التوازن والتعادل في تشريع القوانين الإسلاميّة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
التوازن والتعادل في تشريع القوانين الإسلاميّة:من الامور الاخری في افضلیة
الفقه الاسلامی وارجحیّته علی سائر القوانین، التوازن والتعادل في قوانینه واحکامه المختلفة، بحیث انّنا کلّما بحثنا في ابعاد مسالة معینة، یتبیّن لنا انّ هذا
القانون راعی جمیع الزوایا والابعاد المختلفة لهذه المسالة، مثلًا نری في
المسائل الاقتصادیة انّ بعض
المذاهب الاقتصادیة السائدة في العالم المعاصر قد الغت
الملکیة الخصوصیة، وبعضها الآخر لم تهتمّ ب
الملکیة العامة، ولکن الاسلام ومن خلال رؤیته الدقیقة لحاجات الانسان الروحیة والجسمیة، قد اعترف بکلاهاتین الملکیتین ووضع لهما قوانین خاصة، وخلاصة الکلام انّ
الاسلام نظر في احکامه الشرعیة والفقهیة الی کافّة ابعاد الانسان، فاخذ بنظر الحسبان الفرح الی جانب الحزن، والعبادة الی جانب الترفيه، و
الزهد الی جانب العمل، و
المعاد الی جانب المعاش، واخیراً
الروح الی جانب الجسم.
ومن الامور الاخری في افضلیة
الفقه الاسلامی وارجحیّته علی سائر القوانین، التوازن والتعادل في قوانینه واحکامه المختلفة، بحیث انّنا کلّما بحثنا في ابعاد مسالة معینة، یتبیّن لنا انّ هذا القانون راعی جمیع الزوایا والابعاد المختلفة لهذه المسالة، مضافاً الی وجود تناسب وتناغم مع مجموعة القوانین والاحکام الاخری. هذا من جهة، ومن جهة اخری فانّ القانون الاسلامی ینظر الی جمیع الابعاد الوجودیة للانسان واحاسیسه وعواطفه وغرائزه، وبالتالی یرید له سعادة الدنیا والآخرة. ویمکن الاشارة الی نماذج متعدّدة تشیر الی رعایة التوازن والتناسب في
الاحکام الالهیّة في کافة الفقه المختلفة.
مثلًا نری في المسائل الاقتصادیة انّ بعض
المذاهب الاقتصادیة السائدة في العالم المعاصر قد الغت
الملکیة الخصوصیة، وبعضها الآخر لم تهتمّ ب
الملکیة العامة، ولکن الاسلام ومن خلال رؤیته الدقیقة لحاجات الانسان الروحیة والجسمیة، قد اعترف بکلاهاتین الملکیتین ووضع لهما قوانین خاصة.
وهکذا مع ما نراه من بعض المذاهب الاقتصادیة التی اسست الملکیة علی عنصر «العمل» او عنصر «الحاجة» في حین نری انّ الاسلام اسس احکامه الاقتصادیة علی اسس متوازنة لکلا العنصرین ووضع احکامه وقوانینه الاقتصادیة بما یتناسب مع هذا الموضوع.
وفي المسائل الاجتماعیة نری انّ بعض
علماء الاجتماع ذهبوا الی «
اصالة الفرد» وانکروا بذلک حقیقة
اصالةالمجتمع، والبعضالآخر ذهب الی «
اصالةالمجتمع» ولم یهتمّ بالفرد وحقوقه في مقابل المجتمع، ولکن الاسلام یریالاصالة لکلا هذینالاصلین: الفردوالمجتمع، ووضع احکامه في اطار الواجبات العینیة والکفائیة علی مستوی الفرد والمجتمع واعتبر انّ کلّاً من الفرد والمجتمع مسؤول ومکلّف بتکالیف معینة تجاه الآخر.
وفي موضوع
الغرائز، نری انّ البعض ذهب لکبت الغرائز، بینما ذهب البعض الآخر الی لزوم ارضاء الغرائز وخاصّة الغریزة الجنسیة بشکل کامل، وضرورة منح
الحریة المطلقة في هذا المجال، في حین انّ الاسلام ومن خلال رؤیة واقعیة، لم یکبت الغرائز ولم یطلق العنان لها في ذات الوقت، بل تحرّک علی مستوی تعدیلها وضبطها بالشکل المناسب وجعلها تسیر في مسارها الصحیح والطبیعی.
وفي موضوع المراة والرجل و
الحقوق والمسؤولیات الملقاة علی عاتقهما، نری انّ الاسلام اهتمّ بتقسیم المسؤولیات والحقوق بما یتناسب مع القوی والملکات الروحیة والجسمیة للمراة والرجل في ابواب مختلفة من الفقه، کالارث،
الدیة، تکالیف
الاسرة،
الحضانة وتولّی اُمور الصغار و...
وعندما نلقی نظرة سریعة علی هذه الابواب نری انّ الاسلام في توزیع الثروة «
الملکیة الاعتباریة» اخذ جانب الرجال، ولکنّه في دائرة «
الاستهلاک» اخذ الی حدّ کبیر جانب النساء.
وفي الحقیقة انّ الاسلام بدلًا من ان یقیم هذه القوانین الخاصة بالمراة والرجل علی اساس شعار «تساوی الحقوق بین المراة والرجل» وهو شعار مجانب للعدالة، اقام قوانینه علی اصل «التوازن والتناسب بین
حقوق المراة والرجل».
وفي دائرة الحرب و
الصلح والاحکام المتعلّقة بهما نری انّ الاسلام لم یجعل الحرب هدفاً للحیاة ولا الصلح والاستسلام، بل اخذ بنظر الاعتبار جمیع اطراف المسالة بشکل متوازن ووضع لها قوانینها الخاصة بها.
وفي دائرة
الاحکام العبادیّة والسیاسیّة اخذ الاسلام بنظر الاعتبار الزوایا والابعاد الخفية والجلیة لهذه الاحکام بشکل دقیق، ووضع قوانینه بما یتناسب مع الظروف المختلفة للاشخاص و
المکلّفين، من قبیل ملاحظة حال
المرضی،
المسافرین،
المسنّین، ا
لمرضعات وما الی ذلک، وکانت هذه الاحکام علی اعلی درجة من التناسب والتوازن.
وحتی في المسائل العبادیة والمعنویة المحضة یمکننا ملاحظة الخطوط الاصلیة للتوازن في الاحکام الاسلامیة بوضوح.
انّ الاسلام اخذ بنظر الاعتبار في احکامه کلّ زوایا وتفاصیل المسائل، فنری انّه لم یسمح ان یتغلّب طلب الآخرة علی حساب الدنیا او بالعکس، لانّه (علیهالسّلام) قال: «لَیْسَ مِنّا مَنْ تَرَکَ دُنْیاهُ لآخِرَتِه وَلا آخِرَتَهُ لِدُنْیاهُ».(ورد هذا الحدیث عن
الامام الصادق علیه السلام.)
وخلاصة الکلام انّ الاسلام نظر في احکامه الشرعیة والفقهیة الی کافّة ابعاد الانسان، فاخذ بنظر الحسبان الفرح الی جانب الحزن، والعبادة الی جانب الترفيه، والزهد الی جانب العمل، والمعاد الی جانب المعاش، واخیراً
الروح الی جانب الجسم. ونختم هذا القسم بحدیث عن
امیرالمؤمنین علیّ ابن ابی طالب (علیهالسّلام) یبیّن فيه عنصر التوازن في الاحکام والتعالیم الاسلامیة، یقول: «للمُؤمِنِ ثَلاثُ سَاعاتٍ: فَساعَةٌ یُناجِی فيها رَبَّهُ، وسَاعةٌ یَرُمُّ معاشَه، وساعةٌ یُخَلّی بین نَفسهِ وبَین لَذَّتِها فيما یَحِلُّ ویَجْمُلُ».
موسوعة الفقه الاسلامي المقارن المأخوذ من عنوان «التوازن والتعادل في تشريع القوانين الإسلاميّة» ج۱، ص۶۵-۶۷.