الإبراء وسريانه إلى الذمم الأخرى
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ولتفصيل أكثر انظر
الإبراء (توضيح)
قد ينشأ من ثبوت حق في ذمّة شخص اشتغال أكثر من ذمّة به، بسبب كفالة شخص آخر أو ضمانه أو أي سبب آخر.
قد ينشأ من ثبوت حق في ذمّة شخص اشتغال أكثر من ذمّة به، بسبب كفالة شخص آخر أو ضمانه أو أي سبب آخر.
وإذا كان
الإبراء عبارة عن
إسقاط ما اشتغلت به الذمّة، وارتفاع الحقّ الثابت فيها فقد وقع البحث بين الفقهاء في سريان الإبراء من الذمّة الواقعة محلًاّ للإبراء إلى سائر الذمم المتعلّقة به.
إلّا أنّ بحث الفقهاء عن سريان الإبراء وعدمه لم يكن بصورة بحث بعنوان سريان الإبراء وعدمه، وإنّما كان بصورة بحوث متفرّقة تثار عند البحث عن موارد تعدد اشتغال الذمم أو تراميها، وفي مطاوي البحث عن حكم ترامي الضمانات والكفالات وأحكام تلك الضمانات وأنواعها. ونحن ننتزع ممّا ذكره الفقهاء من موارد اشتغال الذمم وتراميها ما يرجع إلى سريان الإبراء ضمن مسائل ثلاث:
۱- الإبراء في مورد تعاقب الأيادي.
۲- الإبراء في مورد
الكفالة .
۳- الإبراء في مورد الضمان.
في الإبراء في مورد التعاقب الحاصل من أيدٍ عديدة ضامنة على مال واحد مملوك، وله أمثلة:
وهو بأن
يغصب شخص مالًا من مالكه فيغصبه ثانٍ من الغاصب الأوّل، وثالث من الغاصب الثاني، وهكذا.
وهو بأن باع الغاصبُ العينَ المغصوبة لشخص وأعطاها له وباعها المشتري لثالث، والثالث لرابع، وهكذا...
ومنها: تعدّد بيع الفضولي: بأن باع الفضولي عيناً لغيره وأعطاها له دون إذن من مالكها، وباعها المشتري لثالث، والثالث لرابع، وهكذا...
إلى غير ذلك من أمثلة وقوع المال تحت أيادي متعاقبة بلا إذن مالكه.
فإنّ ذمّة كل واحد من أصحاب الأيادي المتعاقبة تكون مشغولة بالمال المملوك لصاحبه وضامنة له؛ لعدم مشروعية ما جرى على المال، وبقاء المال على ملك صاحبه الأوّل وله الحق في استرجاعه أو استيفاء مثله أو قيمته من أيٍّ منهم مع تلفه.
فإذا أبرأ صاحب الحق بعض هذه الذمم ممّا له عليها فهل يسري الإبراء إلى الذمم الباقية أم تبقى مشغولة بالحق المذكور كما كانت قبل الإبراء ويحق لصاحب المال مطالبتها بما له عليها؟
المعروف هو السراية وسقوط الذمم جميعاً، وهناك احتمالات اخرى بالتفصيل أهمها ثلاثة:
التفصيل بين من تقدم على
المبرَأ ومن تأخر عنه، فيسري إلى المتقدم دون المتأخر، وقد ذكره
المحقق الرشتي في كتاب
الغصب واختاره
الميرزا النائيني في دورته الاولى في بحث
البيع .
التفصيل على أساس ما يختار في حقيقة
الضمان ومعناه، فعلى القول باشتغال ذمّة الضامن ببدل العين يتم ما ذهب إليه المشهور من السراية وسقوط الذمم جميعاً، وعلى القول بأنّ العين باقية على عهدة الضامن حتى بعد التلف فلا سراية أصلًا، وهذا ما ذكره
المحقق الاصفهاني في تعليقته على المكاسب.
التفصيل بين حال وجود المال وحال تلفه، فيسري في حال التلف إلى جميع الذمم، ولا يسري إذا كانت العين باقية. وقد ذكره
السيّد الإمام الخميني في كتاب البيع.
ومنشأ هذا البحث: أنّ ما يستحقّه المالك في مورد تعاقب الأيادي ليس إلّا حقاً واحداً وإن ضمنته كافة الأيادي المتعاقبة؛ لأنّها على سبيل مانعة الجمع، أي على البدل لا جمعاً لأنّه لم يكن له إلّا مال واحد لا أكثر، فلو أخذ المال أو بدله من أحدهم أو ملّكه لأحدهم سقط حقه عن جميع الذمم؛ لأنّه قد استوفى تمام حقه.
وإنّما وقع البحث عندهم في إبراء إحدى الذمم؛ لأنّ الإبراء ليس استيفاءً، وإنّما هو إسقاط للحق، فقد يتصور أنّ تعدد اشتغال الذمم في المقام يوجب التفكيك فيما بينها، وبالتالي عدم سريان إبراء بعضها إلى البعض الآخر، فيحق للمالك المطالبة بها.
وإليك ما ذكره جملة من الفقهاء المحقّقين في المقام: قال
السيد الطباطبائي اليزدي : «وأمّا لو أبرأ ذمّة واحد منهم فهل يبرأ الجميع وليس له بعد ذلك الرجوع إليهم أو لا فيجوز أن يبرأ بعضهم ويأخذ من أحد الباقين؟
وجهان، أقواهما أنّ مقتضى إبراء واحد براءة الجميع؛ وذلك لأنّ المفروض وجود بدل واحد في ذمّة الجميع، فإذا أبرأ واحداً منهم فكأنّه أخذ منه ذلك البدل، فليس له بعد ذلك شيء. وإن صرّح ببراءته مع إرادة الأخذ من الباقين يعدّ من التناقض، فلا يحصل إبراء ذلك الواحد أيضاً، وليس الحال في المقام
كالواجب الكفائي إذا سقط التكليف من أحدهم حيث إنّ الوجوب يبقى على الباقين، وذلك لأنّه إخراج له عن التكليف لا إسقاط المكلف به، بخلاف المقام فإنّه إن أراد إخراج ذلك الواحد عن الضمان وعن سببية يده فليس له ذلك؛ إذ ليس أمر السببية بيده، فليس له عليه إلّا ذلك البدل، فإذا جعله في حلّ منه فكأنّه أخذه منه، ومعه لا معنى لمطالبة الباقين».
وقال
المحقق النائيني : «إذا أبرأ المالك جميعهم فلا إشكال في سقوط حقه، إنّما الاشكال فيما لو أبرأ أحدهم فهل يبرأ الجميع أو خصوص ذلك أو التفصيل بين السابق عليه فيبرأ واللاحق فلا؟ وجوه:
وحدة الحق وإن كان سبب الضمان متعدّداً،
والإبراء يرجع إلى المسبّب، فإذا أسقطه سقط عن ذمّة الجميع، كما لو أخذ بدله من بعض.
أنّ الإبراء يرجع إلى السبب، فيسقط عن ذمّة خصوص من أبرأ ذمته دون غيره. ولا يخفى ضعف هذا الوجه.
هو أنّ الحق وإن كان واحداً إلّا أنّ السبب متعدّد، ومقتضى إبرائه أحدهم أن يبرأ هو ومن لا يمكن مع فراغ ذمته اشتغال ذمته، وليس هو إلّا السابق؛ فإنّ ذمّته كانت مشغولة بما يكون مخرجه من اللاحق، فإذا أبرأ اللاحق فلا يعقل بقاء الاشتغال للسابق؛ لأنّ معنى بقائه أن يكون مخرجه من اللاحق، والمفروض فراغ ذمته بإبراء المالك إلّا أن يلتزم بعدم تأثير إبراء المالك في السلسلة الطولية بالنسبة إلى واحد، وهذا لا يمكن الالتزام به. وأمّا اللاحق فبراءة ذمّة السابق لا يستلزم عقلًا براءة ذمته.
ونحن اخترنا سابقاً هذا التفصيل ووجّهناه بأنّ الإبراء ليس بمنزلة استيفاء الحق، بل هو بمنزلة إعدام موضوع المطالبة من
المبرَأ عنه، فإذا استلزم هذا الاعدام إبراء ذمّة واحد آخر كالسابق فهو، وإلّا لا وجه لسقوط حق المالك عن غير المبرأ عنه، فعلى اللاحق خروجه عن عهدة ما ضمنه للمالك وإن لم يكن ضامناً للسابق.
وبالجملة فإنّ الإبراء ليس
كالهبة والمصالحة ، ولذا وقع الخلاف في مسألة إبراء الزوجة الصداق في أنّه لو
طلّقها بعد ذلك قبل الدخول فهل له المطالبة منها بنصف المهر أو ليس له؟ ولم يقع الخلاف في جواز المطالبة لو وهبته أو صالحته كذلك.
ولا وجه لهذا الفرق إلّا من جهة أنّ الصلح والهبة تمليك للزوج ما في ذمته وإن كان
أثره الإبراء؛ لعدم معقولية تملك الانسان ما في ذمّة نفسه.
وأمّا
الإبراء فهو إعدام الموضوع، فحكم المبرأ عنه حكم أحد الشخصين في الواجب الكفائي إذا تعذّر عليه التكليف، فإنّ سقوط التكليف عن أحدهم لا يوجب سقوطه عن الآخر.
ولكن الحق أنّ الإبراء أيضاً كاستيفاء الحق في المقام؛ لأنّ البرهان الجاري في السابق على المبرأ عنه يجري في اللاحق أيضاً، فإنّه كما لا يمكن مع فراغ ذمّة الوسط اشتغال ذمّة السابق فكذلك لا يمكن مع فراغ ذمته اشتغال ذمّة اللاحق؛ لأنّ اللاحق على ما قدمناه ليس في عرض السابق عليه ضامناً للمالك، بل هو ضامن للمالك ما في ذمّة سابقه أي ذمته مخرج لذمة السابق، فيستحيل مع فراغ ذمّة الوسط اشتغال ذمّة اللاحق.
وبعبارة اخرى: إذا فرضنا أنّ اللاحق يضمن ما يضمنه السابق لا غيره فكيف يبرأ ذمّة السابق ولا يبرأ اللاحق عليه؟! فالحق أنّ الإبراء من واحد يوجب فراغ ذمّة الجميع».
وقال
المحقق الاصفهاني : «ثمّ إنّه بناء على القول باشتغال الذمة ببدل العين على البدل لا فرق في براءة الذمة عن البدل بين أخذه خارجاً بصيرورة الكلي معيناً وبين إبراء الذمة، لا لأنّه أخذ، بل لأنّ الإبراء تسبيب إلى تفريغ الذمة شرعاً وعرفاً، فلو أبرأ أحدهم فكما إذا أخذ من أحدهم؛ فإنّ مقتضى وحدة البدل براءة الذمة، لاستحالة ثبوت الواحد وسقوطه معاً، وأمّا بناءً على القول بعهدة العين فالعين بعينها في جميع العهدات معيناً لا على البدل، فهناك عهدات متعددة معينة لا بدلًا، فاذا أخذ بدل ما في العهدة فقد صارت مالية العين الواحدة خارجيّة، فلا يعقل بقاء العين في سائر العهدات؛ لأنّ مالية العين الواحدة واحدة، والفرض صيرورتها خارجيّة، ولا يعقل الخروج عن العهدة والدخول فيها، بخلاف
إسقاط عهدة أحدهم معيناً، فإنّه ليس كالبدل الذمي ليكون واحداً على البدل بل عهدات متعدّدة معيناً، وليس سقوط أحدها مقتضياً لسقوط البقية بوجه، فتأمل».
وقال السيّد
الإمام الخميني ما مضمونه: بناءً على المذهب المعروف في باب ضمان اليد يصح التفصيل بين حال الوجود وحال التلف والالتزام؛ بأنّ إبراء ذمّة من الذمم حال الوجود ولا يلازم إبراء غيرها؛ إذ ليس على الآخذ مثل أو قيمة حال وجود العين، بل عليه معنى تعليقي، وهو أنّه لو تلفت العين فهي عليه، وهذا المعنى التعليقي نوع ضمان مسبّب عن الأخذ والاستيلاء، فكلّ من الأيدي المتعاقبة ضامنة بهذا المعنى، ومعنى
الإبراء هو الإبراء عن الضمان لا استيفاء المضمون، كما هو واضح. فإذا أبرأ المالك أحدهم رجع ذلك إلى أنّه لو تلفت العين فليست عليه، وهذا لا ينافي بقاء الضمانات الاخرى.
وأمّا بعد التلف فحيث إنّ المثل أو القيمة على عهدتهم، وليس للمالك سوى مال واحد، فإبراء أحدهم ملازم لبراءة غيره.
فالتحقيق بناءً على هذا المبنى هو أنّه كلّما كان إبراء
الضمان من قبل المالك مستلزماً لإبراء
المبرَأ عن البدل والعوض- كما في حال التلف- لا يعقل بقاء ضمان غير المبرأ أيضاً، لا لأجل أنّ المالك قد استوفى حقه أو كون الإبراء بمنزلة الأخذ، بل لأنّ عنوان
البدل والعوض وجبر الخسارة أو نحوها من العناوين التي دلّ دليل ضمان اليد على اشتغال الذمم بها غير قابلة للتكرر والتعدّد، فلو أبرأ المالك أحد من في السلسلة من البدل والعوض لا يعقل بقاء البدل في ذمّة غيره، فاللازم رفع الاشتغال من جميع الذمم.
وأمّا إذا لم يكن إبراء الضمان من قبل المالك مستلزماً لإبراء غير المبرأ أيضاً- كما في حال وجود العين في يد غير المبرأ- فإنّ إبراء ضمان المبرأ هنا إبراء له عن ذاك المعنى التعليقي، وليس إبراءً له عن البدل والعوض الذي لا يقبل التكرر والتعدّد.
إذاً فلا يبرأ غيره؛ لأنّ الضمانات كثيرة، وليس ضمان أحدهم عين ضمان الباقين ولا مستلزماً- وجوداً أو عدماً- له، فللمالك إبراء أحدهم دون غيره، وإبراء أحدهم لا ينافي بقاء الضمانات الاخرى.
ويتلخص من مجموع ما تقدم: أنّ الوجه الفنّي لسريان الإبراء في المقام إنّما هو وحدة الحق في باب ضمان
اليد رغم تعدد المسئولية والضمان حسب تعدد الأيادي المتعاقبة. فإنّنا مهما عنونّا حقيقة ضمان اليد وحللناها في باب تعاقب الأيادي من الناحية الاعتبارية فإنّ صاحب المال ليس له إلّا حق واحد ومال واحد على تلك الذمم بدلًا لا أكثر، فإذا أبرأ أحدهم الذي يعني إسقاطه لحقّه في ذلك المال الواحد كان كما إذا ملّكه أو استوفاه وأخذه من حيث إنّ ذلك الحق والمال الواحد- البدل أو العين في الذمة- قد خرج عن متعلق حقّه بالإبراء، ومعه لا يمكن أن يبقى بعض الذمم مشغولة به، وإلّا لزم تعدد الحق والمال المشتغل به الذمم، وهو خلف.
ومنه يظهر أنّ الأصح من الأقوال هو القول الأوّل المعروف بينهم، وأنّ ما ذكر في الكلمات من التفصيل لا يخرج عن مجرد تحليلات علمية فرضية، بل لا يخلو بعضها من ضعف.
فما ذكر في وجه سقوط ضمان اللاحق من أنّه ضامن لما يضمنه السابق، أي بما هو مضمون لليد السابقة، فإذا سقط ضمانها سقط الضمان عن اللاحق أيضاً تعليل غير دقيق؛ لوضوح أنّ ضمان السابق لا دخل له في ضمان اللاحق، ولهذا إذا كانت اليد السابقة أمينة دون اللاحقة أيضاً كانت اللاحقة ضامنة، فالسبب في ضمان كل يد للمالك إنّما هو كونها عادية وغير أمينة سواء كانت السابقة أمينة أو عادية.
وما ذكر أيضاً من أنّه بناءً على كون الضمان اعتباراً لنفس العين في الذمة لا بدلها لا يسري
الإبراء إلى غيره غير صحيح، فإنّ اعتبار نفس العين في الذمّة لا يوجب تعددها للمالك، بل هناك عين واحدة تعتبر في جميع الذمم على سبيل البدل، فإذا أسقط المالك حقه فيها سقطت الذمم جميعاً لا محالة.
وما ذكر أيضاً من أنّه إذا كانت العين موجودة غير تالفة فلا سراية، خارج عن معنى الإبراء، فإنّ الإبراء لا يكون بلحاظ الأعيان الخارجية على ما تقدم.
ولو اريد به ما يعمّ إسقاط المال الخارجي فأيضاً يكون إبراء احدى الذمم بهذا المعنى مستلزماً لسقوط جميعها؛ لأنّه لم يكن له إلّا مال واحد لو أسقطه سقطت الذمم لا محالة.
وأمّا الإبراء بمعنى أنّه لو تلفت العين لما كانت عليه، فهذا ليس إبراء ولا اسقاطاً فعلياً بل ولا صحيحاً، لأنّه من إسقاط ما لا يجب.
نعم، قد يرجع إلى الإذن لاحدى الأيادي وجعلها أمينة، وهذا يعني رفع سببيّتها للضمان، وهو لا يستلزم رفع سببية غيرها. إلّا أنّ هذا ليس من الإبراء
والإسقاط في شيء، كما هو واضح.
ثمّ إنّ إبراء احدى الذمم كما يقتضي السريان إلى سائر الذمم فيسقط اشتغالها بالمال لصاحب المال كذلك يوجب السريان بمعنى سقوط الذمم الطولية بين الأيادي المتعاقبة نفسها، بخلاف تمليك المال من قبل المالك لأحدهم أو أخذ البدل منه، فإنّه يوجب إمكان رجوع السابق إلى اللاحق؛ لأنّه يصبح مالكاً له. أمّا في الإبراء فحيث إنّه لا تمليك ولا خسارة مترتبة على اليد السابقة، وإنّما هو رفع المالك يده عن حقّه واسقاطه له، فلا يحصل حق لليد السابقة بالنسبة للمال المضمون لكي يتوهم إمكان رجوعه على اللاحق، فالسريان في فرض الإبراء لاحدى الذمم يعمّ الأيادي الطولية فيما بينها أيضاً.
قال
المحقق النائيني : «وممّا ذكرناه يظهر عدم جواز رجوع من أبرأ ذمته إلى اللاحق عنه حيث إنّه لم يؤدّ شيئاً، وقد تقدم اعتبار الدفع إلى المالك في صحة رجوع السابق إلى اللاحق، وأنّه لا بدّ وأن يكون الرجوع بمقدار الأداء».
وقال
السيّد اليزدي : «وهل لهذا الواحد أن يرجع على لاحقه؟ وجهان: أقواهما العدم؛ لأنّ الوجه في رجوعه إنّما كان سببيته لضرره وأخذ الغرامة منه المفروض أنّه لم يؤخذ منه شيء، والفرق بينه وبين
الهبة والمصالحة ونحوهما واضح، فتدبّر».
إذا كفل المدين كفيلٌ فأبرأ الدائن المدين فإنّ هذا الإبراء يسري لا محالة إلى كفيل المدين الذي التزم للدائن باحضار المدين، فينحلّ به عقد
الكفالة المبرم، وبذلك يخرج الكفيل عن العهدة؛ لارتفاع موضوع الكفالة وهو الدين، وهذا واضح.
وهكذا في كل من له حق على غيره إذا تكفّل له شخص باحضار من عليه الحق، فإنّ إبراء من عليه الحق يسري إلى الكفيل، وقد صرّح بذلك الفقهاء في كتبهم
كالعلّامة الحلّي والمحدّث البحراني والسيد الحكيم والسيد الخوئي والسيّد
الإمام الخميني وغيرهم.
وإذا ترامت الكفالات بنحو طولي بأن تكفّل شخص للدائن باحضار مدينه مثلًا وتكفل شخص ثانٍ باحضار هذا الكفيل وتكفل ثالث باحضار الكفيل الثاني وهكذا.
فاذا أبرأ الدائن المدين سرى
الإبراء إلى الكفلاء، وكذلك إذا أبرأ الدائن أحد الكفلاء سرى الإبراء إلى جميع من تأخّر عنه لا من تقدم عليه؛ لأنّ كل كفالة لاحقة ومتأخرة، فهي فرع الكفالة السابقة المتقدمة عليها وهي بمثابة الموضوع لها، فإذا سقط بالابراء الأصل سقط الفرع لا محالة بارتفاع موضوعه.
وهذا هو معنى قول الفقهاء: إنّ إبراء الأصل إبراء للفرع، قال
الشيخ الطوسي : «وكذلك إذا أبرأ المكفول له الكفيل الأوّل برأ الباقون»،
وقال العلّامة الحلّي: «فإن أبرأ المكفول برءوا جميعاً»،
وقال
المحقّق النجفي : «ولو أقال المستحق الكفيل الأوّل برءوا أجمع... ولو أقال أحدهم برأ هو ومن بعده دون من قبله».
وصرّح بذلك غيرهم من الفقهاء أيضاً.
وإذا اجتمع كفلاء عديدون على شخص واحد عرضاً كما إذا تكفّل ثلاثة أشخاص إحضار المدين للدائن في عرض واحد لا طولياً فأبرأ الدائن المدين سقطت الكفالات جميعاً؛ لارتفاع موضوعها، وأمّا إذا أبرأ الدائن أحد الكفلاء لم تسقط الكفالات الاخرى؛ لكونها عرضية كل منها متفرع على بقاء الدين، والمفروض عدم سقوطه، وإنّما الساقط بالإبراء احدى الكفالات، فلا وجه لسقوط الباقي، فلصاحب الحق مطالبة الباقين باحضار من عليه الحق.
وهذا واضح أيضاً.
قال الشيخ الطوسي: «إذا تكفّل ثلاثة أنفس ببدن رجل صحت الكفالة، وإذا أبرأ أحدهم لا يبرأ الآخران».
فيما إذا ضمن شخص للدائن ماله على المدين وأبرأ الدائنُ الضامنَ فإنّ هذا الإبراء يسري إلى المدين أيضاً، أمّا إذا أبرأ المدين فإنّه لا يسري إلى الضامن، بل تبقى ذمّة الضامن مشغولةً للدائن بالدين.
وقد صرّح بذلك الشيخ الطوسي
وقال
المحقق الحلّي : «على قول مشهور لنا»
والعلّامة الحلّي
وتبعه ولده
فخر المحققين وصرّح به أيضاً
ابن فهد والمحقق الكركي
وكذا
الشهيد الثاني قائلًا: «لم نقف عليه (أي على مخالف منّا في المسألة)»
والمقدّس الأردبيلي والمحدّث البحراني قائلًا: «والحكم المذكور اتّفاقي بين أصحابنا»
والسيّد علي الطباطبائي والمحقّق النجفي قائلًا: «إنّه مجمع عليه بيننا... من قطعيّات فقه الشيعة أو ضرورياته»
والسيّد اليزدي
والسيد الحكيم
والسيّد الإمام الخميني
والسيد الخوئي .
والواقع أنّ هناك ثلاثة أنحاء من الضمان ذكر فقهاؤنا نحوين منها:
نقل المال من ذمّة المضمون عنه (المدين) إلى ذمّة الضامن، وهذا هو الضمان المصطلح لدى فقهائنا في مقابل الضمان المصطلح لدى فقهاء العامّة الذي هو عبارة عن ضمّ ذمّة الضامن إلى ذمّة المضمون عنه.
وتترتب على هذا النحو من الضمان- أي النقل من ذمّة إلى اخرى- براءة ذمّة المضمون عنه، أي إنّ الضمان يسبّب انتقال المال فعلًا من ذمّة المدين إلى ذمّة الضامن، فتبرأ ذمّة المدين فعلًا بنفس الضمان وقبل أن يؤدّي الضامن شيئاً إلى الدائن، فلا يحق للدائن أن يطالب المدين بشيء.
التعهّد بالمال الثابت في ذمّة المضمون عنه (المدين) أي جعل المال في عهدة الضامن وجعل الضامن مسئولًا عنه.
وهذا النحو من الضمان لا يوجب انتقال المال من ذمّة المدين إلى ذمّة الضامن، ولا تترتب عليه براءة ذمّة المدين بنفس الضمان، كما أنّه ليس ضمّاً لذمّة الضامن إلى ذمّة المضمون عنه، بل هو- إن صحّ التعبير- ضمّ لعهدة الضامن إلى ذمّة المدين، وأثره أنّه يجب على الضامن تحصيل الدين للدائن إمّا بوفاء المدين أو بوفاء المتعهّد (الضامن) نفسه.
وهذا النحو من الضمان أشار إليه السيّد اليزدي في بعض كلماته،
وتعرّض له السيّدان الحكيم
والخوئي،
وفرّق بينه وبين النحو الأوّل بدقة ووضوح
السيد الصدر في تعليقته على
منهاج الصالحين .
ما هو المعروف عند
أهل السنّة والجماعة حيث ذهبوا إلى أنّ الضمان هو ضمّ ذمّة الضامن إلى ذمّة المضمون عنه سواء كان المدين أو ضامناً آخر، فتشتغل بالدين عدد من الذمم يساوي عدد الذمم الضامنة وللمالك حق الاستيفاء من أيّها شاء.
ولسنا هنا بصدد بحث أنحاء
الضمان وما يصح منها وما لا يصح، وإنّما نحن بصدد البحث عن سريان الضمان وعدمه وفقاً لكل نحو من هذه الأنحاء.
إنّ رأي الفقهاء بناءً على النحو الأوّل- وهو الضمان المصطلح لدى فقهائنا، والذي هو عبارة عن نقل الدين من ذمّة المدين إلى ذمّة الضامن- هو سريان
الإبراء من الضامن إلى المدين وعدم سريانه من المدين إلى الضامن، بلا خلاف بينهم في ذلك، وقد تقدّم.
ومقصودهم بذلك- كما صرّح به جمع كثير منهم- هو:
أنّ الدائن إذا أبرأ الضامن برأ تجاه الدائن بسبب
الإبراء كما هو واضح، فلا يحق للدائن مطالبة الضامن بشيء، وبرأ المدين أيضاً تجاه الضامن، فلا يحق للضامن مطالبة المدين بشيء؛ لأنّ استحقاق الضامن الرجوع على المدين مشروط بأن يؤدّي الضامن الدين إلى الدائن بأمر المدين وإذنه، والمفروض هنا عدم الأداء وذلك بسبب الإبراء، وأمّا براءة المدين تجاه الدائن فلا علاقة لها بالإبراء، بل هي حاصلة قبله بسبب الضمان نفسه، حيث إنّ الضمان نَقَل الدين من ذمّة المدين إلى ذمّة الضامن، فلم يعد للدائن شيء في ذمّة المدين كي يطالبه به.
نعم، تصبح ذمته مدينة للضامن إذا دفع الدين للدائن وكان ضمانه بأمرٍ من المدين المضمون عنه وإبراء الدائن للضامن برفع هذا الضمان أيضاً، وأمّا إذا كان الضمان تبرّعياً من قبل الضامن من دون أمرٍ من المضمون عنه فلا ضمان عليه أصلًا لكي يسقط بابراء الدائن.
ومن هنا ذكر
السيد الخوئي أنّه لا بدّ من حمل قول الفقهاء «إذا أبرأ الدائن الضامن برأ الضامن والمدين معاً» على فرض الضمان الاذني، أي الضمان بأمر المدين وإذنه، فإنّه الفرض الذي يصحّ فيه القول ببراءة ذمّة الضامن والمدين معاً بسبب إبراء الضامن. أمّا إذا كان الضمان تبرّعياً ومن دون أمر المدين وإذنه فلا يصحّ فيه التعبير ببراءة الذمّتين بسبب إبراء الضامن؛ لأنّ إبراء الضامن المتبرّع في ضمانه إنّما يسبّب براءة ذمّته هو فحسب، وأمّا ذمّة المدين فهي بريئة بنفس الضمان وقبل
الإبراء ، فلا أثر للابراء فيها.
أنّ الدائن إذا أبرأ المدين فهذا الإبراء لا محلّ له بعد براءة المدين بنفس الضمان قبل حصول الإبراء، فهو لغو؛ لأنّه إبراء من ليس عليه حق، وبالتالي فلا يؤثر شيئاً؛ إذ يشترط في الإبراء أن يكون له محلّ كما تقدم، وإذ لا محلّ له فلا يؤثر في إبراء ذمّة شخص آخر سواءً الضامن أو غيره، وحينئذٍ فلا تبرأ ذمّة الضامن من الدين، بل تبقى مشغولةً به.
أنّ الدائن إذا أبرأ المدين واستفيد منه ولو بالقرائن المحتفّة به أنّه يقصد به
الإبراء من الدين الذي كان على المدين بحيث فُهم منه عرفاً إبراء الضامن، فحينئذٍ يبرأ الضامن بسبب هذا الإبراء من حيث كونه ابراءً له- عرفاً- حسب الفرض. وقد أشار إلى ذلك
المحقّق النجفي ،
وصرّح به
السيّد اليزدي ووافقه كل من علّق على العروة أو شرحها.
هذا كلّه بناءً على النحو الأوّل من
الضمان عندنا، وهو النقل من ذمّة إلى اخرى.
وأمّا بناءً على النحو الثاني من الضمان وهو التعهّد بما في ذمّة المدين، فإن كان الإبراء بمعنى
إسقاط ما يملكه من المال في الذمّة فلا محالة يكون الإبراء اسقاطاً لما يملكه في ذمّة المدين، فيسري من الضامن إلى المدين، بل لا يكون معنى لابراء الضامن على هذا المعنى إلّا إبراء ذمّة المدين. وإن كان الإبراء بمعنى أعم من ذلك وصحّحنا إبراء عهدة الضامن- بمعنى سقوط العهدة بالتكليف عنه، لا بمعنى سقوط المال الذمي؛ إذ لا اشتغال لذمته بالمال بحسب الفرض- فمن الواضح أنّ إسقاط مثل هذا الحق- على القول بصحته- لا يستلزم بوجه السراية إلى ذمّة المدين، إلّا أنّ في حصول حق كذلك بعقد الضمان قابل للاسقاط إشكالًا بل منعاً.
وأمّا بناء على النحو الثالث من الضمان- وهو المصطلح عند
أهل السنّة بمعنى ضمّ ذمّة إلى ذمّة- فيصحّ الإبراء قطعاً لتعلّقه بما في الذمّة.
وأمّا سريانه إلى سائر الذمم: فإن كان
المبرَأ المدين سرى إلى الضامن فيبرأ من الضمان، ولا يحق للدائن مطالبته بشيء لارتفاع موضوع الضمان بذلك؛ لكونه في طول الدين فهو الأصل له، وقد تقدم في
الكفالة أيضاً أنّ إبراء الأصل يوجب إبراء الفرع.
وإن كان المبرأ الضامن لم يسرِ الإبراء إلى المدين ولا يبرأ من الدين، وقد تقدم أيضاً أنّ إبراء الفرع لا يوجب براءة الأصل، فيحق للدائن مطالبته به. وقد ذهب إلى ذلك جملة من الفقهاء
كالشيخ الطوسي .
لكن
السيّد اليزدي ذهب إلى إمكان القول بالسريان حيث قال: «وأمّا في الضمان بمعنى ضمّ ذمّة إلى ذمّة، فإن أبرأ ذمّة المضمون عنه برئت ذمّة الضامن أيضاً، وإن أبرأ ذمّة الضامن فلا تبرأ ذمّة المضمون عنه كذا قالوا. ويمكن أن يقال ببراءة ذمتهما على التقديرين».
ووافقه على هذا القول بعض المعلّقين وخالفه آخرون.
وناقشه
السيد الحكيم بما مضمونه: إنّ الوجه لبراءة ذمتهما معاً على كلا التقديرين، إمّا أن يكون عبارة عن القول بأنّ الذي يفهم من الإبراء- سواء كان إبراء للمدين أم للضامن- هو أنّ الدائن يقصد به رفع اليد عن الدين وإفراغ الذّمتين منه، وإمّا أن يكون عبارة عن القول بأنّ الإبراء بمنزلة الاستيفاء، فكما أنّ الاستيفاء من أحدهما يوجب براءة الآخر كذلك إبراء أحدهما منه.
فإن كان الأوّل ففيه: أنّه خروج عن موضوع البحث؛ لأنّ موضوع البحث براءة المدين بسبب إبراء الضامن بما هو إبراء للضامن، أمّا براءته بسبب الإبراء المذكور بما هو رفع لليد عن أصل الدين فأمر آخر.
وإن كان الثاني- استناداً إلى أنّ
الإبراء إسقاط لما في الذمّة وقطع العلاقة بينه وبينه- فهو تصرف في المال نفسه، لا تصرف في الذمّة ليختصّ بأحدهما دون الآخر؛ إذ لا سلطان له على الذمّة، وإنّما سلطانه على ماله، فإذا كان قد قطع العلقة بينه وبينه فقد قطع العلقة بينه وبين ما في غيرها من الذمم؛ لأنّ المفروض أنّه عينه لا غيره.
لكنّ التحقيق أنّ إبراء الذمّة بحسب الارتكاز العرفي مجرّد إخلائها من ماله، فإن كان له مستقرّ آخر فهو على حاله، لا أنّه قطع للعلقة بينه وبين المال، كي يسقط من جميع الذمم.
لكن
السيد الخوئي ارتضى كلام السيّد اليزدي وقال: «إنّ ما ذكره هو الصحيح بناءً على هذا النحو من الضمان؛ وذلك نظراً إلى أنّ هذا الإبراء لا يعني رفع الدائن يده عن ضمان الضامن فحسب- أي عن ضمّ ذمّة الضامن إلى ذمّة المدين فقط- كي يقال: إنّ الدين يبقى على حاله وتكون ذمّة المدين مشغولةً به كما كان قبل الإبراء؛ لأنّ هذا المعنى غير مراد قطعاً وذلك:
أوّلًا: لأنّ الضمان من العقود اللازمة، وهي لا تقبل الرفع حتى مع رضا الطرفين.
وثانياً: لأنّه ينافي مفهوم الإبراء المساوق لاسقاط الدين. وإنّما يعني رفع الدائن يده عن الدين من أساسه
وإسقاط متعلق حقّه وهو المال الذمي على ما هو ظاهر اللفظ، وحينئذٍ فلا مجال للقول ببقاء ذمّة المدين مشغولةً، فإنّ الدين ليس إلّا ديناً واحداً، فلا يقبل البقاء والسقوط- في آن واحد- بالقياس إلى الذمّتين».
ومما تقدّم يظهر حكم ترامي الضمانات بأن يضمن شخص المدين ويضمن شخص آخر الضامن، وهكذا؛ فإنّ حكم الضامن الثاني كالضامن الأوّل حسب
اختلاف معنى الضمان وحقيقته، وهذا واضح.
وأمّا إذا اجتمع الضمناء بأن ضمن المدينَ أشخاصٌ عديدون دفعةً واحدة بنحو الاستقلال، أي إنّ كلًاّ منهم أصبح ضامناً لتمام الدين مستقلًاّ عن الآخرين، فبناءً على صحّة الضمانات العرفية على سبيل الاستقلال لمال واحد بحيث ينتقل تمام الدين إلى كل واحدة من ذمم الضامنين وتنشغل هذه الذمم العديدة بمال واحد لمالك واحد، ويكون للدائن مطالبة من شاء منهم والرجوع إلى كل واحد منهم، وهو المسمّى ب «ضمان الانفراد» أي ضمان جماعة عن واحد وانفراد مدين واحد بضمناء عديدين في مقابل ما يسمّى ب «ضمان الاشتراك» أي ضمان واحد عن جماعة واشتراك مدينين عديدين بضامن واحد.
إذا أبرأ الدائن أحد الضامنين فله فرضان:
أن يعلم منه إرادته إبراء أصل الدين لا خصوص ذمّة المبرأ، وفي هذا الفرض يسري
الإبراء إلى سائر الضمناء بلا إشكال.
أن لا يُعلم منه ذلك، وفي هذا الفرض قولان:
فلا يتعدّى الإبراء إلى سائر الضمناء، وقد ذهب إلى هذا القول السيّد اليزدي وبعض من تأخّر عنه
ومنهم
السيد الحكيم استناداً إلى أنّ إبراء الذمّة من قبل الدائن ليس قطعاً للعلقة بين الدائن وبين المال كي يسقط من جميع الذمم، بل هو بحسب الارتكاز العرفي مجرّد إخلاء ذمّة المبرأ من المال، فإن كان للمال مستقر آخر فهو على حاله.
وقد ذهب إلى ذلك
السيد الخوئي استناداً إلى أنّ إبراء الضامن لا يعني رفع اليد عن
الضمان خاصّة كي يقال: إنّ الدين يبقى على حاله بالنسبة إلى غيره، وإنّما الإبراء يعني رفع اليد من الدين من أساسه وإسقاطه- كما يساعد عليه ظاهر اللفظ- فبإبراء إحدى الذمم تبرأ سائر الذمم أيضاً من الدين؛ لأنّه ليس للمالك إلّا دين واحد ومال واحد، فإذا أسقطه مالكه فلا يقبل بقائه في سائر الذمم.
الموسوعة الفقهية، ج۲، ص۳۵۳-۳۶۹.