الإشهار
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو من الشهر بمعنى بروز الشيء وظهوره
وإعلانه بين
الناس .
الإشهار لغة: مصدر أشهر بمعنى أعلن، و
الشهر بمعنى
الإعلان و
الإظهار . يقال: شهرته بين
الناس وشهّرته، أي أبرزته وأوضحته.
وقال
الفيّومي : إنّ «أشهرته بالألف بمعنى شَهَّرتُهُ فغير
منقول ».
ولكن قال
الجوهري : «شهرت
الأمر ، أشهره شهراً و
شهرة ».
وقد استعمل
الفقهاء أشهر بمعنى شهر كثيراً. وشهر
سيفه أي سلّه من غمده ورفعه على الناس.
وقد استعمله الفقهاء في نفس
المعنى اللغوي.
وهو في
اللغة :
التبيين ، و
الإبراز بعد
الخفاء ،
وعلى هذا فإنّ الفرق بين الإظهار والإشهار: أنّ الإشهار هو
المبالغة في الإظهار. ومن هنا قالوا: يستحبّ إشهار
النكاح وإعلانه، ولم يقولوا: إظهاره؛ لأنّ إظهاره يكون
بالإشهاد عليه فحسب.
وهو ضدّ
الإسرار ، ويعني
المجاهرة والمبالغة في الإظهار،
ويلاحظ فيه قصد
الشيوع و
الانتشار ، وعلى هذا يكون معنى الإشهار والإعلان واحداً.
وهو في اللغة: الإظهار و
النشر ، يقال: أفشى السرّ، إذا أظهره،
وقد يكون
الإفشاء بنشر الخبر من غير مجاهرة ولا إعلان، وذلك ببثّه بين الناس، وعلى هذا فهو يخالف الإشهار من هذه
الناحية في بعض الموارد.
وهو
إيصال الخبر- مثلًا- إلى شخص أو طائفة من الناس،
سواء كان ذلك بالإشهار أم
بالتحديث من غير إشهار، وعلى هذا فهو يخالف الإشهار من هذه الناحية.
وهو لغة: إعلان الشيء وإظهاره، يقال: جهرتُ بالقول، إذا أعلنته.
فالجهر: هو المبالغة في الإظهار وعمومه، ألا ترى أنّك إذا كشفت الأمر للرجل والرجلين قلت: أظهرته لهما، ولا تقول: جهرت به إلّاإذا أظهرته للجماعة الكثيرة.
فالفرق بين الإشهار و
الجهر : أنّ الإشهار خلاف
الكتمان ، وهو إظهار المعنى للنفس، ولا يقتضي رفع
الصوت به، والجهر يقتضي رفع الصوت به، ومنه يقال: رجل جهير وجهوري، إذا كان رفيع الصوت.
(وكلامه وإن كان في الإعلان إلّاأنّه ينفع هنا بملاحظة تساوي معنى الإعلان والإشهار كما تقدّم. )
وهي لغة: مصدر أشاع، ومن معانيها: النشر و
التفريق والإظهار، فيقال: أشاع الخبر، أي نشره وأذاعه وأظهره.
وعلى هذا فمعنى
الإشاعة والإشهار في الأخبار واحد، وإن اطلقت الإشاعة في غير موارد
الإخبارات .
استعمل الفقهاء الإشهار في مواطن كثيرة، وهو ينقسم بحسب
استعمالهم إلى قسمين:
الأوّل: الإشهار
الراجح شرعاً.
والثاني: الإشهار غير الراجح، ويترتّب على كلّ واحد منهما أحكام نشير إلى أهمّها:
الأوّل-ما يرجح فيه الإشهار شرعاً:
يتعرّض الفقهاء إلى الأحكام المتعلّقة بالإشهار
المطلوب وما يراد منها في مواطن متفرّقة،
كالصلاة و
الزكاة والحجر والنكاح وغيرها، وفيما يلي نشير إليها بترتيب أبواب
الفقه :
يستحبّ للرجل الإشهار في
الأذان برفع الصوت،
وادّعي عدم
الخلاف فيه؛ لما فيه من
إبلاغ الغائبين، و
إقامة شعار
المسلمين ،
ولأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم
بلالًا به في رواية
عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه عليه السلام،
ولقول
الإمام الباقر عليه السلام في صحيح
زرارة : «لا يجزؤك من الأذان إلّا ما أسمعت نفسك أو فهمته، وكلّما اشتدّ صوتك من غير أن تجهد نفسك كان من يسمع أكثر، وكان
أجرك في ذلك أعظم».
وقول
الإمام الصادق عليه السلام في صحيح
عبد الرحمان : «إذا أذّنت فلا تخفين صوتك؛ فإنّ اللَّه يأجرك مدّ صوتك فيه».
وغير ذلك.
يستحبّ الإشهار في
إخراج الزكاة الواجبة؛ فإنّ ذلك مدعاة
لترغيب الآخرين في ذلك، وحثّهم عليه؛
فإنّ شيوع أمرٍ ما في الحياة
الاجتماعية يحدث انساً به لكلّ فرد وتكسر دونه الحواجز والمعوقات. و
المستند في ذلك خبر
ابن بكير عن رجل عن
أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى: «إِن تُبْدُوا
الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ»
قال: «يعني الزكاة المفروضة»، قال: قلت: «وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا
الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ»،
قال: «يعني
النافلة ، إنّهم كانوا يستحبّون إظهار
الفرائض وكتمان النوافل».
وموثّق
أبي بصير عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «... فكلّ ما فرض اللَّه عليك فإعلانه أفضل من إسراره، وكلّ ما كان
تطوّعاً فإسراره أفضل من إعلانه، ولو أنّ رجلًا يحمل زكاة ماله على عاتقه فقسّمها
علانية كان ذلك حسناً جميلًا».
يستحبّ للحاكم إذا حجر على
السفيه أن يشهر حاله، ويشيع حجره عند الناس؛ ليمتنعوا من معاملته، وتسلم أموالهم عليهم. وإن احتاج في ذلك إلى
النداء عليه نادى بذلك؛ ليعرفه الناس». وقد صرّح بعض الفقهاء
باستحباب إشهار حال
المفلّس والمعسر على الحاكم أيضاً،
بل ظاهر بعض آخر لزومه؛ ليعرفه الناس بذلك، فلا يعامل إلّامن قد رضي
بإسقاط دعواه عليه،
وادّعي
الإجماع عليه.
قال
الحلبي : «ويلزم الحاكم إشهار المفلّس؛ ليعرفه الناس بذلك، فلا يعامل إلّا من قد رضي بإسقاط دعواه عليه، وإذا أشهره لم تسمع دعوى أحد علم
بتفليسه ».
وقال
العلّامة الحلّي : «يستحبّ للحاكم
الإعلام بالحجر، والنداء على المفلّس، ويُشهد الحاكم عليه بأنّه قد حجر عليه، والإعلان بذلك بحيث لا يستضرّ معاملوه».
يستحبّ الإعلان والإشهار في
النكاح الدائم؛ لأنّه أنقى
للتهمة، وأبعد عن
الخصومة .
قال
الشيخ الطوسي : «النكاح على ثلاثة أضرب: ضرب منها هو النكاح
المستدام ... ويستحبّ فيه الإعلان والإشهاد عند
العقد ...».
تعرّض الفقهاء للإشهار في باب الحدود تارة بمعنى
إجراء الحدّ بمرأى الناس، واخرى بمعنى تشهير الفاعل القبيح، نشير إلى أهمّها فيما يلي:
ذهب الفقهاء إلى أنّه ينبغي
للإمام ومن قام مقامه إذا أراد
استيفاء الحدّ أن يعلم الناس ليتوفّروا على حضوره،
وادّعي عدم الخلاف فيه؛
لقوله تعالى: «وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ ».
ولما روي من فعل
أمير المؤمنين عليه السلام لمّا رجم
المرأة المقرّة، ومناداته في الناس حتى اجتمعوا، وعزم عليهم لمّا خرجوا معه، إلى آخر
القصّة .
وإن كان فعله عليه السلام ذلك لمرّة واحدة لا يدلّ على
الوجوب ولا الاستحباب. ولما فيه من
الاعتبار و
الانزجار من فعل القبيح، كما تقتضيه حكمة الحدود.
وإن كان هذا
التوجيه للاستئناس، وإلّا فالعمدة هنا هو الآية القرآنية.
ولكن اختلفوا في موضعين:
أحدهما: هل الأمر للوجوب أم للاستحباب؟ فذهب بعضهم إلى الأوّل،
وبعض آخر إلى الثاني.
ثانيهما: في أقلّ عدد تتحقّق به
الطائفة المأمورة في
القرآن أن تشهد إقامة الحدّ، فذهب بعضهم إلى أنّ أقلّها واحد،
وذهب بعض آخر إلى أنّ أقلّها عشرة،
وذهب ثالث إلى أنّ أقلّها ثلاثة.
وربما يكون المرجع في ذلك هو
الصدق العرفي بحيث يقال: إنّه اقيم الحد بمرأى طائفة من الناس، فلا ينضبط برقم معيّن.
ذهب بعض الفقهاء إلى أنّ حدّ
القذف لا يقتصر على ثمانين جلدة، بل يضاف إليها
التشهير .
قال
المحقّق الحلّي : «ويشهّر القاذف؛ لتجتنب
شهادته ».
القوّاد: هو الذي يجمع بين اثنين على
ارتكاب الفاحشة، سواء كانا رجلًا وامرأة أو رجلين أو امرأتين، بالغَين أو صبيَّين أو
مختلفَين . وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أنّ حدّ
القيادة خمس وسبعون جلدة
مضافاً إليه حلق الرأس، والتشهير في
البلد ، والنفي و
التغريب ،
وهو المنسوب إلى
المشهور ،
بل إلى الأصحاب،
بل ادّعي الإجماع عليه.
ولكن يختصّ التشهير- على القول به- بالرجال؛ إذ لا تشهير على النساء، ولا جزّ ولا نفي، وادّعي عليه
الاتّفاق ،
والإجماع.
ومع ذلك نسب بعض الفقهاء
القول بالتشهير إلى ال (قيل). وصرّح بعض آخر،
بعدم
الدليل عليه.
ذهب بعض الفقهاء إلى أنّ
المحتال على أموال الناس بالمكر و
الخديعة يغرم ما أتلفه، ويعاقب بما يردعه عن مثل ذلك في
المستقبل، ويشهّر؛ ليحذر منه الناس.قال الشيخ الطوسي: «والمحتال على أموال الناس بالمكر والخديعة... يجب عليه
التأديب والعقاب، وأن يُغرّم ما أخذ بذلك على
الكمال ، وينبغي للسلطان أن يشهّره بالعقوبة؛ لكي يرتدع غيره عن فعل مثله في مستقبل الأوقات».
لكن قال
المحقّق النجفي : «إنّ ما عن
المقنعة و
النهاية و
السرائر و
الوسيلة و
التحرير من شهر المحتال- ليحذر منه الناس- محمول على ما إذا رأى الحاكم ذلك
لمصلحة ».
ولعلّ ما دفع المحقّق النجفي لهذا القول عدم وجود دليل
معتبر من عقل أو نقل على ذلك، وأنّ الدليل الذي ذكروه مجرّد بيان لبعض مصالح التشهير، ولا يكون دليلًا في
مذهب الإمامية، لهذا فمن الأنسب ربط الأمر بنظر الحاكم تبعاً لما له من
ولاية في مثل هذه الامور.
صرّح بعض الفقهاء بأنّ
شاهد الزور يعزّر ويشهّر؛ ليعرفه الناس بذلك، فلا يسمع منه قول، ولا يلتفت إليه في شهادة، ويحذره المسلمون، وادّعي عدم الخلاف عليه؛
لخبر عبد اللَّه بن سنان عن الإمام الصادق عليه السلام: قال: «إنّ شهود الزور يجلدون جلداً ليس له وقت، ذلك إلى الإمام، ويطاف بهم حتى تعرفهم الناس».
ولموثّق
سماعة ».
الثاني-الإشهار
المرجوح شرعاً:
ونشير هنا إلى أهمّها:
يحرم إشهار
السلاح لإخافة الناس، وفاعله محارِب؛ لأنّ الفقهاء عرّفوا
المحارِب بأنّه من جرّد السلاح لإخافة الناس من قتل، أو نهب مال
محترم، أو هتك عرض كذلك، في برّ أو بحر، ليلًا أو نهاراً، في
مصر وغيره.
ولا فرق بين
الذكر والانثى والقويّ و
الضعيف بعد تحقّق القصد المتقدّم منه؛ لعموم الأدلّة. وخالف في ذلك ابن الجنيد، فاعتبر
الذكورة .
وصرّح بعضهم بأنّ
المحاربة تتحقّق بحمل
العصا والحجر ونحوهما أيضاً.
وأمّا حكم المحارب فقد صرّح الفقهاء بأنّ جزاءه القتل، أو الصلب، أو القطع مخالفاً، أو النفي،
وادّعي
الإجماع بقسميه عليه؛
لقوله تعالى: «إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ
فَسَاداً أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ».
وللمحارب أحكام عديدة تعرّض لها الفقهاء في مواضعها.
كما بحث الفقهاء حالات إشهار السلاح وما يترتّب عليه، كما لو أدّى إشهار السلاح إلى موت
إنسان وأنّه هل تترتّب
الدية على المحارب أم لا؟ وعلى تقدير
الترتّب فهل تكون عليه أم على العاقلة؟ وحالات تحقّق الموت وغير ذلك ممّا تعرّضوا له في موضعه.
صرّح بعض الفقهاء بكراهة سلّ
السيف في
المسجد ؛
لصحيحة
محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: «نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم عن سلّ السيف في المسجد... قال: إنّما بني لغير ذلك».
ويمكن
استفادة كراهة إشهاره أيضاً من طريق
الأولوية .
اختلف الفقهاء في حكم لبس السلاح وحمله حال
الإحرام على قولين: فذهب بعضهم إلى
الحرمة ،
ونسب إلى المشهور،
وذهب آخرون إلى
الكراهة .
وأضاف بعضهم إشهار السلاح إلى حمله.
قال الحلبي: «وأمّا ما يجتنبه المحرم ف.. حمل السلاح وإشهاره إلّا للمدافعة».
لا إشكال في أنّه لا يسمح
لأهل الذمّة بإشهار المنكرات في بلاد
الإسلام وإن كانت
مباحة عندهم، كشرب الخمور، وأكل لحم الخنزير، ونكاح
المحرّمات، والزنى ونحوها ممّا يعدّ من المناكير عندنا. نعم، اختلف الفقهاء في نقض عهد الذمّة بذلك وعدمه.
الموسوعة الفقهية، ج۱۳، ص۲۷۰-۲۷۸.