مفسدات الاعتكاف
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ذكر بعض
الفقهاء أنّ كلّ ما يفسد
الصوم يفسد
الاعتكاف، بل ادّعي عدم الخلاف فيه،
وهو كما يلي.
للسيد الخوئي في المقام كلام هذا نصّه:
«هل
الحرمة الثابتة للمذكورات من
الجماع والبيع والشراء والجدال ونحوها تكليفيّة ووضعيّة، أو أنّها تكليفيّة فقط من غير أن تستوجب
البطلان ، أو أنّها وضعيّة فقط دون أن تكون محرّمة تكليفاً كما لو خرج من
المسجد بغير حاجة فإنّه يبطل اعتكافه ولكنّه لم يرتكب محرّما إذا كان فى اليومين الأوّلين.
نعم، في اليوم الثالث يحرم لحرمة
الإبطال كما مرّ. فهل حكم تلك المذكورات حكم الخروج، أو أنّها محرّمة تكليفاً لا وضعاً حتى أنّه لو جامع في اليومين الأوّلين ارتكب محرّماً وصحّ اعتكافه وكذا غيره من سائر المذكورات؟
أمّا بالنسبة إلى الجماع فالظاهر أنّه لا شكّ في حرمته التكليفيّة والوضعيّة معاً، من غير فرق بين اليومين الأوّلين والأخير... وأمّا غير الجماع من
اللمس والتقبيل بشهوة فقد تقدّم عدم حرمته فضلًا عن كونه مبطلًا، وعرفت أنّ
الآية المباركة ظاهرة في المباشرة بمعنى الجماع، وكذا
الروايات .
وأمّا غير ذلك من سائر الامور من البيع والشراء وشمّ الطيب والجدال ونحوها فالحكم فيه يبتني على ما ذكرناه في الاصول وتقدّم في مطاوي هذا الشرح من أنّ
النهي بحسب طبعه الأوّلي وإن كان ظاهراً في التحريم التكليفي المولوي- أي اعتبار كون
المكلّف بعيداً عن الفعل في عالم
التشريع ؛ ولأجله يعبّر عنه بالزجر، فكأنّ الناهي يرى المنهي محروماً عن العمل، وأنّه لا سبيل له إليه والطريق مسدود- إلّا أنّ هذا الظهور الأوّلي قد انقلب في باب المركّبات من
العبادات والمعاملات -
العقود منها
والإيقاعات - إلى الإرشاد إلى
الفساد ، واعتبار عدمه في ذلك العمل، فلا يستفيد العرف من مثل قوله عليه السلام:
«نهى
النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن
بيع الغرر ».
أنّه محرّم إلهي
كشرب الخمر ، بل معناه أنّ
الشارع الذي أمضى سائر البيوع لم يمض هذا الفرد، وأنّه يعتبر في الصحّة أن لا يكون غرريّاً، فلا تستفاد الحرمة التكليفيّة بوجه إلّا إذا دلّ عليه دليل من الخارج...
وعلى الجملة: لا تستفاد الحرمة التكليفيّة من النواهي الواردة في هذه الأبواب بتاتاً، بل هي ظاهرة في الوضعي فقط، وعليه فالنهي عن البيع أو الجدال ونحوهما في الاعتكاف ظاهر في البطلان فقط لا الحرمة التكليفيّة. نعم، هي محرّمة أيضاً في اليوم الثالث من أجل الدليل الخارجي الدالّ على حرمة الإبطال».
اتّفق الفقهاء على أنّ الجماع مبطل ومفسد للاعتكاف إن كان
متعمّدًا ،
سواء كان ليلًا أو نهاراً، قال سبحانه وتعالى: «وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ».
وأمّا إن فعله
ناسياً لاعتكافه فلا يبطل،
إلّا عند بعض فصرّح بأنّه لو جامع سهواً
فالأحوط في
الواجب الاستئناف أو
القضاء مع إتمام ما هو مشتغل به، وفي
المستحبّ الإتمام .
وأمّا القبلة واللمس فقد صرّح بعضهم بإفسادهما له إذا كانا بشهوة،
وهذا أيضاً قول
ابن الجنيد ،
وكلّ من قال بإفساد جميع المحرّمات أو جميع
المباحات غير الضرورية؛
وذلك للنهي الموجب للفساد.
وصرّح آخرون بأنّه يأثم؛ للنهي عن
مباشرتهنّ فيه، ولكن لا يفسد بهما الاعتكاف؛ لعدم الدليل، وللأصل السالم عن المعارض.
وهذا القول أيضاً ظاهرٌ من كلّ من ذكر الجماع، أو هو
والإنزال ، ولم يذكر القبلة واللمس بشهوة
كابن حمزة .
وتوقّف في المسألة
المحدث البحراني .
صرّح بعض الفقهاء بأنّ البيع والشراء في الاعتكاف يبطله؛ عملًا بما يفهم من النهي عنه في مثله عرفاً.
واحتمل
المحقق الأردبيلي البطلان.
وقال
ابن إدريس : «والأولى عندي أنّ جميع ما يفعله المعتكف من
القبائح ويتشاغل به من
المعاصي والسيّئات يفسد اعتكافه... والمعتكف اللابث للعبادات إذا فعل قبائح ومباحات لا حاجة إليها فما لبث للعبادة وخرج من حقيقة المعتكف اللابث للعبادة».
وقال آخرون: يأثم ولا يبطل؛
للأصل، وعدم الدليل، ولأنّ النهي في المعاملات لا يدلّ على الفساد.
الظاهر من بعض الفقهاء إفساد الاعتكاف بالمماراة.
لكن ذكر
الشيخ الطوسي أنّه لا يفسد الاعتكاف؛ لأنّه لا يفسد
الصوم .
تقدّم أنّ هناك شروطاً للمعتكف والاعتكاف، فلو انتفى أحد هذه الشروط يبطل الاعتكاف، من قبيل:
إذا طرأ على المعتكف
الجنون أو
الإغماء في أثناء الاعتكاف بطل اعتكافه؛ لفساد الشرط وخروجه عن
أهليّة العبادة، ولأنّ العبادات البدنيّة لا تصحّ من المجنون، سواء اخرجا من المسجد أم لا.
اتّفق الفقهاء على أنّه لو ارتدّ في أثناء الاعتكاف بطل اعتكافه وإن تاب بعد ذلك،
سواء كان
الارتداد عن
الإسلام أو
الإيمان .
وذلك لأنّ المرتد يقتل إن كان عن فطرة، ويجب خروجه من المسجد إن لم يكن عن فطرة، وعلى التقديرين يجب إخراج المرتدّ منه
إجماعاً ، فحينئذٍ يبطل به الاعتكاف، ولأنّ الارتداد مانع عن صحّة الصوم؛ لاشتراطه حدوثاً وبقاءً، فبطلان الصوم يستلزم بطلان الاعتكاف، ولأنّ الاعتكاف عبادة، ولا تصحّ العبادة من
الكافر .
نعم، قال الشيخ الطوسي في
المبسوط : «والارتداد لا يفسده، فإن رجع إلى الإسلام بنى عليه».
ولعلّ خلاف الشيخ محمول على ما لو كان في الليل بناءً على مسلكه من خروج الليل عن الاعتكاف.
ذهب جملة من الفقهاء إلى أنّ
السكر مفسد للاعتكاف؛
استناداً إلى أنّ الاعتكاف هو المقام واللبث للعبادة، فإذا سكر فقد فسق، وخرج بسكره عن كونه لابثاً معتكفاً في المدّة المذكورة للعبادة ومستمرّاً عليها، فخرج بسكره عن التعبّد، وذلك ينقض الحقيقة في كونه معتكفاً، فوجب أن يبطل اعتكافه.
إذا طمثت المرأة في أثناء الاعتكاف
بالحيض أو
النفاس يفسد اعتكافها، ويجب عليها أن تخرج من المسجد، وادّعي عليه الإجماع؛
لحرمة لبثها في المسجد.
وقد يستدلّ عليه بصحيح
عبد الرحمن ابن الحجاج عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «إذا مرض المعتكف أو طمثت المرأة المعتكفة فإنّه يأتي بيته، ثمّ يعيد إذا برئ ويصوم».
وبصحيح
أبي بصير عنه عليه السلام أيضاً: في المعتكفة إذا طمثت، قال: «ترجع إلى بيتها، فإذا طهرت رجعت فقضت ما عليها».
ويجب عليها حينئذٍ قضاء الاعتكاف مع وجوبه، أو عدم الاشتراط،
وإلّا فلا، وعليه ينزّل إطلاق كلمات بعض الفقهاء وجوب العود إلى الاعتكاف. لكن
العلّامة الحلّي في
المنتهى تردّد في استئناف الاعتكاف، بل قال: «الأقرب عدم الاستئناف».
ثمّ إن كان الاعتكاف واجباً ولم يمضِ ثلاثة وجب القضاء من أصله، وإلّا فالمتروك خاصّة. نعم، لو كان المتروك ثالث
المندوب - مثلًا- وجب قضاؤه بإضافة يومين إليه.
وأمّا المستحاضة فقد صرّح عدّة من الفقهاء بأنّ
الاستحاضة لا تمنع الاعتكاف؛
لأنّها
بالأغسال كالطاهر ، فإن خرجت بطل اعتكافها.
هذا إذا أمنت التلويث، ولا تتعدّى
النجاسة إلى
المسجد ، فإن لم يمكن صيانتها منه خرجت؛ لأنّه عذر فأشبه قضاء الحاجة.
ونقل العلّامة الحلّي عن
عائشة أنّها قالت: اعتكفت مع
رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم امرأة من أزواجه مستحاضة فكانت ترى الحمرة والصفرة، وربّما وضعنا الطست تحتها وهي تصلّي.
اتّفق الفقهاء على أنّ الخروج من المسجد بغير حاجة يفسد الاعتكاف،
واجباً كان أو ندباً، وسواء أكان الخروج يسيراً أم كثيراً، ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة؛
واستندوا لذلك بأنّ الاعتكاف لبث في المسجد للعبادة فالخروج منه منافٍ له.
إذا طُلّقت المعتكفة
رجعيّاً أثناء الاعتكاف بطل اعتكافها، وخرجت من المسجد، واعتدّت في منزلها.
نسب ذلك إلى علمائنا أجمع.
واستدلّ عليه بأنّه قد تعيّن
الاعتداد عليها في بيت زوجها، وهو لا يتمّ إلّا بالخروج فيجب.
لكن قيّده الشهيدان بما إذا لم يكن معيّناً مشروطاً، أمّا لو كان معيّناً من غير شرط فالأقوى اعتدادها في المسجد زمن الاعتكاف، فإنّ
دين اللَّه أحقّ أن يقضى.
واستجوده
المحقق النجفي ، حيث قال: «وهو جيّد لولا الإجماع المحكيّ المعتضد بكلمات المعظم».
وهو المستفاد من
المحقق الأردبيلي أيضاً.
ثمّ إذا خرجت من
العدّة قضت واجباً إن كان واجباً معيّناً بنذر ونحوه أو مضى يومان فتعيّن الثالث، وإن كان واجباً مطلقاً أتت به
أداءً .
وأمّا إذا كان
الطلاق بائناً أو مات عنها زوجها فلا إشكال؛ فإنّها حينئذٍ كسائر النساء أجنبيّة عن الزوج، فلها ما لهنّ وعليها ما عليهنّ،
إلّا أنّ بعضهم قال بوجوب الخروج
لعدّة الوفاة .
وهل يجوز للمرأة طلب الطلاق الرجعي مع وجوب الاعتكاف وتعيّنه؟ قال
الشيخ جعفر كاشف الغطاء : «لا يجوز».
يجب خروج
المريض الذي لا يسعه اللبث، وكذا غيره من ذوي الأعذار التي تنمحي صورة الاعتكاف معها، ويجب عليهم حينئذٍ استئناف الاعتكاف مع وجوبه، وإلّا فلا.
لكن العلّامة في
المنتهى تردّد في استئناف الاعتكاف في صورة حصول العارض قبل الثلاثة، وقال: «الأقرب عدم الاستئناف».
وقال في
المختلف : «والحقّ أن نقول: إن كان الاعتكاف ندباً لم يجب عليهما الرجوع، وإن كان واجباً فإن خرجا بعد مضيّ ثلاثة أكملا بعد
العذر ما تخلّف، وإن كان قبلها استأنفا».
واستدلّوا على ذلك بصحيح
عبد الرحمن بن الحجاج عن
الإمام الصادق عليه السلام قال: «إذا مرض المعتكف أو طمثت المرأة المعتكفة فإنّه يأتي بيته، ثمّ يعيد إذا برئ ويصوم».
وقال في
التذكرة : «وإن كان أكثر من ثلاثة فإن كان قد حصل العارض بعد الثلاثة خرج، فإذا عاد بنى، فإن كان الباقي ثلاثة أيضاً فما زاد أتى به، وإن كان أقلّ ضمّ إليه ما يكمله ثلاثة، وإن حصل العارض قبل انقضاء الثلاثة فالأقرب الاستئناف».
الموسوعة الفقهية، ج۱۴، ص۴۸۹-۴۹۵.