الاستحسان
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
إنّه هو ما يستحسنه
المجتهد بعقله .
الاستحسان- لغة- هو عدّ الشيء حسناً.
وقد استعمله
الفقهاء بهذا المعنى، ومن ذلك قولهم: إنّ أقلّ مراتب الاستحسان هو
الاستحباب .
وللاستحسان
اصطلاح خاصّ عند
علماء اصول
الفقه من الجمهور، واستعمله فقهاء
الإمامية والاصوليّون منهم
بهذا المعنى أيضاً.
وقد عرّفوه
بتعريفات مختلفة فقيل: إنّه هو ما يستحسنه
المجتهد بعقله ،
أو أنّه دليل ينقدح في
نفس المجتهد لا تساعد العبارة عليه ولا يقدر على
إبرازه وإظهاره ،
أو أنّه
العدول عن موجب
قياس إلى قياس أقوى منه أو تخصيص قياس بدليل هو أقوى منه،
أو أنّه العمل بأقوى الدليلين،
أو أنّه
اسم لدليل يقابل القياس الجلي يكون
بالنص أو
الإجماع أو
الضرورة أو القياس الخفي.
وغير ذلك من التعريفات، وما اشير إليه أهمّها وأحسنها.
ذكروا للاستحسان أقساماً متعدّدة وهي تختلف بحسب اختلاف ما يستند إليه:
۱- الاستحسان الذي يستند إلى النصّ الوارد في مسألة خاصّة فالاستحسان حينئذٍ هو
العمل بذلك النصّ وإن خالف
القاعدة الثابتة في
الشرع في أمثال المسألة كما في
بيع السلم ، فإنّه ورد فيه النصّ الذي يجوّزه على خلاف قاعدة
حرمة بيع ما ليس عند
الإنسان .
۲- الاستحسان الذي يستند إلى
الإجماع أو
العرف للحكم في مسألة على خلاف مقتضى القاعدة كما في
عقد الاستصناع ، فإنّ القاعدة تقتضي عدم صحّته؛ لأنّه
بيع معدوم، إلّا أنّ الإجماع أو العرف جوّزه استحساناً
للحاجة العامّة إليه.
۳- الاستحسان الذي يستند إلى
الضرورة التي تقتضي الحكم على خلاف الدليل الأوّلي كما في
تطهير الآبار والحياض، فإنّ القياس أن لا تطهّر إلّا بجريان
الماء عليها، إلّا أنّ الضرورة تقتضي طهارتها ولو لم يجر الماء عليها، وإلّا فيلزم
حرج شديد.
۴- الاستحسان الذي يستند إلى
قياس آخر هو أدقّ وأخفى من القياس الأوّل لكنّه أقوى منه كما في
سؤر سباع الطير ، فإنّ قياسه
بسؤر سباع البهائم كالأسد والنمر يقتضي الحكم
بنجاسته ؛ لأنّ
السؤر معتبر
باللحم ولحمها
نجس ، إلّا أنّ الاستحسان طهارة سؤرها قياساً على طهارة
سؤر الآدمي ، وقالوا في وجه
رجحان القياس الثاني- وهو الاستحسان- على القياس الأوّل: إنّ مخالطة اللعاب النجس للماء في سؤر سباع البهائم منتفية في سباع الطير؛ إذ تشرب
بمنقارها وهو
عظم طاهر جاف لا لعاب فيه فانتفت علّة النجاسة، فكان سؤرها طاهراً كسؤر الآدمي.
اختلف فيه الاصوليّون من الجمهور فقبله بعضهم وردّه بعض آخر،
وأمّا الإماميّة وفقهاء
أهل البيت عليهم السلام فقد أجمعوا على رفضه وعدم
حجّيته فيما إذا كان مبتنياً على الوجوه
الظنّيّة التي تنقدح في النفس ويستحسنها
عقل الإنسان من دون
أمارة ودليل شرعي ،
فإنّهم لا يجوّزون
الاعتماد عليه في مقام
استنباط الأحكام الشرعية ، كما لا يجوّزون الاعتماد على القياس
والرأي ؛ إذ لا يفيد شيء منها إلّا
الظنّ والظنّ لا يغني من الحقّ شيئاً، ولذا يحرم
الإفتاء بمثل القياس والاستحسان.
ويدلّ على ذلك ما ورد مستفيضاً عن
الأئمّة المعصومين عليهم السلام من أنّ
دين اللَّه لا يصاب بالعقول،
كرواية أبي حمزة الثمالي ، قال: قال
علي بن الحسين عليهما السلام:
«إنّ دين اللَّه لا يصاب بالعقول الناقصة، والآراء الباطلة، والمقاييس الفاسدة، ولا يصاب إلّا
بالتسليم ، فمن سلّم لنا سلم، ومن اهتدى بنا هدي، ومن دان بالقياس والرأي هلك...».
ونحو ذلك من المضامين.
نعم، إذا كان الاستحسان هو الأخذ بأقوى
الدليلين فهو صواب لا إشكال فيه، إلّا أنّ ذلك فيما إذا رجع إلى الأخذ
بالكتاب العزيز أو
السنّة الشريفة أو
الإجماع التعبّدي أو العقل القطعي لا إلى الأخذ بالقياس ونحوه من الأدلّة المردودة، ولا معنى حينئذٍ لعدّ الاستحسان دليلًا مستقلّاً قبال الأدلّة المعتبرة، فإذا دلّ
النصّ على صحّة
بيع السلم يخصّص به عموم ما دلّ على
بطلان بيع ما ليس عند الإنسان، والدليل حينئذٍ هو قول المعصوم عليهم السلام- وهو من السنّة- لا الاستحسان.
وكذا لو ثبت أنّ
سيرة المتشرّعة جارية على صحّة
عقد الاستصناع فيحكم بصحّته، أخذاً بهذه
السيرة فيما إذا احرز أنّها كانت جارية في عصر المعصوم عليه السلام وكان أحد العاملين بها أو مقرّاً لها، ويكون الدليل حينئذٍ هو فعل المعصوم أو إقراره- وهو من السنّة- لا الاستحسان.
وتفصيل البحث في حجّية الاستحسان يطلب من علم الاصول في بحث الأدلّة والحجج.
الموسوعة الفقهية، ج۱۱، ص۲۴۷-۲۴۹.