الاختضاب (كراهته)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لتصفح عناوين مشابهة، انظر
الاختضاب (توضيح) .
المشهور بين الفقهاء
كراهة الجمع بين الاختضاب و
الجنابة ، وبينه وبين
الحيض ، سواء كان
العارض هو
الاختضاب على الجنابة والحيض و
النفاس كاختضاب الجنب و
الحائض والنفساء، أو العكس
كإجناب المختضب نفسه أو
إحاضة المرأة أو
إنفاسها نفسها
بإسقاط جنينها على فرض
إمكانهما ولو بالعقاقير و
الأدوية .
أمّا اختضاب المجنب نفسه فقد صرّح
بكراهته معظم
الفقهاء في كلماتهم، وادّعي نفي
الخلاف فيه، بل
الإجماع عليه:
قال
الشيخ المفيد : «يكره للجنب الخضاب بعد الجنابة وقبل الغسل منها».
وقال السيد
ابن زهرة في الجنب: «ويكره له... الخضاب، كلّ ذلك بدليل
الإجماع المشار إليه».
وقال
العلّامة الحلّي في المكروهات للجنب: «الرابع: الخضاب، وهو قول أكثر علمائنا».
وقال
المحقّق النجفي في كراهة الخضاب للجنب: «وأمّا الكراهة فقد صرّح بها في
المقنعة و
المبسوط و
الغنية و
الوسيلة و
الجامع و
المعتبر و
النافع و
المنتهى و
القواعد و
الإرشاد و
الدروس و
الذكرى وغيرها، بل في
الغنية الإجماع عليه، ولعلّه كذلك».
لكنّ
الشيخ الصدوق قال: «لا بأس بأن يختضب الجنب، ويُجنب وهو مختضب».
وظاهره
الإباحة .
وهو مضمون بعض الروايات، فعن
السكوني عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «لا بأس أن يختضب الرجل، ويجنب وهو مختضب».
وعن
أبي جميلة عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام قال: «لا بأس بأن يختضب الجنب، ويجنب المختضب، ويطلي
بالنورة ».
إلّا أنّ كلام الصدوق لا ينافي ما ذهب إليه المشهور من الكراهة
لإمكان حمله على الجواز المقابل
للتحريم فيعمّ الكراهة أيضاً كما صرّح بذلك جماعة.
قال المحقّق النجفي: «لم أعثر على مخالف في ذلك ولا من نسب إليه سوى الصدوق رحمه الله فإنّه قال: (لا بأس...) مع عدم صراحته؛
لاحتمال إرادته الجواز في مقابلة احتمال المنع».
وفي المقابل قال
ابن البرّاج : «لا يختضب (الجنب) حتّى يغتسل».
وظاهره الحرمة.
وهو مضمون بعض الروايات أيضاً، فعن
كردين المسمعي قال: سمعت أبا عبد اللَّه عليه السلام يقول: «لا يختضب
الرجل وهو جنب، ولا يغتسل وهو مختضب».
إلّا أنّ كلامه لا ينافي القول بالكراهة أيضاً؛ لأنّ
النهي أعمّ منها ومن
الحرمة وهو
مقتضى الجمع بين ما هو صريح في الإباحة وظاهر في الحرمة. بل من الروايات الواردة في خضاب الجنب ما هو صريح في الكراهة، فعن
علي بن موسى عليه السلام قال: «يكره أن يختضب الرجل وهو جنب».
وعن
جعفر بن محمّد بن يونس ، أنّ
أباه كتب إلى أبي الحسن الأوّل عليه السلام يسأله عن الجنب يختضب أو يجنب وهو مختضب؟ فكتب: «لا احبّ له ذلك».
وبهذا المعنى صرّح بعض الفقهاء.
قال المحقّق النجفي: «فما في
المهذّب من النهي عنه يراد منه الكراهة قطعاً، كما يرشد إليه
تعبيره عن سائر المكروهات بذلك، ومن هنا لم ينقل عنه القول بالحرمة».
نعم، ظاهر تعليل
الشيخ المفيد حرمة اختضاب
الحائض و
النفساء والجنب وإن عبّر عنه بالكراهة حيث قال: «ويكره للحائض والنفساء أن يخضبن أيديهنّ وأرجلهنّ بالحنّاء وشبهه ممّا لا يزيله الماء؛ لأنّ ذلك يمنع من وصول الماء إلى ظاهر جوارحهنّ التي عليها الخضاب، وكذلك مكروه للجنب الخضاب بعد
الجنابة وقبل
الغسل منها، فإن أجنب بعد الخضاب لم يُحرج بذلك، وكذلك لا حرج على
المرأة أن تختضب قبل الحيض، ثمّ يأتيها الدم وعليها الخضاب، وليس الحكم في ذلك كالحكم في
استينافه مع الحيض والجنابة على ما بيّناه».
وليس مراده
المنع التكليفي بل
الوضعي ؛ لتعليله بعدم وصول ماء الغسل إلى الجلد. إلّا أنّ التعبير عنه بالكراهة غير مصطلح. وهو ما اعترف به غير واحد من الفقهاء.
كما يعلم منه أنّ مراده من
الاختضاب نتيجته لا فعله، مع أنّ مراد الفقهاء عكس ذلك.
وكذا اختضاب الحائض والنفساء، فإنّه ممّا أجمع الفقهاء على كراهته لهما إمّا بذكرهما معاً، أو بذكر حكم اختضاب الحائض في موضعٍ ثمّ
إلحاق النفساء بها في أحكامها في موضع آخر.
قال
الشيخ الطوسي : «ويكره للنفساء الخضاب كما يكره ذلك للحائض».
وقال العلّامة الحلّي في الحائض: «ويكره لها الخضاب، ذهب إليه علماؤنا أجمع».
وقال
الفاضل الاصفهاني فيها أيضاً: «ويكره لها الخضاب
بالاتّفاق كما في المعتبر و
المنتهى و
التذكرة ...».
ثمّ قال في موضع آخر: «والنفساء كالحائض في جميع الأحكام الشرعيّة...ويكره لها الخضاب».
وقال
المحدّث البحراني : «صرّحوا بأنّ حكم النفساء كالحائض في كلّ الأحكام الواجبة والمندوبة والمحرّمة والمكروهة؛ لأنّه في
الحقيقة حيض احتبس، ونفى في المنتهى الخلاف فيه بين أهل العلم مؤذناً بدعوى الإجماع عليه، وفي المعتبر أنّه مذهب
أهل العلم لا أعلم فيه خلافاً».
وظاهر كلام الشيخ المفيد
اختصاص الحكم بالكراهة بالأيدي والأرجل وعلّله بالمنع من وصول ماء الغسل إلى البشرة كما تقدّم. كما أنّ ظاهر كلام
سلّار اختصاصه بالحنّاء حيث قال: «يكره للنفساء والحائض الخضاب بالحنّاء».
ووافقهما في اختصاص الحكم بما ذكراه
المحقّق النراقي غير أنّه جعل ذلك مصداقاً للمتعارف من
المخضوب والخضاب قال: «والظاهر اختصاص الكراهة بما يتعارف من المخضوب وما يختضب به؛
لانصراف المطلق إليه، فلا كراهة في خضاب غير اليد والرجلين والشعور وفاقاً للمفيد، ولا في غير الحنّاء طباقاً
للديلمي وإن كان الظاهر إلحاق
الوسمة به أيضاً».
وفي مقابل تعبير المشهور بالكراهة عبّر الشيخ الصدوق بعدم
الجواز فقال: «لا يجوز للحائض أن تختضب؛ لأنّه يخاف عليها من
الشيطان ».
وظاهره حرمة الاختضاب عليها. لكن حمل على إرادة الكراهة.
هذا، وقد استدلّ مشهور الفقهاء بروايات، منها: ما رواه
أبو بكر الحضرمي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سألته عن الحائض هل تختضب؟ قال: «لا؛ لأنّه يخاف عليها الشيطان».
ونحوه ما عن
أبي بصير عنه عليه السلام
وغيرهما.
ونوقش بأنّ الروايات الواردة جميعها ضعيفة
السند ، فلا يثبت حكم الكراهة بها إلّا بناءً على قاعدة
التسامح في أدلّة السنن ، وفقهاؤنا المعاصرون لا يقولون بها؛ لعدم الدليل عليها.
قال
السيد الخوئي : «فلا ينبغي
الإشكال في جواز الخضاب على الحائض بمقتضى الموثّقة (أي موثّقة
سماعة قال: سألت
العبد الصالح عليه السلام عن الجنب والحائض أ يختضبان؟ قال: «لا بأس» )، وإن تمّت الأخبار الناهية من حيث السند، أو قلنا بالتسامح في أدلّة السنن حملناها على الكراهة جمعاً بين الطائفتين. وإن لم يتمّ سندها- كما هو الواقع؛ لضعفها في جملة منها- ولم نقل بالتسامح في أدلّة السنن التزمنا بالجواز من دون كراهة».
ولكن قد ورد في بعض الروايات ما يدلّ على
انتفاء كراهة الخضاب للنفساء، فمن ذلك ما روي عن
جعفر بن محمّد عليه السلام قال: «لا تختضب وأنت جنب، ولا تجنب وأنت مختضب، ولا
الطامث ؛ فإنّ الشيطان يحضرها عند ذلك، ولا بأس به للنفساء».
وفي رواية اخرى عنه قال: «تختضب النفساء».
وأمّا
إجناب المختضب نفسه
بإنزال المني أو
بالجماع فقد صرّح كثير من الفقهاء بكراهته، وقيّدوه بما إذا لم يأخذ اللون مأخذه.
قال
ابن سعيد : «ويكره للرجل والمرأة أن يجنبا مختضبين حتّى يأخذ الحنّاء مأخذه».
وقال العلّامة الحلّي: «يكره (
للإنسان ) أن يجنب وهو مختضب إلّا إذا أخذ الحنّاء مبلغه».
وقال
المحقّق الكركي : «وكذا يكره للمختضب أن يجنب ما لم يأخذ الخضاب مأخذه، فإن أخذ مأخذه فلا بأس، وقد وقع
التصريح بالحكمين في بعض الأخبار».
وقال
السيد جواد العاملي : «وصرّح جماعة بأنّه يكره للمختضب أن يجنب، وقيّده بعض بما إذا لم يأخذ الحنّاء مأخذه».
وقال
السيد اليزدي : «وكذا يكره للمختضب قبل أن يأخذ اللون إجناب نفسه...».
وما ذكره
المشهور هو
مضمون بعض الروايات التي تقدّم بعضها، وعن أبي سعيد قال: قلت لأبي
إبراهيم عليه السلام: أ يختضب الرجل وهو جنب؟ قال: «لا»، قلت: فيجنب وهو مختضب؟ قال: «لا»، ثمّ مكث قليلًا ثمّ قال: «يا أبا سعيد، أ لا أدلّك على شيء تفعله؟» قلت: بلى، قال: «إذا اختضبت بالحنّاء، وأخذ الحنّاء مأخذه وبلغ، فحينئذٍ فجامع».
ومثلها غيرها.
وقد عبّر بعض قدامى الفقهاء بما لا يدلّ على الكراهة. فمن ذلك قول الشيخ الصدوق في عبارته المتقدّمة: «ولا بأس أن يختضب الجنب، ويجنب وهو مختضب».
وقول المفيد فيها أيضاً: «وإن أجنب بعد الخضاب لم يُحرج بذلك».
لكن كلامهما لا ينافي الحكم بكراهة
الجنابة للمختضب، خصوصاً كلام الشيخ الصدوق؛ لأنّه قد يكون ناظراً إلى الحرمة كمفاد بعض الروايات المتقدّمة. وإلى هذا المعنى أشارت بعض كلمات الفقهاء.
وأمّا
إحاضة المرأة أو
إنفاسها نفسها ولو بالعقاقير و
الأدوية فلا تعرّض لهما في كلمات الفقهاء أو في الروايات، غير أنّه يمكن جعل ذلك
تطبيقاً لما قد يستفاد من مجموع الروايات من أنّ المناط هو كراهة
اجتماع الحدث الأكبر مع الخضاب. لكن بعض الفقهاء استظهر اختصاص الحكم بكراهة اختضاب الحائض بحالة
إتيان الدم لها، وأمّا قبله فلا يكره الاختضاب لها وإن علمت مجيئه.
قال العلّامة الحلّي: «ولا بأس أن تختضب (المرأة) قبل إتيان الدم وإن عرفته؛
للأصل السالم عن معارضة الحيض».
وقال أيضاً: «ولا بأس أن تكون (الحائض) مختضبة ثمّ يجيئها الحيض، بأن تختضب قبل عادتها».
وتقدّم كلام المفيد سابقاً. وهذه العبارات قد تُعطي
الاقتصار على مورد النصّ وعدم
انتزاع حكم كلّي- مستفاد من مجموع الأحكام والروايات الواردة- ثبوت حكم الكراهة لاجتماع الحدث الأكبر مع الخضاب، بل
لإحداث الجنابة حال الاختضاب أو الاختضاب حال الحدث الأكبر.
الموسوعة الفقهية، ج۷، ص۳۶۰-۳۶۷.