أقصى الحمل
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهي ابعد مدة للحمل.
وبمعنى الأبعد من قصا المكان، أي بَعُدَ، وأقصاه يعني أبعده.
فعندما يطلق أقصى الحمل فإنّه يراد منه أبعد فترة زمنية لوضع
الحمل ، أي آخر مدّة يمكن أن يظلّ الحمل فيها قبل
الولادة من حينه.
وقد استعمله
الفقهاء في نفس المعنى اللغوي فقالوا: إنّ أقصى مدّة الحمل كذا وكذا.
تعرّض الفقهاء للحديث عن أقصى الحمل في بعض المناسبات، وأهمّها في إلحاق
الولد بالزوج ، حيث شرطوا هنا شروطاً كان منها: أن لا يتجاوز أقصى الحمل،
وكذلك عند حديثهم عن عدّة الحامل.
أنّه تسعة أشهر،
ونسب ذلك إلى المشهور،
بل ادّعي عليه الإجماع.
وقد استدلّ له بجملة من الروايات:
منها: رواية
وهب عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: « قال
أمير المؤمنين عليه السلام: يعيش الولد لستّة أشهر ولسبعة أشهر ولتسعة أشهر، ولا يعيش لثمانية أشهر».
ونوقش فيه بأنّها لا تنفي الأكثر إلّا
بالمفهوم المستفاد من السكوت عن الأكثر، وهو ممنوع.
ومنها: مرسل
عبد الرحمن بن سيابة عن
أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن غاية الحمل بالولد في بطن
امّه ، كم هو؟ فإنّ الناس يقولون: ربّما بقي في بطنها سنتين، فقال: «كذبوا، أقصى مدّة الحمل تسعة أشهر ولا يزيد لحظة، ولو زاد ساعة
لقتل امّه قبل أن يخرج».
ونوقش بضعف السند بالإرسال مع مخالفتها للوجدان.
ومنها: صحيح
ابن الحجّاج ، قال:سمعت
أبا إبراهيم عليه السلام يقول: «إذا
طلّق الرجل امرأته فادّعت حبلًا انتظر بها تسعة أشهر، فإن ولدت وإلّا
اعتدّت بثلاثة أشهر، ثمّ قد بانت منه».
ومنها: خبر
محمّد بن حكيم عن
أبي الحسن عليه السلام قال: قلت له: المرأة الشابّة التي
تحيض مثلها يطلّقها زوجها فيرتفع طمثها، كم عدّتها؟ قال: «ثلاثة أشهر»، قلت: فإنّها ادّعت الحبل بعد ثلاثة أشهر، قال: «عدّتها تسعة أشهر»، قلت: فإنّها ادّعت الحبل بعد تسعة أشهر، قال: «إنّما الحمل تسعة أشهر»، قلت: تزوّج، قال:
«تحتاط بثلاثة أشهر»، قلت: فإنّها ادّعت بعد ثلاثة أشهر، قال: «لا ريبة عليها، تزوّج إن شاءت».
ونوقش الاستدلال بهاتين الروايتين بأنّه حيث ذكر فيهما إضافة ثلاثة أشهر، فلا يمكن الاستدلال بهما على عدم تجاوز أقصى الحمل عن تسعة أشهر وحيث قال
صاحب الجواهر : «بل يمكن إرادة العزم على طلاقها، فادّعت الحمل من قوله عليه السلام: (طلّقها) فأخّر ذلك حتى علم حالها، فطلّقها حينئذٍ واعتدّت بثلاثة أشهر تعبّداً، كما في غيرها من العدد المشروعة للتعبّد وللاحتياط في تعميم ذلك مراعاةً للفروج وللأسرار التي لا يحيط بها إلّامن شرّع ذلك»..
ومنها: رواية
أبي حمزة عن
أبي جعفر عليه السلام: «...
للرحم ثلاثة أقفال: قفل في أعلاها ممّا يلي أعلى السرّة من الجانب الأيمن، والقفل الآخر وسطها، والقفل الآخر أسفل من الرحم، فيوضع بعد تسعة أيّام في القفل الأعلى فيمكث فيه ثلاثة أشهر فعند ذلك يصيب المرأة
خبث النفس والتهوّع، ثمّ ينزل إلى القفل الأوسط فيمكث فيه ثلاثة أشهر» - إلى أن قال: «ثمّ ينزل إلى القفل الأسفل فيمكث فيه ثلاثة أشهر، فذلك تسعة أشهر، ثمّ تطلق المرأة...».
وظاهر هذه الرواية زيادة تسعة أيّام على تسعة أشهر، إلّاأنّه يمكن إدراجها في التسعة أشهر بضرب من
التأويل ، بحمل قوله عليه السلام: «في القفل الأعلى فيمكث...» على الثلاثة التي منها التسعة، والشاهد عليه ذيل الرواية، أي: «فذلك تسعة أشهر».
إلّاأنّه يمكن المناقشة في دلالتها على عدم إمكان الزائد على تسعة أشهر ولو نادراً.
من هنا، ذهب جملة من
الفقهاء المعاصرين إلى أنّ التسعة أشهر هو الغالب في النساء الحوامل، وأنّ أقصى
الحمل قد يبلغ سنة كما سيأتي.
أنّها عشرة أشهر،
وقد ذكر بعض الفقهاء أنّ به رواية،
وقال
المحقّق الحلّي : «يعضده الوجدان في كثير».
ونوقش فيه بوجدان الوضع إلى سنة أيضاً.
قال
المحقّق النجفي : «إنّا لم نقف على ما يدلّ عليه بالخصوص فيما وصل إلينا من النصوص وإن حكي عن جماعة أنّ به رواية، بل يعارض ما ذكر من الوجدان... بوجدان الوضع إلى سنة، فقصره حينئذٍ عليه دونه ليس في محلّه».
أنّ أقصى مدّة الحمل سنة، وذهب إليه جماعة من القدماء والمتأخّرين،
بل ادّعي عليه الإجماع
وهو الأظهر عند المعاصرين.
قال
السيّد المرتضى : «وممّا انفردت به
الإماميّة القول بأنّ أكثر مدّة الحمل سنة واحدة، وخالف باقي الفقهاء فقهاء الجمهور في ذلك».
ثمّ قال: «واعلم أنّ الفائدة في تحديد أكثر الحمل أنّ الرجل إذا طلّق
زوجته فأتت بولد بعد
الطلاق لأكثر من ذلك الحدّ لم يلحقه، وهذا حكم مفهوم لابدّ من تحقيقه، والذي يدلّ على صحّة ما ذهبنا إليه- بعد الإجماع المتردّد- أنّا نرجع في تحديد الحمل إلى نصوص وتوقيف وإجماع وطرق علميّة، ولا نثبته من طريق الظنّ».
وقال
الشهيد الثاني : «هذا القول أقرب إلى الصواب... إذ لم يرد دليل معتبر على كون أقصاه أقلّ من السنة،
فاستصحاب حكمه وحكم الفراش أنسب وإن كان خلاف الغالب، وقد وقع في زماننا ما يدلّ عليه، مع أنّه يمكن تنزيل تلك الأخبار على الغالب، كما يشعر به قوله عليه السلام: «إنّما الحمل تسعة أشهر»، ثمّ أمر
بالاحتياط ثلاثة؛ نظراً إلى النادر، ولكن مراعاة النادر أولى من الحكم بنفي
النسب عن أهله، بل يترتّب ما هو أعظم من ذلك على المرأة مع قيام الاحتمال».
وقد استدلّ على هذا القول بالوجدان الخارجي والعلمي بإمكان استمرار
الحمل أكثر من تسعة أشهر إلى سنة رغم أنّ الغالب كونه تسعة أشهر أو قريباً منه؛ وذلك أنّ الحمل- من حيث القلّة والكثرة- موضوع خارجي ليس
للشارع تأسيس فيه، وليس هو بالحقيقة الشرعية أو المتشرّعية، ومعه فيرجع فيه إلى كلّ ما يفيد ثبوت الواقع الخارجي ما لم ينافِ حكماً شرعياً ثابتاً، فإذا أثبت العلم والوجدان ذلك كفى، جرياً على القاعدة في الموضوعات الخارجية التي من هذا النوع.
الموسوعة الفقهية، ج۱۶، ص۱۳۱-۱۳۴