الإخافة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو جعل
المرء خائفاً و
الخوف بمعنى
الفزع وهو حالة تصيب
الإنسان عند
توقّع حدوث
المكروه .
الخوف :
الفزع و
الذعر ،
وضدُّه
الأمن .
وهو حالة تصيب
الإنسان عند توقّع حدوث
مكروه .
والإخافة- وزان
إفالة - مصدر أخاف مشتقّ منه، اضيفت
الهمزة إليه
للتعدية، يقال: أخافه إخافة وإخافاً.
وأصل الإخافة إخوافاً حُذِفت الواو
تخفيفاً بعد نقل حركتها إلى ما قبلها وعُوّضت عنها التاء
المصدريّة .
والإخافة و
التخويف بمعنى واحد وهو
إلقاء الخوف في النفس، يقال: خوّفت الرجل إذا جعلته خائفاً.
يستعمل الفقهاء لفظ (الإخافة) في معناه اللغوي، فليس لديهم
اصطلاح خاصّ به.
هو
التخويف مع
إعلام موضع المخافة، فإذا خوّف الإنسان غيره وأعلمه حال ما يخوّفه به فقد أنذره،
فالإنذار أخصّ من التخويف.
تخويف الغير بداعي دفعه إلى
اتّخاذ جانب
الحيطة والحذر فيما هو
مُزمِع على فعله؛ لأنّ الحذر بمعنى
التحفّظ عن
الوقوع فيما لا يراد من المهالك،
والخوف يستعمل في مورد الشكّ في وقوع الضرر، و
التحذير يستعمل في
العلم بوقوعه أيضاً.
تسبيب
النّفرة وهي
التباعد فجأة لفزع أو كراهية أو غيرهما،
وتنفير الصيد
التسبيب إلى فراره و
ابتعاده بالإفزاع
و
الإزعاج .
وفرقه عن الإخافة واضح؛ لأنّها تكون بمثابة السبب
للتنفير .
هما الإنذار بالشرّ والتخويف به.
والفرق بينهما وبين الإخافة: أنّ مفهوم الإخافة لا يتضمّن محاولة
المنع من فعل شيء بخلاف
التوعّد و
التهديد فإنّهما يصدران لمنع الإنسان من فعلٍ معيّن.
تقدّم أنّ الإخافة تستعمل عند
الفقهاء بمعناها اللغوي والعرفي، فالضابط في تحقّقها هو
العرف ، ولا يشترط العرف في صدقها: تحقّقها بوسيلة خاصّة حتّى السلاح الذي اشترطه البعض في صدق عنوان
المحاربة ،
فإنّه شرط في خصوص تلك الحصّة دون المفزع ونحوه.
والظاهر عدم
اعتبار القصد فيها أيضاً، فتصدق ولو من
الغافل .
يختلف حكم الإخافة تبعاً
لاختلاف الموارد المتعلّقة بها، فهي قد تكون حراماً كما في إخافة
المسلم ، وقد تكون واجبة كإخافة العدو، كما قد تكون مباحة كإخافة المؤذيات وغيرها، وفيما يلي تفصيل لكلّ واحدٍ من موارد الإخافة:
لا ريب في حرمة إخافة المسلم و
ترويعه ؛ لورود الأدلّة الصريحة في ذلك:
۱- ما رواه
عبد اللَّه بن سنان عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم:
من نظر إلى
مؤمن نظرة ليخيفه بها أخافه
اللَّه عزّ وجلّ يوم لا ظلّ إلّا ظلّه».
۲- وعن
عبد اللَّه بن سليمان النوفلي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: أنّه قال في
رسالته إلى
النجاشي : «يا عبد اللَّه! إيّاك أن تُخيف مؤمناً، فإنّ أبي
محمّد بن عليّ حدّثني عن
أبيه عن جدّه
عليّ بن أبي طالب عليه السلام أنّه كان يقول: من نظر إلى مؤمن نظرة ليخيفه بها أخافه اللَّه يوم لا ظلّ إلّا ظلُّه، وحشره في صورة الذرّ لحمه
وجسده وجميع
أعضائه حتّى يورده مورده»،
۳- وعن
بكر بن أحمد بن محمّد عن فاطمة بنت
الرضا عن أبيها عن علي عليهم السلام قال: «لا يحلّ لمسلم أن يروّع مسلماً».
۴- وعن
أبي إسحاق الخفّاف عن بعض
الكوفيين عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «من روّع مؤمناً
بسلطان ليصيبه منه مكروه فلم يُصبه فهو في
النار ، ومن روّع مؤمناً بسلطان ليصيبه منه مكروه فأصابه فهو مع
فرعون وآل فرعون في النار».
ولذلك كلّه صرّح بعض الفقهاء بحرمة إخافة المؤمن وترويعه، بل عدّها بعضهم
كالمحقّق الأردبيلي من جملة المحرّمات القادحة في
العدالة .
إخافة
الناس وترويعهم هي المناط في صدق المحاربة عند مشهور الفقهاء، لكن بشرط
إشهار السلاح، وهي حرام تكليفاً،
مقتضية للعقوبة وضعاً حيث يكون
الإمام مخيّراً فيها بين النفي أو القتل أو الصلب أو
تقطيع الأيدي والأرجل من خلاف. وفي المسألة أقوال اخر.
ويأتي
التعرّض لتفصيل ذلك كلّه في محلّه.
لا ريب في جواز إخافة العدوّ، بل لا ريب في وجوبها أيضاً إن توقّف
اندحاره وتراجعه عليه، بلا فرق في ذلك بين جميع أقسام
الجهاد .
وبالأوّل صرّح بعض فقهائنا كمقدّمة للبدء بالقتال. قال
أبو المجد الحلبي : «وينبغي قبل وقوع
الابتداء به تقديم
الإعذار والإنذار والتخويف و
الإرهاب ، و
الاجتهاد في
الدعاء إلى
اتّباع الحقّ والدخول فيه، والتحذير من
الإصرار على مخالفته والخروج عنه».
وبالثاني صرّح بعض آخر لكن في قسمين من أقسام الجهاد وهما: الدفاعي الصرف، والدفاع للجهاد.
قال
الشيخ جعفر كاشف الغطاء : «إن ظنّ أنّ
الكلام الخشن والتهديد والتخويف يدفعهم أتى به واقتصر عليه، وإن ظنّ عدم
التأثير أو زيادة جُرأتهم قدّم السيف».
ومن الواضح ثبوت ذات الحكم في القسم الثالث وهو الجهادي الصرف؛ لأنّ
المناط في الثلاثة واحدٌ، وهو حصول الغرض به دون تعريض دماء المسلمين للسفك. وتفصيل ذلك في محلّه.
يجوز بل يجب تخويف
الظالم و
الآثم لمنعهما من الظلم والإثم؛ لدخوله في باب
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اللذين يُعدّان من جملة الفرائض الدينيّة المهمّة. لكنّ وجوبه ليس على سبيل التعيّن، والمتعيّن
الإتيان بما يحصل الغرض به، وهو وقوع المعروف و
ارتفاع المنكر، والإخافة والتخويف ممّا يحصل به أحياناً.
والتفصيل في ذلك موكول إلى محلّه.
الكافر
مُعاهد وغير معاهد، فالمعاهد تجري فيه بنود العهد، وقد يكون الأمن وعدم الإخافة أحدها، بل أهمّها غالباً؛ لأنّه المقصود ابتداءً من
العهد .
وبما ذكرناه جاءت فتاوى فقهائنا.
وتفصيل ذلك في محلّه.
يتوقّف
تأديب الإنسان و
تربيته أحياناً بل عادة على إنذاره وتخويفه بما يخاف ويكره. والإخافة في هذا القسم شأنها في سائر الأقسام الاخرى قد تكون بالقول بالوعظ والإنذار، كما في الآيات
القرآنية المنذرة والمخوّفة من سوء الأعمال، و
الخطب و
الكلمات البليغة المحذّرة من مساوئ الأفعال، وقد تكون بالفعل
بإيقاع العقوبة والعذاب المؤلم. وينتظم في سياق الأوّل
استحباب قراءة القرآن بما يتضمّن من آيات التهديد والوعيد، وسؤال اللَّه سبحانه
الرحمة عند
قراءة آيتها، والتعوّذ به من
النقمة عند قراءة آيتها أيضاً على ما صرّح به الفقهاء ونطقت به
الأخبار .
قال
الفاضل الهندي : «ويستحبّ سؤال الرحمة عند آيتها و
التعوّذ من النقمة عند آيتها؛ لقول الصادق عليه السلام في خبر
سماعة :
«ينبغي لمن قرأ القرآن إذا مرّ بآية من القرآن فيها مسألة أو تخويف أن يسأل عند ذلك خير ما يرجو، ويسأله
العافية من النار ومن العذاب».
وفي مرسل
ابن أبي عمير : «ينبغي للعبد إذا صلّى أن يرتّل في قراءته، فإذا مرّ بآية فيها ذكر الجنّة وذكر النار سأل اللَّه الجنّة، وتعوّذ باللَّه من النار...»
».
ويندرج في هذا
السياق أيضاً وجوب الخطب في صلوات
الجمعة و
العيدين ؛ لما ورد فيها من الأمر
بالتقوى والتخويف من عذاب اللَّه تعالى والتحذير من معصيته، بل صرّح بعض الفقهاء بأنّ الغرض منها ذلك.
هذا
مضافاً إلى استحباب
الوعظ و
الإرشاد في نفسه.
وينتظم في سياق الثاني التخويف بالآيات المختلفة
كالكسوفين والزلازل والسيول وهبوب الرياح الشديدة
والأعاصير وغير ذلك من الآيات المخوفة، والتي اعتبرت المناط لوجوب
صلاة الآيات المعروفة من قبل بعض الفقهاء في بعض الموارد.
كما يدخل فيه أيضاً العقوبات والأفعال
التأديبيّة من قبيل ضرب
الولي الصغير والمجنون،
وهجر الزوجة
الناشزة وضربها من قبل زوجها،
وضرب العبد العاصي لأمر سيّده
ومعاقبته من قبله، و
إجراء الحدود و
التعزيرات الماليّة والبدنيّة بحق مرتكبي المعاصي و
المخلّين بالأخلاق والنظم
القانونيّة و
الاجتماعيّة من قبل الحاكم الشرعي والولي
المفترض الطاعة. وتفصيل ذلك يأتي في محالّه.
تحرم إخافة داخلِ
المسجد الحرام وترويعه وإن كان ذلك بحقّ؛ لمكان أمنه الذي دلّت عليه الآيات والروايات الكثيرة التي تفوق حدّ
التواتر ، ومنها قوله تعالى:
«وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً».
وقد روى
سماعة بن مهران أنّه قال:
سألت الصادق عليه السلام عن رجل عليه مال فغاب عنّي زماناً فرأيته يطوف حول
الكعبة فأتقاضاه؟ قال: «لا تسلّم عليه، ولا تروّعه حتّى يخرج من الحرم».
نعم، يضيّق عليه في
المطعم و
المشرب حتّى يخرج منه، فيطالب. ومثله من وجب عليه حدٌّ من الحدود فالتجأ إليه. هذا إذا لم تحصل
الاستدانة أو ارتكاب موجب الحدّ في الحرم نفسه وإلّا طولب وحُدّ فيه. وبهذا المعنى وردت كلمات الفقهاء.
قال والد الصدوق
علي بن بابويه : «إذا كان لك على رجل حقٌّ ووجدته بمكّة أو في الحرم فلا تطالبه، ولا تسلّم عليه فتفزعه إلّا أن يكون قد أعطيته حقّك في
الحرم فلا بأس بأن تطالبه به في الحرم».
وقال
الشيخ الطوسي : «إذا رأى صاحب
الدين المديون في الحرم لم يجز له
مطالبته فيه ولا
ملازمته ، بل ينبغي له أن يتركه حتّى يخرج من الحرم ثمّ يطالبه كيف يشاء».
وقال
العلّامة الحلّي : «لو التجأ المديون إلى الحرم لم تجز مطالبته فيه، بل يضيّق عليه في المطعم والمشرب إلى أن يخرج ويطالب حينئذٍ، وكذا إن وجب عليه حدٌّ فالتجأ إليه؛ لقوله تعالى: «وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً»..»، ثمّ ذكر رواية سماعة.
لكن منع
ابن إدريس من حرمة المطالبة وإن أقرّ بحرمة الإفزاع والترويع.
قال بعد ذكره كلام الشيخ: «قول الشيخ محمول على أنّ صاحب الدين طالب المديون خارج الحرم ثمّ هرب منه فالتجأ إلى الحرم، فلا يجوز لصاحب الدين مطالبته ولا إفزاعه، فأمّا إذا لم يهرب إلى الحرم ولا التجأ إليه خوفاً من المطالبة بل وجده في الحرم وهو مليٌّ بماله،
موسر بدينه، فله مطالبته وملازمته، وقول ابن بابويه: (إلّا أن تكون...) يلوح بما ذكرناه، ولو كان ما روي صحيحاً لورد ورود أمثاله متواتراً، و
الصحابة والتابعون والمسلمون في جميع
الأعصار يتحاكمون إلى الحكّام في الحرم، ويطالبون
الغرماء بالديون، ويحبس الحاكم الغرماء على
الامتناع من
الأداء إلى عصرنا هذا من غير تناكر بينهم في ذلك، والإنسان
مسلّط على أخذ ماله والمطالبة به عقلًا وشرعاً».
وعلّق العلّامة الحلّي عليه: «و
الأقرب عندي كراهة ذلك على تقدير
الإدانة خارج الحرم دون
التحريم ؛ عملًا بالأصل و
الإباحة مطلقاً على تقدير الإدانة في الحرم»، ثمّ ذكر عبارة
ابن البرّاج ومنعه ونقل موافقة
أبي الصلاح له، وحَمَلَها على
الكراهة .
وردّه صاحب
الحدائق بأنّ ظاهر النهي التحريم لا الكراهة.
لكنّ
الاختلاف الموجود بين الفقهاء لا يرجع إلى حرمة إخافة
المسلم في الحرم، بل إلى حرمة المطالبة وعدمها. ومحلّ تفصيل الكلام عن المطالبة في محلّه.
والكلام في إجراء الحدّ أو
القصاص على
مرتكب موجبهما كذلك لا يرجع إلى حرمة الإخافة في الحرم أيضاً. وتفصيله يأتي في محلّه.
كما تحرم إخافة الصيد
البرّي في الحرم أيضاً؛ لورود الروايات الصريحة بالمنع منه: ففي صحيحة عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سألته عن قول اللَّه عزّ وجلّ: «وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً» البيت عنى أو الحرم؟ فقال: «من دخل الحرم من الناس
مستجيراً به فهو آمن من سخط اللَّه عزّ وجلّ، ومن دخله من
الوحش و
الطير كان آمناً من أن يهاج أو يؤذى حتّى يخرج من الحرم»،
وبذلك وردت كلمات فقهائنا.
هذا مع كون الفاعل محلّاً. وأمّا لو كان
محرماً فيحرم عليه إخافة الصيد البرّي مطلقاً في الحرم وخارجه، لمكان الإحرام، وقد وردت كلمات الفقهاء به.
قال الشيخ جعفر كاشف الغطاء: «يحرم على المحرم التعرّض له (الصيد) مباشرة أو تسبيباً، فيحرم
اصطياده و
ذبحه و
أكله وقتله و
الإشارة إليه و
الدلالة عليه و
الإغلاق عليه وتنفيره وتخويفه وربطه وحبسه».
وتفصيله في محلّه.
اعتبر الفقهاء في تعريف
الإكراه توعّد المكرَه وتخويفه ممّا يحذره إن لم يرتكب ما يطلب منه.
وهذا النوع من الإخافة يسقط به
التكليف بالمنع، ويرتفع به أثر الفعل المنوط
بالاختيار كما في
آثار العقود و
الإيقاعات ومنها
الإقرار ، كما سيأتي بيانه في محلّه.
يستحبّ للقاضي تخويف
الحالف وتحذيره من الحلف و
تغليظ الحلف عليه لينصرف عنه.
والتفصيل في محلّه.
ذهب بعض الفقهاء إلى جواز تخويف
المستأجر الأجير المتّهم في ماله
بإقامة البيّنة أو
تحليفه قبل
المحاكمة لاستخراج الحقّ منه.
وذلك لما رواه
أبو بصير عن أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه قال: «لا يضمن
الصائغ ولا
القصّار ولا
الحائك إلّا أن يكونوا
متّهمين، فيخوّف بالبيّنة، ويستحلف لعلّه يستخرج منه شيئاً».
وحمل على غير ذلك.
والتفصيل يأتي في موضعه.
الموسوعة الفقهية، ج۷،ص۲۴۱-۲۴۹.