البغاة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
(الأول : البغاة) جمع باغ، وهو من خرج على المعصوم من
الأئمة : كما يستفاد من النص وكلمات القوم.
ومنها قوله : (يجب قتال من خرج على إمام عادل) في المختصر المطبوع زيادة ليست في نسخ الرياض وهي : إذا دعا إليه هو أو من نصبه.والتأخر عنه كبيرة ويسقط بقيام من فيه غنى ما لم يستنهضه
الإمام على التعيين والفرار منه في حربهم كالفرار في حرب المشركين.
بالإجماع الظاهر المصرّح به في عبائر،
بعد الكتاب والسنة.
قال الله سبحانه (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).
وفي النبوي : «من أعطى إماماً صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنقه».
وفي الخاصّي
الصادقي عليه السلام «بعث الله تعالى محمداً بخمسة أسياف، ثلاثة منها شاهرة لا تغمد إلاّ أن (تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها)» إلى أن قال : «وسيف منها مكفوف، وسيف منها مغمود سلّه إلى غيرنا وحكمه إلينا» إلى أن قال : «وأما
السيف المكفوف على
أهل البغي والتأويل، قال الله تعالى» وذكر
الآية ، ثم قال : «فلمّا نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إنّ منكم من يقاتل بعدي على التأويل كما قاتلت على التنزيل، فسئل عليه السلام من هو؟ قال : هو خاصف النعل يعني
أمير المؤمنين عليه السلام .فقال
عمار بن ياسر : قاتلت بهذه الراية مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثاً، وهذه الرابعة، والله لو ضربونا حتّى يبلغونا السعفات من هَجَر لعلمنا أنّا على الحق وأنّهم على الباطل.
وكانت السيرة من أمير المؤمنين عليه السلام ما كان من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أهل مكّة يوم فتح
مكّة ، فإنّه لم يَسْبِ لهم ذرّية وقال : من أغلق بابه وألقى سلاحه أو دخل دار أبي سفيان فهو آمن، وكذلك قال أمير المؤمنين عليه السلام فيهم : لا تسبوا لهم ذريّةً، ولا تتمّوا على جريح، ولا تتبعوا مدبراً، ومن أغلق بابه وألقى سلاحه فهو آمن».
وفي آخر : «القتال قتالان، قتال الفئة الكافرة حتى يسلموا، وقتال الفئة الباغية حتى يفيئوا».
وفي ثالث : «ذكرت الحرورية عند علي عليه السلام، قال : إن خرجوا على إمام عادل أو جماعة فقاتلوهم، وإن خرجوا على إمام جائر فلا تقاتلوهم،فإنّ لهم في ذلك مقالاً».
والرواية السابقة ناصّة
بإرادة هذه الطائفة من الآية المتقدمة، ولذا استدلّ بها هنا جماعة كالشهيد في الدروس تبعاً للفاضل في المنتهى.
لكن خطّأه
الفاضل المقداد في كنز العرفان، قال : فإنّ الباغي هو من خرج على
الإمام العادل بتأويل باطل وحاربه، وهو عندنا كافر، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام «يا علي، حربك حربي وسلمك سلمي»
فكيف يكون الباغي المذكور مؤمناً حتّى يكون داخلاً في الآية؟! ولا يلزم من ذكر لفظ البغي في الآية أن يكون المراد بذلك البغاة المعهودين عند أهل الفقه كما قال الشافعي : ما عرفنا أحكام البغاة إلاّ من فعل علي عليه السلام، يريد فعله في حرب
البصرة والشام
والخوارج ، من أنّه لم يتبع مدبري أهل البصرة والخوارج ولم يجهز على جريحهم، لأنهم ليس لهم فئة، وتبع مدبري أهل الشام وأجهز على جريحهم، ولذا لم يجعلها الراوندي حجة على قتال البغاة، بل جعلها في قسم مَن يكون من المسلمين أو المؤمنين، فيقع بينهم قتال وتعدى بعض إلى بعض، فيكون البغي بمعنى التعدي فيقاتل المتعدي حتى يرجع عن تعدّيه إلى طاعة الله وامتثال أوامره. انتهى.
وأجاب عنه في المنتهى بعد تخطئة من استفاد مِن الآية أن البغاة مؤمنون لأنّ الله تعالى سمّاهم المؤمنين، بنحو ممّا ذكره من أنّهم كفّار عندنا فقال : التسمية على سبيل المجاز بناءً على الظاهر، أو على ما كانوا عليه، أو على ما يعتقدونه، كما في قوله (وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ)
وهذه صفة المنافقين إجماعاً.
انتهى.
وهو حسن وإن خالف المجاز
الأصل ؛ لوجوب المصير إليه بعد قيام الدليل عليه، وهو الرواية السابقة وإن ضعف سندها،
لاشتهارها فتوًى وروايةً حتى أنه روتها المشايخ الثلاثة بطرق عديدة.وفي الظاهر الغنية وصريح المنتهى : لا خلاف بين المسلمين كافّة في وجوب جهاد البغاة.
بل صريح الأخير أيضاً الإجماع.
وإطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في الخارج بين القليل والكثير حتى الواحد كابن ملجم لعنه الله. وبه صرّح في المنتهى والتذكرة كما في المسالك واستحسنه،
وصرّح به أيضاً في الروضة.
وفيه مناقشة؛
لاختصاص الأدلّة كتاباً وسنة بالكثير.
وبالجملة : كيفية قتال البغاة مثل قتال المشركين في جميع ما مرّ، بلا خلاف يظهر فيه، (و) للنهي أنّه (يجب مصابرتهم) من الصبر وهو الحبس، والمراد به حبس النفس في جهادهم بترك ما يشبهه من تركه، فيخالفها بمصابرتهم (حتى يفيئوا) إلى الحق، ويرجعوا إلى طاعة الإمام (أو يقتلوا). وظاهر المنتهى أنّ عليه إجماع العلماء؛
للنص زيادة على ما مرّ، وفيه : «القتال قتالان : قتال لأهل الشرك لا ينفر عنهم حتى يسلموا أو يؤدّوا الجزية عن يد وهم صاغرون، وقتال لأهل الزيغ».
وفي المنتهى : فإذا فاءوا حرم قتالهم؛ لقوله تعالى (حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ)
تعالى، جعل غاية
الإباحة لقتالهم الرّجوع إلى أمر الله تعالى، فيثبت التحريم بعدها. ولأنّ المقتضي لإباحة القتل هو الخروج عن طاعة الإمام، فإذا عادوا إلى الطاعة عُدِمَ المقتضي، ولا نعلم فيه خلافاً. وكذلك إن ألقوا السلاح وتركوا القتال. أما لو انهزموا فإنّه يجب قتالهم إن كان لهم فئة يرجعون إليها.
وإلى هذا أشار الماتن أيضاً وغيره من الأصحاب
من غير خلاف بقوله : (ومن كان له فئة) يرجعون إليها كأصحاب معاوية (يجهز) من
الإجهاز، وهو
الإسراع في القتل أي يسرع ويعجل (على جريحهم) في القتل (وأُتبع مدبرهم) ومُولّيهم عن الحرب (وقتل أسيرهم).
بلا خلاف يظهر فيه أيضاً (و) لا في أنّ (من لا فئة له) الخوارج (اقتصر على تفريقهم فلا يذفّف) بالذال المعجمة وبالمهملة، وفي أخرى من ذفّ يذفّ من باب قتل : إذا جهز عليه، أي لا يسرع (على جريحهم) في القتل (ولا يتبع مدبرهم ولا يقتل أسيرهم).وفي ظاهر المنتهى
الإجماع على هذا التفصيل منّا، ونفي الخلاف عن الحكم فيمن لا فئة له بين العلماء.
والأصل في المقامين بعد الإجماع أخبارنا.
منها : عن طائفتين إحداهما باغية والأُخرى عادلة، فهزمت العادلة الباغية، قال : «ليس لأهل العدل أن يتبعوا مدبراً، ولا يقتلوا أسيراً، ولا يجهزوا على جريح، وهذا إذا لم يبق من أهل البغي أحد ولم يكن لهم فئة يرجعون إليها، فإذا كان لهم فئة يرجعون إليها فإنّ أسيرهم يقتل ومدبرهم يتبع وجريحهم يُجاز عليه».
ومنها : عمّن شهد حروب علي عليه السلام قال : لمّا هزم الناس يوم الجمل قال أمير المؤمنين عليه السلام : «لا تتّبعوا مولِّيا ولا تُجيزوا على جريح، ومن أغلق بابه فهو آمن» فلمّا كان الصفين قتل المقبل والمدبر وأجاز على الجريح، فقال له
أبان بن تغلب : هذه سيرتان مختلفتان فقال : إنّ أهل الجمل قتل طلحة والزبير، وإنّ معاوية كان قائماً بعينه وكان قائدهم».
ونحوه رواية أُخرى مرويّة في الوسائل عن تحف العقول.
وقصور الأسانيد وضعفها مجبور بالشهرة بين أصحابنا، مضافاً إلى الإجماع عليه كما عرفته من المنتهى.
واعلم أنّ قوله : (ولا يسترقّ ذريتهم ولا نساؤهم) لا تعلّق له بمن لا فئة له خاصة، بل يعمّ الفريقين كما صرّح به جماعة،
من غير خلاف بينهم أجده، وفي صريح الشرائع والسرائر الإجماع عليه،
لكن في الروضة عزاه إلى المشهور
مؤذناً بوجود خلاف فيه، كما صرّح به أخيراً وفاقاً للدروس،
لكن عزاه إلى الشذوذ معربين عن الإجماع أيضاً.
والمخالف غير معروف ولا منقول، إلاّ في المختلف، فنقل فيه عن العماني بعد اختياره المنع، قال : وقال بعض الشيعة : إنّ الإمام في أهل البغي بالخيار، إن شاء منَّ عليهم وإن شاء سباهم.
قال : واحتجّوا بقول أمير المؤمنين عليه السلام للخوارج، لمّا سألوه عن المسائل التي اعتلّوا بها، فقال لهم : «أمّا قولكم إنّي يوم الجمل أحللت لكم الدماء والأموال ومنعتكم النساء والذرية، فإنّي مننت على أهل البصرة، كما مَنَّ
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أهل مكة» قالوا : فأخبر بأنه لم يسبهم، لأنه منّ عليهم كما من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أهل مكّة ولو شاء لسباهم كما لو شاء النبي أن يسبي نساء أهل مكة.
أقول : وظاهر عبارته المزبورة أنّ القائل غير واحد من
الشيعة ، وهو أيضاً ظاهر جملة من الأخبار مستفيضة، غير الرواية المزبورة، مروية في التهذيب وغيره.
منها : «سيرة
علي عليه السلام في أهل بصرة كانت خيراً لشيعته ممّا طلعت عليه الشمس، إنّه علم أنّ للقوم دولة فلو سباهم لسبيت شيعته» قلت : فأخبرني عن
القائم عليه السلام ، أيسير بسيرته قال : «إنّ علياً عليه السلام سار فيهم بالمنّ لمّا علم من دولتهم، وأنّ القائم عليه السلام يسير فيهم خلاف تلك السيرة، لأنّه لا دولة لهم».
ومنها : أيسير القائم عليه السلام بخلاف سيرة علي عليه السلام؟ قال : «نعم، وذلك إنّ عليّاً عليه السلام - سار - بالمنّ والكف، لأنه علم أنّ شيعته سيظهر عليهم، وإنّ القائم عليه السلام إذا قام سار فيهم بالسيف والسبى، وذلك أنه يعلم أنّ شيعته لم يظهر عليهم من بعده أبداً».
إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الّتي سيأتي إلى بعضها
الإشارة . ولو لا
إعراض الأصحاب عنها ونقلهم الإجماع على خلافها، مع ضعف أسانيدها جملة، لكان المصير إليها متّجهاً.
•
حكم تملك أموال البغاة،(ولا تؤخذ أموالهم) أي
البغاة مطلقاً كانت لهم فئة أم لا، بلا خلاف في الأموال (التي ليست في العسكر) بل عليه
الإجماع.
رياض المسائل، ج، ص۲۳-۳۵.