شروط المقر بالسرقة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ويشترط في المقر بالسرقة:
التكليف،
والحرية،
والاختيار؛ ولو أقر بالضرب لم يقطع؛ نعم لو رد
السرقة بعينها قطع؛ وقيل: لا يقطع لتطرق الاحتمال وهو أشبه؛ ولو أقر مرتين تحتم ولو أنكر.
ويشترط في المُقِرّ:
التكليف بالبلوغ
والعقل والحرية،
والاختيار بلا خلاف، كما في سائر الأقارير.
بل على اعتبار الحرّية هنا بالخصوص
الإجماع عن
الخلاف؛ وهو الحجّة فيه.
مضافاً إلى أنّ إقرار العبد إقرارٌ في حقّ الغير، وهو المولى، فلا يكون مسموعاً.
ولخصوص
الصحيح: «إذا أقرّ العبد على نفسه بالسرقة لم يقطع، وإذا شهد عليه شاهدان قُطِعَ»
.
وبهذه الأدلة يخصّ عموم الصحيح: «من أقرّ على نفسه عند
الإمام بحقّ حدّ من
حدود الله تعالى مرّةً واحدةً، حرّا كان أو عبداً، حرّةً كانت أو أمةً، فعلى الإمام أن يقيم عليه الحدّ الذي أقرّ به على نفسه كائناً من كان، إلاّ الزاني المحصن»
.
مع منافاته
الإجماع على اعتبار المرّتين في سائر الحدود، وموافقته
التقيّة كما عرفته، فيحتمل الحمل عليها.
وبه يجاب عن الصحيح الآخر الذي لا يحتمل التخصيص: «العبد إذا أقرّ على نفسه عند الإمام مرّة أنّه سرق قطعه، وإذا أقرّت الأمة على نفسها عند الإمام بالسرقة قطعها»
.
والشيخ حمله على أنّه إذا انضاف إلى الإقرار
الشهادة عليه بالسرقة
.
وربما حُمِلَ على محامل أُخر منها: أن يكون فاعل «قطعه» و «قطعها» مَن جرى اسمه من العامّة في مجلسه، ويكون المعنى: أنّه يذهب إلى قطع
المملوك بإقراره
.
ومنها: أنّ المراد بالعبد والأمة: عبد الله تعالى وأمته
.
ومنها: أنّ المراد إذا انضاف إليه إقرار المولى.
وفي الجميع بُعدٌ وإن أفتى بالأخير جماعة
؛ قيل: لأنّ الحقّ لا يعدوهما، ويحتمل العدم؛ بناءً على أنّه لا عبرة بإقرار
العبد أصلاً
.
وفيه نظر؛ فإن عدم العبرة به إنّما هو لحقّ سيّده، فإذا صدّقه فكأنّه أسقطه، وكان كما إذا قام البيّنة عليه.
ثم إنّ عدم قبول إقراره إنّما هو بالإضافة إلى قطعه خاصّة، وأمّا بالإضافة إلى الغرامة فيقبل، ويتبع بالسرقة بعد الحرّية، بلا خلاف أجده، وبه صرّح بعض الأجلّة
؛ للعموم، مع انتفاء المعارض بالكلّية.
وهل يقطع حينئذ؟ وجهان: من ارتفاع المانع، ومن اندرائه ابتداءً، فيستصحب. ولعلّ هذا أقرب؛
للشبهة الدارئة.
ويتفرّع على اشتراط الاختيار:
أنّه لو أقرّ بالسرقة لالضرب، لم يجز أن يقطع للأصل، والنصوص:
منها زيادةً على ما يأتي الخبر: «من أقرّ عند تجريد أو تخويف أو
حبس أو تهديد فلا حدّ عليه»
.
وفي آخر: «إنّ
عليّاً (علیهالسّلام) كان يقول: لا قطع على أحد يخوّف من ضرب ولا قيد ولا
سجن ولا تعنيف، إلاّ أن يعترف، فإن اعترف قطع، وإن لم يعترف سقط عنه؛ لمكان التخويف»
وظاهرٌ أنّ المراد من الاعتراف فيه: ما وقع منه طوعاً لا خوفاً، فيكون
الاستثناء منقطعاً، فتأمّل.
نعم، لو ردّ
السرقة بعينها بعد الإقرار قطع وفاقاً
للنهاية وجماعة ممّن تبعه
.
للصحيح: عن رجل سرق سرقة فكابر عنها فضرب، فجاء بها بعينها، هل يجب عليه القطع؟ قال: «نعم، ولكن لو اعترف ولم يجيء بالسرقة لم تقطع يده؛ لأنّه اعترف على
العذاب»
.
ولأنّ ردّها قرينة على السرقة، كما يكون القيء على الشرب قرينة.
وفيهما نظر؛ لعدم دلالة الخبر على وقوع الضرب على
الإقرار، بل ظاهر السؤال أنّه علم سرقته ببيّنة أو إقرار، وإنّما ضرب على ردّ المال.
ومنع دلالة الردّ على السرقة؛ لأنّه أعمّ منها بلا شبهة، كما أنّ القيء أعمّ من الشرب أيضاً. والقول بدلالته عليه على تقدير تسليمه إنّما هو للرواية، لا لوضوح الدلالة؛ لما عرفت ما فيه من المناقشة، فقياسه عليه مع ضعفه مع الفارق، فلا يصلح
حجّة.
ولذا قيل كما عن
الحلّي: إنّه لا يقطع؛ لتطرّق الاحتمال بكونه عنده بالابتياع أو بالإيداع وهو أشبه بأُصول المذهب ودرء الشبهة للحدّ، مع سلامتها كما عرفت عن المعارض، وإليه ذهب أكثر المتأخّرين، ومنهم:
فخر المحقّقين، وقد أجاب عن الصحيح بعدم دلالته على الإقرار مرّتين ولا مرّة
.
واعترضه بعض الأفاضل بأنّه إذا حكم (علیهالسّلام) بقطعه مع عدم الإقرار بالسرقة بمجرّد إحضار
المسروق، فمع الإقرار مرّتين وإحضاره أولى
.
وهو حسن إن قالوا بالأصل، وإلاّ كما هو الظاهر من جملة من العبائر المحررة لمحلّ النزاع فلا؛ إذ إلحاق الفرع بالأصل فرع قبوله لا من دونه، وبناء الفخر على ذلك في الاعتراض.
ومنه يظهر جواب آخر عن الصحيح، بل وعن التعليل؛ فإنّ مقتضاه سيّما بمعونة ما فيه من (التشبيه) قطعه بمجرّد الردّ ولو من دون إقرار، وقد عرفت خروجه عن محلّ النزاع، وإنّه لا قائل به من
الأصحاب. إلاّ أن يقال بمنع دلالة الردّ على السرقة مجرّداً عن الإقرار، وقياسه على القيء إنّما هو بمعونته وبعد ضمّه إليه لا على الإطلاق.
ولو أقرّ مرّتين تحتّم القطع ولا يجوز العفو عنه ولو أنكر ورجع عنه، وفاقاً
للمبسوط والحلّي، وعليه
الفاضلان في
الشرائع والقواعد والإرشاد والشهيدان في
اللمعتين، وربما نسب إلى الأكثر
. وفيه نظر؛ لما سيظهر.
لاستصحاب بقاء التحتّم، وعموم ما دلّ على أخذ العقلاء بإقرارهم، وللصحيح
وغيره
: «إذا أقرّ الرجل على نفسه أنّه سرق ثم جحد فاقطعه وإن رغم أنفه».
خلافاً للنهاية
والقاضي والتقي وابن زهرة والفاضل في
المختلف، فيسقط عنه القطع، ولعلّه بين القدماء أشهر، فقد ادّعى عليه في
الغنية إجماع
الإماميّة، وبه صريح مرسلة جميل السابقة: «لا يقطع
السارق حتى يقرّ بالسرقة مرّتين، فإن رجع ضمن السرقة ولم يقطع إذا لم يكن شهود».
وللخلاف وموضع آخر من النهاية
، فللإمام
الخيار بين قطعه والعفو عنه، مدّعياً عليه في الأول
الإجماع.
ويدلّ عليه بعده الخبر: «جاء رجل إلى
أمير المؤمنين (علیهالسّلام)، فأقرّ عنده بالسرقة، فقال: أتقرأ شيئاً من
القرآن؟ قال: نعم،
سورة البقرة، قال: قد وهبت يدك لسورة البقرة، فقال الأشعث: أتعطّل حدّا من حدود الله تعالى؟ قال: وما يدريك ما هذا، إذا قامت
البيّنة فليس للإمام أن يعفو عنه، وإذا أقرّ الرجل على نفسه فذاك إلى الإمام، فإن شاء عفا، وإن شاء قطع»
وقريب منه آخر
.
والإجماع موهون بعدم قائل به سواه.
والخبران بعد الإغماض عمّا في سندهما ليس فيهما التخيير بعد الرجوع، بل ظاهرهما ثبوته للإمام مطلقا ولو لم يرجع، ولا قائل به، إلاّ أن يقيّدا بصورة الرجوع بالإجماع.
والمسألة محل تردّد كما هو ظاهر
التحرير وغيره
، فللتوقف فيها مجال، ولكن مقتضاه المصير إلى القول الثاني؛ لبناء
الحدود على التخفيف، واندرائها بالشبهات.
وظاهر الأصحاب عدم الفرق هنا بين الرجوع
والتوبة، فمن أسقط القطع حتماً أو تخييراً في الأوّل أسقطه في الثاني كذلك، ومن قال بالعدم قال به في المقامين.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۶، ص۱۲۴-۱۳۰.