ابن السبيل
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو المسافر الذي احتاج في السفر.
السبيل:
الطريق الذي فيه
سهولة، وابن السبيل
المسافر البعيد عن
منزله .قال
المطرّزي: «يقال للمسافر ابن السبيل لملازمته إيّاه»
، وقال
الفيومي: «لتلبّسه به»
.ولكن قال ابن سيده: «ابن السبيل: ابن الطريق، وتأويله الذي قطع عليه الطريق»
، فيكون أخصّ من
المعنى الأوّل.
هو المسافر الذي احتاج في
السفر ولم يكن له ما يبلغه إلى
وطنه وإن كان
غنياً في
بلده سواء كان منشأ
الحاجة هو
ذهاب نفقته أو
نفادها أو تلف
راحلته أو نحو ذلك ممّا لا يقدر معه أن يتحرّك
.وعبّر بعض
الفقهاء بأنّه
المنقطع به
.
ولا يعتبر فيه حدوث
انقطاع الطريق به بعروض ذهاب
ماله، بل يكفي فيه انقطاع الطريق به ولو
لقصور أصل ماله
.
ثمّ إنّه لا يراد بالسفر هنا قطع
المسافة الشرعية الموجبة للقصر أو
الإفطار، بل المراد
الأعمّ، أي كلّ ما صدق عليه
عرفاً أنّه سفر.
وقد وقع
البحث لدى الفقهاء في بعض تطبيقات ابن السبيل، نشير فيما يلي إلى جملة منها:
۱- المسافر الذي قصد
إقامة عشرة
أيّام فصاعداً- مع
عدم قصد
الاستيطان- أو المتردّد ثلاثين
يوماً هل يخرج بذلك عن صدق ابن السبيل؟ قال
ابن إدريس: «لا يخرج من كونه ابن سبيل ولا منقطعاً به؛ لحاجته إلى
النفقة إلى وطنه»
، وصرّح به عدّة
كالعلّامة في
المختلف و
السبزواري و
النراقي وغيرهم
.وفي
الجواهر أنّه: «غير خارج عن صدق ابن السبيل عرفاً وإن انقطع سفره شرعاً بالنسبة
للقصر و
الإتمام والإفطار و
الصيام؛ ضرورة عدم
التنافي بينهما»
.وخالف في ذلك الشيخ
و
العلّامة و
ابن فهد الحلّي، قال الأخير: «وابن السبيل وهو
المجتاز، لا
المقيم عشراً مع
النيّة إلّا مع
الضرورة كانتظار
الرفقة»
.
۲- من يريد
إنشاء سفر
محتاج إليه ولا
قدرة له عليه، ذهب أكثر الفقهاء إلى عدم
صدق عنوان ابن السبيل عليه، قال العلّامة: «إنّما يصدق
بالحقيقة على من
فعل السفر وهو المجتاز، كأنّ الطريق ولَدته، وذلك غير ثابت في حقّ المنشئ للسفر»
، وقال
المحقق النجفي: إنّه لا يصدق «على من أراد إنشاء السفر المحتاج إليه ولا قدرة له عليه... ضرورة
انسياق المتلبّس في
الاستطراق، لا
المريد له» ثمّ قال: «نعم، لا بأس بالدفع إليه من
سهم سبيل اللَّه»
، أما بعد تلبّسه بالسفر وانقطاعه فيصدق عليه ابن السبيل حينئذٍ، كما صرّح بذلك بعضهم
، وخالف في ذلك
ابن الجنيد فقال: «وسهم ابن السبيل فإلى المسافرين في
طاعات اللَّه والمريدين لذلك وليس في
أيديهم ما يكفيهم لسفرهم ورجوعهم إلى منازلهم إذا كان قصدهم في سفرهم
قضاء فرض أو
قياماً بسنّة»
، واختاره الشيخ والشهيدان أيضاً
.
۳-
الضيف المحتاج إلى
الضيافة: وقد
تعرّضوا له، إلّا انّه يقع البحث في أنّ الضيف هل هو
داخل في ابن السبيل
موضوعاً بأن يعدّ من مصاديق
المنقطع به، أو أنّه
فرد آخر لابن السبيل في
مقابل المنقطع به؟ أو أنّه
خارج عنه موضوعاً
ملحق به
حكماً؟ وفيه عدّة
وجوه، بل
أقوال يمكن
إجمالها كما يلي:
القول
الأول-إنّ الضيف داخل في ابن السبيل وفرد آخر له في مقابل المنقطع به
مطلقاً كما يظهر من بعض
كالراوندي حيث قال: «ابن السبيل المسافر المنقطع به والضيف»
، بل في الجواهر يحكى عن بعض
الحواشي عدم اشتراط
الغربة فيه ولا
الحاجة ، أو مع الحاجة إلى الضيافة كما حكاه
ابن حمزة حيث قال: «وقال بعض أصحابنا: الضيف إذا كان
فقيراً داخل فيه»
.
القول
الثاني-إنّ الضيف مع
سفره و
حاجته للضيافة داخل في ابن السبيل والمنقطع به، وهذا هو الذي يظهر من المحقق والعلّامة، ونسبه الشيخ الطوسي إلى القيل واختاره المحقق النجفي، فهو لا يخرج بالضيافة عن كونه ابن سبيل
.
القول
الثالث-إنّه مع
قيد السفر والحاجة إلى الضيافة ملحق بابن السبيل حكماً كما يظهر ذلك من
الشهيد الثاني حيث قال: «يُلحق الضيف بابن السبيل في
جواز ضيافته من الزكاة، ويشترط فيه أن يكون مسافراً محتاجاً إلى الضيافة وإن كان غنياً في بلده»
، و
الأصل في
تعرّض الفقهاء له ووقوع
الاختلاف فيه عبارة
المفيد التي عزاها إلى
الرواية حيث قال: «ابن السبيل وهم المنقطع بهم في
الأسفار، وقد جاءت رواية
انّهم
الأضياف، يراد به من اضيف لحاجته إلى ذلك وإن كان له في موضع آخر
غنى و
يسار، وذلك
راجع إلى ما قدّمناه»
، وربما
استُظهر منها ومن غيرها من
العبائر أنّ الرواية تقتضي
انحصار ابن السبيل فيه
.
ولكن قال المحقّق النجفي: «و
بالجملة:
دعوى لحوق الضيف بابن السبيل في الحكم كدعوى كونه فرداً آخر منه مقابلًا للمنقطع به لا
دليل عليهما؛ إذ الرواية مع
إرسالها وعدم
انجبارها لم نقف على
متنها في
شيء من
الاصول، فلا تصلح
لإثبات ذلك، خصوصاً مع منافاتها على هذا
التقدير لظاهر
الآية والرواية
ومعاقد
الإجماعات، فيجب
الاقتصار حينئذٍ في ابن السبيل على ما ذكرنا، ويدخل فيه الضيف الذي هو مسافر ومحتاج للضيافة؛ ضرورة كونه حينئذٍ أحد أفراد المنقطع به»
، فعنده أنّ الضيف لا يدخل في ابن السبيل إلّا مع
الشرطين،
فالمدار عليهما لا على عنوان الضيافة، ولعلّ
السرّ في إفراد الضيف بالذكر هو نفي
توهّم عدم دخوله في ابن السبيل وعدم جواز
صرف الزكاة إليه لكون نفقته على
المضيّف، فربّما يتخيّل انّه
كالعيال حينئذٍ.
هذا، وقد ذكر بعض الفقهاء أنّه يشترط في ضيافته من الزكاة النية عند شروعه في
الأكل، ويحتمل
كفاية النية عند
البذل أو ينوي ما أكله زكاة بعد الأكل وجميع هذا وغيره من
التفاصيل تبحث في محالّها
.
القول
الرابع-الذين
أرصدوا أنفسهم
للجهاد: قد صرّح بذلك كلّ من الشيخ و
ابن البراج والعلّامة الحلّي؛ معلّلين بصدق
الاسم عليه
.
قال في
المبسوط: «ويجوز عندنا أن يعطوا أيضاً من
الصدقة من سهم ابن السبيل؛ لأنّ الاسم يتناولهم، وتخصيصه يحتاج إلى دليل»
، ومنع منه المحقّق النجفي؛ لعدم تناول الاسم له، فيعطون من سهم سبيل اللَّه أو الفقراء أو غير ذلك
.
القول
الخامس-
الأعراب: ذكرهم
الشيخ الطوسي وابن البرّاج
؛ لصدق ابن السبيل عليهم أيضاً، لكونهم
متنقّلين من مكان إلى مكان، فاذا انقطع بهم
النقل اتفاقاً صاروا مصداقاً لابن السبيل.
قال الشيخ الطوسي: «فأمّا الأعراب فليس لهم من
الغنيمة شيء، ويجوز
للإمام أن يرضخ لهم أو يعطيهم من سهم ابن السبيل من الصدقة؛ لأنّ الاسم يتناولهم»
.
۱- إعطاؤه من
الزكاة: ابن السبيل من أصناف المستحقّين
للخمس والزكاة، قال
اللَّه تعالى في آية الخمس: «وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى وَ
الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ»
، وقال سبحانه في آية الزكاة: «إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ وَ
الْعامِلِينَ عَلَيْها وَ
الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي
الرِّقابِ وَ
الْغارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ
فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَ اللَّهُ
عَلِيمٌ حَكِيمٌ»
.
۲-
مقدار ما يعطى: والمقدار الذي يعطى من ذلك هو ما
يسدّ حاجته من أمر
اللبس و
المأكل و
المركب أو
ثمنها أو
اجرتها إلى أن
يصل إلى بلده، أو إلى محلّ يمكنه
الاعتياض فيه، ولو فضل منه شيء أعاده، وهو
المشهور. وقيل: لا
يعيد، وهو
قول الشيخ الطوسي
، ولا يجب عليه
المبادرة إلى
الرجوع لبلده، بل حين قضاء الوطر
المطلوب من السفر
، وليس المراد قضاء الوطر على
إطلاقه، بل ذلك مقيّد بقيدين:
-عدم إنشاء سفر
جديد.
-عدم
استلزام قضاءالجديد الوطر
للمكث إلّا بمقدار ما يتعارف مكثه عادة للرجوع إلى الوطن.
۳- شروط الاعطاء: ويشترط في
الدفع إليه من الزكاة أمران:
أ-أن لا يكون سفره
معصية، أو لمعصية، ولا خلاف في هذا
الشرط، بل ادّعى عليه الاجماع
، وظاهر ابن الجنيد اشتراط كون السفر طاعة
واجباً أو
مستحباً؛
للمرسل عن العالم عليه السلام: «وابن السبيل:
أبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة اللَّه فينقطع عليهم ويذهب مالهم، فعلى الإمام أن يردّهم إلى أوطانهم من مال
الصدقات»
، ولعلّ المراد من الطاعة ما يقابل المعصية فتعمّ
المباح كالجواز بالمعنى الأعم، لكن في خصوص الخمس لم يشترط بعض الفقهاء كون سفره مباحاً
، وقد
احتاط بعضهم في ذلك
.
ب- الحاجة في بلد
التسليم ولو كان غنيّاً في بلده
.
لكن هل يشترط
عجزه عن الاعتياض
ببيع شيء من ماله ونحوه أو
الاستدانة أو غيرهما؟
الصحيح
الاشتراط؛ لعدم صدق الانقطاع مع
التمكّن من البيع ونحوه أو الاستدانة، ونسب إلى الأكثر
، قال المحقّق النجفي: «وكيف كان يعطى ابن السبيل هذا
السهم وإن كان غنيّاً في بلده إذا كان لا يمكنه الاعتياض عنه ببيع أو
اقتراض أو غيرهما، وإلّا لم يعط؛ لعدم صدق الانقطاع به» ثمّ قال: «ودعوى تحققه بمجرّد
تعذّر البيع ونحوه دون الاستدانة كدعوى
تحقّقه وإن تمكّن من
الجميع لا يصغى إليهما، وإن نسب ثانيهما إلى المصنّف المحقّق الحلّي في المعتبر، لكن لا تصريح فيه.
نعم، لم يذكره شرطاً. ويمكن
اكتفاؤه عن ذلك
بتفسير ابن السبيل بالمنقطع به؛ لما عرفت من عدم صدقه بدون ذلك، بل لعلّ ترك كثير التعرّض له لذلك لا لعدم اشتراطه، وإلّا كانوا
محجوجين بما دلّ عليه من
النصّ ومعقد الإجماع وغيرهما ممّا دلّ على اعتبار
الفقر والحاجة في الزكاة، وأنّها لا تحلّ لغنيّ وغير ذلك»
، واشترط في
السرائر عدم
القدرة على
الاكتساب بقدر ما ينهضه إلى بلده و
مئونته ، و
مضافاً إلى ما ذكر فابن السبيل إنّما يُعطى من الزكاة مع توفّر الشروط
المذكورة لمستحقِّ الزكاة
كالايمان وعدم كونه واجب النفقة وعدم كونه
هاشمياً ، ولو كان هاشمياً
فيُعطى حينئذٍ من الخمس
، و
يحرم عليه
الأخذ من الزكاة
، إلّا إذا كانت من هاشمي
مثله أو مع الضرورة
.
ويشترط أيضاً أن لا يكون ممّن يكون الدفع إليه
إعانة على
الإثم و
إغراء بالقبيح، فلا يجوز إعطاؤها لمن يصرفها في
المعاصي ،وفي اشتراط
العدالة خلاف.
ج-اعطاؤه من
الكفارات ونحوها: إذا لم يتمكّن ابن السبيل من أخذ الزكاة أو الاستدانة، فهل يمكن إعطاؤه من
الكفّارة ونحوها ممّا يكون
للفقراء و
المساكين؟ قال الشهيد الثاني: «لا يتعدّى إلى غيره-
المسكين- من
أصناف مستحقّي الزكاة حتى
الغارم... وكذا ابن السبيل إن أمكنه أخذ الزكاة أو الاستدانة، وإلّا ففي جواز أخذه
نظر، من حيث إنّه حينئذٍ في معنى المسكين، ومن أنّه
قسيم له مطلقاً، ويظهر من
الدروس جواز أخذه لها حينئذٍ»
، ونحوه في
التنقيح، بل صرّح بأنّ
الأقوى الاقتصار على المسكين
. وفي الجواهر: «قد يقوى في النظر إلحاقه بالفقير، كما سمعته من الدروس»
، كما يصحّ إعطاء ابن السبيل من زكاة المال كذلك يصحّ إعطاؤه من
زكاة الفطرة .
الموسوعة الفقهية، ج۳، ص۱۰۶.