الإغراء
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو بمعنى
التحريك والتحريض والتحريص على شيء.
الإغراء لغة: تحريض الإنسان أو الحيوان على الشيء
وتهييجه به،
ومن ذلك قوله تعالى: «لَئِن لَمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ»،
أي نحرّضك عليهم.
وقد استعمله
الفقهاء في نفس المعنى اللغوي،
ومنه قولهم: الإغراء
بالقبيح ، وإغراء
الكلب بالصيد ، وكذلك الإغراء
بالجهل ، ويريدون بالأخير
إبقاء الآخر في الجهل
وإخفاء الحقيقة
وإظهار خلاف الواقع، وهذا المعنى يناسب ما ذكر في اللغة، من أنّ غرا الشيء غرواً: طلاه،
فإنّ الشيء المطلي يستر ويخفى بما يطلى به، ففي الإغراء هنا
تدليس على الطرف الآخر
وغش له.
يختلف حكم الإغراء باختلاف ما يغرى به، ووسيلة الإغراء، فالإغراء
بالجائز وبوسيلة
مباحة حلال .
وأمّا الإغراء بغير الجائز أو بوسيلة غير مباحة فيكون
حراماً .
من هنا فتارةً يغري الإنسان غيره بالقبيح فيكون حراماً.
واخرى: يغريه بالأفعال الحسنة فيكون
راجحاً .
وثالثة: يكون الإغراء
بالجهل ، وهذا قد يكون حراماً- كتقديم
الطعام النجس للغير
الجاهل بالنجاسة- وقد لا يكون كذلك
كالتورية لدفع
الظالم .
ورابعة: يكون إغراءً للكلب بالصيد وهو مباح، وإليك بيان ذلك:
وهو أن يحرّض الإنسان غيره على
الإتيان بالقبيح.
وقد ادّعى
الشيخ الطوسي في بعض كلماته
الإجماع على
فساد الإغراء بالقبيح.
وقال
الشيخ الأنصاري عند الكلام في
وجوب الإعلام بالنجس وعدمه: «إنّ
أكل الحرام وشربه من القبيح ولو في حقّ الجاهل... وحينئذٍ فيكون
إعطاء النجس للجاهل المذكور إغراءً بالقبيح، وهو قبيح عقلًا».
ومن أبرز مظاهر الإغراء بالقبيح هو الإغراء الجنسي، فإنّ أيّ
تصرّف من قبل المرأة بدافع إغراء الرجال للنظر إليها أو لأمرٍ آخر محرم يقع حراماً حينئذٍ.
ومن ذلك نشر صور النساء الخليعات أو الأفلام الإباحية والخليعة وما شاكل ذلك حتى من قبل الرجال أنفسهم.
وهو راجح بل قد يكون واجباً أحياناً؛ لأنّ فيه
حثاً على
المعروف وإعانة على الخير وكلّها من العناوين الراجحة، ويتأكد ذلك في
الاسرة والأولاد .
وهو أن يجعل ظاهر الأمر على خلاف الواقع
وإخفاء الحقيقة وإظهار خلاف الواقع، ولو بسبب ترك
التنبيه عليه.
والإغراء بالجهل قد يكون مرجوحاً، وقد يكون جائزاً لا مرجوحيّة فيه:
أمّا المرجوح فقد ذكر له
الفقهاء موارد عدّة، أبرزها:
أ- لا يجوز
الإفتاء بغير
علم وممّن لا يصحّ
تقليده ؛ لكونه إغراء بالجهل،
ولقوله سبحانه وتعالى: «وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللّهِ مَا لَاتَعْلَمُونَ»،
وقوله سبحانه وتعالى: «وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ».
ولرواية أبي عبيدة عن
أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: «من أفتى الناس بغير علم ولا
هدى من اللَّه
لعنته ملائكة الرحمة وملائكة
العذاب ولحقه
وزر من عمل
بفتياه ».
ب- يحرم
التدليس في
المعاملات والشهادة والنكاح وغيرها ممّا يرتبط بحقّ الغير؛ لكونه إغراء بالجهل، وللروايات الخاصّة الواردة في تلك الأبواب ولعموم
النهي عن الغشّ
ج- يقبح الخطاب بما له ظاهر مع
إرادة خلافه؛ للإغراء بالجهل.
وقد استفاد الفقهاء
والاصوليون من ذلك لتطبيقه على
المولى التشريعي ممّا يعطي
الحجّية لظاهر كلامه؛ لأنّه ما دام قبيحاً فيستحيل أن يفعله المولى سبحانه أو
النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو أحد من
أهل البيت عليهم السلام فيؤخذ بظاهر كلامهم.
ومن ذلك إطلاق الحقيقة وإرادة المجاز من غير
قرينة ؛
إذ فيه
إيهام بإرادة شيء مع أنّه لا يريده فيتورّط الطرف الآخر في الفهم المغلوط.
وقد يكون الإغراء بما يلحق بالخطاب،
كالتبسّم المفيد
للرضا ، أو
السكوت الدال على
القبول أحياناً، أو
الإشارة مع
قصد أمرٍ آخر من ذلك.
وأمّا غير المرجوح، فمثاله
التورية لدفع
الظالم .
قال
المحقق الاصفهاني في مناقشة القول
بحرمة التورية لكونها إغراءً بالجهل: «إنّ التحقيق أنّ عنوان الإغراء بالجهل ليس من العناوين
القبيحة بالذات، بل باعتبار اندراجه تحت عنوان الظلم على الغير، وإنّما يندرج تحت الظلم إذا كان إلقاؤه في الجهل مفوّتاً لغرضه أو موجباً لوقوعه في مفسدة
ومضرّة ، وإلّا فمجرّد إلقاء المخاطب في الجهل لا موجب لقبحه عقلًا».
ثمّ ذكر أنّ التورية وإن كانت إغراءً بالجهل إلّا أنّه لمّا كانت لدفع ظلم الظالم فعلًا فلا يتّصف بالظلم حتى يكون قبيحاً.
وحينئذٍ فيحتمل أن يكون مراد القائلين بكون الإغراء بالجهل قبيحاً هو الإغراء بالجهل الذي يكون فيه
ظلم للغير؛ لوقوعه في مفسدة ومضرّة، لا الإغراء بالجهل مطلقاً وبعنوانه.
من شرائط جواز
الصيد بالكلب وحلّيته أن يسترسل إذا
أرسله صاحبه،
بمعنى أنّه متى أغراه بالصيد هاج عليه إذا لم يكن له مانع،
وبناءً على هذا يكون إغراؤه بذلك
حلالًا وجائزاً .
وأمّا إغراء الكلب أو نحوه من الحيوانات
المفترسة بإنسان ليقتله فهذا
حرام ، ويترتّب عليه
القصاص لو تحقّق
القتل مع صحّة نسبته إلى المغري
وتعمّده في ذلك.
وكذلك يحرم إغراء الكلب بالصيد في
الحرم ، فيضمن لو قتله وإن كان المغري في
الحلّ ؛ لحرمة صيد الحرم مطلقاً حتى بإغراء الكلب به.
الموسوعة الفقهية، ج۱۵، ص۱۹۶-۱۹۹.