الأمارة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهي العلامة أو الدليل على الشيء.
الأمارة- بالفتح-: العلامة، أمَرَ أمَرَة وأمَارَة: أي صيّر عَلَماً،
تقول: هي أمارة ما بيني وبينك، أي علامة،
والأمرة والأمار: حجارة ينصبها الناس على الطريق المرتفع ليستدلّ به.
ليس لكلمة أمارة اصطلاح فقهي، فهي تستعمل في علم الفقه بما لها من معنى عند أهل اللغة، وإنّما هي مصطلح في علم
اصول الفقه .
وقد عرّفها بعضهم بالدليل الظنّي الذي يكون كشفه عن الواقع هو الملاك التام لجعله معتبراً، سواء كان مفيداً للظنّ الفعلي دائماً، أو غالباً، أو في حالات كثيرة.
والمقصود بذلك أنّ وسائل الكشف عن الواقع قد تكون بحيث تكشف كشفاً يقينياً تامّاً لا يوجد فيه احتمال الخلاف، وهذا هو القطع أو
اليقين ، وقد يكون كشفاً ناقصاً فهي تضيء على الواقع لكنّها لا ترينا إيّاه بشكل قاطع وحاسم، وهذا النوع من الكشف هو ما يسمّيه الاصوليّون بالأمارة.
فالأمارة ما يعطي إراءة ناقصة عن الواقع، وحيث لم تكن قطعاً وكشفاً تامّاً فهي لا تملك حجّيةً ذاتية، فلو قام الدليل القطعي على صلاحيتها التعبّدية للكشف عن الواقع فهي الأمارة المعتبرة، وإلّا فهي الأمارة غير المعتبرة.
فما عن بعضهم في تعريف الأمارة: «كلّ شيء اعتبره الشارع لأجل أنّه يكون سبباً للظنّ كخبر الواحد والظواهر»
فهو تعريف لقسم من الأمارة، وإلّا فالأمارة في اصطلاح الاصوليّين لا تختصّ بما اعتبره الشارع لإراءة الواقع، كما يبحث في
الاصول عن
القياس ، وهو من الأمارات غير المعتبرة.
ويطلق الاصوليّون كلمة الأمارة على معنى ما تؤدّيه كلمة
الظن ، ويوهم أنّهما مترادفان، إلّاأنّ ذلك تسامح في التعبير من باب إطلاق السبب على مسبّبه، ومنشأ التسامح أنّ الأمارة مفيدة للظنّ دائماً أو غالباً.
كما قد يطلق الاصوليّون على الأمارة مصطلح:
الحجّة، والطريق، والدليل، وإن كانت بعض هذه المصطلحات هي في واقعها أعمّ من الأمارة.
تارةً يجري البحث في الأمارات على مستوى البحث الاصولي، واخرى على مستوى البحث الفقهي، فهنا محوران أساسيّان:
يبحث في علم الاصول عن الأمارة من جهات عديدة، نشير إلى أهمّها إجمالًا فيما يلي:
تقسّم الأمارة عند الاصوليّين بتقسيمات متنوّعة:
والأمارة الشرعيّة هي الدليل الذي جعله الشارع حجّة، كخبر الثقة والظهور.
والأمارة العقلية ما يراه العقل من الظنون معتبراً وحجّة لإثبات الحكم الشرعي كما في حكم العقل بحجّية الظن في حالة انسداد باب العلم والعلمي، بناءً على الحكومة لا الكشف.
وهذا التقسيم للأمارة يكون بلحاظ منشأ حجّيتها، فإذا كان ما أعطاها الحجّية هو الشرع كانت أمارةً شرعية، وإلّا فهي عقلية.
ويراد بالإمضائيّة ما يكون من الأمارة حجّة عند العقلاء، وقد أمضاه الشارع، كالظهور اللفظي وخبر الواحد، حيث يراهما العقلاء حجّةً رغم عدم إفادتهما اليقين، وحيث لم يردع الشارع عنهما حكم بحجّيتهما شرعاً؛ لإمضاء الشارع لهما.
أمّا التأسيسيّة فيقصد بها ما أسّس الشارع حجّيته ابتداءً، كالقسامة في
القتل ، فإنّه لولا التأسيس الشرعي لم يحكم العقل ولا العقلاء بحجّية هذا الطريق لإثبات الواقع.
والغالب في الأمارات أن تكون إمضائيةً لا تأسيسية.
تنقسم الأمارة بلحاظ متعلّقها إلى مطلقة ومقيّدة، فحجّية الأمارة: تارة تكون مطلقة، أي من غير فرق بين الشبهات الحكميّة أو الموضوعيّة، كالظهورات فإنّها حجّة، سواء كانت في كلام
المعصوم عليه السلام الكاشف عن الحكم الشرعي، أو في كلام البيّنة الكاشف عن الموضوع الخارجي.
واخرى تكون مقيّدة بإحدى الشبهتين، كحجّية خبر الثقة الواحد، حيث ادّعي اختصاصها بالأحكام الكلّية المنقولة عن المعصومين عليهم السلام دون الموضوعات، وحجّية البيّنة أو خبر ذي اليد المختصّ بالموضوعات الخارجية.
كما أنّ بعض الأمارات مختصّة ببعض الأبواب الفقهية، فاليمين مثلًا يكون حجّة في إثبات الحقوق المالية دون العقوبات، والقسامة أمارة وحجّة في باب
القصاص والديات دون
الحدود والتعزيرات ، إلى غير ذلك من التفاصيل التي تطلب من محالّها.
تارةً يكون
الظن ظنّاً شخصيّاً، بمعنى أنّه يحصل للفرد في حالة ما حتى لو لم يكن ليحصل لنوع الإنسان عادةً، واخرى لا يكون كذلك، فإذا كان شخصياً سمّيت الأمارة بالأمارة الشخصيّة، وهنا لو اعطيت الحجّية لهذه الأمارة، فهذا معناه أنّه لابدّ من حصول الظنّ الشخصي الفعلي للمكلّف حتى يتحقّق موضوع الحجّية، وتثبت الحجّية له.
واخرى يكون الظن نوعيّاً، ويقصد به أن تكون هذه الأمارة بحيث يحصل منها ظنّ عند النوع الإنساني حتى لو لم يحصل منها ظن لزيدٍ أو لعمرو، أو في هذه الحالة الخاصّة أو تلك، وتسمّى في هذه الحال بالأمارة النوعية، ومن الواضح أنّه لا يشترط فيها حصول الظن الشخصي منها
للمكلّف بالفعل؛ لأنّ حجّيتها اعطيت لها بملاك كشفها النوعي وهو متحقّق، لا الشخصي، على خلاف الأمارات الشخصية التي اعطيت الحجّية لها بملاك فعلية كشفها الشخصي.
ذكر مشهور الاصوليّين أنّ القطع حجّة ذاتيّة، بمعنى أنّ الحجّية لازم ذاتي له لا ينفك عنه، بخلاف الأمارات فإنّها ليست كذلك، فلا يجوز التعويل عليها والأخذ بها وإن أفادت ظنّاً قويّاً؛ لأنّ الأصل هو عدم الحجّية، ولما لم تكن ذات الأمارة لتفيد حجيةً لم يجز العمل بها حينئذٍ.
وإنّما تصبح الأمارة حجّة لو ثبت بدليل قطعي اعتبارها وحجّيتها شرعاً أو عقلًا، والأوّل كالظهورات وخبر الثقة والبينة، والثاني كالظن عند الانسداد بناءً على الحكومة.
من هنا تكون حجّية الأمارة جعليّةً اعتبارية فيما حجّية القطع ذاتية.
اختلفت أنظار الاصوليّين في الفرق بين الأمارات الشرعية- الأدلّة الاجتهادية- كخبر الثقة والظهورات، وبين الاصول العملية الشرعية- الأدلّة الفقاهتية- كالبراءة الشرعية
والاستصحاب .
فمنهم من أرجع ذلك إلى الفرق في المجعول فيهما، وأنّ المجعول في الأمارات هو الكشف والطريقية، بينما المجعول في الثاني هو الجري العملي أو التنجيز والتعذير أو جعل الحكم المماثل دون لحاظ أيّ جهة كشف.
وأرجع آخر الفرق بينهما إلى أنّ الأمارة حكم ظاهري بملاك ترجيح أقوى الاحتمالين على أضعفهما، بينما الأصل حكم ظاهري بملاك ترجيح المحتمل.
وقد رتّبوا على هذه الفروق آثاراً وثمرات، ولهم في ذلك أبحاث مطوّلة ودراسات ستأتي الإشارة إلى بعضها.
وعلى المنوال عينه، يظهر الفرق بين الدليل والأمارة؛ فإنّ الدليل أعم منها؛ لأنّه يشمل الأدلّة القطعية أيضاً.
بحث الاصوليّون حول إمكان جعل الحجّية للأمارة والظن وعدم امتناعه رغم أنّ الظن قد لا يطابق الواقع ويكون مخطئاً، في قبال من جعل ذلك منشأً لامتناع جعل الحجّية له شرعاً، حيث ادّعى ابن قبة الرازي ذلك؛
لأنّه مستلزم لتحليل الحرام أو تحريم الحلال، أو ما اضيف إليه بعد ذلك من استلزامه اجتماع الضدّين أو المثلين.
وهذا البحث لا يختصّ بالأمارات، بل يجري في جيمع الحجج والأدلّة الشرعية، سواء كانت أمارة أو أصلًا عملياً كالاستصحاب والبراءة الشرعية.
وقد اجيب عنه في
علم الاصول في أبحاث موسّعة معمّقة يطلقون عليها مباحث الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري،
أو إمكان التعبّد بالظن.
المشهور بين الاصوليّين أنّ الأمارة إذا قامت على شيء- كالبيّنة أو خبر الواحد- كانت جميع لوازم وملزومات مؤدّاها حجّة، بخلاف الاصول العملية فإنّه لا يثبت بها إلّامدلولها المطابقي
والأثر الشرعي المترتّب عليه بلا واسطة أمرٍ تكويني.
وقد فرّع بعضهم ذلك على ما هو المجعول في دليل الأمارة.
وأنكر بعضهم هذا التفريع الثبوتي وجعله مربوطاً بلسان دليل الأمارة، أي بنكتة إثباتيّة لا ثبوتيّة.
وتفصيله في محلّه.
المشهور عند الاصوليّين تقدّم الأمارات على الاصول العملية عند تعارضها، بل ذهب بعضهم إلى التقدّم مطلقاً- أي حتى عند التوافق- فلا يجري الأصل العملي في مورد الأمارة.
وقد اختلفوا في وجهه، وأنّه من باب الحكومة أو التخصيص أو غير ذلك، كما أنّ بعضهم فرّع ذلك على ما هو المجعول في الأمارات والاصول العملية، فيكون التقديم بنكتة ثبوتيّة. وأنكر بعضهم ذلك وجعل التقديم بنكتة إثباتية.
كما أنّ الأمارات بعضها يتقدّم على البعض الآخر كتقدّم البيّنة على اليد، وتقدّم الظهور في دليل قطعي على الظهور في دليل ظنّي، إلى غير ذلك.
والتفصيل موكول إلى محلّه في علم الاصول.
اتّفق الاصوليّون على قيام الأمارات المعتبرة مقام القطع الطريقي، فإنّ هذا القطع يفيد التنجيز والتعذير، وحجّية الأمارات تعني- في المقدار المتيقّن- إفادتها
التنجيز والتعذير أيضاً، فتقوم مقام القطع الطريقي في هذه الوظيفة.
إلّاأنّ الكلام وقع بينهم في قيام الأمارات مقام القطع الموضوعي، وهو القطع الذي يكون مأخوذاً في موضوع حكم شرعي، كما لو قال: (إذا قطعت بالزوال فصلّ الظهر)، فإنّه لو لم يتحقّق القطع بالزوال لكنه قامت أمارة معتبرة عليه، فهل يمكن لهذه الأمارة أن تفي بما كان يفي به القطع الموضوعي أم لا؟
وهنا توجد حالتان:
الاولى: أن نفهم من الدليل الدال على أخذ القطع الموضوعي أنّه إنّما اريد بيان مطلق ما قامت الحجّة على ثبوته، وإنّما ذكر القطع من باب المثال لا أكثر، وفي هذه الحالة لا إشكال في قيام الأمارة مقام القطع الموضوعي؛ لأنّ الموضوع لم يكن القطع وإنّما الحجّة، والأمارة تحقّق مصداقاً وجدانياً للحجّة.
الثانية: أن لا يستظهر من دليل أخذ القطع الموضوعي ذلك، بل يلاحظ القطع بما هو كاشف تام، ومن الواضح أنّ الأمارة حتى لو صارت حجّةً لا تصبح كشفاً تاماً، من هنا لا تقوم الأمارة مقام القطع الموضوعي في هذه الحالة ما لم يقدّم المولى عنايةً إضافية غير جعل الحجّية لها، مثل تنزيلها منزلة الكاشف التام بجعلها علماً اعتباراً وتعبّداً وإن لم تكن كذلك حقيقةً وواقعاً.
وتفصيل ذلك موكول إلى علم الاصول.
ثبت شرعاً في الفقه
والاصول جملة من الأمارات والظنون المعتبرة في
إثبات الحكم الشرعي أو موضوع الحكم الشرعي، كما وهناك ظنون اخرى وقع البحث بين الاصوليّين أو الفقهاء حول حجّيتها:
أمّا في مجال الأحكام الشرعيّة الكلّية فقد تناول الاصوليّون بالبحث عدداً من الأمارات، أهمّها ما يلي:
ويقصد بها ما تدلّ عليه الألفاظ والتراكيب اللغوية دلالة غير صريحة لكنها مظنونة، وقد حكموا بحجّيتها بلا خلاف بينهم في ذلك.
حيث ناقشوا في مدى إمكانية الاعتماد على ما يقوله اللغويّون في دلالات الكلمات وغيرها، وهل هو حجّة حتى لو لم يحصل الاطمئنان من قوله أم لا؟
والمعروف قديماً بينهم حجّيته، إلّاأنّ المتأخّرين أنكروها ولم يقبلوا اندراجه ضمن الأخبار الحسّية التي تثبت حجّيتها بدليل حجّية خبر الثقة.
حيث عرفت حجّيتها عند القدماء، لكن المتأخّرين رفضوا القول بحجّيتها ما لم يحصل للفقيه منها اطمئنان.
والمعروف بينهم حجّية خبر الثقة مطلقاً أو فيما أوجب الوثوق بالصدق أو لم يكن معرضاً عنه عند الأصحاب، وقد اختلفوا في مستند اعتباره، فاستند بعضهم في ذلك إلى بعض الأدلّة الشرعية، واستند آخرون إلى السيرة العقلائية الممضاة شرعاً، واستند بعض أيضاً إلى دليل الانسداد وحكم العقل بحجّية مطلق الظن، وأهمّها أخبار الثقة.
وأمّا في مجال الظنون والأمارات الواردة في الموضوعات المترتّب عليها حكم شرعي فقد وقع البحث في حجّية جملة منها، أهمّها ما يلي:
وهي شهادة العدول بأمر ما في مجال
القضاء وحلّ النزاعات، بل وفي غير ذلك لإثبات موضوعات الأحكام الشرعيّة.
فإنّهم اختلفوا في حجّيته في الموضوعات، حتى مع تسليم حجّيته في الأحكام الكلّية؛ استناداً إلى بعض الروايات التي فهم منها أنّ الموضوعات لا يمكن الحكم فيها إلّاببيّنة، والمفروض أنّ خبر الواحد الثقة أقلّ من البيّنة.
بناءً على أماريّتهما،
فإنّنا إذا لم نأخذ بنكتة الكشف الموجودة فيها، كما هي نكتة الأذكرية الواردة في نصوص
قاعدة الفراغ ، كان من اللازم اعتبارهما أصلًا عملياً.
حمل فعل
المسلم على الصحّة، بناءً على أماريّته.
القرعة بناءً على أماريّتها.
وهو أن يعترف شخص بأنّ لشخص آخر عليه حقّاً أو مالًا، وهذا أيضاً أمارة على ثبوت المال في ذمّته أو الحقّ، بل قد ذكروا في أماريته أنّه أقوى من أمارية البيّنة.
فقد ذكروا أنّ اليد أمارة على الملكية،
بحيث إذا كان شيء ما في يد إنسان كان ذلك أمارة ملكيته له شرعاً حتى يقيم من يدّعي عكس ذلك البيّنة على دعواه. وكذلك الحال في يد المسلم حيث تكون حجّة على التذكية وعلى الطهارة.
حيث ذكر
الفقهاء أنّه لو وجد لحم في بلاد
المسلمين حكم بتذكيته بلا حاجة إلى السؤال عنه، وكذلك ما كان من الامور التي تحتاج إلى التذكية في ترتّب بعض الأحكام عليها، مثل الجلود ونحوها، بل اعتبر العثور على طفل لقيط في ديار المسلمين بمثابة أمارة على إسلامه ما لم يقم أحد من
الكفّار بينةً على تبعيته له، على تفصيل يذكر في محلّه.
كما ذكروا أنّ سوق المسلمين أمارة على الملكية والتذكية معاً،
وجعله بعضهم في طول أمارية يد المسلم.
هذا، وتفاصيل مباحث الحجج والأمارات تراجع في
علم الاصول ، لا سيّما عند المتأخّرين.
عوّل الشارع في بعض الموارد على جملة من الأمارات والعلامات، وجعل بعض الامور أمارة لمعرفة بعض الموضوعات، وبعض هذه الأمارات اخترعه الشارع، لكنّ كثيراً منها أمارات عقلائية وعرفية أمضاها الشارع.
وقد تعرّض الفقهاء لهذه الأمارات في أبواب مختلفة من الفقه، ونستعرض هنا بعض نماذج هذه الأمارات بإيجاز:
ذكر الفقهاء أنّ للمنيّ أمارات يعرف بها، وهي: الدفق، والشهوة، والفتور، والرائحة، وفي اعتبار جميعها أو ثلاثة منها أو
الاكتفاء باثنتين أو بواحد، أقوال: قال
المحقّق النجفي : «لا خلاف على الظاهر- كما قيل- في الرجوع إلى هذه العلامات عند الاشتباه وإن لم تفده يقيناً بكونه منيّاً، بل ربما يظهر من بعض المتأخّرين استظهار الاتّفاق عليه من الأصحاب...».
ذكر بعض الفقهاء أنّه لو كان
الميّت في
دار الحرب ولم يحصل علم بهويّته من حيث كونه مسلماً أو غير
مسلم اعتبرت العلامات المفيدة للظن بكونه مسلماً، مثل كونه مختوناً.
لكن قال
المحقّق الحلّي : «إن كان (الميّت)في دار الكفر فهو بحكم الكافر؛ لأنّ الظاهر أنّه من أهلها ولو كان فيه علامات المسلم؛ لأنّه لا علامة إلّا ويشارك فيها بعض أهل الكفر».
ومن الواضح أنّ مناقشة المحقّق الحلّي تتركّز على الجانب الصغروي، أي على أصل أمارية مثل الختان، بنحو يمكن منح الحجّية له، لا على حجّية هذه الأمارة بعد ثبوت إفادتها الظن.
تعرّض الفقهاء لبعض الأمارات التي تساعد على تعيين زوال الشمس أو غروبها أو نحو ذلك.
قال
أبو الصلاح الحلبي : «... علامة زوالها (الشمس) رجوع الظلّ...
وعلامة غروبها اسوداد المشرق بذهاب الحمرة».
وقال
الشهيد الأوّل : «تجب معرفة الوقت... ولا يكفي الظن إلّامع تعذّر العلم، فيعوّل على الأمارات كالأوراد والأحزاب».
كما ورد النص على جواز الاعتماد على الأمارات المفيدة للظن بالوقت، كصياح الديك ثلاث مرّات ولاءً في يوم الغيم.
ذكر
الفقهاء للقبلة علامات وأمارات، فأهل المشرق يجعلون المشرق محاذياً للمنكب الأيسر، والمغرب يقابله، والجدي خلف المنكب الأيمن.
وأنّ فاقد العلم يجتهد، فإن غلب على ظنّه جهة القبلة لأمارة بنى عليه، وادّعي اتّفاق أهل العلم عليه.
كما ذكروا أنّ الرياح أضعف الأمارات؛ لاضطراب هبوبها، وأمّا سهيل فهو أيضاً أمارة عند غاية ارتفاعه.
إلى غير ذلك من الأمارات التي يمكن استنباطها ولو بالمقايسة للمنصوص منها.
ذكروا أنّ أمارة دخول
شهر رمضان هي مضيّ ثلاثين يوماً من
شعبان إذا لم ير الهلال قبل ذلك.
واحتمل
السيّد الخوانساري - على خلاف المشهور
- جواز الاعتماد على أماريّة عدّ خمسة أيّام من هلال السنة الماضية، مع حصول الوثوق بدخول شهر رمضان، حيث قال: «لا يخفى أنّه مع حصول الوثوق والاطمئنان كيف يرفع اليد عن مثل هذه الأمارة؟».
وقد يقال: إنّ البحث في الأمارات في غير حال إفادتها الاطمئنان وإلّا كانت حجّةً لحجّية الاطمئنان، من حيث إنّه حجّة عقلائية ممضاة شرعاً.
ذكر الفقهاء للبلوغ عدّة أمارات مثل:
نبات الشعر الخشن على العانة ونحو ذلك ممّا اتّفقوا عليه أو اختلفوا في أماريته.
قال
العلّامة الحلّي : «الأقرب أنّ إنبات اللحية دليل على البلوغ...».
وقال
المحقّق النجفي : «إنّ الإنبات (أي إنبات الشعر الخشن على العانة) أمارة طبيعية اعتبرها الشارع لكشفه عن تحقّق الإدراك...».
صرّح الفقهاء بأنّ غلبة الدفيف أو مساواته للصفيف أو حصول القانصة أو الحوصلة أو الصيصية أمارات على حلّية الطير.
وتفصيله في محلّه.
استعرض الفقهاء لتعيين هوية
الخنثى وأنّه ذكر أو انثى أمارات، وعدّوا منها البول، فقد ذكر غير واحد أنّ البول أمارة الفرج الأصلي في الخنثى، فإن بال من أحدهما دون الآخر حكم بأنّه أصلي.
قال
الشهيد الأوّل : إنّ «اللوث أمارة يُظنّ بها صدق المدّعي، كوجود ذي سلاح ملطّخ بالدم عند قتيل في دمه، أو في دار قوم، أو قريتهم، أو بين قريتين وقربهما سواء، وكشهادة العدل...».
ذكر الفقهاء
للحيض مجموعة من الأمارات والعلامات وأبرزها أنّه يكون أحمر يضرب إلى السواد، أو أحمر طريّ له دفع وحرقة وحرارة، كما ذكروا
للاستحاضة أمارات وصفات، فجعلها بعضهم أربعاً وهي: الاصفرار والبرودة والرقّة والخروج بضعف وتثاقل، وترك آخرون الصفة الأخيرة، وبعضهم لم يذكر سوى الاولى والثانية.
هذه جملة من الأمارات المعوّل عليها ولو عند بعض
الفقهاء ، وغيرها كثير يراجع في محالّه.
الموسوعة الفقهية، ج۱۶، ص۴۴۸-۴۵۹.