الوصية بالثلث
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
الوصية المستحبة والمتبرع بها محسوبة من الثلث، سواء كانت في حال الصحة أو في حال المرض، وتبطل فيما زاد عليه إلا أن يجيز ذلك الورثة بلا خلاف.
(و) يجوز أن (يوصي بالثلث) من تركته (فما نقص) بدون إذن الورثة إجماعاً، لا زائداً كذلك، على الأشهر الأقوى، بل عليه إجماع العلماء، كما صرّح به في الغنية والتنقيح والتذكرة؛
وهو الحجة. مضافاً إلى الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة الخاصيّة والعاميّة،
وهي بالمعنى متواترة.
قالوا : خلافاً لوالد الصدوق،
فجوّز
الوصية بالمال كله؛ للرضوي : «فإن أوصى بماله كله فهو أعلم بما فعله، ويلزم
الوصي إنفاذ وصيّته على ما أوصى به».
وهو كمستنده شاذّ، وإن تأيّد بالإطلاقات، وبعض الروايات الضعيفة الأسانيد، منها : «الرجل أحقّ بماله ما دام فيه الروح، إن أوصى به كلّه فهو جائز».
ومنها : أوصى رجل بتركته متاع وغير ذلك لأبي محمد عليه السلام، فكتبت إليه : جعلت فداك، رجل أوصى إليّ بجميع ما خلّف لك، وخلّف ابنتَيْ
أُختٍ له، فرأيك في ذلك؟ فكتب إليّ : «بع ما خلّف وابعث به إليّ» فبعت وبعثت به إليه، فكتب إليّ : «قد وصل إليّ»
ونحوه خبران آخران.
لضعف الإطلاقات بالإجمال أوّلاً، وبعدم مكافأتها كالأخبار التالية والرضوي لما مضى من الأدلّة ثانياً.
مع قصور الرواية الأُولى عن الدلالة على الحكم في المتنازع فيه جدّاً من وجوه شتّى :
منها : أن غايتها الجواز، ولا كلام فيه، إنما الكلام في اللزوم وعدمه.
ومنها :
احتمال أن يراد بالمال الثلث، كما صرّح به الصدوق في
المقنع بعد أن روى فيه ما يقرب من هذه الرواية، قال بعد نقله : ماله هو الثلث؛ لأنه لا مال للميت أكثر من الثلث.
ومنها : احتمال تقييدها بصورة فقد الوارث الخاصّ، كما هو أحد القولين، وإن منع عنه أيضاً في القول الآخر، ولعلّه الأظهر.
ونحو هذه الرواية في القصور دلالة الروايات الأخيرة لوجوه هي في
الاستبصار وغيره
مذكورة، مع أنها معارضة بصريح أخبار أُخر معتبرة :
منها الصحيح : كان لمحمد بن حسن بن أبي خالد غلام لم يكن به بأس عارف يقال له : ميمون، فحضره الموت فأوصى إلى أبي الفضل العباس بن معروف بجميع ميراثه وتركته أن اجعله دراهم وابعث بها إلى
أبي جعفر الثاني عليه السلام ، وترك أهلاً حاملاً وإخوة قد دخلوا في
الإسلام وأُمّاً مجوسيّة، قال : ففعلت ما أوصى به وجمعت الدراهم ودفعتها إلى محمد ابن الحسن إلى أن قال ـ : فكتبت و (حصّلت) الدراهم وأوصلتها إليه عليه السلام، فأمره أن يعزل منها الثلث يدفعها إليه ويردّ الباقي على وصيّه يردّها على الورثة.
ونحوه غيره
هذا.
ويحتمل عبارة المخالف كالرضوي لما يلتئم مع فتوى العلماء بأن يكون المراد أنه يجب على الوصي صرف المال الموصى به بجميعه على ما اوصي به، من حيث وجوب العمل بالوصية، وحرمة تبديلها بنصّ الكتاب والسنة، وإنما جاز تغييرها إذا علم أن فيها جوراً ولو بالوصية بزيادة عن الثلث، وهو بمجرد احتماله غير كافٍ، فلعلّ الزيادة عنه وقعت الوصية بها من دون حيف أصلاً، كأن وجبت عليه في ماله بأحد الأسباب الموجبة له، و
الموصي أعلم به، وهذا غير جواز الوصية بالزيادة تبرّعاً.
وحاصله : أنه يجب على الوصي
إنفاذ الوصية مطلقاً ولو زادت عن الثلث، لاحتمال وجوبها عليه في ماله، إلاّ أن يعلم بكون الوصية تبرّعاً، فلا يمضي منها إلاّ الثلث، كما عليه العلماء.
وهذا التوجيه إن لم نقل بكونه ظاهراً من عبارته فلا أقلّ من تساوي احتماله لما فهموه منها، فنسبتهم المخالفة إليه ليست في محلّها، وعليه نبّه في التذكرة،
فلا خلاف من أحدٍ يظهر هنا.
(و) كيف كان فـ (لو أوصى بزيادة عن الثلث صحّ في الثلث وبطل) في (الزائد) بمعنى أنه لا يلزم فيه، بل يكون مراعى (فإن أجاز الورثة بعد الوفاة صحّ، وإن أجاز بعض الورثة صحّ في حصته) دون الباقي، بلا خلاف في شيء من ذلك، بل عليه إجماع العلماء في ظاهر
الغنية وصريح التذكرة؛
وهو الحجة، مضافاً إلى فحوى النصوص الآتية، وصريح غيرها من المعتبرة.
(ولو أجازوا قبل الوفاة ففي لزومه قولان) :
و (المروي) في المعتبرة (اللزوم) ففي الصحيحين : رجل أوصى بوصية وورثته شهود فأجازوا ذلك، فلمّا مات الرجل نقضوا الوصية، هل لهم أن يردّوا ما أقرّوا به؟ قال : «ليس لهم ذلك، الوصية جائزة عليهم»
ونحوهما غيرهما.
وإليهما ذهب عامّة متأخّري أصحابنا تبعاً للإسكافي و
الصدوق وابن حمزة والطوسي
مدّعياً عليه إجماع الإمامية كما حكي عنه في
المختلف والدروس وشرح القواعد للمحقق الثاني.
ولا ريب فيه؛ لصحة أكثر النصوص، وكثرتها، وصراحتها، واشتهارها، واعتضادها بالإجماع المنقول، وسلامتها عن المعارض من جهتها، بل وغيرها أيضاً كما سترى.
خلافاً للمفيد والديلمي والحلّي،
فاختاروا العدم؛ لأن الورثة أسقطوا حقوقهم فيما لم يملكوه فلم يلزمهم، كالمرأة إذا أسقطت صداقها قبل التزويج، والشفيع إذا أسقط حقه من
الشفعة قبل البيع.
ولأنها حالة لا يصح فيها ردّهم للوصية بل يلزمهم إذا أجازوها بعده، فلا تصح فيها إجازتهم كما قبل الوصية.
ويضعّفان مضافاً إلى أنهما
اجتهاد في مقابلة النص المعتبر بتعلّق حق الورثة بالمال وإلاّ لم يمنع الموصي من التصرف فيه.
وبظهور الفرق بين الردّ و
الإجازة ، فإن الردّ إنما لا يعتبر حال حياة الموصي لأن
استمرار الوصية يجري مجرى تجدّدها حالاً فحالاً، بخلاف الردّ بعد الموت والإجازة حال الحياة.
قيل : ولا فرق بين وصية الصحيح والمريض في ذلك؛ لاشتراكهما في الحَجر بالنسبة إلى ما بعد الوفاة،
وإن افترقا في التصرف منجّزاً إن قلنا فيه بالفرق بينهما، وإلاّ فلا فرق بينهما هنا أيضاً، وإن افترق الوصية والمنجز على هذا التقدير.
ويعتبر في المجيز جواز التصرف، فلا عبرة بإجازة الصبي والمجنون و
السفيه . أمّا المفلّس فإن كانت إجازته حال الحياة نفذت؛ إذ لا ملك له حينئذٍ وإنما إجازته تنفيذ لتصرف الموصي عندنا.
ولو كانت بعد الموت ففي صحتها وجهان مبنيان على أن
التركة هل تنتقل إلى الوارث بالموت وبالإجازة تنتقل عنه إلى الموصى له، أم تكون الإجازة كاشفة عن سبق ملكه من حين الموت؟ فعلى الأوّل لا تنفذ؛ لتعلق حق الغرماء بالتركة قبل الإجازة، وعلى الثاني يحتمل الأمرين. وهل الإجازة تنفيذ أو
ابتداء عطية؟ ظاهر أصحابنا الأوّل، بل ظاهر المسالك والتذكرة
الإجماع عليه، فلا يحتاج إلى إيجاب وقبول، ولا توجب ولاءً للمجيز إذا كان الوصية في عتق، ولا يعتبر في إجازة المريض خروجها من الثلث، وتنتفي هذه الأحكام على الثاني.
رياض المسائل، ج۱۰، ص۳۴۹- ۳۵۵.