الأفعال المحرمة على المعتكف
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
يحرم على
المعتكف امور نتعرض إليها فيما يأتي.
اتّفق
الفقهاء على
حرمة الجماع على المعتكف
متعمّداً ، من انثى أو من ذكر أو من حيوان، من غير فرق بين
الإمناء وعدمه،
وادّعي عليه
الإجماع ،
فإن اعتكف وجامع فيه متعمّداً فسد اعتكافه.
وأمّا إذا وقع
سهواً فلا يبطل.
ويستدلّ
لها بإطلاق قوله تعالى: «وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا».
فإنّه لا شكّ في إرادة الجماع.
كما ويستدلّ لذلك أيضاً
بالروايات المستفيضة:
منها: ما ورد عن
الحسن بن الجهم عن
أبي الحسن عليه السلام، قال: سألته عن المعتكف يأتي أهله، فقال: «لا يأتي امرأته ليلًا ولا نهاراً وهو معتكف».
ومنها: رواية
سماعة قال: سألت
أبا عبد اللَّه عليه السلام عن معتكف واقع أهله، قال: «هو بمنزلة من أفطر يوماً من شهر
رمضان ».
ومنها: ما ورد عن
أبي ولّاد الحناط قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن امرأة كان زوجها غائباً فقدم وهي معتكفة بإذن زوجها، فخرجت حين بلغها قدومه من المسجد إلى بيتها فتهيّأت لزوجها حتى واقعها، فقال: «إن كانت خرجت من
المسجد قبل أن تنقضي ثلاثة أيّام ولم تكن اشترطت في اعتكافها فإنّ عليها ما على المظاهر».
ثمّ إنّ إطلاق هذه النصوص عدم الفرق بين
الوطء فى
القبل أو
الدبر ،
ولا بين
الإنزال وعدمه، ولا بين الليل والنهار، بل ادّعى
العلّامة الحلّي عدم العلم بالخلاف فيه.
وكذا لا فرق في تحريم الجماع بين أن يكون في المسجد أو خارجه؛
لعموم قوله تعالى: «وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ».
يحرم على المعتكف
مباشرة النساء
باللمس والتقبيل بشهوة ، وهو مختار كثير من المتقدّمين والمتأخّرين،
وقد ادّعي عدم الخلاف فيه،
بل عن
المدارك : أنّه ممّا قطع به الأصحاب.
وعلّل ذلك بإطلاق قوله تعالى: «وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْك حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا»،
فإنّه يتناول الجميع.
ونوقش فيه بأنّ المراد بالمباشرة الجماع، كما لعلّه الظاهر من اللفظ عرفاً.
كيف؟! ولو اريد المعنى الأعم لشمل حتى مثل
المخالطة والمحادثة واللمس والتقبيل بغير شهوة أيضاً وهو غير محرّم قطعاً، فيكشف ذلك عن إرادة الجماع خاصّة، فلا تدلّ الآية على حرمة غيره.
هذا إذا كان التقبيل واللمس بشهوة.
وأمّا لو وقعا على سبيل
الشفقة والإكرام ولم يكونا عن شهوة لم يحرم،
بل قال العلّامة الحلّي: «يجوز أن يلامس بغير شهوة، ولا نعرف فيه خلافاً لما ثبت من أنّ
النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يلامس بعض نسائه في الاعتكاف».
ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة، بل ادّعي عدم الخلاف فيه.
فيحرم على المعتكفة أيضاً الجماع؛ واللمس والتقبيل بشهوة؛ لقاعدة الاشتراك، ولقوله عليه السلام في ذيل صحيحتي
الحلبي وداود بن سرحان : «واعتكاف المرأة مثل ذلك».
وألحق
ابن الجنيد باللمس والتقبيل بشهوة النظر بشهوة إلى من يجوز النظر إليه، حيث قال: «وكذلك عندي أيضاً حال اتّباع النظرة للنظرة بشهوة من محرّم».
وقال العلّامة الحلّي- بعد نقل كلام ابن الجنيد-: «الأقرب عندي تحريم النظر».
لكن ذهب آخرون إلى عدم حرمة النظر بشهوة إلى من يجوز النظر إليه؛ مستدلّاً عليه بأنّه لا وجه له، وبكون المنهيّ عنه في الآية المباشرة، إلّا أن يراد منها ما يعمّ ذلك.
ولكن يظهر من
الشيخ الطوسي اختصاص التحريم بالجماع فقط، حيث إنّه بعد أن روى عن
الصادق عليه السلام في الحسن: «كان
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم إذا كان العشر الأواخر اعتكف في المسجد وضربت له قبّة من شعر وشمّر المئزر وطوى فراشه»، فقال بعضهم: واعتزل النساء، فقال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «أمّا اعتزال النساء فلا»،
قال: «لأنّه أراد عليه السلام بذلك مخالطتهنّ ومجالستهنّ ومحادثتهنّ دون الجماع، والذي يحرم على المعتكف من ذلك الجماع دون غيره»،
مع احتمال إرادته الحصر الإضافي، فلا يشمل اللمس والتقبيل بشهوة.
واستشكل فيه بأنّه وإن لم تكن هناك منافاة عقلًا؛ ضرورة كون النهي عن أمر خارج في العبادة، لكن الفهم العرفي كافٍ في ذلك، كالنهي عن التكفير في
الصلاة ونحوها، على أنّ تأديتهما مع الجماع الذي لا إشكال في
البطلان به بعبارة واحدة أمارة اخرى على أنّ الجميع من سنخ واحد، وليس في الآية ولا في
السنّة تصريح به، بل أقصاهما النهي
والكفّارة ، وهما أعمّ من البطلان.
ذهب كثير من الفقهاء إلى حرمة الاستمناء في الاعتكاف وإن كان على الوجه
الحلال ، كالنظر إلى حليلته الموجب له،
وقد ادّعي عليه الإجماع،
إلّا أنّ
السيد العاملي والمحقّق النجفي قالا: لم نقف على نصّ فيه بالخصوص.
ويمكن أن يستدلّ عليه بأنّه أشدّ منافاةً للاعتكاف من التقبيل واللمس المحرّمين، فيكون تحريمه أولى.
وبأنّ الاستمناء يوجب
الجنابة ، والجنابة توجب خروج الجنب عن قابليّة اللبث في
المسجد ؛ لحرمة لبث الجنب فيه؛ فلذا يكون الاستمناء موجباً لبطلان الاعتكاف.
واجيب عنهما بأنّ أولويّته من اللمس والتقبيل بشهوة غير قطعيّة. ومجرّد خروجه بالجنابة عن قابليّة اللبث في المسجد؛ لحرمة لبث الجنب فيه، غير كافٍ في حرمته من جهة الاعتكاف، فإنّ ذلك من قبيل شرب المسهل أو المدر الموجب للخروج عن المسجد
للبول والغائط .
ولم يفت عدّة من الفقهاء بحرمة الاستمناء، بل
احتاطوا وجوباً ؛
وذلك لخلوّ النصوص عن التعرّض له.
يحرم على المعتكف
شمّ الطيب والرياحين مع
التلذّذ على الأشهر،
بل المشهور؛
لأنّ الاعتكاف
عبادة تختصّ مكاناً، فكان ترك الطيب فيها
مشروعاً كالحجّ .
واستدلّ
عليه أيضاً بصحيحة
أبي عبيدة عن
الإمام الباقر عليه السلام: «المعتكف لا يشمّ الطيب، ولا يتلذّذ بالريحان».
لكن قال
الشيخ الطوسي : «ويجوز له أن... يأكل الطيّبات ويشمّ الطيب».
مع أنّه منع منه ومن الرياحين في
النهاية ،
وكذا حرّمه في الخلاف، بل ادّعى الإجماع عليه.
والمنساق إلى الذهن من شمّ الطيب التلذّذ به، وأمّا مع عدم التلذّذ- كما إذا كان فاقداً لحاسّة الشمّ مثلًا- فلا بأس به؛
وعلّل ذلك بأنّ موضوع الحكم في الصحيحة المتقدّمة هو الشم، ومن لم تكن له شامّة لا يصدق معه عنوان الشم، وهذا واضح.
هذا كلّه إذا كان الشمّ بداعي التلذّذ، وأمّا لو كان عدم التلذّذ لأجل أنّ الشم تحقّق بداعٍ آخر من علاج أو اختيار ليشتريه بعد الاعتكاف وغير ذلك من الدواعي غير داعي التلذّذ فهل يحرم ذلك أيضاً كما هو مقتضى إطلاق الشمّ الوارد في الصحيحة، أو يختصّ بما إذا كان بداعي التلذّذ؟
ادّعى المحقّق النجفي الانصراف إلى صورة الالتذاذ.
وقال
السيد الخوئي : «وهو غير بعيد؛ لأنّ الظاهر عرفاً من إضافة الشم إلى الطيب رعاية الوصف العنواني- أي شمّ الطيب بما هو طيب المساوق للتمتّع والالتذاذ- لا شمّ ذات الطيب بداعٍ آخر، فإنّ اللفظ منصرف عن مثل ذلك عرفاً كما لا يخفى، ويعضده تقييد الريحان بالتلذّذ- في الصحيحة- سيّما بعد ملاحظة كونه في اللغة اسماً لكلّ نبات طيب
الرائحة ».
يحرم على المعتكف أيضاً المماراة،
وقد نفي عنه الخلاف.
واستدلّوا على ذلك بصحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «المعتكف لا يشمّ الطيب، ولا يتلذّذ بالريحان، ولا يماري...».
والمراد بالمماراة:
المجادلة على أمر دنيويّ أو دينيّ لمجرّد إثبات
الغلبة أو
الفضيلة ، وهذا النوع محرّم في غير الاعتكاف، وإدخاله في محرّمات الاعتكاف إمّا بسبب عموم مفهومه، أو لزيادة تحريمه في هذه العبادة، وعلى القول بفساد الاعتكاف بكلّ ما حرّم فيه تتّضح فائدته.
ولو كان الغرض من الجدال في المسألة العلمية مجرّد إظهار الحقّ وردّ الخصم عن
الخطأ كان من أفضل الطاعات، فالمائز بين ما يحرم منه وما يجب ويستحبّ هو
النيّة .
ذهب بعض الفقهاء
إلى تحريم البيع والشراء على المعتكف أصالةً
ووكالة وولاية ، ويعمّ التحريم ما كان بلسان العرب وغيره،
وقيل: إنّه المشهور،
بل نفي الخلاف عنه،
بل ادّعي عليه
الإجماع .
ويستدلّ عليه بصحيحة أبي عبيدة الحذّاء عن أبي جعفر عليه السلام قال: «المعتكف لا يشمّ الطيب، ولا يتلذّذ بالريحان، ولا يماري، ولا يشتري ولا يبيع».
لكن
المحقّق النراقي تنظّر في دلالتها على الحرمة، وقال بعد ذلك: «فإن ثبت الإجماع فهو، وإلّا
فالكراهة أظهر».
وقد يستدلّ عليه أيضاً بأنّ الاعتكاف لبث للعبادة فينافي ما غايرها.
هذا إذا كان البيع والشراء بمباشرة نفسه، أمّا لو باشرهما وكيله أو وليّه فلا بأس عليه إن لم يكن معتكفاً.
وقد اختلف الفقهاء في اختصاص الحكم بالبيع والشراء أو عمومه مطلق
المعاملة والتجارة كالإجارة ونحوها.
ذهب بعضهم إلى المنع في مطلق المعاملات.
قال
السيد المرتضى : «ليس للمعتكف أن يبيع ويشتري ويتّجر».
والتجارة عامّ.
وقال العلّامة الحلّي في
المنتهى : «كلّما يقتضي الاشتغال بالامور الدنيويّة من أصناف المعايش ينبغي القول بالمنع منه؛ عملًا بمفهوم النهي عن البيع والشراء».
لكن أبعده
كاشف الغطاء .
واستشكل على ذلك السيد العاملي بأنّه «غير جيّد؛ لأنّ النهي عن البيع والشراء لا يقتضي النهي عمّا ذكره بمنطوق ولا مفهوم».
وقال العلّامة الحلّي: «الأقرب تحريم الصنائع المشغلة عن العبادة
كالحياكة والخياطة وأشباهها، إلّا ما لا بدّ له منه».
واعترض عليه السيد العاملي بمثل ما أجاب عنه عن المنتهى،
وفي
الحدائق بعدم الدليل عليه.
وقال آخرون بعدم المنع في سائر المعاملات.
قال الشيخ جعفر كاشف الغطاء: «ولا منع في باقي العقود من
نكاح وإجارة
وصلح وهبة ووقف ونحوها، ولا في
الإيقاعات من
الطلاق والعتق ونحوهما، ولا في ضروب
الاكتساب من الصناعات بأسرها».
وقال أيضاً: «وتعميم تحريم البيع والشراء لسائر العقود والإيقاعات والصنائع بل جميع
المباحات الخارجة عن العبادات في نهاية البعد، وأبعد منه ادّعاء فساد الاعتكاف بها، والكلّ مردود».
وقال السيد الخوئي: «مقتضى الجمود على النصّ هو الأوّل (أي البيع والشراء)، ولكن قيل: إنّ البيع والشراء كناية عن مطلق التجارة... إلّا أنّ إثباته مشكل...
وعلى تقدير الثبوت فالظاهر اختصاصه بما يكون مثل البيع والشراء فى الاشتمال على نوع من المبادلة في العين أو العمل أو
المنفعة كالمصالحة والمزارعة والإجارة ونحوها، لا مطلق
التمليك والتملّك ليعمّ مثل قبول
الهديّة ؛ فإنّ الالتزام بحرمة مثل ذلك مشكل جدّاً... فمقتضى الجمود على ظاهر النصّ الاقتصار على البيع والشراء، فإن قام إجماع على التعدّي فهو، وإلّا فلا يبعد عدم الحرمة».
وعلى أيّة حال فإنّ القول بحرمة الصنائع المشغلة عن العبادة مختصّ بالعلّامة الحلّي، ولم يذهب إليه غيره.
ويستثنى من تحريم البيع والشراء ما يحتاج إليه، مع تعذّر التوكيل،
أو النقل بغير البيع
كالمعاطاة ، كشراء ما يضطر إليه من المأكول والملبوس، وبيع ما يشترى به ذلك؛ للضرورة.
وعلى تقدير حرمة البيع والشراء في الاعتكاف، هل يوجب عدم انعقاد المعاملة أيضاً أم لا؟
ذهب بعض الفقهاء إلى عدم الانعقاد؛ لأنّه منهيّ عنه، والنهي يدلّ على فساد المنهيّ عنه.
وذهب آخرون إلى الانعقاد وعدم بطلان البيع والشراء؛
للأصل، ولأنّ النهي في المعاملات لا يدلّ على الفساد.
قال المحقّق النجفي: «في بطلان البيع وصحّته لو وقع وجهان، بل قولان...
أقواهما الصحّة؛ لعدم انصراف الذهن إلى إرادة الفساد من النهي عنه في أمثال ذلك».
هذا كلّه في البيع والشراء، أمّا سائر العقود كعقد النكاح فلا يحرم عليه، فله أن يتزوّج في
المسجد ؛ لأنّ النكاح طاعة.
يحرم على المعتكف الفحش،
لكن قال المحقّق النجفي: «لم نقف له على دليل».
يحرم على المعتكف
صوم الصمت ؛ لأنّه
حرام في
شرعنا ، وقد روى الجمهور عن
أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: «حفظت عن
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: لا صمات يوم إلى الليل».
ونهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن صوم الصمت،
فإن نذر الصمت في اعتكافه لم ينعقد بالإجماع. قال ابن عباس: بينا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم يخطب إذا هو برجل قائم- فسأل عنه فقالوا:
أبو إسرائيل - نذر أن يقوم في الشمس ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلّم ويصوم، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مره فليتكلّم، وليستظل، ويقعد، وليتم صومه».
ولأنّه نذر في
معصية فلا ينعقد، وانضمامه إلى الاعتكاف لا يخرج به عن كونه
بدعة .
قال
الشهيد الأوّل : «يحرم (الصمت) إن اعتقده، ولو نذره في اعتكافه بطل».
اختلف الفقهاء في أنّه هل يحرم على المعتكف ما يحرم على المحرم أم لا؟
ذكر كثير من الفقهاء عدم
وجوب اجتناب ما يحرم على المحرم من الصيد
وإزالة الشعر ولبس المخيط ونحو ذلك،
بل ادّعي أنّه هو المشهور؛
استناداً إلى أنّ الأصل هو
الإباحة . وقال بعضهم: «بل نقطع
بالجواز في بعضها كلبس المخيط ونحوه؛ فإنّ كيفية اعتكاف
النبي صلى الله عليه وآله وسلم
والأئمة عليهم السلام منقولة لدينا ولم يذكر في شيء منها ترك المخيط أو لبس ثوبي
الإحرام مع التعرّض للخصوصيّات التي منها: أنّه صلى الله عليه وآله وسلم كان يطوي فراشه- بأيّ معنى كان- فلو كان تاركاً للمخيط أو لابساً لثوبي الإحرام لكان مرويّاً لدينا، بل بنحو
التواتر كما لا يخفى. فلا ينبغي الإشكال في جواز ذلك، وكذا غيره من سائر تروك الإحرام».
نعم، قال جماعة من الفقهاء
: يحرم على المعتكف ما يحرم على المحرم؛ استناداً إلى ما روي من أنّه يجتنب ما يجتنبه المحرم،
ولكن الرواية لم تثبت، كما اعترف به بعض.
وقال العلّامة الحلّي في التذكرة- بعد أن حكى ذلك عن بعض علمائنا-: «وليس المراد بذلك العموم؛ لأنّه لا يحرم عليه لبس المخيط إجماعاً ولا إزالة الشعر ولا أكل
الصيد ولا عقد النكاح، فله أن يتزوّج في المسجد ويشهد على العقد؛ لأنّ النكاح طاعة، وحضوره
مندوب ، ومدّته لا تتطاول، فيتشاغل به عن الاعتكاف، فلم يكن
مكروهاً ، كتسميت العاطس وردّ
السلام ، ويجوز له قصّ
الشارب وحلق الرأس والأخذ من
الأظفار ، ولا نعلم فيه خلافاً».
اختلف الفقهاء في أنّ الإتيان بأحد المحرّمات
سهواً هل يوجب
بطلان الاعتكاف أم لا؟
ظاهر بعض الفقهاء
الفرق بين
الجماع وغيره، ببطلان الاعتكاف بالجماع سهواً، وعدم بطلانه بإتيان سائر المحرّمات كذلك، وانحصار بطلانه بصورة
العمد والاختيار .
وذهب آخرون
إلى عدم الفرق بين الجماع وغيره، فكما أنّ الجماع سهواً يوجب فساد الاعتكاف كذلك بقيّة المحرّمات يوجب الإتيان بها سهواً فساده.
والدليل على ذلك أنّ النواهي المتعلّقة بالامور المذكورة
إرشادية إلى المانعيّة، فمرجع قوله عليه السلام: «المعتكف لايشمّ الطيب»
إلى أنّ عدم الشمّ معتبر في الاعتكاف، وهو شامل لصورة السهو، كما أنّه شامل لصورة العمد.
وقد تبيّن ممّا ذكر أنّه لامجال لدعوى انصراف تلك النواهي إلى صورة العمد؛ لأنّها إرشاديّة وهي تعمّ صورتي العمد والسهو. نعم، تتّجه دعوى الانصراف في
النواهي التكليفية .
وذهب
العلّامة الحلّي في
المنتهى إلى بطلان الاعتكاف بالجماع عمداً لا سهواً،
ولعلّ وجهه انصراف أدلّة الحرمة إلى صورة العمد.
لكن ناقش فيه
المحقق النجفي بقوله: «للنظر فيه مجال إن لم ينعقد
إجماع عليه».
ظاهر إطلاق النصوص وكلمات الفقهاء اختصاص ما يحرم بالاعتكاف بالواجب منه دون المندوب.
لكن فصّل
الفاضل النراقي بين ما كان المحرم مفسداً للاعتكاف، وما كان غير مفسد، حيث قال: «إن كان المحرّم مفسداً للاعتكاف فيتعيّن الحكم بعدم حرمته في المندوب؛ لعدم حرمة إفساده. وما كان غير مفسد فما كان فيه إطلاق على التحريم- كالنساء والبيع والشراء والطيب بناءً على دلالة الصحيحة
- فيحرم مع قصد بقاء الاعتكاف؛ للإطلاق، وما لم يكن فيه إطلاق بل كان للإجماع- كالبيع والشراء على عدم تماميّة دلالة الصحيحة- فيختصّ بالواجب؛ لعدم ثبوت الإجماع في غيره».
الموسوعة الفقهية، ج۱۴، ص۴۷۶-۴۸۷.