ضمان الطبيب للدية
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
أنّ الطبيب يضمن في ماله من بل مطلق ما يتلف بعلاجه؛ ولو أبرأه المريض أو الولي، فالوجه: الصحة، لا مساس الضرورة إلى العلاج: ويؤيده
رواية السكوني عن
أبي عبدالله (علیهالسّلام)؛ وقيل: لا يصح، لأنه ابراء مما لم يجب. وكذا البحث في البيطار.
اعلم أنّ الطبيب يضمن في ماله من بل مطلق ما يتلف بعلاجه ولو طرفاً؛ لحصول التلف المستند إلى فعله، ولا يطلّ دم امرئ
مسلم؛ ولأنّه قاصد إلى الفعل مخطئ في
القصد، فكان فعله شبيه عمد وإن احتاط واجتهد وأذن المريض أو وليّه، وكان حاذقاً ماهراً في فنّه علماً وعملاً؛ لأنّ ذلك لا دخل له في عدم
الضمان هنا، لتحقق الضمان مع الخطأ المحض فهنا أولى وإن اختلف الضامن.
وهذا الحكم ممّا لم أجد خلافاً فيه في صورة ما لو كان الطبيب قاصراً في المعرفة، أو عالج من غير إذن من يعتبر إذنه، وبنفي الخلاف هنا صرّح
المقدّس الأردبيلي وفي
التنقيح عليه
الإجماع.
وأمّا إطلاقه حتى في ما لو كان عارفاً وعالج مأذوناً فلا خلاف فيه أجده أيضاً، إلاّ من
الحلّي، حيث قال هنا بعدم الضمان؛ للأصل؛ ولسقوطه بإذنه؛ ولأنّه فعل سائغ شرعاً فلا يستعقب ضمان.
وهو مع شذوذه، بل ودعوى الإجماع على خلافه في كلام جماعة،
كابن زهرة والماتن في
نكت النهاية والشهيد في
نكته كما حكاه عنه في
الروضة مضعّف بأنّ أصالة البراءة ينقطع بدليل شغل الذمّة، وهو ما قد عرفته، والإذن إنّما هو في العلاج لا في الإتلاف، ولا منافاة بين الجواز والضمان كالضارب للتأديب، هذا.
ويعضد المختار المعتبران الآتيان في إفادة البراءة سقوط الضمان، وتضمين
الأمير (علیهالسّلام) قاطع حشفة الغلام.
وقصور
السند أو ضعفه مجبور بالعمل، مع نفي الحلّي بنفسه الخلاف عن صحة الأخير، لكن وجّهه بأنّ المراد أنّه فرّط فقطع غير ما أُريد منه، فإنّ الحشفة غير محل الختان.
ولا جواب لهذا التوجيه إلاّ من حيث الحكم بتعيّنه؛ إذ لا دليل في الخبر عليه، مع احتماله الحمل على غير صورة التفريط، كاحتماله الحمل على صورته.
والأولى في الجواب عنه الاكتفاء بهذا الاحتمال، فإنّه بمجرّده كافٍ في ردّ دلالة الرواية على الحكم في المسألة؛ لكونها قضية في واقعة.
ولو أبرأه المريض المعالج أو الوليّ له من الجناية قبل وقوعها فالوجه الصحة وفاقاً
للشيخ وأتباعه
والحلبي، بل المشهور كما في
المسالك وغيره
لإمساس الضرورة والحاجة إلى مثل ذلك؛ إذ لا غنى عن العلاج وإذا عرف الطبيب أنّه لا مخلص له عن الضمان توقّف عن العمل مع الضرورة إليه، فوجب في الحكمة شرع الإبراء؛ دفعاً للضرورة.
ويؤيده رواية
النوفلي عن
السكوني عن
أبي عبد الله (علیهالسّلام) قال: «قال
أمير (علیهالسّلام): من تطبّب أو تبيطر فليأخذ البراءة من وليّه، وإلاّ فهو ضامن»
وإنّما ذكر الولّي لأنّه هو المطالب على تقدير التلف، فلمّا شرع الإبراء قبل الاستقرار صرف إلى من يتولّى المطالبة.
وقيل والقائل الحلّي
: إنّه لا يصح؛ لأنّه إبراء ممّا لم يجب وأيّده شيخنا
الشهيد الثاني مجيباً عن الأدلّة السابقة، قال: فإنّ الحاجة لا تكفي في شرعية الحكم بمجرّدها مع قيام الأدلّة على خلافه، والخبر سكوني، مع أنّ البراءة حقيقة لا تكون إلاّ بعد ثبوت الحق؛ لأنّها إسقاط ما في الذمّة من الحق، وينبّه عليه أيضاً أخذها من الوليّ؛ إذ لا حقّ له قبل الجناية، وقد لا تصير إليه بتقدير عدم بلوغها
القتل إذا أدّت إلى الأذى
، انتهى.
وما ذكره من الجواب عن الحاجة لم أفهمه، وعن الرواية بالضعف فمجبور على تقديره بالشهرة الظاهرة والمحكية في كلامه، نعم دلالتها ضعيفة بما ذكره، ولعلّه لذا جعلها الماتن مؤيّدة لا حجة.
لكن أجاب عنه بعض الأجلّة فقال: لأنّك تعرف أنّ معنى «تطبّب» أنّه أراد فعله لا أنّه فعله، وهو ظاهر، وقد مرّ وجه إسناده إلى الوليّ وأنّه تنبيه على صحة إبراء المريض إذا كان الحق له بالطريق الأولى، وأنّه لا يحتاج حينئذٍ إلى الأمر به، وهو ظاهر
، انتهى.
وهذا الجواب وإن كان بعيداً لغة، إلاّ أنّه لعلّه يساعده العرف وفهم
الفقهاء، حيث فهموا من
الرواية هذا، لا ما ذكره شيخنا وتفرّد به في الجواب عنها.
وبالجملة: المسألة محل تردّد كما هو ظاهر الفاضلين في
الشرائع والإرشاد والقواعد وغيرهما
.
لكن مقتضى الأصل مع عدم معلومية شمول ما دلّ على الضمان بالجناية شبيه العمد لها بعد الإذن والإبراء عدم الضمان، وإلى هذا الوجه أشار المولى الأردبيلي فقال: وما ثبت
شرعاً أنّ كل إتلاف موجب للضمان
، هذا.
مضافاً إلى مسيس الحاجة، والجواب عنه في كلام شيخنا قد عرفتَ أنه ما عرفتُه.
وأيّده
المقدّس الأردبيلي بـ «المؤمنون عند شروطهم» قال: ومرجع الإبراء عدم المؤاخذة، وعدم ثبوت حق لو حصل الموجب، ولا استبعاد في لزوم الوفاء بمعنى عدم ثبوت حق حينئذٍ، أو أنّه يثبت ويسقط، فلا يكون إسقاطاً لما ليس بثابت، فتأمّل.
وكذا البحث في البيطار في المسألتين، فإنّه طبيب أيضاً لكن في
الحيوان.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۶، ص۳۷۴-۳۷۸.