نذر الاعتكاف
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لا إشكال في أنّ
الاعتكاف من
العبادات الراجحة في
الشريعة ، وعليه فيصحّ تعلّق
النذر به، فإذا نذر الاعتكاف وجب عليه
الوفاء به، وإن كان
مندوباً في أصل الشريعة، إلّا أنّه يجب هنا بالنذر، كما في شبهه من
العهد واليمين .
ويدلّ عليه جميع ما دلّ على وجوب الوفاء بالنذر، كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «من نذر أن يطيع اللَّه فليطعه».
وقد ذكر
الفقهاء لنذر الاعتكاف أحكاماً، نشير إليها فيما يلي.
ذهب كثير من الفقهاء إلى أنّه كما يجوز اشتراط الرجوع في الاعتكاف حين عقد
نيّته، كذلك يجوز اشتراطه في نذره، بأن يقول: للَّه عليّ أن أعتكف بشرط أن يكون لي الرجوع عند عروض كذا أو مطلقاً، فيكفي في
جواز الرجوع الاشتراط حال النذر وإن لم يشترط ذلك حين الشروع في الاعتكاف.
ولا فرق في كون النذر اعتكاف أيّام معيّنة أو غير معيّنة، متتابعة أو غير متتابعة، فيجوز الرجوع في الجميع مع الشرط المذكور في النذر، ولا يجب
القضاء بعد الرجوع فيما إذا كان النذر معيّناً ولا الاستئناف مع إطلاق النذر.
نذر الاعتكاف كغيره من
الطاعات المنذورة ينعقد إذا حصلت شرائطه.
وقد ذكر بعض الفقهاء لصحّته شروطاً، نشير إليها فيما يلي:
من جملة شرائط صحّة نذر الاعتكاف كونه لوجه اللَّه تعالى، فلو نذر لا لوجه اللَّه بطل؛
لما روي عنهم: «لا نذر إلّا ما اريد به وجه اللَّه».
صرّح جملة من الفقهاء بأنّه كما لا يجوز التعليق في الاعتكاف حين عقد نيّته كذلك لا يجوز التعليق في نذره، فلو علّقه بطل.
وقد تقدّم تفصيله.
يستفاد من كلمات الفقهاء أنّه كما لا يجوز
للعبد ولا
للزوجة الابتداء بالاعتكاف المندوب إلّا
بإذن السيد والزوج، كذلك ليس لهما نذر الاعتكاف إلّا بإذن
المولى والزوج، فإن نذر أحدهما لم ينعقد نذره.
نعم، اختلفوا في أنّه هل يقع
باطلًا أو يكون موقوفاً على الإذن؟
اختار بعضٌ الثاني،
وعليه فلو أجازا نذرهما وأذنا في الشروع في الاعتكاف وكان الزمان معيّناً أو غير معيّن لكن شرطا التتابع لم يجز لهما
الرجوع في الإذن، وإن لم يشترطا التتابع، قال العلّامة الحلّي: «فالأقرب أنّ لهما الرجوع».
ولو نذرا بالإذن فإن تعلّق بزمان معيّن فلهما الشروع فيه بغير إذن، وإلّا لم يشرعا فيه إلّا بالإذن، وإذا شرعا بالإذن لم يكن للزوج أو السيّد المنع من
الإتمام .
وهو مبنيّ على أنّ النذر المطلق إذا شرع فيه لزم إتمامه.
اعتكاف المنذور إمّا أن يكون مطلقاً أو معيّناً، والتعيّن إمّا أن يحصل بوصف الفعل كاشتراط
التتابع ، أو بخارج عنه كالزمان أو المكان، نشير إلى هذه الحالات فيما يلي:
۱- لو أطلق النذر ولم يقيّده بعدم الزيادة صحّ، ووجب عليه أن يأتي بثلاثة أيّام؛
إذ لا يصحّ الاعتكاف أقلّ منها، ويتخيّر في أيّ وقت شاء- ممّا يصحّ صومه- أوقعه فيه،
وله أن يأتي بالأزيد.
۲- لو نذر الاعتكاف مدّة من الزمان- كعشرة أيّام أو شهر- وأطلق تلك المدّة، فتارةً يشترط فيها التتابع لفظاً- كأن يقول:
للَّه عليّ أن أعتكف عشرة أيّام متتابعات- أو كان منساقاً من نذره- كنذر اعتكاف شهر
رجب الذي لا يتحقّق
الإتيان به إلّا بالتتابع؛ لأنّ الشهر اسم مركّب من الأيّام المعدودة- فإذا أخلّ ببعضه لم يتحقق
الامتثال ، واخرى لا يشترط التتابع، فإن شرطه لزمه ذلك؛ لأنّه نذر في طاعة هي المسارعة إلى فعل الخير، كما لو شرط التتابع في
الصوم .
وإن لم يشترط التتابع كان مخيّراً بين التتابع
والتفريق ، إلّا أنّه لا يفرّق أقلّ من ثلاثة أيّام، فإذا نذر اعتكاف شهر أو عشرة أيّام- مثلًا- ولم يعيّن بشهر معيّن أو زمان وجب عليه اعتكاف شهر، بأن يعتكفه متتابعاً أو متفرّقاً ثلاثة ثلاثة، ولا يجب عليه تتابع الشهر بأسره كما في الصوم؛ لأنّه معنى يصحّ فيه التفريق، فلا يجب فيه التتابع بمطلق النذر كالصيام.
إذا عرفت هذا، فإنّ التتابع وإن لم يلزمه إلّا في كلّ ثلاثة، إلّا أنّ الأفضل التتابع؛ لما فيه من المسابقة إلى فعل ما يوجب المغفرة.
ثمّ إنّه بناءً على جواز التفريق ثلاثاً ثلاثاً فهل يجوز التفريق يوماً يوماً بأن يعتكف يوماً عن نذره، ثمّ يضمّ إليه يومين مندوباً؟
قال
العلّامة الحلّي : «الأقرب الجواز، كما لو نذر أن يعتكف يوماً وسكت عن الزيادة وعدمها، فإنّه يجب عليه الإتيان بذلك اليوم ويضمّ إليه يومين آخرين، فحينئذٍ إذا نذر أن يعتكف ثلاثة أيّام فاعتكف يوماً عن النذر وضمّ إليه آخرين لا عنه بل تبرّع بهما، ثمّ اعتكف يوماً آخر عن النذر وضمّ إليه آخرين، ثمّ اعتكف ثالثاً عن النذر وضمّ إليه آخرين جاز، سواء تابع التسعة أو فرّقها».
هذا كلّه إذا أطلق مدّة النذر.
أمّا لو نذر أن يعتكف مدّة معيّنة مقدّرة، كما لو نذر أن يعتكف عشرة أيّام من الآن أو نذر أن يعتكف هذه العشرة أو هذا الشهر وجب عليه الوفاء به مع مراعاة التوالي، وعليه فإن أفسده إمّا بأن خرج لغير عذر أو بسبب غير ذلك فإمّا أن يقيّد بالتتابع أو لا، فإن قيّد نذره بالتتابع بأن قال: أعتكف هذه العشرة أو هذا الشهر متتابعاً وجب عليه
الاستئناف ؛ لأنّه لم يأت بما نذره فيجب
القضاء ، ويكفّر؛ لمخالفة النذر.
ولو فاته الجميع لغير عذر وجب عليه القضاء متتابعاً؛ لأنّه صرّح في نذره بالتتابع، فيكون مقصوداً له بالذات.
وإن لم يقيّد بالتتابع لم يجب الاستئناف لو أفسده ولا تتابع القضاء لو أهمله، بل يجب القضاء مطلقاً؛ لأنّ التتابع فيه كان من حقّ الوقت وضروراته، لا أنّه وقع مقصوداً، فأشبه التتابع في صوم
رمضان .
۳- ولو شرط في نذره التفريق- والمراد بالتفريق إمّا بمعنى اعتكاف النهار دون الليل، وإمّا بمعنى
التلفيق من الأيّام المنكسرة، أو بمعنى اعتكاف الأيّام المتفرّقة في ضمن الشهر مثلًا على أن يكون يوم في أوّله وآخر في وسطه وثالث في آخره ولو بضمّ الليل معه، وحاصله عدم اعتبار
الاتّصال في الأيّام وإن كان هو عبادة واحدة- فقد قال
الشيخ الطوسي في
الخلاف والعلّامة في
المختلف : يصحّ؛
لأنّ التتابع لا يجب إلّا بالاشتراط.
وقال العلّامة الحلّي في
التذكرة والمحقّق النجفي : لم يلزمه، وخرج عن العهدة بالتتابع؛ لأنّ الأولى التتابع، فلا ينعقد نذر خلافه، كما لو عيّن غير
المسجد الحرام يخرج عن العهدة بالاعتكاف في المسجد الحرام.
أ- لو نذر أن يعتكف في زمان معيّن تعيّن عليه، ولا يجوز
التقديم ولا
التأخير ، فإن قدّمه لم يجزه وإن أخّره كان قضاء.
قال
الشيخ الطوسي : «إذا قال: (للَّه عليّ أن أعتكف شهر رمضان من هذه السنة) نظرت فإن كان رمضان قد مضى فإنّ نذره باطل، وإن كان لم يمض لزمه الوفاء به، فإن لم يعلم حتى خرج لزمه قضاؤه».
ب- وأمّا لو نذر أن يعتكف يوم قدوم زيد بعينه لم ينعقد؛ وعللّ ذلك بأنّه إن قدم ليلًا لم يلزمه شيء، وإن قدم نهاراً لم ينعقد؛ لمضيّ بعض اليوم غير صائم للاعتكاف.
نعم، لو علم قدومه قبل
الفجر صحّ نذره.
وكذا لو أراد الاعتكاف من ساعة قدومه صحّ مع الجهل أيضاً، فيتلبّس بالاعتكاف ساعة القدوم وإن كان أثناء النهار، ويضيف عليها ثلاثة أيّام بحيث يكون أوّل أيّام اعتكافه الثلاثة هو الغد، وهذا النصف المتقدّم زيادة على الثلاثة؛ إذ لا مانع من الزيادة عليها.
ج- ولو نذر اعتكاف ثاني يوم قدوم زيد صحّ، ويضيف إليه يومين آخرين.
إذا نذر اعتكاف يومٍ أو يومين مقيّداً بعدم الزيادة بطل نذره،
وادّعي عليه
الإجماع ،
واستدلّ عليه بأنّ أقلّ الاعتكاف ثلاثة، فلا يكون نذره حينئذٍ
مشروعاً .
وأمّا لو نذر يوماً أو يومين وسكت عن الزائد فإنّه ينعقد نذره ويضمّ إليه يوماً أو يومين آخرين.
لا إشكال ولا خلاف لدى أكثر الفقهاء في دخول الليلتين المتوسّطتين فيما لو نذر اعتكاف ثلاثة أيّام؛ وذلك لأنّ الاعتكاف- كما تقدّم- لايكون أقلّ من ثلاثة أيّام، ومفهومه دخول الليالي،
فلو نذر اعتكاف نهار هذه الثلاثة خاصّة بطل نذره، على المشهور بين الفقهاء،
بل ذكر المحقّق النجفي أنّه يمكن دعوى
الإجماع عليه؛
لأنّه بخروجه عن قيد الاعتكاف في الليل يبطل اعتكافه.
فلو صحّ ذلك لصحّ اعتكاف أقلّ من ثلاثة، وهو باطل إجماعاً.
نعم، خالف في ذلك
الشيخ الطوسي فذهب إلى صحّة نذره وانعقاده، حيث قال: «إذا نذر اعتكاف ثلاثة أيّام وجب عليه أن يدخل فيه قبل طلوع الفجر من أوّل يومه إلى بعد الغروب من ذلك اليوم، وكذلك اليوم الثاني والثالث. هذا إذا أطلقه، وإن شرط التتابع لزمه الثلاثة أيّام بينها ليلتان».
واستدلّ له بأنّ الأصل
براءة الذمّة ، والذي وجب عليه بالنذر الاعتكاف ثلاثة أيّام، واليوم عبارة عمّا بين طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، إلّا أن يقول العشر الأواخر، أو شرط المتابعة فإنّه يلزمه في الليل.
واختار
السيد الخوئي جواز نذر الأيّام من دون لياليها، بناءً على إرادة مجرّد اللبث والمكث- لا الاعتكاف الاصطلاحي المحكوم بأحكام خاصّة- فإنّه بنفسه عبادة، فيكون راجحاً، ولا سيّما إذا كان مقروناً بعبادة اخرى من ذكر أو قراءة ونحوهما، فلا مانع من انعقاد نذره حينئذٍ حتى لو تعلّق بمكث ساعة في
المسجد فضلًا من الأيّام الثلاثة ولو بغير الليالي، فإنّه يتّبع قصد الناذر.
لو نذر اعتكاف أربعة أيّام صحّ ويجب الوفاء به، وجاز الخروج بعد الرابع، ولم تجب الزيادة كما صرّح به بعضهم،
إلّا أنّه مع
الإخلال في اليوم الأخير يجب عليه تداركه بيوم آخر، ولكن يفتقر أن يضمّ إليه يومين آخرين ليتحقّق معه أقلّ زمان الاعتكاف.
ويظهر من
المحقق الأردبيلي عدم وجوب الزائد على الثلاثة، حيث قال:
«أمّا وجوب الزيادة عليه (الثلاثة)- حتى تصير ثلاثة اخرى لو كان ما فوق الثلاثة ناقصاً عنها- فكأنّه مبنيّ على...
وجوب الاعتكاف بالشروع، ولكن لمّا ثبت عدم الوجوب إلّا في الثالث، فلو كان الزائد واحداً لم يجب».
ولو كان المنذور خمسة وجب أن يضمّ إليها سادساً، سواء أفرد اليومين أم ضمّهما إلى الثلاثة؛
لوجوب كلّ ثالث.
أ- إذا نذر العشر الأواخر من
رمضان أو ما يجري مجراه فيلزمه حينئذٍ الليالي؛ لأنّ الاسم يقع عليه.
ولو كان الشهر ناقصاً اجتزأ بما صامه، واعتكفه من تسعة أيّام.
ب- من أراد أن يعتكف العشر الأواخر من شهر رمضان إمّا بالنذر أو أراد استيفاءه فينبغي أن يدخل فيه ليلة إحدى وعشرين مع
غروب الشمس.
وأمّا لو نذر اعتكاف عشرة أيّام فإنّه يلزمه أن يدخل قبل
طلوع الفجر؛ لأنّ اليوم اسم لبياض النهار، ودخول الليل إنّما هو على طريق التبع، بخلاف العشر فإنّه اسم لمجموع الليل والنهار.
أ- متى نذر اعتكاف شهر بعينه وجب عليه الدخول فيه مع طلوع
الهلال من ذلك الشهر، فإذا أهلّ الشهر الذي بعده فقد وفى وخرج من الاعتكاف، ويلزمه الليالي والأيام؛ لأنّ الشهر عبارة عن جميع ذلك، وإن نذر أيّاماً بعينها لم يدخل فيها لياليها.
ب- إذا نذر اعتكاف شهر غير معيّن كان بالخيار بين أن يعتكف شهراً هلاليّاً على الصفة التي قدّمناها، وبين أن يعتكف ثلاثين يوماً غير أنّه لا يبتدئ بإنصاف النهار، ولا يعتدّ من أوّلها؛ لأنه لابدّ من الصوم، والصوم لا يكون إلّا من أوّل النهار.
ج- لو عيّن الأيّام بآخر الشهر أو فرضها فيه فنقص الشهر وجب عليه أن يأتي بيوم آخر ليتمّ العدد الذي نذره، بخلاف ما لو نذر العشر الأواخر- مثلًا- كما إذا نذر ثلاثين يوماً فاعتكف شهراً بين هلالين فنقص الشهر فإنّه يكمله بيوم من آخره.
د- لو نذر اعتكاف شهر معيّن ولم يعلم به حتى خرج
كالمحبوس والناسي قضاه؛
لأنّ العبادة الواجبة بالشرع إذا تعذّرت بالمرض وغيره وجب قضاؤها وكذا المنذورة.
وقد نفى المحقّق النجفي عنه الخلاف،
بل قال
السيد العاملي : «هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب».
واستدلّ
له أيضاً:
۱- بعموم قوله عليه السلام في مضمرة
زرارة : «يقضي ما فاته كما فاته»،
وقوله عليه السلام: «من فاتته صلاة فريضة فليقضها كما فاتته».
۲- وبأنّه مشتمل على
الصوم الذي قد ثبت
القضاء للواجب منه.
ه- قال
الشهيد الأول : «ولو اشتبه (الشهر) فالظاهر
التخيير ، وكذا لو غمّت الشهور عليه».
ونوقش فيه بأنّ الأصل عدم وجوب المنذور المعيّن إلّا إذا علم دخول وقته، وإلحاقه بصوم رمضان يحتاج إلى دليل.
وقد اجيب عنه بأنّ مبنى الشهيد في الصوم على القاعدة التي لا تفاوت فيها بين المقامين، وهي أصالة بقاء التكليف وقبح تكليف ما لا يطاق، فليس حينئذٍ إلّا التوخي، ومع عدمه التخيير؛ لأنّهما أقرب طرق
الامتثال ، على أنّه شهر معيّن قد وجب صومه ولو للاعتكاف، ولا خصوصيّة لشهر رمضان.
لو نذر اعتكاف زمان معيّن فصادف
العيد اليوم الثالث بطل من أصله وإن كان
غافلًا حين الدخول؛
لامتناع صوم اليوم الثالث المصادف للعيد الذي لا يفرّق فيه بين الغفلة
والالتفات ، ولا يصحّ
الاقتصار على اليومين؛ لعدم مشروعيّة الاعتكاف أقلّ من ثلاثة أيّام.
أمّا لو نوى الاعتكاف أربعة أيّام- مثلًا- فصادف العيد اليوم الرابع فقد يكون ذلك على وجه التقييد بالتتابع بأن تكون نيّته متعلّقة بالثلاثة المقيّدة بانضمام اليوم الرابع بنحو البشرط شيء، واخرى يكون على وجه الإطلاق وبنحو اللابشرط.
لا شكّ في
البطلان على الأوّل؛ لأنّ ما قصده يتعذّر امتثاله، وما يمكن- أعني الاقتصار على الثلاثة- لم يتعلّق به القصد، فما قصده لا يقع، وما يمكن أن يقع لم يقصد.
وأمّا الثاني فلا مانع من صحّته، فيقتصر على الثلاثة بعد أن كانت مقصودة حسب الفرض.
وأمّا لو نوى الاعتكاف خمسة أيّام- مثلًا- فصادف العيد اليوم الرابع فإن كان على وجه التقييد فالكلام هو الكلام بعينه، وإن كان على وجه
الإطلاق فلا شكّ في صحّة الثلاثة ما قبل العيد كالبطلان فيه.
إنّما الكلام في اليوم الخامس، فقد صرّح بعض
بصحّته أيضاً والتحاقه بالثلاثة الاول، فيكون العيد فاصلًا بين أيّام الاعتكاف.
لكن نوقش فيه بأنّ هذا الفصل يوجب
انقطاع الاعتكاف المعتبر فيه
الموالاة ، فلا يصلح اللاحق للانضمام إلى السابق كي يكون المجموع اعتكافاً واحداً، كما لو أفطر أثناء الثلاثة، فإنّه يمنع عن الالتحاق لأجل اعتبار التوالي في الاعتكاف. وعليه فيتعيّن أن يكون اليوم الخامس مبدأ لاعتكاف جديد، ولأجله يعتبر ضمّ يومين آخرين؛ إذ لا اعتكاف أقلّ من ثلاثة. نعم، لا بأس بالاقتصار عليه بعنوان الرجاء فيعتكف اليوم الخامس ويلحقه بما سبق رجاءً.
وأمّا لو نذر اعتكاف أيّام فاتّفق كون خامسه العيد- مثلًا- فقال المحقّق النجفي: «في صحّة ما عدا العيد وبطلانه وجهان».
لو نذر ثلاثة اعتكافات- مثلًا- فاعتكف كلّ تسعة أيّام بنيّة اعتكاف واحد لزمه اعتكاف سبعة وعشرين يوماً، ولو خصّ كلّ ثلاثة بنيّة أجزأته تسعة أيّام.
۱- اتّفق الفقهاء على أنّه إذا نذر أن يعتكف في أحد المساجد الأربعة- أي
المسجد الحرام أو
مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو
مسجد الكوفة أو
مسجد البصرة - لزمه الوفاء به، ولايجوز له
العدول إلى غيره.
قال الشيخ الطوسي: «إذا نذر أن يعتكف في احدى المساجد وجب عليه
الوفاء به، فإن كان بعيداً رحل إليه، فإن كان المسجد الحرام لم يدخله إلّا
بحجّة أو
عمرة ؛ لأنّه لا يجوز دخول
مكّة إلّا محرماً».
وكذا لو عيّن مسجداً بالنذر ليس له العدول إلى مسجد أدون شرفاً، ولكن هل له العدول إلى مسجد أشرف؟
قال
العلّامة الحلّي : «أقربه
الجواز ، فلو نذر أن يعتكف في المسجد الحرام لم يجز له أن يعتكف في غيره؛ لأنّه أشرفها، ولو نذر أن يعتكف في مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاز له أن يعتكف في المسجد الحرام؛ لأنّه أفضل منه، ولم يجز أن يعتكف في
المسجد الأقصى ؛ لأنّ مسجد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أفضل منه... ولو نذر الاعتكاف في المسجد الأقصى جاز له أن يعتكف في المسجدين الآخرين؛ لأنّهما أفضل منه».
۲- ولو نذر أن يعتكف في غير هذه المساجد فعلى القول بوجوب الاعتكاف في المساجد الأربعة لم ينعقد، وعلى القول بجواز الاعتكاف في غيرها انعقد نذره، وتعيّن ما عيّنه.
هذا كلّه فيما لو نذر الاعتكاف في أحد المساجد، أمّا إذا عيّن موضعاً خاصّاً من المسجد محلّاً لاعتكافه فصرّح بعض الفقهاء على أنّه لم يتعيّن وكان قصده لغواً؛
لأنّ موضوع الحكم- كما في النصوص
- المسجد الجامع الذي هو عنوان صادق على جميع أجزائه بمناط واحد من غير خصوصية لبعض دون بعض، وعليه فلا أثر لتعلّق القصد بالاعتكاف في محلّ خاصّ من المسجد، بل يصبح قصده لغواً بطبيعة الحال.
۳- ولو انهدم ما نذر الاعتكاف فيه ولم يقدر على الاعتكاف في موضع منه، خرج وأعاد الاعتكاف إذا بني المسجد.
قال العلّامة الحلّي: لو نذر الاعتكاف مقيّداً بعبادة مخصوصة- كما لو نذر أن يعتكف مصلّياً أو يصلّي معتكفاً- يلزمه الجمع بينه وبين الاعتكاف.
وإن كان نذر اعتكاف أيّام مصلّياً لزمه ذلك القدر كلّ يوم.
ثمّ قال: «ظاهر اللفظ يقتضي
الاستيعاب ، فإنّه جعل كونه مصلّياً صفة لاعتكافه... لأنّا لو تركنا هذا الظاهر ولم نعتبر تكرير القدر الواجب من
الصلاة في كلّ يوم وليلة اكتفي به في جميع المدّة».
ولو اشتغل بغيرها احتمل
كاشف الغطاء بطلانه وبطلان الاعتكاف، إلّا أنّه قال بعد ذلك: «والأقوى صحّتهما».
لو نذر اعتكاف أيّام تضمّن ذلك
نذر الصوم؛ لأنّ الاعتكاف لا يكون إلّا بصوم، فلو اعتكف غير صائم لم يجزؤه،
وقد نفي الخلاف عنه، بل ادّعي
الإجماع بقسميه عليه.
والظاهر أنّه يصحّ بمطلق
الصوم ، ولا يحتاج إلى أن لا يكون سببه إلّا الاعتكاف، فلو نذر اعتكاف رمضان أجزأه؛ لأنّه لم يلتزم بهذا النذر صوماً، وتشهد به جملة من النصوص من أنّه: «لا اعتكاف إلّا بصوم».
الموسوعة الفقهية، ج۱۴، ص۵۰۵-۵۱۷.