المصاهرة بالعقد فقط
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
لو تجرّد
العقد على
البنت عن
الوطء، حرمت أُمّها عليه عيناً فلا يجدي فراقها لاستحلال
الأم جدّاً على الأصحّ الأشهر، بل كاد أن يكون إجماعاً.
ولو تجرّد
العقد على
البنت عن
الوطء، حرمت أُمّها عليه عيناً فلا يجدي فراقها لاستحلال
الأم جدّاً على الأصحّ الأشهر، بل كاد أن يكون إجماعاً كما في
الروضة ، بل إجماع في الحقيقة كما عن
الناصريّات و
الغنية ، وصرّحت به الصحيحة الآتية
. لعموم
الآية الكريمة ، المستفاد من إضافة الجمع إلى الضمير من دون تقدّم معهودة، وتعيّن تعلّق الاستثناء بالجملة الأخيرة؛ لأصالة بقاء الاولى على الحقيقة.
وهي وإن كانت محلّ مناقشة في نحو الآية لبعض علماء
الطائفة لعدم الدليل عليها بالكلّية. ودعوى
الإجماع عليها مع وقوع النزاع في أمثال الآية ممنوعة، كيف لا؟! وهي فيها محلّ نزاع ومشاجرة، فمقتضى
الأصل الرجوع فيها إلى القاعدة، بأن ترجع القيود إلى الجملة الأوّلة، إذا كان إطلاق الحكم أو عمومه فيها منافياً لنحو
أصالة البراءة، لا لأصالة الحقيقة في الرجوع إليها كما عن الشافعيّة
بل لأصالة البراءة، و
الشكّ في الاختصاص بالأخيرة.
وينعكس الحكم بعكس القضيّة، فترجع القيود إلى الأخيرة خاصّة، وتبقى الأوّلة على عمومها، لا لأصالة الرجوع إليها كما عن
أبي حنيفة بل لموافقتها أصالة البراءة ، كما هو مفروض القضيّة ، واحتمال الرجوع إليها في التخصيص غير كافٍ بالبديهة.
وهو وإن كان في غاية القوّة. إلاّ أنّه غير آتٍ في هذه الآية؛ لتعيّن الرجوع فيها إلى الأخيرة؛ من جهة كون: «من» مع الأُولى بيانيّة، ومع الثانية ابتدائيّة، والمشترك لا يستعمل في معنييه معاً، كما صرّح به من أرباب الأُصول جماعة
.
مع أنّ الخبرين إذا اختلفا لم يتّحد نعتهما، وصرّح به أيضاً طائفة، كالزّجاج
وغيره
من أهل العربية، مع نقلهم ذلك عن
النحاة كافّة. مضافاً إلى دلالة المعتبرة هنا على الرجوع إلى الأخيرة، وظاهرها كونه قاعدة كلّية جارية في مضاهيات الآية.
فروى
العيّاشي في تفسيره عن
أبي حمزة، عن مولانا
الباقر (علیهالسّلام): أنّه سأله عن رجل تزوّج امرأة وطلّقها قبل أن يدخل بها، أتحلّ له ابنتها؟ قال: فقال: « قد قضى في هذا
أمير المؤمنين (علیهالسّلام)، لا بأس به، إنّ
الله تعالى يقول «وَرَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ»
ولكنّه لو تزوّج الابنة ثم طلّقها قبل أن يدخل بها لم تحلّ له أُمّها » قال: قلت: أليس هما سواء؟ قال: فقال: « لا، ليس هذه مثل هذه، إنّ الله تعالى يقول: «وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ »
لم يستثن في هذه كما اشترط في تلك، هذه هنا مبهمة، ليس فيها شرط، وتلك فيها شرط »
وناهيك هذه الرواية المعتضدة بالشهرة العظيمة في إثبات القاعدة الكلّية، فضلاً عن خصوص المسألة.
ونحوها في إثبات المسألة والإشعار بثبوت القاعدة الكلّية غيرها من المعتبرة:
كالموثّق: عن رجل تزوّج
امرأة، ثم طلّقها قبل أن يدخل بها، فقال: « تحلّ له ابنتها، ولا تحلّ له أُمّها »
ونحوه غيره
.
وأظهر منهما الخبر الآخر: « إنّ عليّاً (علیهالسّلام) كان يقول: الربائب عليكم
حرام مع الأُمّهات اللاّتي قد دخلتم بهن، في الحجور وغير الحجور سواء، والأُمّهات مبهمات، دخل بالبنات أم لم يدخل، فحرّموا وأبهموا ما أبهم الله تعالى »
وقصور الأسانيد مع اعتبار بعضها منجبرٌ بالشهرة العظيمة والإجماع المحكيّ في المسألة
؛ مع إشعار بعض الصحاح الآتية
بل ودلالته باشتهار الحكم بين الشيعة وافتخارهم به؛ لصدوره عن مولاهم أمير المؤمنين (علیهالسّلام) في هذه القضيّة، وبورود خلافه مورد
التقيّة، فلا شبهة في المسألة.
خلافاً للعماني، فجعل
البنت للُامّ متساوية في اشتراط الدخول بها للحرمة العينيّة
. استناداً إلى
أصالة الإباحة، المردودة بما قدّمناه من الأدلّة.
والتفاتاً إلى الآية الشريفة؛ بناءً على قول الشافعيّة من تعيّن الرجوع إلى مجموع الجمل السابقة واللاحقة
. والمناقشة فيه بعد ما تقدّم، سيّما في مثل هذه الآية واضحة.
وتمسكا بالصحاح:
منها: قال: قلت له: رجل تزوّج امرأة فهلكت قبل أن يدخل بها، تحلّ له أُمّها؟ قال: « وما الذي يحرم عليه منها ولم يدخل بها »
؟! وهو مقطوع لا يصلح الاستناد إليه.
ومنها: قال: « الامّ والابنة سواء إذا لم يدخل بها » يعني: إذا تزوّج المرأة، ثم طلّقها قبل أن يدخل بها، فإنّه إن شاء تزوّج أُمّها، وإن شاء تزوّج ابنتها
ولا دلالة فيه إلاّ بمعونة التفسير المذكور؛ لاحتمال أن يكون المعنى فيه: أنّه إذا تزوّج الامّ ولم يدخل بها فالامّ والبنت سواء في أصل الإباحة، فإن شاء دخل بالأُمّ، وإن شاء فارقها وتزوّج البنت؛ ويؤيّده إفراد الضمير الراجع إلى الأُمّ في ظاهر السياق. أو أن يكون المعنى: إذا تزوّج الأُمّ أو البنت ولم يدخل بهما فهما سواء في التحريم جمعاً لا عيناً.
نعم، الاحتمالان منتفيان بالتفسير المذكور، إلاّ أنّه من
الإمام غير معلوم؛ لاحتمال كونه من الراوي، ويؤيّده نقل بعض المشايخ له عن بعض الأُصول عارياً من التفسير المزبور
. نعم، رواه في الفقيه كذلك، لكن بتبديل العبارة المفسّرة بقوله بعد « سواء »: « إذا لم يدخل بأحدهما حلّت له الأُخرى »
، ويحتمل قريباً كونه منه.
ومنه يظهر اضطراب متنه؛ لروايته تارةً من التفسير خالية، وأُخرى بالعبارة الاولى مفسّرة، وأُخرى بالثانية. مع أنّ الأصل فيه جميل وحمّاد، وهما يرويان تارةً عن مولانا
الصادق (علیهالسّلام) بلا واسطة، وأُخرى بواسطة
الحلبي عنه، وثالثةً بواسطة بعض الأصحاب عن أحدهما (علیهماالسّلام)، وما هذا شأنه لا يجوز التعويل عليه.
والصحيح لمنصور بن حازم: قال: كنت عند أبي عبد الله (علیهالسّلام)، فأتاه رجل فسأله عن رجل تزوّج امرأة فماتت قبل أن يدخل بها، أيتزوّج بأُمّها؟ فقال (علیهالسّلام): « قد فعله رجل منّا فلم نر به بأساً » فقلت: جعلت فداك، ما يفخر الشيعة إلاّ بقضاء
عليّ (علیهالسّلام) في هذه الشمخيّة (في نسخة من
التهذيب: السجية ـ هامش المخطوط ـ وفي التهذيب المطبوع: السمجية. وقد ورد في هامش
الوسائل المخطوط ما نصه ( السجية: الخلق والطبيعة. والشمخية: أي المسألة العالية. تدبر ) وورد ايضا ( الشمخية: نقل انه بخط الشيخ. وفي
القاموس المحيط شمخ بن فزارة بطن، وصحف
الجوهري فذكره بالجيم، فلعلها قضية في امرأة من تلك
القبيلة ) ـ منه قدّه ـ
.)
التي أفتى بها
ابن مسعود: أنّه لا بأس بذلك، ثم أتى عليّاً (علیهالسّلام)، فقال له عليّ (علیهالسّلام): « من أين أخدتها »؟ فقال: من قول الله عزّ وجلّ «وَرَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ »
قال عليّ (علیهالسّلام): « إنّ هذه مستثناة، وهذه
مرسلة: وأُمّهات نسائكم فقال أبو عبد الله (علیهالسّلام): « أما تسمع ما يروي هذا عن عليّ (علیهالسّلام)؟! » فلمّا قمت ندمت وقلت: أيّ شيء صنعت؟! يقول هو: « قد فعله رجل منّا فلم نر به بأساً » وأقول أنا: قضى عليّ (علیهالسّلام)، ولقيته بعد ذلك فقلت: جعلت فداك، مسألة الرجل إنّما كان الذي كنت تقول، كان زلّة منّي، فما تقول؟ فقال: « يا شيخ، تخبرني: أنّ عليّاً (علیهالسّلام) قضى فيها، وتسألني: فما تقول فيها؟! »
وهو بالدلالة على الخلاف أشبه؛ فإنّ عدوله (علیهالسّلام) عن الجواب الصريح بالجواز إلى قوله: « قد فعله رجل منّا فلم نر به بأساً » مشعرٌ بعدم الرضاء به واقعاً. ولعلّ عدم رؤيتهم البأس كان لنوع من التقيّة عن رأي ابن مسعود، كما صرّحت به
الرواية. ويؤيّده نقل
الراوي قضيّة عليّ (علیهالسّلام) ودعواه مع ذلك افتخار
الشيعة بها، مع عدم تكذيبه (علیهالسّلام) له، بل وتقريره له بذلك ورضائه به، كما يظهر من ذيل الرواية. فنظم هذه الرواية في أدلّة المشهور أولى.
ومنها ينقدح وجه حمل الخبرين السابقين لو تمّ دلالتهما على التقيّة عن رأي ابن مسعود، وحكاه في التذكرة عن
مجاهد و
أنس بن مالك وبشر المريسي وداود الأصفهاني
.
و تحرم بنتها أي المعقود عليها من دون
وطء عليه جمعاً بينهما لا عيناً إجماعاً، فلو فارق الامّ حلّت
البنت؛ وقد ظهر مستنده من
الكتاب و
السنّة المستفيضة في المسألة المتقدّمة.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۱، ص۱۷۲- ۱۷۹.