تَضَرُّع (لغاتالقرآن)
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
تَضَرُّع: (لَعَلَّهُمْ یَتَضَرَّعُونَ) «التضرّع» مأخوذ من
(الضرع) و هو الثدي، و الفعل تضرع يطلق على من يتحلب اللبن بأصابعه، ثمّ توسع في هذا الاستعمال فأطلق على إظهار
الخضوع و
التواضع.
و قد قدم المفسرون للقرآن الكريم تفاسير مختلفة لأيضاح معني
«تَضَرُّع» نذكر أهمها في ما يلي:
(وَ لَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَ الضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) قال
العلامة الطباطبائي في
تفسير الميزان: و الضراعة هي المذلة و التضرع التذلل و المراد به التذلل إلى
الله سبحانه لكشف ما نزل عليهم من نوازل الشدة و الرزية.
قال
الطبرسي في
تفسير مجمع البيان:
(لعلهم يتضرعون) و معناه: لكي يتضرعوا. و قال
الزجاج:
(لعل) ترج و هذا الترجي للعباد، المعنى: فأخذناهم بذلك، ليكون ما يرجوه العباد منهم من التضرع، كما قال في قصة فرعون:
(لعله يتذكر أو يخشى) قال
سيبويه: المعنى إذهبا أنتما على رجائكما، فالله عالم بما يكون من وراء. ذلك، أخبر الله تعالى أنه أرسل الرسل إلى أقوام بلغوا من القسوة إلى أن أخذوا بالشدة في أنفسهم و أموالهم، ليخضعوا و يذلوا لأمر
الله، فلم يخضعوا و لم يتضرعوا و هذا كالتسلية
النبي (صلىاللهعليهوآله).
(قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَ خُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) قال العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان: و التضرع إظهار الضراعة و هو الذل و الخضوع على ما ذكره
الراغب، و لذلك قوبل بالخفية و هو الخفاء و الاستتار فالتضرع و الخفية في الدعاء هما الإعلان و الإسرار فيه، و
الإنسان إذا نزلت به المصيبة يبتدئ فيدعو للنجاة بالإسرار و
المناجاة ثم إذا اشتدت به ولاح بعض آثار اليأس و الانقطاع من الأسباب لا يبالي بمن حوله ممن يطلع على ذلته و استكانته فيدعو بالتضرع و المناداة ففي ذكر التضرع و الخفية إشارة إلى أنه تعالى هو المنجي من مصائب البر و البحر شديدتها و يسيرتها.
قال الطبرسي في تفسير مجمع البيان:
(تضرعا ورخفية) أي: علانية و سرا، عن
ابن عباس، و
الحسن. و قيل: معناه تدعونه
مخلصين متضرعين تضرعا بألسنتكم، و خفية في أنفسكم، و هذا أظهر.
(ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَ خُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) قال العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان: التضرع هو التذلل من الضراعة و هي الضعف و الذلة. و الخفية هي الاستتار و ليس من البعيد أن يكون كناية عن التذلل جيء به لتأكيد التضرع فإن المتذلل يكاد يختفي من الصغار و الهوان.
قال الطبرسي في تفسير مجمع البيان:
(ادعوا ربكم تضرعا و خفية) أي: تخشعا و سرا. عن
الحسن قال: بين دعوة السر و دعوة العلانية سبعون ضعفا، ثم قال: إن كان الرجل لقد جمع
القرآن، و ما يشعر به جاره، و إن كان الرجل لقد فقه الفقه الكثير، و ما يشعر به الناس، و إن كان الرجل ليصلي
الصلاة الكثيرة في بيته، و عنده الزور. فلا يشعرون به، و لقد تداركنا أقواما ما كان على الأرض من عمل يقدرون أن يعملوه في السر، فيكون علانية أبدا، و لقد كان
المسلمون يجتهدون في
الدعاء، و ما يسمع لهم صوت إن كان إلا همسا بينهم و بين ربهم.و روي أن النبي (صلىاللهعليهوآله)، كان في
غزاة، فأشرفوا على واد، فجعل الناس يهللون و يكبرون و يرفعون أصواتهم، فقال (صلىاللهعليهوآله): (
«يا أيها الناس! أربعوا على أنفسكم، أما إنكم لا تدعون الأصم، و لا غائبا، إنكم تدعون سميعا قريبا، إنه معكم». و قيل: إن التضرع: رفع الصوت. و الخفية: السر، أي: ادعوه علانية و سرا، عن
أبي مسلم، و رواه
علي بن إبراهيم في تفسيره.
(وَ اذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَ خِيفَةً وَ دُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَ الآصَالِ وَ لاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ) قال العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان: و التضرع من الضراعة و هو التملق بنوع من الخشوع و الخضوع، و الخيفة بناء نوع من
الخوف، و المراد به نوع من الخوف يناسب ساحة قدسه تعالى ففي التضرع معنى الميل إلى المتضرع إليه و الرغبة فيه و التقرب منه، و في الخيفة معنى اتقائه و الرهبة و التبعد عنه، فمقتضى توصيف الذكر بكونه عن تضرع و خيفة أن يكون بحركة باطنية إليه و منه كالذي يحب شيئا و يهابه فيدنو منه لحبه و يتبعد عنه لمهابته، و الله سبحانه و إن كان محض
الخير لا شر فيه ، و إنما الشر الذي يمسنا هو من قبلنا لكنه تعالى ذو الجلال والإكرام له
أسماء الجمال التي تدعوا إليه و تجذب نحوه كل شيء و له
أسماء الجلال التي تقهر و تدفع عنه كل شيء فحق ذكره و هو الله له
الأسماء الحسنى كلها أن يكون على ما يقتضيه مجموع أسمائه الجمالية و الجلالية، و هو أن يذكر تعالى تضرعا و خيفة، و رغبا و رهبا.
قال الطبرسي في تفسير مجمع البيان:
(تضرعا و خيفة) يعني بتضرع و خوف، يعني: في الدعاء، فإن الدعاء بالتضرع و الخوف من الله تعالى، أقرب إلى الإجابة، و إنما خص الذكر بالنفس لأنه أبعد من
الرياء، عن
الجبائي.
(وَ لَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَ مَا يَتَضَرَّعُونَ) قال العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان: و قوله:
(وَ لَوْ رَحِمْناهُمْ) بيان و تأييد لنكوبهم عن الصراط بأنا لو رحمناهم و كشفنا ما بهم من ضر لم يرجعوا بمقابلة ذلك
الشكر بل أصروا على تمردهم عن
الحق و تمادوا يترددون في طغيانهم فلا ينفعهم رحمة بكشف الضر كما لا ينفعهم تخويف بعذاب و نقمة فإنا قد أخذناهم بالعذاب فما خضعوا لربهم و ما يتضرعون إليه فهؤلاء لا ينفعهم و لا يركبهم صراط الحق لا رحمة بكشف الضر و لا نقمة و تخويف بالأخذ بالعذاب. و المراد بالعذاب العذاب الخفيف الذي لا ينقطع به الإنسان عن عامة الأسباب بقرينة ما في الآية التالية فلا يرد أن الرجوع إلى الله تعالى عند الاضطرار و الانقطاع عن الأسباب من غريزيات الإنسان كما تكرر ذكره في القرآن الكريم فكيف يمكن أن يأخذهم العذاب ثم لا يستكينوا و لا يتضرعوا؟.
قال الطبرسي في تفسير مجمع البيان:
(و ما يتضرعون)أي: و ما يرغبون إلى الله في الدعاء. و قال
أبو عبدالله عليهالسلام: الاستكانة الدعاء. و التضرع: رفع اليد في الصلاة.
• فريق البحث ويكي الفقه القسم العربي.