الاعتزال
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
هو
تجنب الشيء و
التنحي عنه.
الاعتزال: مصدر اعتزل من عزلت
الشيء بمعنى نحّيته.
واعتزل القوم:
فارقهم وتنحّى عنهم؛
ولذلك سمّيت طائفة من العدليّة بالمعتزلة.
والإسم:
العزلة بمعنى الاعتزال. وورد- أيضاً- بمعنى ترك فضول
الصحبة و
الاجتماع بمجلس
السوء .
ولا يوجد
اصطلاح خاص لدى الفقهاء للاعتزال، بل يطلقونه بنفس المعاني اللغوية.
نعم،
الأكثر استعماله بمعنى اعتزال
الزوج عن
الزوجة أيام
الحيض ، وعن فراش زوجته
الناشزة ، وما شابه ذلك.
وهي من خلا
المكان والشيء إذا لم يكن فيه أحدٌ، ولا شيء فيه وهو خالٍ، ومنه خلا
الرجل بنفسه إذا وقع في مكان خال لا يزاحم فيه.
وقد تجتمع العزلة مع
الخلوة ، لكن قد يتحقق الاعتزال بدونها، كما لو اضيف إلى
جماعة ، فيقال: اعتزل جماعة السوء، وهنا لا يجب
تحقق الخلوة.
وهي الاعتزال عن الناس إلى
دير أو
كهف أو مغارة طلباً
للعبادة .
وممّا تقدّم في
التمييز بين الخلوة والاعتزال ظهر أنّ
النسبة بين
الرهبنة والاعتزال هي
العموم المطلق أيضاً.
تفرّد بالشيء: انفرد به، فرد الرجل: اعتزل الناس وخلا للعبادة.
والنسبة بينه وبين الاعتزال صارت
واضحة .
انتبذ فلان: اعتزل
ناحية .
ويقال: انتبذ عن
القوم إذا تنحّى.
وظاهره
الترادف مع الاعتزال، وإن غلب استعمال
الانتباذ في الاعتزال مع بُعد مكاني.
يتعرّض الفقهاء لبيان حكم الاعتزال في أبواب مختلفة من
الفقه ، نشير إلى أهمّها فيما يلي:
حثّت
الشريعة على أنّ
الأفضل للمسلم أن يختلط بالناس فيحضر جماعاتهم ومشاهد
الخير ومجالس
العلم ؛ وذلك لقوله تعالى: «وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ
وَالتَّقْوَى ».
وقول
علي عليه السلام في توصيف
المؤمن بأن:
«يخالط الناس ليعلم».
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: « المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على
أذاهم أعظم
أجراً من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم».
وروي: أنّه جاء رجل إلى
أبي عبد اللَّه عليه السلام، فقال له: جعلت فداك! رجل عرف هذا
الأمر لزم بيته ولم يتعرّف إلى أحد من
إخوانه، فقال: «كيف يتفقّه هذا في
دينه؟ !».
وروي عنه عليه السلام أيضاً: «عليكم بالصلاة في
المساجد وحسن
الجوار للناس، و
إقامة الشهادة، وحضور
الجنائز، إنّه لابدّ لكم من الناس، إنّ أحداً لا يستغني عن الناس حياته، والناس لابدّ لبعضهم من بعض».
وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: «من أصبح لا يهتم بامور
المسلمين فليس منهم، ومن سمع رجلًا ينادي يا للمسلمين فلم يجبه، فليس
بمسلم ».
والأخبار الواردة في
الاختلاط بالناس كثيرة، إلى جانب سيرة
المعصومين عليهم السلام وعامة
المتشرعة والمتدينين.
نعم، في مقابل ما ورد من الحثّ على
المخالطة ، جاءت روايات عديدة في مدح الاعتزال، وقد تعدّدت الآراء في تفسير هذه الروايات، فذكر بعضهم أنّها إنّما وردت في الاعتزال عن
شرار الناس خاصّة ممّن لا يُهتدى
بمجالستهم، والذين يضرون
جليسهم في دينه، وإلّا
فمعاشرة الصلحاء وهداية الضالّين هي طريقة
الأنبياء ، ومن أفضل
العبادات .
بل إنّ الاعتزال
الممدوح قد يحصل حتى في وسط الناس، و
المعاشرة المذمومة تحصل حتى في الخلوة؛ لأنّ مفسدة معاشرة
الخلق الركون إلى
الدنيا و
التخلّق بأخلاق أهلها،
وتضييع العمر بصحبة أهل
الباطل ، وكم من معتزل عن الخلق و
الشيطان يصرف ذهنه وجميع حواسه إلى تحصيل
الجاه و
اعتبار الدنيا وإن كان بعيداً عن الناس، لكنّه يعاشرهم في قلبه، ويقوّي
أخلاقهم السيئة في نفسه.
وكم من حاضر في مجالس أهل الدنيا وهو
منزجر من أفعالهم، فهذه المعاشرة توجب زيادة
بصيرته وتنفره من الدنيا، ويترتب عليها
أجر عظيم لكونها للَّه، أو
لهداية خلق اللَّه، أو غيرهما من
الأغراض الصحيحة.
بل من يخالط يكتسب
المزيد من
الكمالات و
الصفات الحسنة و
التجارب المثمرة و
الكياسة و
الوعي ، بل يصبح فهمه للحياة وللنصوص الدينية أكثر قرباً من
الواقع من فهم المعتزل الذي قد يطالع
الحياة عن بُعد فيخرج بتصوّرات مثالية مجافية لأرض الواقع و
الميدان .
قال
العلامة المجلسي : «إنّ الاعتزال عن الخلق كافّة ليس بممدوح في هذه
الامّة كما يظهر ذلك من أحاديث متواترة، وهناك أحاديث كثيرة في فضل
تزاور المؤمنين و
عيادة مرضاهم و
إعانة ذوي الحوائج منهم وحضور جنائزهم و
قضاء حوائجهم، ولا تجتمع هذه الامور مع الاعتزال، ولقد وجب أيضاً على
الجاهل تحصيل المسائل الضرورية
بالإجماع والأحاديث المتواترة، وعلى
العالم هداية الخلق
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يمكن تحصيل ذلك مع الاعتزال».
نعم، لو تسبّبت
المخالطة بفتنة أو فساد لا يستطيع الفرد
إصلاحه أو وقع بسببها في
الحرام فيحسن في هذه الحالة الاعتزال عن الناس، حيث لا يقدر على
تحقيق الإصلاح وتجنّب الحرام من دون ذلك.
وهذا كلّه يعني أنّه ينبغي في الاعتزال
اعتبار حال الشخص المعتزل في نفسه وفي وقته وفي
خليطه وسائر خصوصيّاته وعرضها عليه.
فقد يحسن الاعتزال في ظرف زماني خاص، أو أوضاع
سياسية و
اجتماعية خاصة تتطلّبه، لكنّ ذلك لا يشكل
القاعدة العامة في مسيرة حياة المتديّن و
المسلم .
يضاف إلى ذلك أنّ الاعتزال هنا فعل
الفرد ، وإلّا فقد تتصف به الجماعة؛ ولهذا ورد حثّ
أهل البيت عليهم السلام
شيعتهم - بوصفهم جماعة- على عدم اعتزال
جمهور المسلمين.
نعم، وردت
الدعوة لعدم مجالسة بعض الناس خوفاً من
التأثر بهم أو ما شابه ذلك.
لا يحرم
الاختلاط بغير الزوجة والمحارم ما لم يفض إلى محرّم كالزنا و
النظر بشهوة وما شابه ذلك، وإلّا وجب الاعتزال حيث يتوقف عليه ترك الحرام.
أمّا الزوجة فالأصل معها المخالطة ما لم تسقط حقّها أو تطرأ
ضرورة ؛ لأنّ المخالطة شكل من أشكال
العشرة بالمعروف المأمور بها في
القرآن ، قال تعالى: «وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ»،
كما يجب على الزوج مقاربة زوجته لا أقلّ مرّة كلّ أربعة أشهر على المشهور.
ويخرج من تحت هذا الأصل في
العلاقة مع الزوجة موارد، أبرزها:
صرّح الفقهاء بوجوب اعتزال
النساء أيام حيضهنّ،
بمعنى ترك
مقاربتهنّ وذلك لقوله تعالى: «وَيَسأَلُونَك عَنِ
الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ
أَذَى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ».
ولما رواه
عبد الملك بن عمرو قال: سألت
أبا عبداللَّهِ عليه السلام ما لصاحب
المرأَة الحائض منها؟ فقال: «كلّ شيءٍ ما عدا
القبل منها بعينه».
وادّعي
الإجماع عليه،
بل قيل: إنّه من ضروريّات
الدين .
و
الواجب منه- كما هو
المعروف بين الفقهاء- وجوب اعتزالهنّ في القبل مدّة حيضهنّ، فإذا طهرن جاز
الوطء قبل
الاغتسال .
خلافاً
للصدوق ، فإنّه منع من ذلك إلّاللرجل
الشبق و
المستعجل .
وأمّا
الدبر فالمشهور جوازه،
بل ادّعي عليه الإجماع،
ومال- بل ذهب- بعض الفقهاء إلى وجوب اعتزالهنّ فيه أيضاً.
ولا إشكال في جواز معاشرة النساء بسائر
الاستمتاعات سوى
الجماع في
الفرج في
أيام الحيض .
نعم، يكره الاستمتاع بما بين
السرّة و
الركبة .
والمحكي عن المرتضى
تحريمه .
هذا، ويلحق بالحيض
النفاس ، كما هو مذكور في محلّه.
ذكر الفقهاء أنّ للزوج
تأديب امرأته الناشزة بالاعتزال؛
لقوله تعالى:
«وَاللَّاتِي تخَافُونَ
نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهجُرُوهُنَّ فِي
المَضَاجِعِ وَاضرِبُوهُنَّ فَإِن أَطَعنَكُم فَلَا تَبغُوا عَلَيهِنَّ
سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيراً».
وفي معنى
الهجر وتفسيره أقوال:
۱- أن يعتزل
فراشها .
۲- أن يحول
ظهره إليها في الفراش.
۳-
التخيير بينهما.
۴- مراعاة
الترتيب في الهجر بحسب ترتيب أفراد
النشوز واحتمال
ارتفاعه ، فإن كان قليلًا يحتمل
زواله اكتفي بتحويل
الظهر ، وإن كان أكثر فيعتزل فراشها، وهكذا إلى أن ينتهي إلى
الضرب غير
المبرح و
المدمي ، ولا يفسد لحماً ولا جلداً.
هذا، وهناك موارد اخرى لاعتزال الرجل المرأة كما في
الإيلاء و
الظهار ، ومدّة
الاستبراء ، وما يتّصل ببعض قضايا
العبيد و
الإماء ، تراجع في محالّها.
الموسوعة الفقهية، ج۱۴، ص۳۸۸-۳۹۳.