المدعي
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو الذي يترك لو ترك الخصومة؛ وقيل: هو الذي يدعي خلاف الأصل أو أمرا خفيا. ويشترط
التكليف، وإن يدعي لنفسه أو لمن له ولاية الدعوى عنه، وإيراد
الدعوى بصيغة
الجزم وكون المدعى به مملوكا؛ ومن كانت دعواه عينا فله انتزاعها؛ ولو كان دينا والغريم مقر باذل أو مع جحوده عليه
حجة لم يستقل المدعي بالانتزاع من دون الحاكم؛ ولو فات أحد الشروط وحصل للغريم في يد المدعي مال كان له
المقاصة ولو كان من غير جنس الحق. وفي سماع الدعوى المجهولة تردد، أشبهه: الجواز.
في بيان المدّعي وقد اختلف
الفقهاء في تفسيره، فقيل: إنّه هو الذي يترك ويخلّى سبيله لو ترك الخصومة ولم يطالب بشيء.
وقيل: إنّه الذي يدّعي خلاف الأصل، أو أمراً خفياً خلاف الظاهر، ويقابله المنكر على التعريفين.
وظاهر العبارة هنا وفي
الشرائع والقواعد والروضة انحصار الخلاف في قولين، وحكي التصريح به عن الحسيني العميدي في
شرح القواعد، فقال: وقد اختلف الفقهاء في ذلك على قولين، حكاهما المصنف، وكذا الشيخ نجم الدين في الشرائع
. وهو ظاهر التنقيح
.
ولكن الظاهر من باقي الأصحاب
كفخر الدين والشهيد في الدروس
والمهذب والصيمري وشيخنا في المسالك وجملة ممن تبعه
، بل صريحهم أنّ الأقوال في المسألة ثلاثة:
ثالثها: المعطوف بأو في العبارة خاصّة في مقابل الثاني وهو المعطوف عليه خاصّة. وربما ينسب إلى فخر الدين جعله هو المعطوف مع المعطوف عليه مردّداً بينهما كما في العبارة، ولم أجده في
الإيضاح.
ولو صحت النسبة كان الفرق بين القولين حينئذ انحصار
الدعوى في مخالف الظاهر على الثاني، وثبوتها بمخالفة الأصل أيضاً على الأوّل.
فظهر فساد توهم اتحادهما؛ لتواردهما على ثبوت الدعوى بمخالفة الظاهر، فلا شهادة في كلام الفخر من هذه الجهة على انحصار الخلاف في القولين، مع أنّه صرح سابقاً بما قدّمنا إليه الإشارة.
وكيف كان، القائل بالأوّل معروف، وهو
الماتن هنا وفي
الشرائع والشهيدان في اللمعتين وغيرهم
، ولعله المشهور. والقائل بغيره مطلقا غير معروف، وإنّما ذكره
الأصحاب قولاً، ولم يسمّوا له قائلاً، ومع ذلك لم يختاروا عدا ما ذكرنا من الأقوال شيئاً، ولم يذكروا لشيءٍ منها دليلاً.
والتحقيق في مثله يقتضي الرجوع إلى العرف واللغة؛ لأنّهما المحكّمان فيما لم يرد به نص في
الشريعة.
فنقول: الدعوى لغة الطلب، كما صرح به جماعة، كفخر الدين في الإيضاح وشارحي الكتاب في المهذب والتنقيح
، ولعل القول الأوّل أنسب به، وإن كان أعم منه، ولعل
العرف يساعده أيضاً، بل ربما يساعد الثاني، كما أشار إليه
المقدس الأردبيلي فقال: الحق في معناه الأوّل، وقريب منه الثاني؛ لأنّه المتبادر عرفاً من المدّعى فيحمل عليه؛ لما تقرّر من أنّه إذا لم يكن للّفظ حقيقة شرعية يحمل على العرفي
. هذا.
وأثر الاختلاف هيّن، إذ لا يختلف موجبه غالباً، كما إذا طالب زيد عمرواً بدين في ذمّته، أو عين في يده فأنكر، فزيد لو سكت ترك، ويخالف قوله الأصل؛ لأصالة براءة ذمّة عمرو من
الدين، وعدم تعلق حق زيد بالعين، قالوا: ويخالف قوله الظاهر من براءة عمرو.
وهو حسن مع قيام أمارات على براءته توجب ظهورها، وإلاّ فظهورها ليس إلاّ من جهة الأصل، ولعله غير الظهور المدّعى هنا فلا يقابل به.
وكيف كان، عمرو منكر على جميع التقادير؛ إذ لا يترك وسكوته، ويوافق الأصل والظاهر على ما قالوه.
وقد يختلف، كما إذا أسلم زوجان قبل الدخول، فقال الزوج: أسلمنا معاً فالنكاح باقٍ، وقالت: مرتّباً فلا نكاح، فهي على الأوّلين مدّعية؛ لأنّها لو تركت الخصومة لتركت، واستمر
النكاح المعلوم وقوعه، والزوج لا يترك لو سكت؛ لزعمها انفساخ النكاح، والأصل بقاؤه، وعبّروا عنه بأصل عدم التعاقب؛ لاستدعائها تقدم أحد الحادثين على الآخَر، والأصل عدمه، وعلى الظاهر الزوج مدّع؛ لبعد التساوق، فعلى الأوّلين يحلف الزوج ويستمرّ النكاح، وعلى الثالث تحلف المرأة ويبطل. وكذا لو ادّعى الزوج
الإنفاق مع اجتماعهما ويساره وديانته، وأنكرته، فمعه الظاهر، ومعها الأصل
.
•
شروط المدعي، ويشترط
التكليف، وان يدعي لنفسه أو لمن له ولاية الدعوى عنه
، وايراد الدعوى بصيغة
الجزم، وكون المدعى به مملوكا
؛ ومن كانت دعواه عينا فله انتزاعها
؛ ولو كان دينا والغريم مقر باذل او مع جحوده عليه حجة لم يستقل المدعي بالانتزاع من دون الحاكم
؛ ولو فات احد الشروط وحصل للغريم في يد المدعي مال كان له
المقاصة، ولو كان من غير جنس الحق
.
وفي سماع الدعوى المجهولة كشيء أو ثوب أو فرس تردّد واختلاف بين الأصحاب، فبين:
مانع عنه،
كالشيخ في
المبسوط، والحلّي في السرائر،
والفاضل في
التحرير،
والشهيد في
الدروس، جازمين به؛ لعدم فائدتها، وهو حكم الحاكم بها لو أجاب المنكر بنعم، بل لا بد من ضبط المثلي بصفاته، والقيمي بقيمته، والأثمان بجنسها ونوعها وقدرها وإن كان البيع وشبهه ينصرف إطلاقه إلى نقد البلد؛ لأنّه إيجاب في الحال وهو غير مختلف، والدعوى إخبار عن الماضي وهو مختلف.
وقائل بأنّ أشبهه الجواز كالماتن هنا، والفاضل في
الإرشاد والقواعد، وفخر الدين في شرحه، وشيخنا في
المسالك والروضة، واختاره من متأخّري المتأخّرين جماعة
؛ لإطلاق الأدلة الدالة على وجوب الحكم من
الكتاب والسنّة، وما ذكر في وجه المنع غير صالح للتقييد والمانعية؛ لإمكان الحكم بالمجهول، فيحبس حتى يبيّنه كالإقرار، ولأنّ المدّعى ربما يعلم حقه بوجه ما خاصّة بأن يعلم أنّ له عنده ثوباً، أو فرساً، ولا يعلم شخصهما، ولا وصفهما، فلو لم تسمع دعواه لبطل حقه، فالمقتضي له موجود والمانع مفقود.
ولأنّه تسمع دعوى الوصيّة بالمجهول، والإقرار به، ويستفسره الحاكم، بلا خلاف، كما في الإيضاح والمسالك
وشرح الشرائع للصيمري والكفاية، بل إجماعاً كما في
التنقيح، فكذا يصح الدعوى ويستفسره الحاكم، وإلاّ لزم الحرج والضرر، مع عدم تعقل فرق بين
الإقرار والدعوى إلاّ من حيث إنّ المقرّ لو طولب بالتفصيل خيف من رجوعه، والمدّعي لا يرجع؛ لوجود داعي الحاجة فيه دونه، وهو غير كاف في ذلك؛ لما ذكرنا.
وهذا أقوى، وعليه فيلزم الخصم ببيان الحق المقرّ به، أو المثبت عليه بالبيّنة، ويقبل تفسيره بمسمّى
الدعوى، ويحلف على نفي الزائد، أو عدم العلم به إن ادّعي عليه أحدهما. ومنه يظهر أيضاً ضعف ما مرّ في وجه المنع من دعوى عدم الفائدة في الحكم بالدعوى المجهولة، فإنّ ما ذكرناه فائدة وأيّ فائدة.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۵، ص۱۴۶-۱۶۴.