الأعلام
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو جمع العَلَم، بمعنى
العلامة التي يهتدى بها.
الأعلام لغةً: جمع عَلَم، والعَلم: ما يُنصب في
الطريق ليكون علامة يُهتدى بها. ويُطلق أيضاً ويُراد به
الراية التي يجتمع إليها
الجند . وثالثةً يُطلق ويراد به
الفصل بين الأرضين.
ولا يخرج معناه الاصطلاحي عن المعنى اللغوي.
ويستخدم
الفقهاء هذا التعبير أيضاً
وصفاً لكبار
العلماء فيقولون: قال بعض الأعلام، أو ذهب إليه العَلَمان وما أشبه ذلك.
وهو جمع مفردها نَصب، والنصب: علامة تنصب عند
الحدّ أو
الغاية .
وأنصاب الحرم: ما تنصب لتبيين حدوده.
ويطلق أيضاً ويراد به من كان علماً للناس. ومنه قول علي عليه السلام: «فلا تكونوا أنصاب
الفتن وأعلام
البدع ».
تتعلّق بالأعلام أحكام نشير إليها إجمالًا فيما يلي:
وهي العلامات التي تُنصب وتوضع على حدود
حرم مكّة لتعيينه وتحديده وهي حالياً أنصاب مبنيّة على أطراف الحرم مثل
المنار ، مكتوب عليها العلم باللغات
العربية وغيرها،
ويُعبّر عنها بأنصاب الحرم أيضاً.
وأوّل من وضع الأنصاب على حدود الحرم
إبراهيم الخليل عليه السلام
بدلالة جبرئيل عليه السلام، ثمّ
قصي بن كلاب . وقيل: نصبها
إسماعيل عليه السلام بعد
أبيه . وقيل:
عدنان جدّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛
خوفاً من أن يدرس الحرم، وقلعتها
قريش في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فاشتدّ ذلك عليه فجاءه جبرئيل وأخبره أنّهم سيعيدونها، فرأى رجال منهم في
المنام قائلًا يقول: حرم أعزّكم اللَّه به، نزعتم أنصابه سيحطّمكم
العرب فأعادوها، فقال جبرئيل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا
محمد ، قد أعادوها، فقال: «هل أصابوا؟» فقال: ما وضعوا فيها إلّا
بيد ملك ، ثمّ بعث
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم
عام الفتح تميم بن أسيد فجدّدها، ثمّ بعث
عمر لتجديدها
مخزمة بن نوفل وسعيد بن يربوع وخويطب بن عبد العزّى وأزهر بن عبد مناف ، فجدّدوها، ثمّ جدّدها
عثمان ، ثمّ
معاوية ، ثمّ
الخلفاء والملوك إلى عهدنا هذا.
وتحديد الحرم ونصب الأعلام عليها كان من زمن
آدم عليه السلام كما جاء في
الرواية عن
الإمام الرضا عليه السلام.
وقد يفهم من مثل هذه
الأخبار التاريخية أنّ
الاهتمام بأعلام الحرم مطلوب
شرعاً حتى لا تضيع حدود الحرم الذي تترتب عليه آثار شرعية خاصّة.
وقد اختلف
الفقهاء في ذلك من ناحية ثانية، فقال بعضهم: إنّ المدار في تعيين الحدود ومعرفتها بالعلامات والنصب الموجودة الآن على النصب المعلومة المأخوذة يداً عن يد إلى
أهل بيت الوحي عليهم السلام.
هذا وقد نصبت الأعلام في خمس جهات: علمان عند
الحديبية على
مسافة عشرة أميال من
المسجد ، وعلمان عند
التنعيم على مسافة ستة أميال منه، وعلمان عند
الجعرانة على بعد ثلاثة عشر ميلًا، وعلمان عند
عرفة على بعد ثمانية عشر ميلًا، وعلمان عند
إضاءة على بعد اثني عشر ميلًا.
وهي العلامات التي توضع في
الطريق لتعيين المسافة الموجبة
للقصر أو
الإتمام .
وقد روي عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام ما يدلّ على وضع أعلام الطريق آنذاك، قال عليه السلام: «بينا نحن جُلُوس وأبي عند والٍ
لبني اميّة على
المدينة إذ جاء أبي فجلس، فقال: كنت عند هذا قُبيل فسائلهم عن
التقصير فقال قائل منهم: في ثلاث، وقال قائل منهم: يوم وليلة، وقال قائل منهم: روحة، فسألني، فقلت له: إنّ
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم لمّا نزل عليه
جبرئيل بالتقصير قال له
النبي صلى الله عليه وآله وسلم: في كم ذاك؟ فقال: في بريد، قال: وأيّ شيء البريد؟ فقال: ما بين
ظلّ عير إلى فيء وعير، قال: ثمّ عبرنا زماناً ثمّ رأى بنو اميّة يعملون أعلاماً على الطريق، وأنّهم ذكروا ما تكلّم به
أبو جعفر عليه السلام، فذرعوا ما بين ظلّ عير إلى فيء وعير، ثمّ جزّأُوه على اثني عشر ميلًا، فكانت ثلاثة آلاف وخمسمئة ذراع كلّ ميل، فوضعوا الأعلام، فلمّا ظهر
بنو هاشم غيّروا
أمر بني اميّة غيرةً؛ لأنّ
الحديث هاشمي، فوضعوا إلى جنب كلّ عَلمٍ علماً».
بل قد يفهم أنّ وضع الأعلام على الطرقات داخل المدن
والقرى وخارجها أمر
مندوبٌ إليه من حيث إنّ فيه
إعانةً للمسافرين للوصول إلى مقاصدهم، وإعانة
المؤمن أمرٌ مرغوبٌ إليه في
الشريعة ، بل قد يفهم من مجموع
النصوص والفتاوى الواردة في الاهتمام
بابن السبيل أنّ مساعدته مرغوبة تصرف في
سبيلها الأموال الشرعية.
تعارف اتّخاذ الرايات في
الحروب ، والراية هي التي يتولّاها صاحب الحرب ويقاتل عليها وإليها يميل
المقاتل ،
واللواء علامة كبكبة الأمير يدور معه حيث دار.
وقد ذكر بعض الفقهاء أنّه يستحب اتّخاذ العلم والراية في الحرب؛ تأسياً بالنبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم؛
لرواية
أبي البختري عن
جعفر بن محمّد عن أبيه عن آبائه عليهم السلام:
«أنّ
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم بعث
عليّاً عليه السلام يوم
بني قريظة بالراية وكانت سوداء تدعى
العقاب وكان لواؤه
أبيض ».
ورواية
السكوني عن جعفر بن محمّد عن أبيه عليهما السلام قال: «... وأوّل من اتّخذ الرايات
إبراهيم عليه السلام، عليها (لا إله إلّا اللَّه)».
إلّاأنّ
الاستدلال بهاتين الروايتين مشكل؛ لأنّ غايتهما
الإخبار عن
فعل نبوي حصل في تلك الأزمنة، وهو لا يدلّ على
الاستحباب مع عدم التكرّر في القضايا غير
العبادية كما حقّق ذلك مفصّلًا في محلّه علماء
الاصول .
هذا، مضافاً إلى أنّه قد يكون
استخدام الرايات في تلك الأزمنة عرفاً في الحروب جرى عليه
المعصومون عليهم السلام لما فيه من
التأثير النفسي على المقاتلين
وتقوية موقعهم
الروحي في ساحات القتال، فإذا تغيّرت الأعراف وزالت هذه النكتة لم يعد هناك
حكم شرعي استحبابي متعلّق باتخاذ الرايات، فالعبرة بهذه النكتة لا بالتعبّد
بالنصّ بصرف النظر عنها.
ولعلّه لما قلناه ذكر بعض الفقهاء أنّ للرايات تأثيراً كبيراً في
الانتصار في الحرب في الأزمنة السابقة، فينبغي لصاحب
الجيش أن يسلّم الرايات إلى من ينبغي
تسليمها إليه ويصلح لذلك.
وإذا خرج
الإمام أو
وليّ الأمر بالنفير، عقد الرايات، فجعل كل فريق تحت راية.
ويجوز لمن يحمل الراية أن يجعل الإمام عليه السلام له من
الغنيمة إذا شرط له ذلك؛
لأنّ حفاظه على
إبقاء الراية مرتفعة يمثّل
جهداً مضاعفاً لإبقاء الحالة الروحية للمقاتلين مرتفعة ويقصده الأعداء لكسر عنفوان المجاهدين في الحرب، فتكون مهمّته مضاعفة، ممّا يسمح
بإعطائه حصّةً من الغنيمة بنحو الشرط.
نعم، لا يجوز نصب الرايات وتجنيد الجنود في
جهاد الكفار ابتداءً لطلبهم إلى
الإسلام إلّامع الإمام أو
نائبه الخاص كما صرّح بعضهم بذلك».
الموسوعة الفقهية، ج۱۵، ص۱۳۴-۱۳۷.