القضاوة بالعلم
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
للإمام (علیهالسّلام) أن يقضي بعلمه مطلقا في الحقوق مطلقاً للناس كانت أم لله تعالى، ولغير
الإمام (علیهالسّلام) في
حقوق الناس، وفي
حقوق الله قولان، أظهرهما أنّه كسابقه، وهو أشهرهما.
للإمام (علیهالسّلام) أن يقضي بعلمه في الحقوق مطلقاً للناس كانت أم لله تعالى، إجماعاً في الظاهر المصرح به في كتب جماعة حد الاستفاضة،
كالإنتصار والغنية والإيضاح ونهج الحق للعلاّمة، وغيرها من كتب الجماعة
، وهو
الحجة.
مضافاً إلى فحاوى الأدلّة الآتية، وعلمه المانع من الخلاف، وعصمته المانعة من
التهمة، وإمضاء
رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) الحكم له بالناقة على الأعرابي من
أمير المؤمنين (علیهالسّلام)، كما في
الرواية المشهورة
.
وهل لغيره أي: لغير الإمام (علیهالسّلام) أيضاً أن يقضي بعلمه في حقوق الناس وفي حقوق الله تعالى من حدوده؟ فيه قولان، أظهرهما أنّه كسابقه، وهو أشهرهما، بل عليه عامّة متأخّري أصحابنا، وفي صريح
الانتصار والخلاف والغنية ونهج الحق وظاهر
السرائر أنّ عليه
إجماع الإمامية، وهو الحجة.
مضافاً إلى أدلة كثيرة ذكرها الجماعة.
منها: استلزام عدم الجواز إمّا إيقاف الأحكام، أو فسق الحكّام، واللازم بقسميه باطل، بيان الملازمة أنّه إذا طلّق الرجل زوجته ثلاثاً بحضرته ثم جحد كان القول قوله مع يمينه، فإن حكم بغير علمه وهو استحلافه وتسليمها إليه لزم فسقه، وإلاّ لزم إيقاف الحكم لا لموجب، وكذا إذا أعتق عبده بحضرته ثم جحد، ونظائره كثيرة.
ومنها: استلزامه أحد الأمرين، إمّا عدم وجوب إنكار المنكر وعدم وجوب إظهار الحق مع إمكانه، أو الحكم بعلمه، وبطلان الأوّل ظاهر، فتعيّن الثاني، بيان اللزوم: أنّه إذا علم بطلان قول أحد الخصمين، فإن لم يجب عليه منعه عن الباطل لزم الأوّل، وإلاّ ثبت المطلوب.
ومنها: أنّ
العلم أقوى من
البيّنة، وجواز الحكم بها يستلزم جوازه بالعلم بطريق أولى.
ومنها: عموم الأدلّة الدالّة على الحكم مع وجود الوصف المعلّق عليه، كقوله سبحانه «وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما»
وقوله تعالى «الزّانِيَةُ وَالزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ»
والخطاب للحكّام، فإذا علموا بالوصف، عملوا به، وهو أقوى من الحكم، وإذا ثبت ذلك في
الحدود ففي غيرها أولى.
ومنها: ما ذكره
المرتضى وهو أقواها، حيث قال: وكيف يخفى إطباق الإماميّة على وجوب الحكم بالعلم؟ وهم ينكرون توقّف أبي بكر عن الحكم
لفاطمة (سلاماللهعليها) بفدك لمّا ادعت أنّه نحلها أبوها، ويقولون: إذا كان عالماً بعصمتها وطهارتها، وأنّها لا تدّعي إلاّ حقاً فلا وجه لمطالبتها بإقامة البيّنة، لأنّ البيّنة لا وجه لها مع
القطع بالصدق.
ومنها: إمضاؤه (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) الحكم له بالناقة على الأعرابي من
خزيمة بن ثابت.
ومنها: قول
علي (علیهالسّلام) لشريح لمّا طالبه بالبيّنة على ما ادّعاه من درع
طلحة: «ويحك خالفت السنّة بما طالبت إمام المسلمين بالبيّنة، وهو مؤتمن على أكثر من هذا»
.
والقول الثاني:
للإسكافي، فمنع عنه مطلقاً على ما نقل عنه جمع، ومنهم المرتضى
.
ولابن حمزة والحلّي (رحمهماالله) فمنعا عنه في الأخير خاصّة
، ونسب في
المسالك عكس هذا إلى الإسكافي في كتابه
المختصر الأحمدي.
ومستندهم غير واضح، سوى أنّ في
القضاء بالعلم من دون بيّنة تهمة،
وتزكية لنفسه، وكل منهما للقضاء مانعة.
والنبوي (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) في قضية الملاعنة: «لو كنت راجماً من غير بيّنة، لرجمتها»
.
وأنّ حقوقه سبحانه، مبنيّة على الرخصة والمسامحة، فلا يناسبها القضاء بالعلم من دون بيّنة.
والمناقشة في الجميع واضحة؛ لأنّ
التهمة والتزكية آتيتان في القضاء بالشهود والبيّنة، مع أنّه غير مانع باتفاق الإمامية. والرواية عامية غير صالحة بذلك للحجية. والمسامحة في الحدود إنّما هي قبل ثبوتها، لا بعد الثبوت. وبالجملة: لا ريب في صحة القول المشهور.
وعلى الأقوال يقضي بعلمه بلا خلاف ظاهر مصرح به في كلام جمع
في تزكية الشهود وجرحهم، حذراً من لزوم
الدور، أو
التسلسل. وفي
الإقرار عنده وإن لم يسمعه غيره، وقيل: يشترط أن يكون في مجلس القضاء
. وفي العلم بخطإ الشهود يقيناً أو كذبهم. وفي تعزير من أساء أدبه في مجلسه، وإن لم يعلمه غيره؛ لأنّه من ضرورة إقامة أُبّهة القضاء. وفيما إذا شهد معه آخر؛ فإنّه لا يقصر عن شاهد واحد.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۵، ص۳۱-۳۴.