العاقلة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
في بيان العاقلة التي تحمل
دية الخطأ، والنظر هنا يقع في أُمور ثلاثة المحل، وكيفية التقسيط أي توزيع الدية وتقسيمها عليهم واللواحق.
أمّا المحلّ فهو العصبة، والمعتق، وضامن الجريرة،
والإمام (علیهالسّلام) مرتّبين كترتيبهم في الإرث على تفصيل يأتي إليه الإشارة.
•
العصبة العاقلة، والعصبة: من تقرب إلى
الميت بالأبوين أو
بالأب كالإخوة وأولادهم، والعمومة وأولادهم، والأجداد وإن علوا
، وقيل: هم الذين يرثون دية القاتل لو قتل
، والأول أظهر؛ ومن
الأصحاب من شرك بين من يتقرب
بالأم من يتقرب بالأب والأم أو بالأب
، وهو استناد إلى رواية
سلمة بن كهيل، وفيه ضعف؛ ويدخل الآباء والأولاد في العقل على الأشبه
، ولا يشركهم القاتل؛ ولا تعقل المرأة ولا الصبي ولا المجنون وإن ورثوا من
الدية؛ وتحمل العاقلة دية الموضحة فما فوقها اتفاقا
، وفيما دون الموضحة قولان
، المروي: أنها لا تحمله
، غير أن في
الرواية ضعفا
.
وإذا لم يكن للجاني عاقلة من قومه ضمن المعتق جنايته إن كان، وإلاّ فعصباته، ثمّ معتق المعتق، ثمّ عصباته، ثم معتق أبي المعتق، ثم عصباته، كترتيب
الميراث، ومع عدمهم أجمع فعلى ضامن جريرته إن كان.
وحيث لا ضامن جريرة له أيضاً ضمن
الإمام جنايته بلا خلاف في شيء من ذلك أجده في الجملة، ولكن استفادتها كما هي من النصوص مشكلة.
نعم النصوص مستفيضة بضمان ضامن الجريرة العقل وكذا الإمام مع فقده، ففي الصحيح: «من لجأ إلى قوم فأقرّوا بولايته كان لهم ميراثه، وعليهم معقلته»
.
وبمعناه الصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة المروية في باب ميراث ضامن الجريرة، وفيها: «إذا ولي الرجل الرجل فله ميراثه، وعليه معقلته»
.
وفيها إشعار بتلازم الإرث وضمان العقل، وقد تقدّم في المواريث ثبوت إرث المعتق وضامن الجريرة والإمام مترتّبين، فيعقلون كذلك.
وفي الصحيح: «من مات وليس له وارث من قرابته، ولا مولى عتاقه قد ضمن جريرته فماله من
الأنفال»
وهو كالنص في ضمان المعتق الجريرة والعقل.
وفي الصحيح: «السائبة التي لا ولاء لأحد عليها إلاّ الله تعالى، فما كان ولاؤه لله سبحانه فهو
لرسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم)، وما كان لرسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) فإنّ ولاءه للإمام (علیهالسّلام)، وجنايته على الإمام، وميراثه له»
إلى غير ذلك من النصوص الدالّة على أنّ ميراث من لا وارث له للإمام (علیهالسّلام)، ومعقلته عليه
، هذا.
وفي المرسل: الرجل إذا قتل رجلاً خطأً فمات قبل أن يخرج إلى أولياء المقتول من الدية «إنّ الدية على ورثته، فإن لم يكن له عاقلة فعلى الوالي من بيت المال»
.
وهو صريح في ضمان الأشخاص الثلاثة الدية حيث يستحقون الإرث، وهو وإن شمل العاقلة الأُنثى من القرابة مثلاً، لكنّه مقيّد بغيرها من الذكران؛ لما مضى، فيبقى الباقي تحته مندرجاً، والعام المخصّص حجة في الباقي، كما حقّق في محلّه مستقصى.
وفيه إشعار بلزوم الدية في مال الجاني أوّلاً، ومع عدمه فعلى عاقلته، وبه صرّح جماعة
، لكن بالنسبة إلى ضمان الإمام خاصّة، فقالوا: إنّ ضمانه مؤخّر عن ضمان الجاني، ومنهم
ابن زهرة مدّعياً عليه إجماع
الإمامية، وهو الحجة.
مضافاً إلى المرسلة، والقاعدة المتقدّم إليها قريباً الإشارة، وبه صرّح جملة من النصوص في جناية الأعمى: «أنّها خطأ ويلزم عاقلته يؤخذون بها في ثلاث سنين في كلّ سنة نجماً، فإن لم يكن للأعمى عاقلة لزمته دية ما جنى في ماله تؤخذ بها في ثلاث سنين» كما في الصحيح
.
وفي الموثق: «إنّ عمد الأعمى مثل الخطأ فيه الدية في ماله، فإن لم يكن له مال فإنّ دية ذلك على الإمام»
.
خلافاً لآخرين، فقالوا: ضمان الإمام مقدّم على ضمان الجاني، ومنهم الحلّي مدّعياً عليه أيضاً
الإجماع، وهو الحجّة.
مضافاً إلى
إطلاق الأدلّة بكون الإمام ضامن جريرة مع فقد العاقلة.
ويمكن تقييده بما مرّ، إلاّ أن يجاب عنه بضعف المرسل منه سنداً ومتناً؛ لاشتماله زيادةً على ما تقدّم على تقديم ضمانه على ضمان مطلق العاقلة حتى غير الإمام، وظاهر الأصحاب كالروايتين الواردتين في الأعمى اللتين هما أحد تلك الأدلّة خلافه.
والإجماع المنقول معارض بالمثل.
وروايتا الأعمى بعد الإغماض عن احتياج إطلاقهما إلى تقييد ما تضمّنتا كون جنايته خطأ مطلقاً، ولم يرتضه المتأخّرون كما مضى.
والأصل يخرج عنه بالإطلاقات.
وظاهر العبارة كغيرها وصريح جماعة
كون الدية على الإمام في ماله. خلافاً لآخرين
، ففي بيت مال المسلمين.
ومنشأ الاختلاف اختلاف النصوص، ففي جملة منها على الإمام، وفي اخرى على بيت المال، والمسألة كسابقتها محل إشكال، وللتوقف فيهما مجال.
وجناية
الذمّي في ماله مطلقا وإن كانت خطأً، فإن لم يكن له مال فعاقلته الإمام (علیهالسّلام) قالوا: لأنّه يؤدّي إليه جزيته كما يؤدّي المملوك إلى مولاه ضريبته فكان بمنزلته وإن خالفه في كون مولى العبد لا يعقل جنايته؛ لأنّه ليس مملوكاً محضاً.
والأولى الاستدلال عليه بعد الإجماع الظاهر المستظهر من بعض العبائر بالصحيح: «ليس بين أهل الذمة معاقلة، فما يكون من قتل أو جراحة إنّما تؤخذ ذلك من أموالهم، فإن لم يكن له مال رجعت إلى إمام المسلمين؛ لأنّهم يؤدّون إليه
الجزية كما يؤدّي العبد الضريبة إلى سيّده» قال: «وهم مماليك الإمام، فمن أسلم منهم فهو حرّ»
.
•
تقسيط الدية على العاقلة، وأما كيفية التقسيط: فقد تردد فيه
الشيخ، والوجه وقوفه على رأي الإمام أو من نصبه للحكومة بحسب ما يراه من أحوال
العاقلة؛ ويبدأ بالتقسيط على الأقرب فالأقرب
، ويؤجلها عليهم على ما سلف.
•
دية قتل الأب ولده، لو قتل
الأب ولده عمدا دفعت
الدية منه إلى
الوارث، ولا نصيب للأب منها؛ ولو لم يكن وارث فهي
للإمام؛ ولو قتله خطأ فالدية على
العاقلة ويرثها الوارث؛ وفي توريث الأب قولان، أشبههما: أنه لا يرث ولو لم يكن وارث سوى العاقلة فإن قلنا: الأب لا يرث فلا دية، وإن قلنا: يرث ففي أخذه الدية من العاقلة تردد.
•
نفي الدية عن العاقلة، لا تعقل العاقلة عمدا ولا
إقرارا ولا
صلحا؛ ولا جناية للإنسان بالجناية على نفسه
؛ ولا يعقل المولى عبدا كان أو مدبرا أو أم ولد على الأظهر
؛ لا تعقل العاقلة بهيمة ولا إتلاف مال، ويختص
ضمانها بالجناية على الآدمي حسب.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۶، ص۵۶۸-۵۹۰. الفئات في هذه الصفحة :
الدية