صورة التقييد فهو لزوم
الغرر ؛ لخروج البرء عن اختيار الطبيب، وأنّه من اللَّه تعالى، فإن لم يكن مقطوعاً و
مطمئنّاً به- كما هو الغالب- لزم الغرر للجهل بمقدورية متعلّق الإجارة، وهي
الطبابة المقيّدة بالبرء، وذلك يوجب البطلان. واختيارية المقدّمات لا يرفع الغررية.
وأمّا وجه الصحّة في صورة الاشتراط فهو رجوع الشرط
المبني عليه العقد إلى
الالتزام بالفعل تارة، وإلى جعل
الخيار على
تقدير التخلّف تارة اخرى، أي فيما إذا كان الشرط خارجاً عن الاختيار وغير قابل لوقوعه مورداً
للإلزام والالتزام، وحينئذٍ لا مانع من الإجارة مع اشتراط البرء بعد كون متعلّق الإجارة ذات المعالجة المقدورة، وإن كان للمشروط له الخيار عند تخلّف
الشرط .
وأمّا وجه الصحّة بعنوان الجعالة فهو أنّ الجعالة لا إلزام والتزام على العامل فيها لكي يشترط فيها
القدرة ، فلا غرر فيها وليس
التعليق مبطلًا فيها، بل ربّما يعمل العامل فيها برجاء
الإصابة المستتبع لاستحقاق الجعل، وهو لا ضير فيه أصلًا، وحينئذٍ فقياسها على باب الإجارة- كما فعل ذلك السيّد اليزدي- غير صحيح.
اختلف الفقهاء في جواز
التداوي بالمسكرات وسائر المحرّمات، وظاهر الروايات
المنع مطلقاً، كصحيحة
الحلبي ، قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن دواء عجن بالخمر، فقال: «لا واللَّه، ما احبّ أن أنظر إليه، فكيف أتداوى به...»،
ولكن يمكن حملها على المبالغة في عدم حصول البرء في المحرّم، أو على عدم جواز التداوي بالمحرّمات مع
إمكان التداوي بغيرها، أو على طلب البرء والصحّة، لا
حفظ النفس ودفع الضرر، فيمكن
تجويز التداوي بها مع العلم بحصول البرء بها لا بغيرها، فيجوز شربها لحفظ النفس بها؛ للأمر به وللنهي عن
إلقاء النفس في
التهلكة ؛
لقوله تعالى: «وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ».
والتفصيل في محلّه.
يستحبّ عدم
التعجيل في شرب الدواء ومراجعة الطبيب إلّامع
اليأس من البرء بدونها؛
وذلك لعدّة نصوص، كرواية
السكوني عن أبي عبد اللَّه الصادق عليه السلام قال: «من ظهرت صحّته على سقمه فيعالج نفسه بشيء فمات فأنا إلى اللَّه منه بريء».
ورواية عثمان الأحول عن أبي الحسن عليه السلام قال: «ليس من د
وا ء إلّاويهيّج
داء ، وليس شيء
أنفع في
البدن من
إمساك اليد إلّاعمّا يحتاج إليه».
تختلف دية
الجناية على الأعضاء مع البرء وعدمه، ولها مصاديق وفروع كثيرة:
منها: شقّ الشفتين حتى تبدو
الأسنان ولم يبيّن شيئاً منهما، فعليه ثلث الدية إن لم تبرأ ولم تلتأم، فإن برأت فخمس الدية.
وفي إحداهما إذا شقّت ثلث ديتها إن لم تبرأ، فإن برأت فخمس ديتها؛
لعدّة أخبار، كقول
أمير المؤمنين عليه السلام : «وإذا قطعت
الشفة العليا واستؤصلت فديتها خمسمئة دينار، فما قطع منها فبحساب ذلك، فإن انشقّت حتى تبدو منها الأسنان ثمّ دوويت وبرأت والتأمت فديتها مئة دينار، فذلك خمس دية الشفة إذا قطعت واستؤصلت...».
ومنها: دية
الأنف إذا نفذت فيه نافذة فبرأت والتأمت، فديتها خمس دية
روثة الأنف؛ (ورَوثَةُ الأنف: طرفه. )
لقول أمير المؤمنين عليه السلام: «... وإن كانت نافذة فبرأت والتأمت فديتها خمس
دية الأنف مئتا
دينار ...».
ومنها: دية كسر
الصلب ، (الصُّلب: كلّ ظهر له فقار.)
فقد ذهب الفقهاء إلى أنّ دية كسر الصلب ألف دينار، فإن جبر فبرأ على غير عثم (العَثْم:
إساءة الجبر حتى يبقى فيه أوَد كهيئة
المشش . وعَثَم
العظم المكسور، إذا انجبر على غير
استواء . )
ولا عيب، فديته مئة دينار، عشر دية كسره؛
وذلك لقول أمير المؤمنين عليه السلام: «... وإن كسر الصلب فجبر على غير عثم ولا
عيب ، فديته مئة دينار، وإن أعثم فديته ألف دينار...».
ومنها:
المشهور أنّ في كسر العظم من كلّ عضو كان له مقدّر في
الشرع خمس دية ذلك العضو، فإن صلح على غير عيب ولا عثم فديته أربعة أخماس دية كسره. وفي
موضحته ربع دية كسره، وفي رضّه ثلث دية ذلك العضو، فإذا برأ على غير عيب ولا عثم فديته أربعة أخماس دية رضّه، وفي فكّه من العضو بحيث يصبح العضو
عاطلًا ثلثا ديته، فإن برأ على غير عيب ولا عثم فأربعة أخماس دية فكّه، وغيرها.
المشهور بين الفقهاء جواز
الاقتصاص قبل
الاندمال والبرء؛
لأنّ أدلّة
القصاص تشمل
المقام كقوله تعالى: «وَالجُرُوحَ قِصَاصٌ».
وذهب
الشيخ الطوسي إلى عدم جوازه؛
لرواية
إسحاق بن عمّار عن
جعفر عليه السلام : «أنّ عليّاً عليه السلام كان يقول: لا يقضى في شيء من الجراحات حتى تبرأ».
ذهب الفقهاء إلى أنّ المريض والمستحاضة لا يجلدان إذا لم يجب
القتل و
الرجم ويتوقّع بهما البرء. واستند في ذلك إلى خوف
السراية ،
وكذلك لعدّة روايات:
منها: رواية
مسمع ابن عبد الملك عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «أنّ
أمير المؤمنين عليه السلام اتي برجل أصاب حدّاً وبه قروح ومرض وأشباه ذلك، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أخّروه حتى تبرأ، لا تنكأ قروحه عليه فيموت، ولكن إذا برأ حددناه».
ومنها: رواية السكوني عن أبي عبد اللَّه عليه السلام أيضاً قال: «لا يقام الحدّ على
المستحاضة حتى ينقطع الدم عنها».
ثمّ إنّه إذا اجتمع الجلد و
الرجم ذهب بعض الفقهاء إلى وجوب
تأخير الرجم عن الجلد حتى يبرأ منه؛
تأكيداً للزجر.
وذهب بعض آخر إلى
استحبابه ؛ لأنّ القصد
الإتلاف فلا فائدة في التأخير.
وقال بعضهم بعدم جواز تأخيره؛
لرواية السكوني عن
جعفر عن
أبيه عن علي عليهم السلام- في
حديث - قال: «ليس في الحدود نظر
ساعة ».
وقال
ابن الجنيد : إنّه يجلد قبل الرجم بيوم؛
لما روي من أنّ أمير المؤمنين عليه السلام جلد
شراحة يوم
الخميس ورجمها يوم
الجمعة .
والتفصيل في محلّه.
الموسوعة الفقهية، ج۲۰، ص۱۹۶-۲۰۸.