تقسيط الدية على العاقلة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وأما كيفية التقسيط: فقد تردد فيه
الشيخ، والوجه وقوفه على رأي
الإمام أو من نصبه للحكومة بحسب ما يراه من أحوال
العاقلة؛ ويبدأ بالتقسيط على الأقرب فالأقرب، ويؤجلها عليهم على ما سلف.
وأمّا كيفية التقسيط فقد تردّد فيه
الشيخ فقال في موضع من
المبسوط والخلاف: على الغني عشرة قراريط نصف دينار، وعلى الفقير خمسة قراريط ربعه
. وتبعه
القاضي في
المهذّب والفاضل في
الإرشاد والقواعد.
ولكن اختلف عباراتهم، فالفاضل أطلق كما ذكرنا، ولم يبيّن أنّ المقدارين أكثر ما يلزمهما، أو أنّهما لازمان عليهما لا أقلّ منهما.
والقاضي فسّره بالأوّل.
والشيخ بالثاني، قال: للإجماع على لزومهما، ولا أكثر؛ للأصل، مع عدم دليل.
وفيه نظر؛ لضعف
الأصل بما مرّ مراراً من معارضته بالمثل؛ لأنّ دفع الأكثر من النصف عن الغني، ومن الربع عن الفقير بالأصل، يوجب اشتغال ذمّة آخر به، وهو أيضاً مدفوع بالأصل.
وعدم الدليل عليه ممنوع، كيف لا؟!
والنص والفتوى بلزوم الدية على العاقلة مطلقان يشملانه، حتى لو كان العاقلة من ذوي القرابة واحداً تعيّن عليه الدية بتمامها مع قدرته عليها كذلك، ومع العدم تعيّن عليه ما قدر، ويكون الزائد على مقدوره واجباً على من بعده من مراتب العاقلة ودرجاتها؛ لأنّ عجزه عنه يصيّره كالعدم إجماعاً، فيكون الجاني بالنسبة إلى هذه الزيادة كمن لا عاقلة له من القرابة، وهكذا الكلام بالنسبة إلى المرتبة الثانية من
العاقلة يجب عليها المقدور من الزيادة، وما لا يقدر عليه منها يجب على من بعده من العاقلة، وهكذا.
وعلى هذا فالوجه وقوفه أي التقسيط على رأي
الإمام أو من نصبه للحكومة ولو عموماً، فيدخل فيه
المجتهد الجامع لشرائط الفتوى بحسب ما يراه من أحوال العاقلة في الغنى والحاجة، فيدفع الدية عن الفقير الذي لا قدرة له بالكليّة ويوجبها على الغني والفقير المتوسط بحسب مقدورهما وما يقتضيه المصلحة، بحيث لا يستلزم إضراراً ولا إجحافاً بهما بالكلية، وإن زادت
الدية عنهما بعد ذلك فضّها على المرتبة الثانية.
واختار هذا في موضع آخر من المبسوط والخلاف
، وتبعه
الحلّي وجماعة من المتأخّرين
، ولعلّه المشهور بينهم.
ويبدأ بالتقسيط على الأقرب من العاقلة إلى الجاني رتبةً ودرجةً فالأقرب فيأخذ من أقرب الطبقات أوّلاً، فإن لم يكن أو لم يحتمل تخطّى إلى البعيد ثم الأبعد، وهكذا ينتقل مع الحاجة إلى المولى، ثم إلى عصبته، ثم إلى مولى المولى، ثم إلى ما فوق، ثم إلى الإمام (علیهالسّلام).
ويحتمل بسطها على العاقلة أجمع من غير اختصاص بالقريب؛ لعموم الأدلّة بوجوبها على العاقلة.
ولكنّ الأوّل أظهر وفاقاً للأكثر؛ لعموم «وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ»
ولا قائل بالفرق.
مضافاً إلى ما مرّ من إشعار النصوص والفتاوي بل ظهورهما في كون العقل
كالإرث يترتّب كترتّبه، ويلزم حيث يثبت، ومنها
المرسل المتقدم المتضمّن لقوله (علیهالسّلام): «إنّ الدية على ورثته» فتأمّل.
ويؤيّده النصوص المتقدمة فيمن قتل وهرب فمات أنّه تؤخذ الدية من الأقرب إليه فالأقرب.
خلافاً للمحكي عن المبسوط
والجامع، فقالا بالاحتمال المتقدم.
ويؤجّلها أي الدية الإمام أو من نصبه عليهم أي على العاقلة ثلاث سنين على ما سلف بيانه ونقل الدليل عليه في أوائل كتاب
الديات.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۶، ص۵۸۲-۵۸۴.