الإفساد
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو بمعنى
الإبطال أو إذهاب
الثواب أو سلب
الانتفاع المقصود من الشيء.
الإفساد: من الفساد، وهو خلاف
الصلاح .
ويستعمله
الفقهاء بمعنى الإبطال، كإفساد
الصلاة والصوم بمعنى إبطالهما
بالإخلال بالشرائط أو الأجزاء أو
بالإتيان بالمنافي في الأثناء.
أو مجرّد إذهاب الثواب فقط لا
البطلان الموجب
للإعادة أو
القضاء كما في العجب الذي يوجب الحرمان عن إعطاء الثواب.
وبمعنى سلب الانتفاع المقصود بالعين، كإفساد الماء إذا تغيّر بالنجاسة، كما جاء في
رواية ابن بزيع عن
الإمام الرضا عليه السلام: «ماء البئر واسع لا يفسده شيء إلّا أن يتغيّر».
وبمعنى
إرهاب الناس وقطع الطريق عليهم وسلب الأمن، ويطلق على المفسِد بهذا المعنى عنوان
المحارب ، فيجري عليه حدّ المحارب، والظاهر أنّه يستعمل مع القرينة، وهي الجار والمجرور.
وهو إفساد الشيء
وإزالته ، سواء كان ذلك الشيء حقّاً أو باطلًا،
قال سبحانه وتعالى: «لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ».
إلّا أنّ الإفساد أعم من الإبطال؛
لأنّ الإفساد قد يكون فعلًا خارجياً يتعلّق بالأعيان والأعمال ويؤدّي إلى إبطال الانتفاع بها عند
العرف ، وقد يكون فعلًا خارجياً يفضي إلى إبطال الانتفاع عند
الشرع بمعنى أنّ المنظور فيه تعيّب العمل شرعاً وعدم ترتّب الأثر عليه، وقد يكون مبطلًا للانتفاع عند العقل كما لو ألقى المتاع في البحر أو سلّمه إلى
ظالم بحيث لا يرجى عوده، فإنّ ذلك
إتلاف على صاحبه وإفسادٌ عليه.
وهو بمعنى
الإهلاك ، وإتلاف الشيء
إخراجه من أن يكون منتفعاً به منفعة مطلوبة منه عادة.
فالإفساد أعمّ من الإتلاف.
وهو نكث ما احكم وحلّه، كنقض الحبل المبرم المفتول، ونقض البناء المحكم، وهو ضدّ
الإبرام الذي هو
الإحكام .
والإفساد أعم من النقض؛ لأنّ الأخير يقترب من الإبطال في المعنى، كما قد يلحق الإفساد ما لا استحكام فيه أيضاً.
تعرّض
الفقهاء للإفساد في الأبواب المختلفة من
الفقه كالصلاة والصوم والحجّ والبيع والنكاح والأطعمة والحدود ، ويبدو منهم أنّ الإفساد قد يكون تكوينياً كإفساد
العبادة بقطعها والإفساد في الأرض وإفساد المبيع
بالاختبار .
وقد يكون قانونياً كما في حالات إفساد
المعاملات بالشرط الفاسد.
والإفساد الذي يساوق الإبطال تحدّث عنه الفقهاء على مستويات عدّة أهمّها إفساد العبادة،
ونيّة إفساد العبادة، في الصلاة والصوم
والاعتكاف والحج
والعمرة ، متعرّضين فيه لقاعدة
حرمة إبطال العبادة بين مثبتٍ ونافٍ، ومتحدثين أيضاً عن دور نية الإفساد في إبطال العمل.
وأيضاً عن إبطال المعاملات، وإبطال الإنسان عمل نفسه وعمل غيره، وآثار هذا الإبطال، وكذلك عن الإبطال بمعنى
الإحباط وزوال الثواب .
هذا وقد تحدّث الفقهاء عن الإفساد- بعنوانه- في مواضع عدّة أهمّها:
وهناك موارد عدّة يراجع تفصيلها في مواضعها، ومجملها ما يلي:
إفساد العبادة بمعنى إبطالها ورفع اليد عن إتيانها تماماً في الأثناء، أو يأتي بشيء لا يصحّ معه
الإتمام ، ويخرج عن قابليّة التحاق الأجزاء اللاحقة بسابقتها كي يتمّ العمل ويوجد صحيحاً.
وقد ادعي هنا وجود قاعدة فقهيّة وهي:
حرمة إبطال الأعمال العباديّة إلّاما خرج بالدليل، وبناءً على هذه القاعدة يحرم إفساد العبادة إلّا ما خرج بالدليل.
والواجبات على قسمين: مضيّقة وموسّعة، أمّا الواجبات المضيّقة كصوم شهر
رمضان والنذر المعيّن والاعتكاف الواجب بالنذر المعيّن أو بمضيّ يومين، والواجبات الفورية كالحجّ والعمرة، فيحرم إفسادها؛ نظراً إلى أنّ ذلك موجب لتفويت الواجب وتركه في وقته،
أو أنّه موجب لمخالفة فوريّته.
وكذلك يحرم إفساد صوم
قضاء شهر رمضان إذا صادف آخر
شعبان بحيث لا يبقى له وقت قبل حلول شهر رمضان للقضاء.
وكذلك يحرم إفساد صوم قضاء شهر رمضان بعد الزوال وإن لم يصادف كذلك، بل كان متمكّناً من القضاء قبل حلول شهر رمضان.
وتفصيل ذلك كلّه في محلّه، ومثله على تفصيل في الصور والحالات ما ذكروه في الحج والعمرة والاعتكاف.
وأمّا الواجبات الموسّعة غير العباديّة فيجوز إفسادها، ولا يحرم قطعها ما لم يؤدّ إلى تفويت الواجب، وكذلك سائر
المستحبّات .
وفي خصوص الصلاة، فقد ادّعي نفي الخلاف
والإجماع على
حرمة إفساد الواجبة منها بمعنى قطعها ورفع اليد عنها،
فلا يجوز قطعها
اختياراً .
نعم، يجوز قطعها
لضرورة أو
عذر ، كما إذا خاف
تلف نفس أو
مال أو فوات
غريم أو تروّي الطفل أو
الغريق الذي يخاف هلاكه أو الحريق الذي يلحقه.
وقد ادّعي نفي وجدان الخلاف في ذلك.
تحدّث الفقهاء عن نيّة إفساد العبادة في جملة من العبادات، كالتالي:
أ- نيّة إفساد الصلاة:
تجب النيّة في الصلاة، ويجب
استمرار حكمها، بمعنى أن لا يقع فعل من أفعالها مع نقض النيّة، فلو نوى الخروج من الصلاة وأتى ببعض أفعالها بدون تجديد النيّة بطلت صلاته؛ لوجوب
الاستدامة ، بمعنى عدم خلوّ جزء من الصلاة عنها.
وأمّا لو نوى الخروج من الصلاة بعد أن حصلت النيّة الصحيحة منه، ثمّ رفض ذلك قبل أن يقع منه شيء من أفعال الصلاة وعاد إلى النيّة الاولى، فهل تبطل صلاته بمجرد ذلك أو لا؟
وقع الخلاف في ذلك بين الفقهاء على قولين، فذهب جماعة إلى
البطلان بذلك،
فيما ذهب آخرون إلى عدم البطلان.
ب- نيّة إفساد الصوم:
يشترط في صحّة الصوم النيّة، فلو أمسك عن
المفطرات بدون نيّة الصوم لا ينعقد صومه، والمعروف عند الفقهاء أنّه لو نوى
الإفطار في أوّل النهار في شهر
رمضان أو المعيّن ثمّ تاب وجدّد النيّة لم ينعقد صومه ووجب عليه
القضاء .
وأمّا لو عقد نيّة الصوم ثمّ نوى الإفطار ولم يفطر لكن جدّد نيّة الصوم بعد ذلك فالمشهور بين الفقهاء
أنّه لا يفسد صومه بل يكون صحيحاً،
وذهب بعض الفقهاء إلى أنّه مفسد للصوم.
وقال
المحقق النجفي : «والتحقيق حصول البطلان بنيّة القطع التي هي بمعنى إنشاء رفع اليد عمّا تلبّس به من الصوم على نحو إنشاء الدخول فيه؛ ضرورة خلوّ الزمان المزبور عن النيّة فيقع باطلًا...
وأمّا نيّة القطع بمعنى
العزم على ما يحصل به ذلك وإن لم يتحقّق الإنشاء المزبور، وكذا نيّة القاطع فقد يقوى عدم البطلان بهما؛
استصحاباً للصحّة السابقة التي لم يحصل ما ينافيها».
الشرط الفاسد في العقد تارة يكون مخلّاً به، واخرى لا يكون كذلك.
أمّا القسم الأوّل فلا إشكال في أنّه يوجب فساد العقد فيكون مفسداً له، وذلك كاشتراط أمر مجهول، فإنّ هذا الشرط فاسد لأجل
الجهالة فيفسد
العقد ؛ لرجوع الجهالة فيه إلى جهالة أحد
العوضين ، فيكون
البيع - مثلًا-
غرريّاً .
وكذلك لو كان
الاشتراط موجباً لمحذور آخر في البيع كاشتراط بيع المبيع من البائع ثانياً، فإنّه مفسد للبيع؛ لأنّه موجب للدور أو لعدم القصد إلى البيع الأوّل أو لغير ذلك، وكاشتراط جعل الخشب المبيع صنماً، فإنّه مفسد للبيع؛ لأنّ
المعاملة على هذا الوجه أكل للمال بالباطل.
وأمّا القسم الثاني- وهو ما كان فساده لا لأمر مخلّ بالعقد- فهل يكون مجرّد فساد الشرط مفسداً للعقد أو يبقى العقد على الصحّة ويبطل الشرط الفاسد خاصّة؟
اختلف الفقهاء فيه على قولين،
.
الرضاع المحرّم يمنع من
النكاح سابقاً ويبطله لاحقاً، فلو تزوّج رضيعة فأرضعتها من يفسد نكاح الصغيرة برضاعها كامّه وجدّته واخته وزوجة الأب والأخ إذا كان لبن المرضعة منهما فسد النكاح، فإن انفردت المرتضعة بالارتضاع مثل أن سعت إليها فامتصّت ثديها من غير شعور المرضعة سقط
مهرها ؛ لبطلان العقد الذي باعتباره يثبت المهر.
وكذلك لو كانت له زوجتان: كبيرة وصغيرة فأرضعت الكبيرة الزوجة الصغيرة من لبن الزوج حرمتا عليه أبداً، وفسد نكاحهما مع الدخول بالكبيرة.
من الواضح أنّه لا يجوز إفساد مال الغير بغير إذنه أو طاقةً من طاقاته، أو مال الشخص نفسه لو كان في إفساده
إضراراً بالنفس أو
إسرافاً محرّماً.
وقد تحدّث الفقهاء عن الإفساد بهذا المعنى في أبواب متفرقة من
الفقه كالإسراف
والغصب والضمان والقصاص والحدود والديات والتعزيرات ، تنظر في محالّها لأنّها تفوق حدّ الحصر.
مع ذلك، تحدّثوا بعنوان الإفساد مستخدمينه في بعض المواضع المتفرقة، أبرزها:
يجوز للمارّ بثمرة
النخل أو الفواكه أو نحوهما أن يأكل منها بشروط، منها: عدم الإفساد، فلا يجوز مع الإفساد،
بل ادّعي عليه
الإجماع .
ففي
خبر عبد اللَّه بن سنان عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: «لا بأس بالرجل يمرّ على الثمرة ويأكل منها ولا يفسد...».
وفي
مرسلة يونس عنه عليه السلام أيضاً قال: سألته عن الرجل يمرّ بالبستان...
هل يجوز له أن يأكل من ثمره... ؟
قال: «لا بأس أن يأكل ولا يحمله ولا يفسده».
والمراد بالإفساد أن يأكل كثيراً بحيث يؤثّر فيها أثراً بيّناً ويصدق معه الإفساد عرفاً، ويختلف ذلك بكثرة الثمرة والمارّة وقلّتهما، على ما صرّح به بعضهم.
لو أدّى
اختبار المبيع المقصود منه الطعم أو الريح
بالذوق أو
الشمّ إلى إفساده- كالبطّيخ والجوز والبيض- جاز بيعه بدون الاختبار، فإن خرج
معيباً فله
الأرش خاصّة إن كان لمكسوره
قيمة ،
والثمن بأجمعه إن لم يكن كذلك كالبيض الفاسد.
لا إشكال في حرمة الإفساد بين
المسلمين بإيقاع العداوة بينهم
والنميمة فيهم.
وكلّ ما يؤدّي إلى شقّ عصاهم، وتمزيق كلمتهم، وكذلك ما يتصل بتدهور حالهم الاقتصادي والسياسي بإفساد قوّتهم ومكانتهم الدولية، أو إفساد مستواهم العلمي والثقافي والديني بنشر
الجهل والخرافة والضلالة فيهم وغير ذلك.
وهذا واضح من كلام
الفقهاء في الأبواب الفقهية المختلفة.
ومن مصاديق هذا النوع من الإفساد ما ذكروه في إفساد المرأة على زوجها
بإغرائها بطلب
الطلاق كي يتزوّجها وهو محرّم
شرعاً .
والمراد منه
إشهار السلاح على المسلمين
وإخافتهم ، وقطع الطريق عليهم، وسلب الأموال منهم،
وهتك الأعراض ،
وقتل النفوس ونحو ذلك، ويصدق عليه عنوان
المحارب ، فيجري عليه
حدّ المحارب بالشرائط المذكورة في الحدود.
قال اللَّه تعالى: «إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ».
الموسوعة الفقهية، ج۱۵، ص۲۹۱-۲۹۸.