الاستبراء في النسب
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
المراد من
الاستبراء في النسب استبراء الرحم من النطفة والحمل بمعنى طلب براءته من النطفة والحمل من خلال التربّص بالمرأة مدّة معيّنة ومقدّرة في الشرع بما يدلّ على ذلك لأجل جواز وطئها، كما في المملوكة عند نقلها وانتقالها.
قال في
المسالك : «الاستبراء
استفعال من البراءة، والمراد هنا (في استبراء الأمة) طلب براءة الرحم من الحمل، فإنّه إذا صبر عليها هذه المدّة تبيّن حملها أو خلوّها منه؛ لئلّا تختلط
الأنساب ».
وفي موضع آخر: «الاستبراء لغة طلب
البراءة . وشرعاً التربّص بالمرأة مدّة بسبب ملك اليمين حدوثاً أو زوالًا؛ لبراءة الرحم، أو تعبّداً، هذا هو
الأصل فيه، وإلّا فقد يجب الاستبراء بغير ذلك كأن وطأ أمة غيره بشبهة».
وفي
الحدائق : «الاستبراء عبارة عن طلب براءة الرحم من الحمل، فإنّه إذا صبر عليها المدّة المضروبة لذلك... تبيّن به حملها أو عدمه».
ويرد استبراء الرحم في موارد اخرى كما في الطلاق؛ إذ يشترط في صحّة الطلاق أن تكون
المرأة التي يراد تطليقها مستبرأة من المواقعة التي واقعها بما جعله الشارع طريقاً إلى ذلك من الحيضة أو المدّة في الغائب عنها زوجها والمسترابة، كما يأتي ذكره إجمالًا هنا. وتفصيله في مصطلح (طلاق).
العدّة في اللغة: مصدر عددت الشيء عدّاً وعِدّة، والجمع: عدد، من العدّ-
الإحصاء والحساب- والعدّة: جماعة قلّت أو كثرت. والعدّة: عدّة المرأة، شهوراً كانت أو أقراء، أو وضع حمل كانت حَمَلَته من الذي تعتدّ منه.
وشرعاً: اسم لمدّة مقدّرة بأصل الشرع بالأشهر، أو الأقراء، أو الحمل تتربّص فيها المرأة لمعرفة براءة رحمها، أو للتعبّد، أو للتفجّع على الزوج يوجبها رفع النكاح بعقدٍ بالموت مطلقاً، وبعد الدخول بغيره- كالفسخ و
الطلاق - أو وطئ غير محرّم لأجنبيّة، خصّت بهذا
الاسم ؛ لأنّها مأخوذة من المصدر لما يقع فيها من تعدّد الأقراء أو الشهور، يحرم فيها على المرأة نكاح غير من هي- أي العدّة- عنه ويملك فيها الزوج الرجعة في الرجعيّة، شُرّعت صيانةً للأنساب وتحصيناً لها من
الاختلاط .
وتشترك العدّة مع الاستبراء في بعض الجهات وتختلف في اخرى، فأمّا جهات
الاشتراك فهي:
أ- كون كلّ منهما مدّة مقدّرة بأصل الشرع، تفصل بين وطء مرفوع بوفاة أو طلاق أو زوال ملك أو غير ذلك، وآخر متجدّد بعقد أو ملك أو تحليل أو غيره.
ب- والحكمة فيهما عدم اختلاط الأنساب.
نعم، المغلّب في الاستبراء هو براءة الرحم، وفي العدّة التعبّد كما يأتي.
وأمّا جهات
الاختلاف فهي:
أ- تجب العدّة بأنواعها- عند تحقّق موجبها- على المرأة دون الرجل، بخلاف الاستبراء فيختصّ حكمه بالرجل وجوباً أو استحباباً، كما هو ظاهر النصوص وعبارات الفقهاء في أحكامهما.
ب- العدّة لا تكون عند حصول سببها إلّا واجبة؛ ولذا عبّر عنها البعض في تعريفها بالتربّص الواجب،
بينما الاستبراء قد يكون واجباً، وقد يكون مستحبّاً بحسب الموارد، كما سيأتي تفصيل ذلك في محلّه من البحث.
ج- لا يحرم في الاستبراء غير الوطء، فيجوز ما دونه من الاستمتاعات حتى التفخيذ، بخلاف العدّة؛ إذ لا يجوز فيها مجرّد العقد فضلًا عن
الاستمتاع .
د- العدّة معتبرة بالطهر، والاستبراء معتبر بالحيض؛ لأنّ الأقراء تتكرّر في العدّة فتعرف بتخلّل الحيض براءة الرحم، وفي الاستبراء لا تتكرّر فيعتمد الحيض.
ه- العدّة هي الأصل في الحرائر إلّا في الزنا حيث يستحبّ استبراء رحمها من ماء الفجور، أمّا الاستبراء فهو الأصل في الإماء إلّا إذا كانت
الأمة موطوءة بالزوجيّة أو امّ ولد أو مدبّرة أو نحوها.
و- العدّة تجامع العلم ببراءة الرحم بخلاف الاستبراء، ومن ثمّ لم تستبرأ الصغيرة ولا اليائسة.
ز- المغلّب في العدد التعبّد لا براءة الرحم ومن ثمّ لا يكتفى فيها بالقرء، بخلاف الاستبراء فالمغلّب فيه براءة الرحم لا التعبّد فيكتفى فيه بالقرء.
ح- الزواج في العدّة موجب للتحريم المؤبّد مع العلم بالحرمة مطلقاً- دخل أو لم يدخل- ومع الجهل بها مع الدخول، أمّا في الاستبراء فلا يوجب ذلك
التحريم ، بل لا يستبعد جواز
التزويج في مدّة الاستبراء كما صرّح به البعض.
قال
السيد اليزدي : «لا يلحق بالعدّة أيّام استبراء الأمة، فلا يوجب التزويج فيها حرمة أبديّة ولو مع العلم والدخول، بل لا يبعد جواز تزويجها فيها وإن حرم الوطء قبل انقضائها، فإنّ المحرّم فيها هو الوطء دون باقي الاستمتاعات».
وقال
السيد الخوئي : «الوجه فيه واضح، فإنّ الحكم لمّا كان ثابتاً بالدليل التعبّدي على خلاف القاعدة، فلا مجال للتعدّي عن مورده والقول بشموله للاستبراء؛ فإنّ عنوان العدّة غير عنوان الاستبراء».
ط- العدّة يوجبها رفع النكاح بعقدٍ بالموت مطلقاً وبعد الدخول بغيره- كالفسخ والطلاق- أو وطئ غير محرّم لأجنبيّة، أمّا الاستبراء فيوجبه انتقال الملك حدوثاً أو زوالًا بأيّ وجه من وجوه
الانتقال ، من بيع أو هبة أو
إرث أو صلح، أو قرض أو
استرقاق أو غيره.
هذا، وقد تطلق العدّة ويراد منها الاستبراء وكذا العكس، كما في بعض الأخبار الواردة في المقام، بل صرّح البعض بذلك.
قال في
الجواهر : «قد تطلق العدّة على الاستبراء وبالعكس».
وجاء في صحيح
زرارة عن
أبي جعفر عليه السلام : «... إنّما يستبرئ رحمها بثلاثة قروء، وتحلُّ للناس كلّهم».
فقد عبّر
الإمام عليه السلام ب (يستبرئ) ومراده العدّة.
وجاء في موثّقة
إسحاق بن جرير عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام : «... نعم، إذا هو اجتنبها حتى تنقضي عدّتها باستبراء رحمها من ماء الفجور فله أن يتزوّجها...».
فعبّر عليه السلام ب (عدّتها) ومراده الاستبراء.
الحكمة في استبراء الرحم هي عدم اختلاط الأنساب كما هو الظاهر من الروايات، وصرّح به بعض الفقهاء.
ففي المسالك- بعد تعريف استبراء الأمة بأنّه طلب براءة الرحم من الحمل- قال: «لئلّا تختلط الأنساب، وهذا هو الحكمة في وجوب الاستبراء، ومن ثمّ انتفى الحكم عمّن لا يأتي؛ لانتفاء الحكمة».
ونحوه في الحدائق.
بل في موضع من الجواهر: أنّ المستفاد من تتبّع الأخبار وكلام الأصحاب في تضاعيف الأبواب، أنّ خوف لزوم الفساد باختلاط الأنساب هو الحكمة في وضع العدد والاستبراء.
وفي موضع آخر: «قد علم من وضع العدد والاستبراء ونحوهما عدم
إرادة الشارع اختلاط الأنساب».
وهذا ممّا يدلّ على
اهتمام الشريعة المقدّسة وحرصها على حفظ الأنساب من الاختلاط والضياع لما تترتّب عليه من آثار خطيرة على المستوى الفردي و
الاجتماعي .
استبراء الرحم من النطفة والحمل يكون في نكاح الإماء بملك اليمين، وقد يجب أو يستحبّ في موارد اخرى في الفقه كاستبراء من يراد تطليقها والزانية وغير ذلك، أهمّها هنا هو الأوّل، وأمّا غيره فتأتي
الإشارة الإجمالية إليه، ويحال تفصيله إلى محالّه.
•
استبراء الأمة، يجب استبراء الأمة عند زوال كلّ ملك أو حدوثه بأيّ وجه من وجوه النقل والانتقال من بيع أو شراء أو
هبة أو إرث أو صلح أو استرقاق أو غير ذلك، بلا فرق بين ما إذا كانت صغيرة أو كبيرة، بكراً أو ثيّباً، تحبل أو لا تحبل، إلّا إذا كانت في سنّ من لا تحيض مثلها من صغر أو كبر فإنّه لا استبراء في هذين، وهناك موارد يسقط فيها وجوب الاستبراء تأتي.
من الشروط التي تعتبر في صحّة الطلاق أن تكون
المرأة التي يراد تطليقها مستبرأة من المواقعة التي واقعها بما جعله الشارع طريقاً إلى ذلك من الحيضة أو المدّة في الغائب عنها زوجها والمسترابة، فلو طلّقها في طهر واقعها فيه لم يصحّ الطلاق.
وهذا الشرط متّفق عليه مدّعياً عليه
الإجماع والنصوص فيه متواترة، وهو المراد من الطلاق للعدّة في قوله تعالى: «فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ»
كما فسّر في الروايات وكلمات الفقهاء.
ويسقط هذا الشرط في اليائسة التي لا عدّة لها وفي من لم تبلغ والحامل. وتفصيل ذلك في مصطلح (طلاق).
وطء
الزنا لا حرمة له شرعاً، ويترتّب على ذلك أحكام شرعيّة كثيرة:
منها: عدم وجوب
الاعتداد منه، فالمشهور بل الذي لا خلاف فيه عدم وجوب العدّة على الزانية إذا كانت ذات حمل من الزاني، بل يجوز لها التزويج بالزاني وغيره وإن لم تضع. نعم، وقع الكلام في ما إذا لم تحمل من الزنا، فالمشهور أيضاً أنّه لا عدّة عليها، وذهب بعضهم إلى وجوب العدّة حينئذٍ؛ لخبري إسحاق بن جرير وابن شعبة الواردين في أنّ من أراد التزويج بمن فجر بها استبرأ رحمها من ماء الفجور.
ففي الأوّل: قلت له: الرجل يفجر بالمرأة ثمّ يبدو له في تزويجها هل يحلّ له ذلك؟ قال عليه السلام: «نعم، إذا هو اجتنبها حتى تنقضي عدّتها باستبراء رحمها من ماء الفجور فله أن يتزوّجها...».
وفي الثاني: «... يدعها حتى يستبرئها من نطفته ونطفة غيره... ثمّ يتزوّج بها إن أراد...».
مؤيّدين بعموم ما دلّ على وجوب الغسل والعدّة والمهر والرجم بالدخول، وما دلّ على أنّ العدّة من الماء، ونحو ذلك.
ولكنّ المشهور أعرضوا عنهما وناقش بعضهم في دلالة العمومات.
وتفصيل ذلك في محالّه من مصطلح (زنا) أو (عدّة).
ولكنّ المهمّ الإشارة هنا إلى ما ذكره بعض الفقهاء ممّن ذهب إلى عدم وجوب العدّة من استحباب الاستبراء حينئذٍ.
ففي العروة: «لا بأس بتزويج المرأة الزانية غير ذات البعل للزاني وغيره، و
الأحوط الأولى أن يكون بعد استبراء رحمها بحيضة من مائه أو ماء غيره، إن لم تكن حاملًا، وأمّا الحامل فلا حاجة فيها إلى الاستبراء، بل يجوز تزويجها ووطؤها بلا فصل».
واستدلّ له
بالخبرين حملًا لهما على
الاستحباب ؛ لضعفهما بإعراض المشهور عنهما بل في نفسهما، فإنّ الثاني منهما مرسل، مع وجود المطلقات الدالّة على جواز تزويج الزانية.
وفصّل السيد الخوئي في مباني العروة بين الزاني وغيره، فأوجب الاستبراء على الزاني؛ لموثّقة إسحاق بن جرير؛ لأنّها غير مبتلاة بالمعارض فيتعيّن العمل بها، والقول بلزوم الاستبراء عليه دون غيره، محتملًا أن يكون الفرق بينهما يكمن في أنّه إذا كان من يريد التزويج غير الزاني فلا
اشتباه في أمر الولد، حيث إنّه وإن كان يحتمل خلقه من ماء كلّ منهما، إلّا أنّه لمّا لم يكن للعاهر غير الحجر فلا
أثر للعدّة، فإنّه يلحق الولد بالزوج بلا كلام. وهذا بخلاف ما لو كان من يريد التزويج منها هو الزاني نفسه، حيث إنّ الولد ولده على كلّ تقدير، غاية
الأمر أنّه لا يعلم كونه من حلال أو حرام، فيكون للاعتداد أثر واضح؛ إذ به يميّز الحلال من الحرام.
وعليه أفتى قدس سره في رسالته العمليّة حيث قال: «لا عدّة على المزنيّ بها من الزنا إن كانت حرّة، ولا استبراء عليها إن كانت أمة، فيجوز لزوجها أن يطأها، ويجوز التزويج بها للزاني وغيره، لكنّ الأحوط لزوماً أن لا يتزوّج بها الزاني إلّا بعد استبرائها بحيضة».
يسقط الاستبراء إذا أخبر البائع بالاستبراء أو عدم الوطء وكان ثقة على المشهور،
بل ظاهر
الغنية الإجماع عليه.
خلافاً لابن إدريس فأوجب الاستبراء وإن أخبر به الثقة،
وتبعه
فخر المحقّقين .
واستدلّ للمشهور- مضافاً إلى الأصل- بالعموم وحصول العلم الشرعي بالبراءة، والروايات المعتبرة المستفيضة
:
منها: رواية
محمّد بن حكيم عن
العبد الصالح عليه السلام قال: «إذا اشتريت جارية فضمن لك مولاها أنّها على طهر فلا بأس أن تقع عليها».
وإطلاق الرواية في المخبر محمول على مقيّده بالوثاقة و
الأمانة من الروايات.
ومنها: حسنة
حفص بن البختري عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: في الرجل يشتري الأمة من رجل فيقول: إنّي لم أطأها، فقال: «إن وثق به فلا بأس أن يأتيها...».
ومنها: صحيحة
أبي بصير ، قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: الرجل يشتري الجارية وهي طاهر ويزعم صاحبها أنّه لم يمسّها منذ حاضت، فقال: «إن ائتمنته فمسّها».
وقد تأمّل البعض في صحّة الرواية؛ لاشتراك أبي بصير مع غير الثقة ووجود القرينة على أنّه الضعيف، وهي رواية
شعيب العقرقوفي عنه، وهذه قرينة على أنّه
يحيى بن القاسم .
لكن في
الرياض : «قصور الاولى (أي حسنة ابن البختري) بالجهالة، والثانية (أي رواية أبي بصير) بالاشتراك، بل
احتمال الضعف بالقرينة منجبر بالشهرة، مع أنّهما معدودان في الحسن والصحيح في كلام جماعة، مضافاً إلى كون الاولى في
الكافي صحيحة أو حسنة كالصحيحة، ووجود من أجمعت على تصحيح ما يصحّ عنه العصابة في سند الثانية، مع اعتضادهما بالأصل، و
اختصاص النصوص المثبتة للحكم، (أي وجوب الاستبراء) بحكم التبادر بغير مفروض المسألة».
وما في بعض الروايات من عدم سقوط الاستبراء مع
الإخبار به أو بعدم الوطء، كصحيحة
محمّد بن إسماعيل قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الجارية تشترى من رجل
مسلم يزعم أنّه قد استبرأها أ يجزئ ذلك أم لا بدّ من استبرائها؟ قال: «يستبرئها بحيضتين»، قلت: يحلّ للمشتري ملامستها؟ قال: «نعم، ولا يقرب فرجها»
فمحمول على عدم الوثوق بالمخبر، فليس في الخبر سوى رجل مسلم فيحمل المطلق على المقيّد، أو على الاستحباب، خصوصاً من الأمر بالاستبراء بحيضتين الذي هو الاستحباب، بلا خلاف في الظاهر.
وكرواية
عبد الله بن سنان قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: أشتري الجارية من الرجل المأمون فيخبرني أنّه لم يمسّها منذ طمثت عنده وطهرت، قال: «ليس جائزاً أن تأتيها حتى تستبرئها بحيضة...».
فحمله البعض على الاستحباب
وآخر على الكراهة جمعاً،
مضافاً إلى ضعفها ب
عبد الله بن القاسم .
وفي الجواهر: «يجب حمله على الندب الذي أشعرت به بعض النصوص السابقة، أو يطرح؛ لقصوره عن المعارضة من وجوهٍ لا تخفى».
أمّا ما ذهب إليه
ابن إدريس من وجوب الاستبراء وإن أخبر به
الثقة - وتبعه فخر المحقّقين في ذلك- فقد استدلّ له بعموم الأمر به، المخصّص بما عرفت وببعض الروايات، وهي ما بين قاصرة السند أو ضعفية الدلالة أو مخالفة في الظاهر للمجمع عليه بين الطائفة، فلتطرح أو تؤوّل، كصحيح الحيضتين وخصوص خبر ابن سنان،
وقد تقدّم الكلام فيهما، وبهذا يظهر ضعف ما ذهب إليه وإن كان
الاحتياط فيما ذكره؛ لاقتضاء ذلك طريقة الاحتياط الموصى بها في الفروج.
هذا، وقد اختلفت كلمات
الأعلام في المراد بقيد الوثاقة والأمانة الوارد في الأخبار، وإن عبّر الأكثر بالثقة والبعض بالعدل، فحملها جماعة على
العدالة .
قال في
جامع المقاصد : «المراد به (الثقة) العدل؛ لأنّ غيره لا يعدّ ثقة، وفي الأخبار
اعتبار وثوق المشتري به، ولا ريب أنّه لا يتحقّق الوثوق شرعاً بدون العدالة».
واحتمل البعض
الاكتفاء بمن تسكن إليه النفس وتثق بخبره،
بل اختاره جماعة وإن لم يكن المخبر عدلًا؛ لعدم اعتبار ظهور العدالة من الأخبار، وأنّ لفظ الثقة أعمّ من العدل، وكون المراد من الثقة العدل إنّما هو في
اصطلاح أهل الرجال،
وتفسير الثقة بالعدل شرعاً- كما في المسالك
- فيه: أنّ هذا اصطلاح طارٍ من الفقهاء غير موجود في زمن
الأئمة عليهم السلام .
وفي الجواهر: «أمّا النصوص فتحتمل ذلك، وتحتمل إرادة من تسكن إليه النفس، والأوّل أولى، فاحتمال إرادة أمرٍ زائد على العدالة بعيد عن النصّ و
الفتوى ».
وفي موضع آخر: «لكنّها (الأخبار) مقيّدة بالثقة أو الأمن، إلّا أنّ المصنّف والفاضل وغيرهما خصّاهما بالعدل؛ للاحتياط، ولأنّه الثقة المأمون شرعاً، ويمكن الاكتفاء بحصول العلم العادي بإخباره وإن لم يكن ثقة».
وقال السيد الخوئي في
المنهاج : «إذا كان أميناً».
ثمّ إنّ ظاهر النصّ والفتوى اعتبار كون المخبر البائع.
لكن في
شرح القواعد لكاشف الغطاء: «يسقط الاستبراء بشهادة عدلين وبإخبار وليّ المشتري أو وكيله وإن لم يكونا ثقتين، وكذا لو أخبر الثقة ذكراً كان أو لا، مالكاً كان أو لا بالاستبراء، كما ينسب إلى الأكثر، ويظهر نقل الإجماع فيه؛ للأصل الجاري على بعض الوجوه، وللأخبار».
ووافقه على ذلك السيد اليزدي في خصوص شهادة البيّنة بناءً على عموم حجّيتها، واستشكل في كفاية غيرها من شهادة العدل الواحد وإخبار الأمة نفسها بأنّها مستبرأة وإن كانت ثقة.
وظاهر
المحقّق النجفي قصر الحكم على إخبار البائع؛ لأنّ ظاهر النصّ والفتوى ذلك، وأنّه لا دليل على سقوطه بإخبار البيّنة أو غير البائع.
يسقط الاستبراء عن اليائسة من الحيض بالبلوغ لسنّ اليأس، وكذا الصغيرة التي لم تبلغ المحيض- على
اختلاف المباني في المراد منها- بلا خلاف،
بل عليه دعوى الإجماع في الخلاف؛
للأصل، و
انتفاء المقتضي، والأخبار:
منها: رواية
منصور بن حازم ، قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن الجارية التي لا يخاف عليها الحبل؟ قال عليه السلام: «ليس عليها عدّة».
ومنها: رواية
عبد الله بن عمر قال: قلت لأبي عبد اللَّه أو لأبي جعفر عليهما السلام: الجارية الصغيرة يشتريها الرجل وهي لم تدرك أو قد يئست من المحيض، قال: فقال: «لا بأس بأن لا يستبرئها».
ونحوه مرسلة الصدوق،
وخبر عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه عن أبي عبد اللَّه عليه السلام.
وفي خصوص الصغيرة رواية
الحلبي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه قال: في رجل ابتاع جارية ولم تطمث، قال: «إن كانت صغيرة لا يتخوّف عليها الحبل فليس له عليها عدّة، وليطأها إن شاء، وإن كانت قد بلغت ولم تطمث فإنّ عليها العدّة».
ورواية
ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: في الجارية التي لم تطمث ولم تبلغ الحبل إذا اشتراها الرجل، قال: «ليس عليها عدّة، يقع عليها».
وما في بعض الأخبار من
الإشعار بلزوم الاستبراء فيمن لم تحض ويخاف عليها الحبل أو قعدن عن المحيض، كخبر
عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: في الرجل يشتري الجارية ولم تحض أو قعدت من المحيض كم عدّتها؟ قال: «خمس وأربعون ليلة».
وخبر منصور بن حازم قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن عدّة
الأمة التي لم تبلغ المحيض وهو يخاف عليها، فقال: «خمسة وأربعون ليلة».
ونحوه خبر ربيع بن القاسم.
فقد حمله البعض على الاستحباب، على أنّها غير صحيحة، ومخالفة للأصل والشهرة، بل الإجماع في الصغيرة، وللأكثر الأصحّ منها، وعدم دليل صحيح عامّ.
وحملها آخر على من هي في سنّ من تحيض ولم تحض، التي تستبرأ بالمدّة.
أمّا المراد من الصغيرة فقد اختلف الفقهاء فيه على قولين: الأوّل: من لم تبلغ التسع. والثاني: من بلغت التسع ولكن لم تبلغ السنّ المعتاد للحيض كابنة العشر.
جزم بالأوّل جماعة، منهم المحقّق النجفي حيث قال: «المراد من الصغيرة عندنا من لم تبلغ ذلك (أي التسع)، خلافاً لبعض متأخّري المتأخّرين فمن لم تبلغ الحيض عادة، والنصّ والفتوى بخلافه».
نعم، يستشكل- بناءً على هذا التفسير- في النصوص بظهورها في جواز وطء الصغيرة التي لم تبلغ التسع، وهو معلوم
البطلان .
لكن اجيب عنه بمنع ظهورها في ذلك، و
إمكان حملها على إرادة أنّها صغيرة عند البائع ثمّ بلغت عند المشتري، أو أنّ المراد أنّه لا مانع من حيث
الاستبراء وإن وجد من جهة اخرى، أو لا استبراء عليها وإن وطأها البائع محرّماً، أو غير ذلك ممّا يمكن تنزيلها عليه.
كما أنّه قد يستشكل أيضاً بما تضمّنه صحيح الحلبي
وموثّق
سماعة بالنسبة إلى الجارية التي لم تحض من أنّ أمرها شديد، وأنّه إن أتاها فلا ينزل حتى يستبين له حالها، الذي يعني جواز وطئها قبل الاستبراء مع عدم الإنزال، في حين أنّها لا تخلو إمّا أن تكون دون التسع ويراد بقوله: (لم تحض) الكناية عن ذلك، أو بالغة ولكن لم تحض بالفعل، والاولى لا يجوز وطؤها ولو مع عدم
الإنزال ، وكذا الثانية قبل الاستبراء بالمدّة بل وجوب استبرائها ممّا اتّفقت عليه الأخبار وكلمات الفقهاء.
واجيب عنه بإمكان دفعه بأنّ المراد من عدم الإنزال عدم الوطء في الفرج، وشدّة الأمر حينئذٍ باعتبار عسر الصبر في هذه المدّة.
أو أنّ المراد أنّه اشترى الجارية بعد
افتضاضها وزوال بكارتها ولكن في ظنّه أنّها لم تبلغ سيّما مع عدم طمثها، فقال عليه السلام: إنّ هذه باعتبار عدم معلوميّة البلوغ، وعدمه محلّ إشكال، وأمرها شديد، سيّما إذا كانت مثلها ومن هي في قدر جثّتها وصورتها يحصل له الحمل، فيكون المراد من قوله: (لم تحض) عدم العلم بالبلوغ بالحيض، وإن كانت للبلوغ بالسنّ محتملة وشدّة الأمر حينئذٍ من حيث
أصالة عدم البلوغ، ومن حيث خوف الحمل، فالذي ينبغي حينئذٍ استبراؤها، فإن أتاها فالذي ينبغي له العزل عنها.
ويمكن أن يراد ممّن لم تحض فيه البالغة عدداً لكنّها لم تبلغ الحيض، وشدّة أمرها باعتبار عدم الحيض، وهذه وإن كان الواجب استبراؤها بالمدّة، إلّا أنّه لو أثم وأتاها ينبغي أن يعزل عنها مخافة اختلاط الأنساب.
وأمّا القول الثاني- أعني أن يكون المراد من الصغيرة من بلغت التسع ولم تبلغ السنّ المعتاد للحيض- فقد اختاره جملة من الفقهاء كالسيّد العاملي و
الفاضل الاصفهاني، مستظهرين ذلك من الأخبار، وأنّه لا يمكن حملها على ما دون التسع؛ للتصريح في الروايات بجوار وطئها، ومن نقص سنّها عن التسع لا يجوز وطؤها إجماعاً.
بل في الجواهر: «ربّما يشهد له صحيح ابن أبي يعفور عن
الصادق عليه السلام : في الجارية التي لم تطمث ولم تبلغ الحمل إذا اشتراها الرجل، قال: «ليس عليها عدّة، يقع عليها»، بل مال إليه في المسالك، لكنّه لا يخلو من إشكال، من
إطلاق الأصحاب الاستبراء مع بلوغها سنّ الحيض وإن لم تحض. ومن المعلوم إرادة التسع منه فإنّه زمان إمكان الحيض».
المشهور أنّ الأمة إذا كانت حائضاً عند الانتقال اكتفي بإكمال حيضها لجواز وطئها،
بل في الخلاف الإجماع عليه،
ولا يعتبر ذلك استبراء لها، لا شرعاً ولا عرفاً، فالاستبراء ساقط، والمنع من الوطء للحيض كغيرها من النساء.
واستدلّ له- مضافاً إلى الأصل وحصول الغرض بذلك، وهو براءة الرحم عادة- بالروايات المعتبرة، كرواية الحلبي عن الصادق عليه السلام قال:... وسألته عن رجلٍ اشترى جارية وهي حائض؟ قال: «إذا طهرت فليمسّها إن شاء».
ورواية
سماعة بن مهران قال: سألته عن رجلٍ اشترى جارية وهي طامث أ يستبرئ رحمها بحيضة اخرى أم تكفيه هذه الحيضة؟ قال عليه السلام: «لا، بل تكفيه هذه الحيضة، فإن استبرأها اخرى فلا بأس، هي بمنزلة فضل».
وخالف في ذلك ابن إدريس فأوجب استبراءها بعد الحيضة بقرءين، بمعنى اعتبار حيضة اخرى.
واستدلّ له
بالأمر بالاستبراء بها، والاولى حيضة قد مضى بعضها قبل الشروع في الاستبراء. وبخبر
سعد بن سعد الأشعري عن
الرضا عليه السلام قال: سألته...عن أدنى ما يجزي من الاستبراء للمشتري والبائع؟ قال: «أهل
المدينة يقولون: حيضة، وكان جعفر عليه السلام يقول: حيضتان...».
وردّ بمخالفته للأصل والإجماع المحكيّ في الخلاف،
والروايات المعتبرة المتقدّمة،
بل في الجواهر: «كأنّه
اجتهاد في مقابلة النصّ بل والاعتبار؛ ضرورة أنّه إذا كان الاستبراء يحصل بالحيضة فمع فرض أنّه اشتراها حائضاً قد علم بذلك براءة رحمها، فهي كالجارية التي علم أنّ البائع قد استبرأها أو لم يطأها كما هو واضح».
أمّا الخبر فمحمول على الاستحباب جمعاً،
أو على الموطوءة حائضاً ولو لشبهةٍ؛ لأنّ احتمال اعتبار حيضة مستأنفة في الخبر لا يخلو من قوّة وإن لم يكن هناك من صرّح به.
هذا، وقد وقع الكلام في الاكتفاء بالحيضة إذا وقع الوطء في أثنائها، ففي الجواهر: «قد يستشكل في الاكتفاء بإتمام الحيضة إذا وقع الوطء من المالك في أثناء الحيض عصياناً، اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ إطلاق ما دلّ على الاكتفاء وإن كان منصرفاً إلى غير الفرض لكن قد يمنع شمول ما دلّ على الاستبراء لنحوه أيضاً، فيبقى على أصل البراءة، فتأمّل، والاحتياط لا ينبغي تركه».
وجزم السيد اليزدي بعدم الاكتفاء ووجوب استبرائها بحيضة اخرى في صورة العلم بوطء المالك أو غيره لها في حيضتها، أمّا لو احتمله فلا يجب.
هذا، وقد اشترط بعض الفقهاء في الحيضة أن تكون ظاهرة، لا من كان تحيّضها بالتخيير الوارد في الأخبار، فاختارت أيّام حيضها كالمبتدأة و
المضطربة ؛ للاحتياط وعدم اليقين فتستصحب الحرمة،
واحتمل ذلك في ذات التمييز،
ووصفه صاحب الجواهر بأنّه واضح الضعف؛ ضرورة صراحة الروايات بحيضة، بل لم يستبعد الاكتفاء بالتحيّض بكلّ ما ورد به الشرع.
المشهور
سقوط الاستبراء إذا كانت الجارية لامرأة؛ للروايات:
منها: صحيح
رفاعة قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الأمة تكون لامرأة فتبيعها؟ قال: «لا بأس أن يطأها من غير أن يستبرئها».
ونحوه صحيح حفص عن أبي عبد اللَّه عليه السلام.
ومنها: رواية زرارة قال: اشتريت جارية بالبصرة من امرأة فخبّرتني أنّه لم يطأها أحد فوقعت عليها ولم أستبرئها، فسألت عن ذلك
أبا جعفر عليه السلام فقال: «هو ذا، أنا قد فعلت ذلك وما اريد أن أعود».
وفي الرواية الأخيرة دلالة على أنّ الاستبراء أولى، كما نبّه على ذلك بعض الفقهاء كالمقدّس الأردبيلي فإنّه بعد أن استدلّ بالروايات على سقوط الاستبراء في المقام قال: «ومع ذلك الأفضل استبراؤها؛ لعموم الأخبار المتقدّمة (الدالّة على الاستبراء في الأمة)، ولرواية زرارة...وهي ظاهرة في أنّ الترك أولى، مع عدم صحّة السند».
وقال
المحدّث البحراني : «ومن هذه الرواية يستفاد استحباب الاستبراء في هذه الصورة».
ولعلّه لذلك أفتى بعضهم بأنّ الاستبراء أفضل وأحوط.
هذا، وقد استدلّ للمشهور أيضاً- مضافاً إلى الروايات- بالأصل،
وعموم الآية،
وانتفاء المقتضي.
لكن خالف في ذلك ابن ادريس وتبعه عليه فخر المحقّقين؛ إذ ذهبا إلى وجوب الاستبراء هنا،
استناداً إلى أنّ سبب وجوب الاستبراء انتقال الملك مطلقاً من غير
التفات إلى غيره، وقد حصل هنا فثبت المسبّب، أمّا المقدّمة الاولى فلما روي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: «... أنّ الذين يشترون الإماء ثمّ يأتونهنّ قبل أن يستبرءوهنّ فاولئك الزناة بأموالهم»،
والمقدّمتان الأخيرتان ظاهرتان، مضافاً إلى أنّ الاحتياط في الفروج أولى. هذا ما استدلّ به له في
الإيضاح .
وفي المسالك والجواهر
الاستدلال له بعموم الأمر بالاستبراء.
واجيب عنه بأنّ عموم الأمر قد خصّ بما ذكر من الروايات.
ثمّ إنّ مقتضى إطلاق النصوص السقوط وإن احتمل كونها موطوءة بالتحليل أو نحوه، فلا يلزم حصول العلم بعدم وطئها في ملك المرأة، كما صرّح بذلك بعض الفقهاء،
وهو مقتضى إطلاق بعض الفتاوى أيضاً نعم، اشترط بعضهم عدم العلم بكون الأمة موطوءة في ملك المرأة بتحليل أو تزويج أو غير ذلك؛ لما ربّما يستشعر من رواية زرارة، والتفاتاً إلى الحكمة، وعليه ينزّل الإطلاقات ويفرّق حينئذٍ بين الشراء من المرأة والشراء من الرجل بوجوب الاستبراء في الثاني مطلقاً، إلّا مع العلم وما في حكمه بعدم الوطء أصلًا، وعدم وجوب الاستبراء في الأوّل مطلقاً أيضاً إلّا مع العلم بالوطء
المحترم أو مطلقاً على الخلاف.
لكن في الجواهر: «لكن قد يقال: إنّ المتيقّن من تقيّدهما (النص والفتوى) إذا علم حصول وطء محترم لم يتعقّبه حيض، وإلّا فالعلم بالتزويج أو
التحليل أو نحو ذلك أعمّ منه، والأصل
براءة الذمّة من الاستبراء، مضافاً إلى إطلاق النصّ، وليس في صحيح زرارة ما يصلح للتقييد. نعم، قد يقال: بملاحظة كلامهم في باب النكاح أنّه من المعلوم وجوب العدّة أو الاستبراء لكلّ سبب مزيل للنكاح وإن كان باختيار المشتري الفسخ، فلاحظ وتأمّل».
هذا في أمة المرأة، وقد وقع الخلاف في
إلحاق أمة غير القادر على الوطء- لصغر أو كبر أو جبّ أو عنن أو نحو ذلك- بأمة المرأة في الحكم، نترك تفصيل ذلك رعاية للاختصار، خصوصاً أنّ أصل مسألة الإماء ليست محلّ
ابتلاء اليوم.
تكفي العدّة عن الاستبراء، فإذا كانت الأمة مزوّجة مدخولًا بها فطلّقها الزوج وجب عليها
الاعتداد ، ولا يجوز لسيّدها وطؤها إلّا بعد
انقضاء العدّة بلا إشكال ولا خلاف، فلا يجب عليه استبراؤها بعد انقضاء العدّة؛ للأصل، وظهور النصوص في جواز وطئها له بعد الفراغ من العدّة، ولحصول الغرض منها وزيادة، فيدخل الأقلّ تحت الأكثر.
وكذا إذا باعها المالك بعد الطلاق يجب عليها إكمال العدّة، ولا يجوز للمشتري وطؤها إلّا بعد إتمامها، وهي كافية عن الاستبراء على المشهور،
وذهب الشيخ وجماعة إلى وجوب استبرائها على المشتري زائداً على العدّة؛ لأنّ العدّة والاستبراء حكمان مختلفان، ولكلّ منهما سبب يقتضيه، وتعدّد الأسباب يقتضي تعدّد المسبّبات، إلّا بدليل يوجب التداخل، فإنّه خلاف الأصل.
إلّا أنّ أكثر الفقهاء ذهبوا إلى التداخل؛ لوجود الدليل المقتضي له، وهو أنّ الغرض من الاستبراء إنّما هو العلم ببراءة الرحم كيف اتّفق؛ ولذا يسقط لو كانت حائضاً، أو كان قد استبرأها البائع، والعدّة أدلّ على ذلك.
ولأنّ وجوب الاستبراء بالبيع إنّما هو من احتمال وطء البائع لفرض وطء المشتري، وكلاهما ممتنع في المقام.
واستدلّ له في الجواهر أيضاً بالأصل، وظهور النصوص في جواز وطئها بعد الفراغ من العدّة،
ومثله صاحب العروة.
ثمّ إنّه لازم القول بعدم التداخل عدم الفرق بين السيد والمشتري، مع أنّه لا خلاف في كفاية العدّة بالنسبة إلى السيد كما ذكرنا حتى من الشيخ وأتباعه،
بل ذهب الشيخ في
المبسوط والخلاف إلى سقوط الاستبراء فيه.
لكن في الحدائق: أنّ العلّة- وهي براءة الرحم- غير مطّردة؛ لوجوب العدّة في مواضع، مع العلم ببراءة الرحم يقيناً كمن طلّقها زوجها مع فراقه لها سنين عديدة والمتوفّى عنها زوجها وإن لم يدخل بها، ونحو ذلك، وأنّ علل الشرع ليست عللًا حقيقيّة يدور المعلول معها وجوداً وعدماً، فاحتمال وجوب الاستبراء على المشتري قائم، والمسألة خالية من النصّ، فالاحتياط فيها مطلوب سيّما مع كونها من مسائل الفروج المطلوب فيها الاحتياط زيادة على غيرها، كما تكاثرت به الأخبار.
ثمّ إنّه قد فرضت المسألة في عبارات بعض الفقهاء على نحو الترتيب بين الطلاق والبيع- يطلّق الزوج ثمّ يبيع السيد- لكن صرّح بعضهم بأنّ الظاهر أنّه غير متعيّن، وأنّه لا فرق بينه وبين العكس، فلو باع السيد ثمّ طلّق الزوج قبل فسخ المشتري فالحكم كما تقدّم.
إذا انتقلت الأمة وهي حامل يسقط استبراؤها؛ لعدم الفائدة في الاستبراء حينئذٍ المفسّر بترك الوطء حتى يتبيّن حالها؛
لأنّ المفروض أنّ الرحم مشغول بالحمل، فلا يلزم من الوطء اختلاط الأنساب.
وحرمة وطئها إلى أن تضع أو إلى مضيّ أربعة أشهر وعشرة أيّام- على الخلاف- ليس من باب الاستبراء.
نعم، لو فسّر الاستبراء بترك الوطء حتى يبرأ رحمها ممّا اشتغل به من ماء أو حمل، أمكن القول بأنّ ترك الوطء للحامل حينئذٍ حتى تضع أو إلى مضيّ المدّة للاستبراء بهذا المعنى.
هذا، وقد وقع الخلاف بين الفقهاء؛ لاختلاف الروايات في حكم وطئها حينئذٍ على أقوال، فذهب بعضهم إلى كراهة وطئها، وقال آخرون: يجب الصبر إلى وضع الحمل، وقال ثالث: لا يجوز وطؤها إلى أن يمضي لها أربعة أشهر وعشرة أيّام، ويجوز بعد ذلك على كراهة، وهناك أقوال وتفصيلات اخرى من شاء
الاطّلاع عليها فليراجع المطوّلات الفقهيّة.
وهناك موارد اخرى يسقط فيها الاستبراء تركناه رعاية للاختصار بعد كون المسألة ليست من المسائل المهمّة اليوم؛ لخروجها عن محلّ الابتلاء.
الموسوعة الفقهية، ج۱۰، ص۴۷۰- ۵۰۵.