العين التي يعمل فيها الأجير أمانة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لو دفع
المستأجر العين للأجير الذي آجر نفسه ليعمل فيها فالمشهور
أنّها
أمانة بيده لا يضمن تلفها أو نقصها إلّا بالتعدي أو التفريط، بل في الخلاف
عليه دعوى
الإجماع .
أمّا ما نسب إلى
يونس بن عبد الرحمن والمفيد والمرتضى من
الضمان فهو في قبول دعوى الأجير
التلف ، لا في صورة معلومية التلف،
واستند المشهور إلى أنّه مطابق لمقتضى القاعدة؛ إذ المستأجر قد استأمن الأجير على ماله من غير اشتراط الضمان عليه، وحيث لا يجب على الأجير الردّ قبل مطالبة المالك، فلا تشمله
قاعدة اليد المزبورة.
مضافاً إلى الروايات الخاصة التي وردت في المقام ويمكن تصنيفها إلى عدّة طوائف.
ما دلّ على عدم الضمان من جهة عدم
الخيانة والتهمة ، فقد ورد في خبر
جعفر بن عثمان أنّه قال: حمل أبي متاعاً إلى الشام مع جمّال فذكر أنّ حِملًا منه ضاع، فذكرت ذلك لأبي عبد اللَّه عليه السلام، فقال: «أ تتهمه؟» قلت: لا، قال:
«فلا تضمّنه».
وهي تدلّ على نفي ضمان التلف بدلالة الاقتضاء؛ إذ لو كان التلف بلا تعد وتفريط موجباً للضمان لم يكن نفي التهمة والخيانة مؤثراً في رفعه كما هو واضح.
ما يدلّ على نفي ضمان الأمين، وهي واردة في الأجير المأمون، من قبيل معتبرة
أبي بصير عن
أبي عبد اللَّه عليه السلام: في الجمّال يكسر الذي يحمل أو يهريقه، قال: «إن كان مأموناً فليس عليه شيء، وإن كان غير مأمون فهو ضامن».
ونحوها
صحيحة الحلبي .
ما دلّ على نفي ضمان الأجير مطلقاً، كرواية
معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: سألته عن الصبّاغ والقصّار؟ فقال: «ليس يضمنان».
حيث حمل الشيخ عدم الضمان فيها على ما إذا كانا مأمونين،
أو على
استحباب عدم الضمان.
ما دلّ على التضمين مطلقاً، والأصل في ذلك ما أسّسه
أمير المؤمنين عليه السلام من تضمين الصبّاغ والصائغ والقصّار احتياطاً على أمتعة الناس، ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه قال: «كان أمير المؤمنين عليه السلام يضمّن القصّار والصائغ احتياطاً للناس، وكان أبي يتطوّل عليه إذا كان مأموناً».
ونحوه ما في خبر
السكوني عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: «كان أمير المؤمنين عليه السلام يضمّن الصبّاغ والقصّار والصائغ احتياطاً على أمتعة الناس، وكان لا يضمّن من الغرق والحرق والشيء الغالب..».
وحمله الشيخ
على ضمان الأجير إذا كان ذلك بفعله.
ولكن قال
المحقق الاصفهاني : «يستفاد من إرجاع بعض هذه الروايات إلى بعض أنّ المستأجر له التضمين في صورة التهمة، على خلاف قاعدة الأمانة. ولكن هذا الأصل ليس مقتضاه الضمان بالتلف. كيف، وفي ذيل الرواية: «وكان عليه السلام لا يضمّن من الغرق والحرق والشيء الغالب»، ونحوه غيره. مع أنّه بقيام البيّنة على التلف لا ضمان قطعاً، فيعلم منه أنّه لا ضمان بالتلف، وإنّما يخالف هذا الأصل قبول دعوى التلف، فإنّ في سماع دعواهم ضياع أموال الناس؛ لخفّة مئونة دعوى التلف».
هذا كلّه في تلف العين حين العمل، أمّا بعد إتمام المدّة أو العمل فقد تقدم انّ المشهور انّه لا يضمن ذلك مع عدم امتناعه عن
التسليم ، أمّا مع الامتناع فيضمن لخروج يده حينئذٍ عن الأمانة، وخالف فيه بعض الفقهاء وقد مضى البحث فيه.
لا إشكال في صحة شرط الضمان على الأجير بنحو شرط الفعل- أي التدارك- كما تقدم في المستأجر، أمّا الضمان بنحو شرط النتيجة فالمنسوب إلى المشهور
هنا القول بالصحة، خلافاً لما سبق في إجارة الأعيان.
ويدل على الصحة- مضافاً لما تقدم في تضمين المستأجر- خبر
موسى بن بكر عن
أبي الحسن عليه السلام، قال: سألته عن رجل استأجر سفينة ملّاح فحمّلها طعاماً واشترط عليه إن نقص الطعام فعليه؟ قال:
«جائز»، قلت: إنّه ربّما زاد الطعام؟ قال:
فقال: «يدّعي الملّاح انّه زاد فيه شيئاً؟» قلت: لا، قال: «هو لصاحب الطعام الزيادة، وعليه النقصان إذا كان قد اشترط ذلك».
ونوقش في دلالتها على ذلك بعدم ظهورها في إرادة الضمان بالمعنى المصطلح بحيث تكون ذمة الملّاح مشغولة بما نقص، بل المنسبق إلى الذهن من اشتراط النقصان عليه في مثل المقام أنّ المراد لزوم التدارك وجبران النقص على نحو شرط الفعل لا شرط النتيجة. وهذا ما يدلّ عليه لفظ (النقص) و (النقصان)، فانّه مصدر، ولا معنى لاشتراط كونه عليه، فلا بد من تقدير فعل، أي عليه جبر النقص وتكميله.
وفي قبال القول بالصحة صرّح جمع من الفقهاء
بعدم جواز شرط
الضمان هنا كما في العين المستأجرة.
الموسوعة الفقهية، ج۴، ص۲۲۱-۲۲۴.