تقدم الحج على الزواج
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
قد لا يكون للمكلّف إلّا قدر ما يحجّ به، فنازعته نفسه إلى النكاح، فقد صرّح جملة من
الفقهاء بوجوب صرف ماله في الحجّ وتقديمه على
النكاح حينئذٍ،
بل قال بعضهم: وإن شقّ عليه ترك
التزويج .
ولكن ذهب جماعة آخرون إلى التفصيل في المسألة، فإن كان ترك التزويج حرجيّاً عليه أو موجباً لحدوث مرض أو للوقوع في
الزنا ونحوه فلا يجب الحجّ، وإلّا فيجب.
وكيف كان، فللمسألة صور:
ما إذا لم يكن ترك النكاح موجباً للمشقّة ولا حدوث مرض ولا الوقوع في الزنا ونحوه، فإنّه لا شكّ في وجوب صرف المال في الحجّ وترك النكاح حينئذٍ؛ لأنّ الحجّ فرض والنكاح ندب، والفرض مقدّم على الندب.
ما إذا كان ترك النكاح موجباً للمشقّة البالغة حدّ الحرج، فظاهر كلام جماعة من الفقهاء- كما تقدّم- وجوب الحجّ في هذه الصورة أيضاً، بل صريح بعضهم وجوبه وإن كان في ترك النكاح مشقّة عليه، ولكنّ الظاهر أنّ مرادهم هو ما إذا لم تبلغ المشقّة حدّ الحرج، وإلّا فإذا كان الترك موجباً لوقوعه في المشقّة البالغة حدّ الحرج فلا يجب الحجّ، بل يجب صرف المال في النكاح، كما صرّح بذلك جماعة من الفقهاء؛ لجريان
قاعدة نفي العسر والحرج .
نعم، قد يكون ترك التزويج أمراً حرجيّاً ولكن مع ذلك قصد
إبقاء ماله وترك التزويج، فيجب عليه الخروج إلى الحجّ حينئذٍ؛ لأنّ وجوب الحجّ لا يكون موجباً للحرج، بل يكون الحرج من أجل
اختيار ترك التزويج.
ما إذا كان ترك
الزواج موجباً لحدوث مرض، فصرّح بعض- كما تقدّم- بعدم وجوب الحجّ حينئذٍ. واستدلّ عليه بعض الفقهاء بقاعدة نفي الضرر والحرج،
كما استدلّ بعض آخر بأنّ
الإضرار بالنفس حرام، ودليل حرمته كسائر أدلّة الواجبات والمحرّمات رافع لموضوع
الاستطاعة ، فيرتفع الموضوع.
واورد عليه بأنّ المرض إن كان جزئيّاً فلا نسلّم حرمة
إيقاع النفس فيه، لا سيّما إذا كان لغرض عقلائي، وأمّا المرض الخطير فإن بلغ حدّ الحرج كان داخلًا في دليل نفي الحرج، وإن لم يبلغ هذا الحدّ ولكن يكون تحمّله
إجحافاً به فلا يجب الحجّ؛ لصحيح المحاربيّ، وإلّا فمع حرمة إيقاع النفس في ذلك المرض، فلا بدّ من ملاحظة
أهمّية وجوب الحجّ وأهمّية إيقاع النفس في ذلك المرض، فمع
إحراز أهمّية أحدهما يقدّم، ومع عدم إحراز الأهمّية يكون مورداً للتخيير.
ما لو علم أنّه لو ترك النكاح لوقع في الزنا اختياراً، فذهب بعض الفقهاء إلى سقوط وجوب الحجّ ولزوم النكاح حينئذٍ،
بل ذهب بعض آخر إلى أنّ ترك النكاح لو كان موجباً للخوف من الوقوع في الحرام لجاز صرف المال في النكاح.
ولكن ذهب جملة من الفقهاء إلى وجوب الحجّ وعدم لزوم صرف المال في النكاح.
استدلّ
السيّد الخوئي وغيره على ذلك بأنّ مجرّد العلم بالوقوع في الزنا ليس مجوّزاً لترك الحجّ؛ لعدم استناده إلى الحجّ وإنّما يرتكبه بسوء اختياره، واللازم عليه تركه، ولا ينافي ذلك كونه مكلّفاً بإتيان الحجّ. وبعبارة اخرى: يلزم عليه أمران: ترك الزنا والحجّ، ومجرّد العلم
بإتيان الزنا اختياراً لا يوجب سقوط الحجّ، بل يجب عليه الحجّ كما يحرم عليه الزنا. ونظير المقام ما لو علم الحاجّ أنّه لو صرف ماله في طريق الحجّ لسرق من أموال المسلمين ليتدارك ما صرفه من أمواله، ولا يتوهّم أحد سقوط الحجّ في مثل ذلك. وبالجملة: العلم
بارتكاب المحرّم اختياراً لا يوجب سقوط الحجّ.
وقيل: إنّ سقوط الحجّ وتقديم النكاح في المقام إنّما هو مبنيّ على القول بأنّ أدلّة الواجبات والمحرّمات رافعة لموضوع الاستطاعة.
ولكن اورد عليه بأنّ رافعيّتها إنّما تكون فيما لو وقعت المزاحمة بين دليل وجوب الحجّ ودليل الحرمة كما لو توقّف الحجّ على مقدّمة محرّمة، وأمّا مع عدم المزاحمة و
إمكان متابعة الدليلين- والمكلّف إنّما يقع في الحرام بسوء اختياره- فلا يكون دليل الحرمة رافعاً لموضوع الاستطاعة، والمقام من هذا القبيل. وعليه فإذا لم يكن ترك النكاح وعدم الزنا حرجيّاً ولا موجباً لحدوث مرض يجب الحجّ وإن علم بأنّه يقع في الزنا باختياره لو ترك النكاح.
ثمّ إنّه لو كانت له زوجة دائمة ونفقتها مانعة عن الاستطاعة ولم يكن له حاجة فيها لا يجب طلاقها وصرف نفقتها في الحجّ؛ لأنّ ذلك تحصيل للاستطاعة وهو غير واجب.
الموسوعة الفقهية، ج۱۱، ص۴۳۸-۴۴۱.