الإنزال
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو
الإلقاء و
الانتقال من الأعلى إلى أسفل، واستعمله
الفقهاء غالباً على خروج
المني من
الإنسان .
الإنزال: مصدر أنزل، وهو من النزول، ومن معانيه:
الانحدار من علوٍّ إلى أسفل،
ومنه إنزال الرجل ماءه إذا أمنى بجماع أو غيره.
يطلق الإنزال في
الفقه غالباً على خروج المني من
الإنسان ، سواء كان في يقظةٍ أو نومٍ، بجماع أو
احتلام أو نظر أو
استمناء أو
مداعبة أو فكر. ويرد أيضاً بمعناه اللغوي، مثل قولهم: إنزال الميّت في القبر، وإنزال المصلوب، وغير ذلك. واستعمله علماء
القانون بمعنى تخفيف العقوبة و
إبدال وصفها، كإبدال عقوبة
الإعدام بسجنٍ مؤبّد أو
عقوبة أقل.
وهو طلب خروج
المني من غير جماع،
سواء كان باليد أو بالملاعبة أو بغيرهما. وعليه فالاستمناء بمعناه الفقهي أخصّ من الإنزال؛ لأنّ الإنزال خروج المني بالجماع أو غيره.
وهو إنزال المني مع القصد أو بدونه في النوم أو غيره،
يقال: أمنى الرجل، إذا أنزل المني.
وعليه فإذا فسّر الإنزال بإنزال المني خاصّة كان مرادفاً للإمناء ، وإلّا كان أعم منه كما هو واضح.
وهي- لغةً- ضدّ القرب و
القرابة ، والجنابة في
الأصل البعد، ويقال: أجنب الرجل وجنب فهو جنب من الجنابة، قال الأزهري: «إنّما قيل له جنب؛ لأنّه نهي أن يقرب مواضع الصلاة ما لم يتطهّر، فتجنَّبَها وأجنب عنها، أي تنحّى عنها».
وأمّا
اصطلاحاً فتطلق الجنابة على من أنزل المني، وعلى من جامع، وسمّي جنباً؛ لأنّه يجتنب
الصلاة والمسجد و
القراءة ويتباعد عنها.
والنسبة بين الجنابة والإنزال أنّ الإنزال سبب من أسباب الجنابة.
تترتّب على الإنزال أحكام تختلف
باختلاف مواردها والمعنى المراد من الإنزال فيها، نشير إليها
إجمالًا فيما يلي:
لإنزال المني أحكام تختلف باختلاف أسبابه نشير إليها وإلي أحكامها إجمالًا، وهي:
يختلف حكم الإنزال بالاستمناء باختلاف وسائل الاستمناء، فالاستمناء تارة يكون بملامسة شيء لذكر الإنسان أو بملامسة بدن رجل أو
امرأة لبدن رجل آخر أو امرأة اخرى، واخرى برؤية مناظر مثيرة للشهوة أو بسماع ما يثير الشهوة، أو عبر
إعمال قوّة الخيال دون أيّ
ملامسة أو نحوها. والشيء الملامَس تارة يكون زوجة أو
أمة محلّلة، وتارة غيرهما، فإن كان الاستمناء بغير الزوجة والأمة المحلّلة فحرام بشتّى أقسامه، سواء كان الاستمناء بيد المستمني أو بيد غيره أو بسائر أعضائه، أو بغير الإنسان.
وخالف في ذلك بعض المعاصرين، فذهب إلى جوازه للمرأة خاصّة؛ لعدم وجود مني لها حتى يصدق الاستمناء في موردها.
ونوقش بعدم توقّف الحرمة على عنوان الاستمناء، بل يمكن
الاستعانة بعنوان
الخضخضة الوارد في النصوص، وهو شامل للرجل والمرأة. وإن كان بالزوجة والمملوكة فقد اختلف فيه على قولين:
الأوّل: الجواز مطلقاً، أي بجميع أعضائها،
ذهب إليه بعضهم؛ مستدلّاً عليه بقوله تعالى: «إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ»،
مضافاً إلى الأصل،
و
انصراف أدلّة
التحريم إلى غير الزوجة.
الثاني: عدم الجواز إذا كان فيه مضيعة للمني، اختاره
العلّامة الحلّي في
التذكرة ؛ مستدلّاً عليه بوجود المقتضي للتحريم، وهو
إخراج المني وتضييعه، فتشمله الأدلّة.
ويناقش بأنّ أدلّة جواز مطلق
الاستمتاع بالزوجة شامل لمثل هذا النوع فلا يكون حراماً، بل العادة جارية على ذلك بلا نكير. وهناك آثار مترتّبة على الإنزال بالاستمناء، مثل: نجاسة عرق المستمني و
إفساد الاستمناء للصوم و
الاعتكاف ، وحرمته على المحرم، وغير ذلك ممّا يراجع في محلّه.
المعروف بين الفقهاء- بل لعلّه لا خلاف فيه- أنّ الاحتلام الذي تترتّب عليه الآثار فقهيّاً إنّما يتحقّق بالإنزال وخروج المني،
حيث صرّحوا بأنّه لا عبرة بتحرّكه من محلّه ما لم يصل إلى الخارج،
فإن أنزل وجب عليه الغسل- وجوباً غيريّاً لا نفسيّاً- رجلًا كان أو امرأة، لكن وقع الخلاف بشأن المرأة فنفى وجوب الغسل عليها بعض الفقهاء.
وأمّا من احتلم ولم ينزل فلا يجب عليه الغسل، بل يظهر من بعضهم أنّ هذا من ضروريّات المذهب.
واتّفقوا أيضاً على أنّ إنزال الصائم بالاحتلام نهاراً لا يضرّ بصومه، ندباً كان أو واجباً، معيّناً كان أو غير معيّن،
كما لا يضرّ باعتكافه ولا حجّه.
الإنزال بالوطء والجماع موجب للجنابة والغسل،
سواء كان الموطوء انثى أم ذكراً أم خنثى، في القبل أو الدبر، بل ولو كان حيواناً، ولا خلاف في إفساده
للصوم والاعتكاف والحجّ.
وتفصيله في محلّه.
ذهب
الفقهاء إلى أنّه لا فرق بين الرجل والمرأة في أنّ خروج المني موجب للجنابة، وادّعي
الإجماع عليه.
وذكر بعضهم أنّه لا خلاف أيضاً في أنّ المرأة كالرجل في الأحكام التي تترتّب على إنزال المني،
فخروج المني بشهوة في يقظة أو نوم يوجب الغسل على الرجل والمرأة. لكن ذهب بعض الفقهاء إلى القول بعدم الغسل في إنزال المرأة.
ومثل ذلك سائر الأحكام في
الصيام والاعتكاف و
الحجّ على ما سبق بيانه.
اتّفق الفقهاء على أنّ الجنابة تحصل بأمرين: الأوّل:
الجماع ولو لم يكن مقروناً بالإنزال، الثاني: الإنزال، فإن تيقّن أنّ الخارج مني وجب الغسل، سواء خرج متدافقاً أو متثاقلًا، بشهوةٍ وغيرها، في نومٍ ويقظةٍ، في حال
الاختيار أو
الاضطرار ، سواء كان بالوطء أو بغيره من الاستمناء أو الاحتلام،
وتدلّ عليه الأخبار المستفيضة،
وأمّا مع الشكّ فلابدّ من أن يختبر بالصفات الواردة في الأخبار من
الدفق و
الفتور والشهوة،
كما في صحيحة
علي ابن جعفر عن
أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل يلعب مع المرأة ويقبلها فيخرج منه المني فما عليه؟ قال: «إذا جاءت الشهوة ودفع وفتر لخروجه، فعليه الغسل...».
وهل يجب
اجتماع الصفات الثلاث؟ أو يكفي بعضها؟ فيه خلاف،
والظاهر أنّ الشارع إنّما اعتبر هذه الصفات في
الاختبار من جهة أنّها صفات غالبية لا تنفكّ عن المني، فهي أمارات كون الخارج منيّاً، لا أنّ الطريق منحصر بها، فلو علم أو اطمئنّ بالمني من سائر الأوصاف- كاللون والرائحة الكريهة ونحوهما- وجب عليه الغسل كما ذهب إليه جماعة من الفقهاء، وكذا فيما إذا حصل له العلم بذلك عن اجتماع صفتين من الأوصاف الثلاثة.
وبالجملة، المدار على العلم بكون الخارج منيّاً، وإذا لم يكن فالمتّبع هو الصفات الغالبة، وهي: الدفق والشهوة والفتور.
هذا كلّه في الرجل الصحيح، وأمّا في المريض فالمشهور بين الفقهاء كفاية الشهوة وفتور الجسد،
بل ادّعي عدم
الخلاف فيه.
وهل تتحقّق الجنابة بإنزال المني من المخرج غير الطبيعي أو لا؟ اختلف الفقهاء فيه على قولين:
الأوّل: أنّ المدار في تحقّق الجنابة على الإنزال من الموضع المعتاد؛ للأصل.
الثاني: أنّ المدار مطلق الخروج، من غير فرق بين الموضع المعتاد و
انسداده وعدمهما.
وتفصيله في محلّه.
ذهب مشهور الفقهاء
إلى
استحباب الاستبراء بالبول بعد الإنزال وقبل الغسل، و
أثره عدم انتقاض الغسل بالبلل المشتبه المحتمل كونه من بقيّة المني، فلو فعله واغتسل ثمّ خرج منه بلل مشتبه لم يعد الغسل.
والمشهور أيضاً
اختصاصه بالرجل، فلا استبراء على المرأة؛
لانتفاء الفائدة بالنسبة لها؛ وكأنّه لاختلاف المخرجين، وخصوص بعض الأخبار،
صرّح الفقهاء بأنّ أولاد الموطوءة بالعقد الدائم يلحقون بالزوج بشروط ثلاثة، وهي: الدخول، ومضي ستّة أشهر من حين الوطء، وأن لا يتجاوز تسعة أشهر، وقيل:
عشرة أشهر، وقيل: سنة.
ويتحقّق الدخول الموجب لإلحاق الولد وغيره من الأحكام بغيبوبة الحشفة خاصة أو قدرها من مقطوعها في القبل والدبر، وإن لم ينزل؛
لإطلاق الفتاوى،
وصريح بعض النصوص الواردة في العزل وغيره.
ولكن ذهب بعضهم إلى عدم
الإلحاق في الوطء دبراً،
واستحسنه بعض،
واستوجهه آخر،
أو في الوطء قبلًا مع العلم بعدم الإنزال وعدم سبق المني أو فيهما.
وقد استظهره بعض وعلّله بأنّ مع العلم بعدم خروج المني منه أو عدم دخوله في فرجها، يعلم بانتفاء الولد، وعدم كونه منه، فكيف يلحق به
؟!
المشهور أنّ من اصيب بجنايةٍ فتعذّر عليه الإنزال في الجماع ففيه دية كاملة،
بل في
الرياض نفى الخلاف فيه؛
للقاعدة: مِن أنّ كلّ ما كان في الإنسان منه واحد ففيه الدية كاملة، ولقول
الإمام الصادق عليه السلام في
معتبرة سماعة : «... وفي الظهر إذا انكسر حتى لا ينزل صاحبه الماء الدية كاملة...»،
لكن استشكل فيه بعضهم، وذكر أنّ
الأظهر فيه
الحكومة ؛ لأنّه لا دليل على المسألة، لانصراف القاعدة العامة المتقدّمة عن مثل ذلك.
وأمّا معتبرة سماعة فإنّ الموضوع للدية إنّما هو كسر الظهر، وليس فيها دلالة على أنّ الموضوع إنّما هو عدم إنزال الماء بأيّ سبب كان وأنّه لا خصوصية لكسر الظهر.
فإن تمّ إجماع في المسألة فهو، ولكنّه غير تام، فالمرجع هنا الحكومة؛ لأنّ كلّ ما لا تقدير فيه شرعاً ففيه الحكومة.
صرّح الفقهاء باستحباب عدم إنزال الميّت في قبره بغتةً، بل يوضع دون القبر بذراعين أو ثلاثة ويصبر عليه هنيئة، ثمّ يقدّم قليلًا ويصبر عليه هنيئة، ثمّ يوضع على شفير القبر؛ ليأخذ
استعداده للسؤال، فإنّ للقبر أهوالًا نستجير باللَّه منها؛
لما روي من أنّه: «إذا أتيت بالميّت القبر فلا تفدح به القبر؛ فإنّ للقبر أهوالًا عظيمة، وتعوّذ من هول المطّلع، ولكن ضعه قرب شفير القبر، واصبر عليه هنيئة، ثمّ قدّمه قليلًا واصبر عليه؛ ليأخذ اهبته، ثمّ قدّمه إلى
شفير القبر ».
ويستحبّ أيضاً أن يرسل الميّت للقبر سابقاً برأسه إن كان رجلًا، وإن كانت امرأة فترسل عرضاً؛ للنصّ والإجماع،
فعن
عمرو بن خالد عن
زيد بن علي عن
آبائه عن
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال: «يسلّ الرجل سلّاً، وتستقبل المرأة
استقبالًا ...».
و
مرفوعة عبد الصمد بن هارون عن الإمام الصادق عليه السلام: «إذا أدخلت الميّت القبر إن كان رجلًا يسلّ سلّاً، والمرأة تؤخذ عرضاً؛ فإنّه أستر».
ويكره أن يتولّى الأقارب إنزال الميّت في قبره إذا كان رجلًا، كما عليه جماعة.
ولعلّه يرجع إليه من عبّر عن ذلك باستحباب كون النازل أجنبياً،
ومن هنا نسب
المحدّث البحراني الكراهة إلى الفقهاء،
مشعراً بعدم الخلاف، واستثنى ابن سعيد الولد،
ويظهر من العلّامة الحلّي الميل إليه.
لكن حمله غير واحد من الفقهاء على خفّة الكراهة بالنسبة إليه،
وأطلق بعض الفقهاء استحباب نزول الوليّ القبر أو مَن يأمره،
بل نصّ بعضهم في خصوص ذلك على الرجل،
بل ادّعي وفاق العلماء عليه.
هذا مع نصّهم هنا على الكراهة، وهو كالمتدافع؛ ولعلّه لذا مال إلى القول بعدم الكراهة
العلّامة المجلسي .
وأمّا المرأة فيتولّى ذلك فيها محارمها أو زوجها؛ لرواية
السكوني عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: مضت السنّة من
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّ المرأة لا يدخل قبرها إلّامن كان يراها في حياتها».
ورواية
إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «الزوج أحقّ بامرأته حتى يضعها في قبرها».
ومع عدمهما فأرحامها؛ لأنّه المأنوس من مذاق الشرع والمتشرّعة، وإلّا فالأجانب؛
لانحصار المباشرة فيهم حينئذٍ.
ويستحبّ الدعاء بالمأثور عند إنزال الميّت القبر
باتّفاق العلماء.
المصلوب تارةً يكون مصلوباً بحكم الشرع واخرى بغيره،
فإن كان مصلوباً بحكم الشرع فالمشهور أنّه لا يصلّى عليه قبل الإنزال،
ولا يترك على الخشبة أكثر من ثلاثة أيّام ثمّ ينزل ويغسّل ويكفّن ويصلّى عليه ويدفن،
وادّعي عليه الإجماع؛
للأخبار.
لكن صرّح بعض الفقهاء بأنّه لا يمكن المساعدة عليه؛ لأنّ الأخبار الواردة فيه ضعيفة
الإسناد ، وعليه فلا يجوز تأخير إنزال الجنازة عن الخشبة؛ لأنّه هتك للمؤمن، وهو حرام، وإنّما يجوز بمقدار دلالة الدليل، وهو صلبه، والغرض منه الموت، فإذا تحقّق الغرض وجب إنزاله والصلاة عليه ودفنه.
وأمّا الذي لم يصلب بحكم الشرع، فإنّه لابدّ من إنزاله فوراً، ثمّ الصلاة عليه لو أمكن، وإلّا صلّي عليه وهو مصلوب مع مراعاة الشرائط بقدر
الإمكان .
الموسوعة الفقهية، ج۱۸، ص۱۵۱-۱۵۹.