الموصى به
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
فيه
أطراف : اعتبار قابليّة الملك في متعلّق الوصية، جواز
الوصيّة بالثلث من دون
إذن الورثة، تملك الموصى به بعد الموت، صحّة الوصيّة بالمضاربة بمال ولده الأصاغر، لو أوصى بواجب وغيره، لو أوصى بأشياء تطوعاً، لو أوصى بعتق مماليكه.
(الأوّل : في متعلق الوصية، ويعتبر فيه) أن يكون له قابليّة (الملك) لكل من الموصي و
الموصى له .
(فلا تصحّ) الوصية (بالخمر) الغير المحترمة المتّخذة لغير التخليل (ولا
بآلات اللهو ) ولا الخنزير، ولا كلب الهراش، ونحو ذلك، بلا خلاف أجده، بل
الإجماع عليه في التذكرة
وعلى جواز الوصية بالكلاب الأربعة معلِّلاً الأخيرَ بأن فيه نفعاً مباحاً، وتقرّ اليد عليه، والوصية تبرّع تصحّ في المال وغير المال من الحقوق، وأنه تصح هبته فتصح الوصية به كالمال.
ويستفاد منه جواز الوصية بكل ما فيه نفع محلّل مقصود وإن لم يجز بيعه كالفيل ونحوه، على القول بالمنع عن بيعه، وبه صرح في التذكرة
في المثال وغيره.
•
الوصية بالثلث، و الوصية المستحبة والمتبرع بها محسوبة من الثلث، سواء كانت في حال الصحة أو في حال المرض، وتبطل فيما زاد عليه إلا أن يجيز ذلك الورثة بلا خلاف.
(ويملك الموصى به بعد الموت) لا قبله، بلا خلاف، كما في
المسالك وعن المبسوط.
وهل يحصل الملك به قهراً كالإرث وإن كان متزلزلاً حتى يقبل، أم به وبالقبول معاً، أم القبول كاشف بالموت؟ أقوال غير مستندة إلى حجة معتدّ بها، والأُمور الاعتبارية متعارضة، لكن لعلّ الأخير أظهر، وعليه الأكثر، كما في المسالك وغيره؛
لا لما علّلوه به، لما مرّ، بل لأن ذلك مقتضى العقد بناءً على أن مقتضى
الإيجاب هو انتقال الملك عقيب الموت بلا فصل، والقبول إنما وقع على هذا الإيجاب، هذا.
مضافاً إلى ظواهر كثير من المعتبرة المستفيضة الدالّة على حصول
الانتقال بمجرد الموت من دون توقّف على أمر آخر، وقد مضى شطر منها، وفيها الصحيح وغيره.
وهي وإن لم تتضمن اشتراط القبول إلاّ أنها مقيّدة أو مخصّصة بما دلّ عليه، والعام المخصّص حجة في الباقي، ولا موجب لتخصيصها بالإضافة إلى ما نحن فيه حتى يرتكب.
ويتفرع على الخلاف فروع كثيرة هي في المطوّلات كالمسالك وغيره مذكورة.
(وتصحّ الوصية بالمضاربة بمال ولده الأصاغر) على أن يكون الربح بينهما مطلقاً، وفاقاً للنهاية والقاضي وأكثر المتأخرين،
بل لعلّه عليه عامتهم؛ للمعتبرين، في أحدهما : دعاني أبي حين حضرته الوفاة فقال : يا بني اقبض مال إخوتك الصغار واعمل به، وخذ نصف الربح وأعطهم النصف، وليس عليك ضمان إلى ان قال ـ : فدخلت على
أبي عبد الله عليه السلام فقصصت عليه قصّتي ثم قلت له : ما ترى؟ فقال : «ليس عليك فيما بينك وبين الله عزّ وجلّ ضمان».
وفي الثاني : عن رجل أوصى إلى رجل بولده وبمال لهم، وأذن له عند الوصية أن يعمل بالمال، وأن يكون الربح بينه وبينهم، قال : «لا بأس به من أجل أنّ أباه قد أذن له في ذلك وهو حي».
وقصور سندهما بالجهالة مجبور بالشهرة العظيمة، مع وجود
ابن أبي عمير في الأوّل والسند إليه صحيح، وهو ممن أجمع على تصحيح ما يصحّ عنهم، فلا يضر جهالة من بعده، وكذا جهالة راوي الثاني، فقد قيل في حقه : إنه لا بأس به،
وربما قيل بحسنه،
بل قيل بوثاقته،
هذا.
مضافاً إلى تأيّدهما بإطلاقات الكتاب والسنة السليمة كما قيل
عمّا يصلح للمعارضة؛ فإن التكسّب بمال الصغير غير واجب على الوصي، والحاصل من الربح زيادة فائدة، والتعرض للتلف غير قادح، لأن الواجب على العامل مراعاة
الأمن والحفظ وما فيه مصلحة المال، والعمل به على هذا الوجه راجح عند العقلاء.
ولا يلزم مراعاة المدّة التي شرطها الموصي، بل يصح ما دام الوارث صغيراً، فإذا كمل كان له فسخ
المضاربة ؛ لأنها عقد مبني على الجواز، وتحديد
الموصي لها بمدّة لا يرفع حكمها الثابت بالأصل، وإنما فائدته المنع عن التصرف فيما زاد عليها لا
الالتزام بها فيها.
ولا يلزم من ذلك تبديل الوصية وتغييرها المنهي عنه شرعاً؛ لأن تبديلها هو العمل بخلاف مقتضاها، وليس كذلك هنا، فإنه لما أوصى بعقد جائز فقد عرض العامل لفسخه في كل وقت يمكن، عملاً بمقتضاه، ولا يكون الفسخ تبديلاً للوصية بل عملاً بمقتضاها.
ومورد الخبرين والعبارة هو الأصاغر خاصة، وعن الأكثر
الإطلاق المحتمل للكبار، ومستندهم عليه من النص غير واضح.
وإن كانت الصحة في الوصية بما لهم أيضاً غير بعيدة إن حصلت منهم
الإجازة ، لكن الصحة حينئذٍ ليست مستندة إلى الوصية، فإنها حينئذٍ كالفضولي مستند صحتها إلى الإجازة.
وبعيدة إن لم تحصل بسبب عدم
اطّلاع الورثة؛ لاستلزام الصحة حينئذٍ جواز تصرف العامل بمجرد الوصية ولو مع عدم اطّلاع الورثة، وهو يستلزم أُموراً مخالفة للأُصول المسلّمة التي منها حرمة التصرف في ملك الغير بغير إذنه، وعدم إلزام المالك بما تلف بفعل غيره حيث يقع، وكون الربح تابعاً للمال، لا يستحق منه العامل فيه شيئاً مع علمه أو زائداً على
أجرة المثل .
وفائدة الصحة حيث ثبتت أن الوارث إذا لم يفسخ وعمل الموصى له في المال استحق الحصّة المعيّنة له عملاً بمقتضى الوصية والإجازة، وليس في هذا مخالفة للأُصول الشرعية، إذ ليس فيه تفويت على الوارث بوجه، ولا منع عن التصرف في ماله حتى يتوقّف على رضاه.
وبه يندفع ما يورد على الصحة من تضمّنها
الإضرار بالوارث على تقدير زيادة المدّة وقلّة الربح؛ لأنّ ذلك مستند إليه حيث لم يفسخ مع تمكّنه منه فالضرر على تقديره مستند إليه، نعم يتّجه ذلك في صورة عدم الإجازة.
فخلاف الحلي
المشترط في الصحة مطلقاً كون المال بقدر الثلث فما دون شاذّ. كمختار الفاضل المقداد في
التنقيح : من أن المحاباة في الحصّة من الربح بالنسبة إلى أجرة المثل محسوبة من الثلث.
وهما مع ذلك ردّ للنصّ المعتبر في الجملة، ولولاه لأمكن المصير إلى عدم الصحة فيما زاد على الثلث مطلقاً، لاستلزامها المخالفة لبعض الأُصول المتقدمة، وهو تبعية الربح لرأس المال، وعدم
استحقاق العامل فيه شيئاً أو زائداً على
الأجرة ، فتأمّل.
(ولو أوصى بواجب وغيره أُخرج الواجب من الأصل) إذا كان مالياً، كالدين والحج (والباقي من الثلث) بلا خلاف أجده، وبه صرّح جماعة،
بل عليه
الإجماع في الغنية؛
وهو الحجة.
مضافاً إلى إطلاقات الكتاب والسنة بتقديم الدين على
الإرث ، الشاملة لصورتي الوصية به وعدمها. ومجرد الوصية به لا يوجب صرفه إلى الثلث ما لم يصرح به؛ لعدم التلازم.
وللصحيح : رجل توفّي وأوصى أن يحجّ عنه، قال : «إن كان صرورة فمن جميع المال، إنه بمنزلة الدين الواجب، وإن كان قد حجّ فمن ثلثه»
الحديث، ونحوه الموثق.
وهو كما ترى صريح في عدم التلازم.
والتعليل في الذيل ظاهر في العموم لكل ما هو بمنزلة الدين، فيشمل جميع الواجبات المالية المحضة، كالدين و
الزكاة والكفارات ونذر المال، والمشوبة بالبدن كالحجّ. فما في الكفاية بعد نسبة العموم إلى الأصحاب كافة : من أن الحكم ثابت في الزكاة و
الحج الواجبين خاصة، والحجة في غيرهما غير واضحة
المناقشة فيه واضحة.
وإذا كان بدنيّاً كالصلاة و
الصوم أُخرج من الثلث، بلا خلاف أجده إلاّ من ظاهر إطلاق العبارة ونحوها؛ وحجّته غير واضحة، ويحتمل قويّاً اختصاصه بالواجب المالي خاصّة، وإنما لم يقيّد به اتّكالاً على الوضوح من الخارج.
ولعلّه لذا لم ينقل أحد خلافاً في المسألة إلاّ
المحقق الثاني ،
فقد حكى القول بإخراجه أيضاً من الأصل كالمالي، لكن لم يصرّح بقائله، ويمكن إرادته الماتن ومن حَذا حَذوه في التعبير، ولعلّه بعيد، لكن بعدم الخلاف صرّح بعض الأجلّة.
والفرق بين المقامين واضح؛ فإن الواجب المالي وإن كان مشوباً بالبدن في بعض أفراده لما كان متعلّقاً بالمال حال الحياة وجب إخراجه بعد الموت من المال، وتخرج الأدلّة المتقدمة شاهدة على ذلك. وأمّا الواجب البدني فإنه لمّا كان متعلّقه في حال الحياة إنما هو
البدن وبعد الموت مع عدم الوصية به يتعلّق الخطاب به بالولي، فمع عدمه وعدم الوصية لا دليل على وجوب
الإخراج من الأصل.
(ولو حصر الجميع) أي جميع ما أوصى به من الواجب وغيره (في الثلث) بأن صرّح بإخراجه منه (بدئ بالواجب) وقُدِّم على غيره وإن تأخّرت الوصية به، سواء كان الواجب ماليّاً أم غيره، وبدئ بعده بالأوّل فالأوّل، كما يقتضيه إطلاق العبارة هنا وفي كلام جماعة، بل لم أقف فيه على مخالف عدا الكفاية، فقال : وقطع بعضهم بتقديم البدنية على المتبرّع بها من ثلث الباقي الأوّل فالأوّل، وحجته غير واضحة.
وفيه نظر؛
لأولوية الواجب على غيره، مع حصول تيقّن
براءة الوصي بصرفه فيه، ولا كذلك لو صرفه في غيره.
مضافاً إلى ظاهر التعليل في الصحيح : إن امرأة من أهلي ماتت وأوصت إليّ بثلث مالها، وأمرت أن يعتق عنها ويتصدق ويحج عنها، فنظرت فيه فلم يبلغ، فقال : «ابدأ بالحج فإنّه فريضة من فرائض الله عزّ وجلّ، وتجعل ما بقي طائفة في العتق، وطائفة في
الصدقة »
الحديث.
وهو وإن اختصّ بالحجّ الذي هو من الواجبات المالية إلاّ أن تعليل تقديمه بكونه من فرائض الله سبحانه عامّ يشمل جميع ما يوجد فيه هذه العلّة، ولا ريب أن
الصلاة من أفضل فرائض الله سبحانه، فالحق ما ذكره الجماعة.
(ولو أوصى بأشياء تطوّعاً،
فإن رتب) بينها (بدئ بالأوّل حتى يستوفي الثلث وبطل) في (ما زاد) عليه إن لم يجز الورثة، بلا خلاف في الأخير، وفي الأوّل أيضاً إذا كانت
الوصية بها في وقت واحد ولم يكن فيها عتق. وأمّا مع فقد الشرطين فكذلك على الأشهر الأظهر، كما في الكفاية وغيره.
قيل : لأنّ الوصية الصادرة أوّلاً نافذة؛ لصدورها من أهلها في محلها، بخلاف الصادرة بعد
استيفاء الثلث.
والأولى
الاستدلال عليه بالخبر : في رجل أوصى عند موته وقال : أعتق فلاناً وفلاناً وفلاناً حتى ذكر خمسة، فنظر في ثلثه فلم يبلغ ثلثه أثمان قيمة المماليك الخمسة الذين أمر بعتقهم، قال : «ينظر إلى الذين سمّاهم وبدأ بعتقهم فيقوّمون، وينظر إلى ثلثه فيعتق منه أوّل شيء ذكره، ثم الثاني، ثم الثالث، ثم الرابع، ثم الخامس، فإن عجز الثلث كان في الذي سمّي أخيراً لأنه أعتق بعد مبلغ الثلث ما لا يملك فلا يجوز له ذلك».
وضعفه منجبر بالشهرة، وبرواية ابن محبوب عن موجبه وهو ممن قد أجمعت على تصحيح ما يصح عنه العصابة.
ومورده وإن كان مختصّاً بما لا نزاع فيه على الظاهر، إلاّ أن التعليل ظاهر في العموم له وللمتنازع.
خلافاً للإسكافي و
المبسوط في صورة فقد الشرط الثاني خاصة، فقدّما العتق على غيره وإن ذكر بعده.
ويمكن أن يستدل لهما بكثير من المعتبرة كالصحيحين، في أحدهما : رجل أوصى بأكثر من الثلث وأعتق مماليكه في مرضه، فقال : «إن كان أكثر من الثلث ردّ الى الثلث وجاز العتق»
وقريب منه الثاني.
والخبر : رجل أوصى عند موته بمال لذوي قرابته وأعتق مملوكاً له، وكان جميع ما أوصى به يزيد على الثلث، كيف يصنع في وصيته؟ فقال : «يبدأ بالعتق فينفذه».
لكنّها مع ضعف بعضها ضعيفة الدلالة محتملة للعتق المنجّز خاصة، بل ظاهرة فيه بلا شبهة، ولا خلاف في تقديمه على الوصية.
ولابن حمزة في صورة فقد الشرط الأوّل خاصة، فجعل الوصية الثانية في الزمان المتباعد رجوعاً عن الأُولى إلاّ أن يسعهما الثلث.
وحجته غير واضحة.
نعم، في رواية ضعيفة : إن
ابن أخي أوصى بثلاث وصايا فبأيّهنّ آخذ؟ فقال : «خذ بأُخراهنّ» قلت : فإنّها أقلّ، فقال : «وإن قلّت».
وفيها مضافاً إلى ما مرّ أنه عام لصورتي التباعد بين الزمانين وعدمه، ولم يقل بها في الثاني. مع احتمالها الحمل على كون المقصود الرجوع، كما تشعر الرواية به.
والمراد بالأوّل الذي يجب البدأة به ما يقدّمه الموصي في الذكر ولم يعقّبه بما ينافيه، سواء عطف عليه الثاني بثمّ أو الفاء أو الواو أو قطعه عنه، بأن قال : أعطوا فلاناً مائة، أعطوا فلاناً خمسين، كذا قالوا، وربما يومئ إليه في الجملة الرواية المتقدمة سنداً للمشهور.
(وإن جمع) بينها ولم يرتّب، بأن ذكرها دفعةً فقال : أعطوا فلاناً وفلاناً وفلاناً مائة، أو رتّب باللفظ ثم نصّ على عدم التقديم (أُخرجت من الثلث ووزّع النقص) على الجميع، فيبطل من كلّ وصية بحسابها، بلا خلاف، وعليه يحمل إطلاق بعض ما مرّ من الصحاح بصرف طائفة من الوصية في
العتق وأُخرى في الصدقة.
(ولو أوصى بعتق مماليكه دخل في ذلك المنفرد والمشترك) بلا خلاف أجده؛ للخبر : عن الرجل تحضره
الوفاة وله مماليك لخاصّة نفسه، وله مماليك في شركة رجل آخر، فيوصي في وصيته : مماليكي أحرار، ما حال مماليكه الذين في الشركة؟ فقال : «يقوّمون عليه إن كان ماله يحتمل ثم هم أحرار».
ويستفاد منه أنه يقوّم عليه حصّة شريكه إن احتمله ثلثه، وإليه ذهب في
النهاية والقاضي والمختلف.
خلافاً للحلّي
والمتأخّرين كافّة، كما ذكره بعض الأجلّة،
فاختاروا عدم السراية؛ لمخالفتها
الأصل ، مع فقد شرطها الذي هو يسار الموصى بموته؛ لزوال ملكه به عن ماله، والرواية قاصرة السند غير صالحة للحجية.
قيل : ولعلّها ضعيفة الدلالة؛ لظهور السؤال فيها في العتق المنجّز، فإنه الذي يعبّر عنه بمماليكي أحرار في الأغلب.
وهو حسن لولا قوله : فيوصي في وصيته، فإنه ظاهر في الوصية دون المنجّز، وكما يجوز صرفه إلى الظهور الأوّل كذا يمكن العكس لو لم نقل بكونه الأظهر، إلاّ أن تطبيق الرواية مع القواعد يقتضي المصير إلى الأوّل.
رياض المسائل، ج۱۰، ص۳۴۹- ۳۶۴.