ما يترتب على فساد الاعتكاف
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
يأتي في هذا المقال ما يترتب على فساد
الاعتكاف.
تجب
الكفارة على المعتكف إذا أفسد اعتكافه
بالجماع ، إن لم يشترط الرجوع عن اعتكافه،
وقد نفي الخلاف عنه،
بل ادّعي الإجماع عليه،
من غير فرق بين الليل والنهار؛ إذ الكفّارة من أحكام الاعتكاف دون
الصيام .
وقد يستدلّ على وجوب الكفّارة بأنّ الاعتكاف عبادة يفسدها
الوطء بعينه، فوجبت الكفّارة بالوطء فيها
كالحجّ وصوم
رمضان ، وبأنّه زمان تعيّن للصوم وتعلّق
الإثم بإفساده، فوجبت الكفّارة فيه بالجماع.
وقد ادّعي على استفاضة النصوص في ذلك
:
منها:
رواية زرارة قال: سألت
أبا جعفر عليه السلام عن المعتكف يجامع؟ قال: «إذا فعل ذلك فعليه ما على المظاهر».
ومنها: ما رواه
سماعة قال: سألت
أبا عبد اللَّه عليه السلام عن معتكف واقع أهله، قال: «هو بمنزلة من أفطر يوماً من شهر رمضان».
ومنها: ما عن
أبي ولّاد الحنّاط ، قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن امرأة كان زوجها غائباً فقدم وهي معتكفة بإذن زوجها فخرجت حين بلغها قدومه من
المسجد إلى بيتها فتهيّأت لزوجها حتى واقعها؟ فقال: «إن كانت خرجت من المسجد قبل أن تنقضي ثلاثة أيّام ولم تكن اشترطت في اعتكافها فإنّ عليها ما على المظاهر».
واختلف
الفقهاء في أنّ
إبطال الاعتكاف بالجماع موجب للكفّارة في الاعتكاف الواجب أو موجب للكفّارة من غير فرق بين الواجب
والمندوب ، ولا في الواجب المعيّن والمطلق.
فقال بعض الفقهاء بوجوبها لو كان الاعتكاف واجباً معيّناً.
وقال
الشهيد الثاني : «لا خلاف... في وجوب الكفارة إذا كان الإفساد بالجماع في اعتكاف واجب، سواء أكان متعيّناً أم لا».
وقال آخرون بعدم الفرق في الاعتكاف بين الواجب والمندوب، ولا في الواجب بين المطلق والمعيّن.
قال
السيد العاملي : «إنّ إطلاق الروايات المتضمّنة لوجوب الكفّارة بالجماع يقتضي بظاهره عدم الفرق في الاعتكاف بين الواجب والمندوب، ولا في الواجب بين المطلق والمعيّن. وبمضمونها أفتى الشيخان»،
. إلّا أنّه لم يستبعد بعد ذلك اختصاصه بالاعتكاف الواجب؛ لأنّ المطلق لا عموم له، فيكفي في العمل به إجراؤه في الواجب.
كما أنّ
المحقق الحلي - بعد نقل فتوى الشيخين بثبوت الكفّارة به على الإطلاق- قال: «ولو خصّا ذلك باليوم الثالث أو الاعتكاف اللازم كان أليق بمذهبهما؛ لأنّا بيّنّا أنّ الشيخ ذكر في
النهاية أنّ للمعتكف الرجوع في اليومين الأوّلين من اعتكافه، وأنّه إذا اعتكفهما وجب الثالث، وإذا كان له الرجوع لم يكن لإيجاب الكفّارة مع جواز الرجوع وجه، لكن يصحّ هذا على قول الشيخ رحمه الله في المبسوط فإنّه يرى وجوب الاعتكاف بالدخول فيه».
وقال
المحقق النجفي : «قد يقال: إنّ مقتضى ترك الاستفصال في النصوص وجوب الكفّارة به مطلقاً، من غير فرق بين المندوب فيه والواجب معيّناً ومطلقاً في اليومين الأوّلين وفي غيرهما، ولا ينافي ذلك الندبيّة والتوسعة في المطلق، كما لا ينافيان حرمة وقوعه فيهما وإن جوّزنا له الخروج، وأنّه يخرج به وبغيره، لكن ليس له فعله وهو باقٍ على الاعتكاف مستمرّ عليه، فمتى فعل ذلك أثم وكفّر، اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ تعليق الكفّارة على عدم الاشتراط في صحيح أبي ولّاد
المتقدّم يومئ إلى عدم وجوبها مع عدم تعيّن الاعتكاف حتى في اليوم الثالث إذا فرض الاشتراط فيه على وجه يرفع وجوبه، مضافاً إلى أصل
البراءة ونحوه، وهو قويّ جدّاً، فيكون المدار حينئذٍ في وجوبها بالجماع وعدمه بتزلزل الاعتكاف وعدمه، فتجب في الثاني دون الأوّل».
وتختلف الكفّارة باختلاف زمان وقوع الجماع، فصرّح الفقهاء بأنّه إذا جامع المعتكف ليلًا أو نهاراً في غير رمضان وجبت عليه كفّارة واحدة؛ لإفساد الاعتكاف.
وإن جامع المعتكف في صوم شهر رمضان أو قضائه بعد
الزوال أو في صوم
النذر المعيّن وجبت عليه كفّارتان:
إحداهما للاعتكاف، والثانية
للإفطار ؛
لرواية
عبد الأعلى بن أعين قال: سألت
أبا عبد اللَّه عليه السلام عن رجل وطأ امرأته وهو معتكف ليلًا في شهر رمضان، قال: «عليه الكفّارة»، قال: قلت: فإن وطأها نهاراً، قال: «عليه كفّارتان».
ولو جامع امرأته المعتكفة في نهار رمضان وهما معتكفان فإن وطأها
إكراهاً فقد وقع الخلاف في تحمّل الزوج كفّارة الجماع عن الزوجة المكرهة، وعدمه على قولين:
التحمّل، فإن كان ذلك في نهار شهر رمضان كان عليه أربع كفّارات: إثنتان عن نفسه إحداهما للاعتكاف والاخرى للصوم، واثنتان عن زوجته إحداهما لاعتكافها والاخرى لصومها، وإن كان ليلًا فكفّارتان: إحداهما لاعتكافه والأُخرى لتحمّله كفّارة الاعتكاف عن زوجته.
نسب هذا القول إلى
ابن الجنيد ،
وبه قال جماعة.
وادّعي أنّه المشهور.
واستدلّ عليه بأنّه فعل موجب للكفّارة على اثنين فتتضاعف على المكرِه؛ لصدور الفعل عنه أجمع في الحقيقة، ولأنّه عبادة توجب الكفّارة بفعل الوطء على الزوجين فتتضاعف على الزوج بالإكراه كرمضان.
وقد استدلّ
السيد المرتضى على ذلك أيضاً بقوله: «دليلنا
الإجماع ... وطريقة
الاحتياط ، ولأنّ المعتكف قد لزمه حكم متى أفسد اعتكافه بلا خلاف، وإذا فعل ما ذكرناه برئت ذمّته بيقين وبلا خلاف، وليس كذلك إذا قضى ولم يكفّر».
ونوقش فيه بأنّه لا مستند له، وجعله كالإكراه في صوم رمضان قياس، وثبوت الكفّارتين في صوم رمضان ثبت بالدليل على خلاف الأصل، فلا يتعدّى إلى غيره.
عدم التحمّل. نعم، على الزوج أن يتحمّل كفّارة صوم رمضان عن الزوجة، إذاً فتجب عليه ثلاث كفّارات:
إحداها لاعتكافه، واثنتان لصومه وصومها.
وهذا القول ذهب إليه المحقّق الحلّي وجماعة،
لكنّه قال بوجوب كفّارتين عليه، وكأنّه اقتصر على كفّارة الاعتكاف وكفّارة الصوم عن نفسه، ولم يتعرّض لكفّارة صومها الذي أفتى سابقاً بتحمّله ذلك عنها.
وقد احتمل في كلامه هذا أنّه رجع عن
الفتوى السابقة؛ لضعف مستنده، أو أنّ الكفّارتين هنا للصوم أيضاً وإن كان التعدّد بسبب الاعتكاف.
قال العلّامة الحلّي: «احتجّ المخالف (أي القائلون بالقول الثاني) بأصالة
براءة الذمّة، وبأنّ المكرهة لم تفطر فلا كفّارة عليها، كما لو ضرب إنسان غيره حتى أكل أو شرب لم يجب على الضارب كفّارة عن المضروب. والجواب: أصالة البراءة معارضة بالاحتياط، وبأنّه (القول الأوّل) قول مشهور لعلمائنا لم يظهر له مخالف فكان حجّة، والقياس على الضرب باطل؛ لأنّه لم يتحقق هنا إفطار بهذا الفعل فلا يوجب الكفّارة، بخلاف صورة النزاع؛ فإنّ الكفّارة ثابتة على المجامع».
وقال
المحقق النجفي : القول الأوّل أشبه؛ ضرورة صلاحيّة مثل هذا الاتّفاق من الأصحاب؛ للشهادة على إرادة ما يعمّ نحو المقام من الخبر الذي رواه
المفضل المعمول به بين الأصحاب بحمل ما فيه من الصوم على المثال للاعتكاف.
وقد ألحق بعض الفقهاء بالجماع استدعاء
المني ،
بناءً على فساد الاعتكاف به.
وأمّا وجوب الكفّارة في سائر المحرّمات غير الجماع ففيه قولان:
عدم الوجوب، وهو اختيار
الشيخ الطوسي ، حيث خصّ وجوب الكفّارة
بالإفساد بالجماع فقط،
واختاره جماعة
أيضاً.
واستدلّ عليه بالأصل السالم عن المعارض،
وبأنّ النصوص تختصّ بالجماع، ولم يحرز المناط ليلتزم بالإلحاق.
الوجوب، ذهب إليه بعضهم.
وناقش فيه
المحقق الحلي بأنّه إن كان المراد الاعتكاف المنذور المعيّن كان له وجه وهو وجوب الكفّارة لخلف
النذر ، وإن كان المراد الإطلاق فلا دليل عليه، وما دلّ على وجوب الكفّارة مختصّ بالإفساد بالجماع، فلا يشمل غيره من المفطرات.
ولو كانت المرأة معتكفة ووطأها مختارة وجب عليها مثل ما على الرجل.
ولو نذر الاعتكاف في شهر رمضان فجامع وكانت الزوجة مكرهة ومعتكفة وجبت عليه كفّارة خامسة؛ لتحقّق موجب جديد وهو كفّارة حنث النذر.
وأمّا نوع الكفّارة التي تجب بإفساد الاعتكاف بالجماع فهي إحدى الخصال الثلاث:
عتق رقبة، أو
صيام شهرين متتابعين، أو
إطعام ستّين
مسكيناً ، وهذا لا إشكال ولا خلاف فيه، وإنّما الخلاف في أنّها مرتّبة أو مخيّرة.
قال جماعة من الفقهاء
بأنّها مرتّبة، ككفّارة
الظهار ؛ محتجّاً برواية
زرارة قال: سألت
أبا جعفر عليه السلام عن المعتكف يجامع، قال: «إذا فعل ذلك فعليه ما على المظاهر».
لكنّ المشهور
- بل نسب إلى الأصحاب
تارةً وإلى
فتوى علمائنا
اخرى- كونها مخيّرة مثل كفّارة شهر رمضان،
بل ادّعي
الإجماع عليه؛
لموثّق
سماعة بن مهران عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سألته عن معتكف واقع أهله، قال: «عليه ما على الذي أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً: عتق
رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستّين مسكيناً».
وقد جمع بعض الفقهاء بين هذا والرواية السابقة بحمل تلك على إرادة التشبيه بوجوب أصل الكفّارة أو على أفضليّة مراعاة الترتيب.
الاعتكاف إمّا واجب أو مندوب، والواجب منه إمّا معيّن بزمان خاصّ أو مطلق من دون تعيين زمان:
فإن فسد الاعتكاف بأحد المفسدات أو تركه
نسياناً أو
عصياناً أو
اضطراراً وكان واجباً معيّناً ولم يشترط في اعتكافه الرجوع، قال جملة من الفقهاء: وجب
قضاؤه ،
وفي
المدارك : أنّه مقطوع به في كلام الأصحاب
وادّعى [[|المحقق النجفي]] عدم الخلاف فيه.
هذا بناءً على أنّ القضاء تابع
للأداء في الوجوب، ولا يحتاج إلى أمر جديد، وإلّا فلا يجب القضاء في صورة
إفساد الاعتكاف، كما هو خيرة بعض المتأخّرين المعاصرين.
وقال
الفاضل النراقي : «لا يجب القضاء في
المندوب ولا في الواجب المعيّن».
وعلى أيّة حال، عمدة
استدلال من قال بوجوب القضاء في الاعتكاف إنّما هو الإجماع.
ويمكن أن يستدلّ له بعموم الأدلّة الدالّة على وجوب قضاء الفوائت،
كالنبوي المرسل: «اقض ما فات كما فات».
والمرسل عنهم عليهم السلام: «من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته».
ونوقش فيهما سنداً بإرسال الروايتين، ودلالةً بوجهين:
الأول: لم يلتزم الفقهاء بوجوب القضاء لكلّ فريضة فائتة ليدّعى
الانجبار بالعمل على تقدير تسليم كبرى الانجبار، فإنّ من نذر قراءة
القرآن أو
الدعاء أو
زيارة الحسين عليه السلام - مثلًا- في وقت معيّن ففاتته لعذر أو لغير عذر، لم يلتزم أحد بوجوب قضائها، والقضاء في
الصوم المنذور المعيّن محلّ خلاف وإن كان عليه الأكثر، للنصّ الخاص.
وبالجملة: فلم يعهد من أحد منهم
الالتزام بالقضاء فيما عدا الصوم والاعتكاف المنذورين.
الثاني: أنّ لفظ (الفريضة) المذكور في المرسلة منصرف إلى ما ثبت وجوبه في أصل
الشرع وبحسب الجعل الأوّلي، ولا يكاد يشمل ما التزم به الناذر على نفسه.
فالرواية على تقدير صحّتها منصرفة عن المقام قطعاً.
وأمّا إن كان واجباً غير معيّن وجب استئنافه، إلّا إذا كان مشروطاً فيه الرجوع؛ لوجوب
امتثال الأمر به.
ولا يصدق فيه عنوان (القضاء)؛ لعدم صدق فوته في زمان معيّن.
وقال
الشهيد الأول : «إن كان غير معيّن ففي وجوب القضاء نظر».
وإن كان مندوباً فإن كان الإفساد قبل اليومين على القول الأكثر، أو حتى في اليوم الثالث على القول بعدم وجوبه أصلًا
فلا قضاء ولا
استئناف ، بل في مشروعيّة قضائه حينئذٍ إشكال؛
لعدم الدليل، إلّا إذا فرض أنّ
للمستحب خصوصية زمانية
كنوافل الليل فإنّها تقضى من أجل تلك الخصوصية، وعليه يحمل ما في رواية
الحلبي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «كانت بدر في شهر رمضان فلم يعتكف
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم، فلمّا أن كان من قابل اعتكف رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم عشرين: عشراً لعامه، وعشراً قضاء لما فاته»،
حيث كان القضاء لإدراك الاعتكاف من شهر رمضان.
نعم، قال
العلامة الحلي : «إن كان
ندباً استحبّ قضاؤه».
وقد استظهر
المحقق النجفي من كلام المحقق الحلّي مشروعيّة قضاء الاعتكاف المندوب.
وإن كان في اليوم الثالث على القول الأكثر
أو حتى قبله على القول بوجوبه بمجرّد الشروع فيه
وجب استئنافه؛
لوجوب الامتثال، وهو غير حاصل بالفاسد.
بناءً على القول بوجوب
القضاء في الاعتكاف، هل هو على
الفور أم على
التراخي ؟
ظاهر جماعة من الفقهاء التراخي؛
لعدم دلالة الأمر على الفور، ومقتضى الأصل العدم،
بل يستحبّ؛ لما فيه من المسارعة إلى فعل الطاعة، وإخلاء الذمّة عن الواجب.
إلّا أنّه قال عدّة منهم بالفور؛
لأنّه واجب وإخلاء الذمة من الوجوب واجب.
صرّح أكثر الفقهاء بأنّه إن مات المعتكف قبل انقضاء اعتكافه الواجب لم يجب على الوليّ القيام به؛ استناداً إلى أنّ الدليل قام على وجوب قضاء
الصلاة والصيام عن
الميّت ، لا كلّ واجب من العبادات التي فاتت الميّت، والاعتكاف وإن تضمّن الصوم إلّا أنّ حقيقته مجرّد الكون في المسجد الذي هو أجنبيّ عن الصوم.
لكن أطلق بعض وجوب القضاء على الوليّ.
واستدلّ له بعموم ما روي: أنّ من مات وعليه صوم واجب يجب على وليّه أن يقضي عنه.
وقد استشكل فيه بأنّ ظاهر الرواية وجوب قضاء الواجب بالأصالة، ولو سلّم اختصّ ذلك بما لو استقرّ القضاء على الميّت، فلو نذر الاعتكاف في أيّام معيّنة فمات في أثناء اعتكافه فيها أو اعتكف مندوباً فمات في الثالث لم يجب القضاء عنه.
نعم، لو كان قد نذر الصوم معتكفاً ففاته بعد أن تمكّن من قضائه فإنّه يجب على الوليّ ويتبعه الاعتكاف من باب المقدّمة؛ لأنّ الواجب هو الصوم، والاعتكاف مقدّمة له، فيجري فيه جواز
الاستنابة ، ووجوبه على الأولياء المتعدّدين، وكون المنكسر كفرض
الكفاية ، وغير ذلك من الأحكام.
الموسوعة الفقهية، ج۱۴، ص۴۹۵-۵۰۵.