الرشوة على الحكم
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
بذل
الرشوة وأخذها على الحكم
حرام، وبقي فيها شيء وهو الفرق بين الرشوة والهدية، بأنّ الرشوة هي التي يشترط باذلها الحكم بغير حق والامتناع من الحكم به،
والهدية هي العطية المطلقة؛ وأنّها محرمة على المرتشي مطلقاً، وعلى الراشي كذلك إلاّ أن يكون محقاً، ولا يمكن وصوله إلى حقّه بدونها فلا تحرم عليه حينئذٍ، وعلى هذا يحتاج إلى فرق آخر، والأظهر فيه أن يقال: إنّ دفع المال إلى القاضي ونحوه من العمّال إن كان الغرض منه التودّد أو التوسل لحاجة من
العلم ونحوه فهو هدية.
وإن كان للتوسل إلى
القضاء والعمل فهو رشوة؛ ويجب على المرتشي إعادتها عيناً مع وجودها، وعوضاً مثلاً أو قيمةً مع تلفها.
بذل الرشوة وأخذها على الحكم حرام بالإجماع،
والسنّة المستفيضة المتقدّم إليها وإلى جميع ما يتعلّق بالمسألة الإشارة في الفصل الأوّل من كتاب
التجارة.
بقي فيها شيء لم نشر إليه مفصلاً ثمّة، وهو الفرق بين الرشوة والهدية، حيث تجوز له مطلقاً أو في الجملة، على تفصيل تقدّم ذكره ثمّة، فقيل: بأنّ
الرشوة هي التي يشترط باذلها الحكم بغير حق والامتناع من الحكم به،
والهدية هي العطية المطلقة
.
وهذا الفرق يناسب ما أطلقه
الماتن في
الشرائع من اختصاص تحريم الرشوة بطلب التوصل إلى الحكم بالباطل دون الحق.
ولكن ذكر جماعة تحريمها على التقديرين، خصوصاً من جانب المرتشي
.
وقد قدّمنا ثمّة أنّها محرمة على المرتشي مطلقاً، وعلى الراشي كذلك إلاّ أن يكون محقاً، ولا يمكن وصوله إلى حقّه بدونها فلا تحرم عليه حينئذٍ، وعلى هذا يحتاج إلى فرق آخر.
والأظهر فيه أن يقال: إنّ دفع المال إلى القاضي ونحوه من العمّال إن كان الغرض منه التودّد أو التوسل لحاجة من
العلم ونحوه فهو هدية.
وإن كان للتوسل إلى
القضاء والعمل فهو رشوة، صرّح بذلك
شيخنا في
المسالك وغيره
، ولعلّ وجهه
التبادر العرفي، وما في
مجمع البحرين من أنّها ما يعطيه الشخص الحاكم وغيره ليحكم له، أو يحمله على ما يريد
. وقريب منه ما في
القاموس وكنز اللغة، وهو كما ترى عامّ لما إذا كان الحكم باطلاً أو حقاً، فلا وجه لتخصيصها بالأوّل.
نعم في
النهاية الأثيرية: الراشي الذي يعينه على الباطل
.
والفرق بينها وبين أخذ الجعل على القضاء من المتحاكمين أو أحدهما لو قيل بجوازه أخفى.
وبيانه: أنّ الغرض من الرشوة أن يحكم لباذلها على التعيين لحقّ أو باطل، وفي الجعل إن شرط عليهما أو على المحكوم عليه، فالفرق واضح؛ لأنّه حينئذ في مقابلة عمله معهما وفصل الحكومة بينهما من غير اعتبار الحكم لأحدهما بخصوصه.
وإن شرطه على المحكوم له، فالفرق أنّ الحكم لا يتعلّق الغرض فيه بأحدهما بخصوصه، بل من اتفق له الحكم منهما على الوجه المعتبر يكون عليه الجعل، وهذا ليس فيه
تهمة ولا ظهور غرض، بخلاف الرشوة المبذولة له ابتداء من شخص معيّن ليكون الحكم له بخصوصه كيف كان، فإنّ هذا ظاهر في فساد المقصد وصريح في تطرّق التهمة.
ويجب على المرتشي إعادتها عيناً مع وجودها،
وعوضاً مثلاً أو قيمةً مع تلفها مطلقاً، كان التلف بتفريطه أم لا، وجوباً فورياً، بلا خلاف في شيء من ذلك بيننا، بل يظهر من المسالك وغيره أنّ عليه إجماعنا
، وفيه خلاف لبعض العامّة، حيث ذهب إلى أنّه يملكها وإن فعل حراماً؛ لوجود التمليك والقبول.
وآخرون منهم ذهبوا إلى أنّه يضعها في
بيت المال. وهما ضعيفان جدّاً، ولا سيّما الثاني منهما.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۵، ص۵۳-۵۵.