انفساخ الإجارة بتعذر عمل الأجير
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
قد يتعذّر على
المستأجر الانتفاع بعمل الأجير في عدّة موارد.
إذا تعذّر العمل بعد عقد الإجارة إمّا لظهور عدم قدرته على ذلك العمل خارجاً كما إذا مرض فلم يتمكّن من العمل في المدة المقرّرة وكانت الإجارة بقيد المباشرة، أو لظهور عدم قابلية المحل للعمل كما إذا ظهر عدم صلاحية الأرض لحفر البئر فيه مثلًا، أو
زوال المرض الذي استؤجر الطبيب على علاجه كما إذا زال ألم الضرس مثلًا قبل العمل فالمشهور هو الحكم بانفساخ الإجارة في هذه الموارد لانكشاف عدم المقدورية والمملوكية للعمل المتعلّق للإجارة.
وقد ذكر
السيد اليزدي ضابطة كلية في المسألة فقال: «ولا يبعد أن يقال: إنّه يوجب
البطلان إذا كان بحيث لو كان قبل العقد لم يصح معه العقد».
وقيّده بعض الأعلام بما إذا لم يمضِ زمان كان يمكن العمل فيه ولكنه أخّره اختياراً، وإلّا كانت الإجارة صحيحة؛
للمقدورية والمملوكية، وإنّما يكون من باب التفويت وعدم العمل الموجب؛ للانفساخ على قول،
وللخيار وحق الفسخ على قول آخر تقدم شرحه مفصّلًا.
وإذا تعذّر العمل في أثناء المدّة تكويناً- كأن استأجر شخصاً لحفر بئر بمقدار معيّن وحفر بعض ما قوطع عليه ثمّ تعذّر حفر الباقي لوجود صخرة لا يمكن نقبها أو نبع الماء قبل انتهاء الحدّ مثلًا- انفسخ العقد فيما بقي؛ لتعذر المعقود عليه، ولا ينفسخ فيما حفر.
أمّا إذا لم يتعذّر العمل إلّا أنّه تعسّر عليه بحيث كان خارجاً عن الحدّ المتعارف المبنيّ عليه العقد لم يلزمه حفر الباقي وكان له
فسخ العقد لمخالفة ذلك لما شاهده.
لو آجرت الزوجة نفسها
للإرضاع في زمان معيّن وقلنا بصحة ذلك- ولو لعدم المنافاة بين الإيجار وحق الزوج كسفره وغيبته- فاتفق حضور الزوج ومطالبته بحق الاستمتاع بنحوٍ استقرت المنافاة بين الأمرين، فالمشهور
حينئذٍ بطلان الإجارة بالنسبة إلى تلك المدة مع عدم إذن الزوج، بل قيل بالبطلان بمجرد حصول المنافاة وعدم
الإذن من غير توقّف على إرادة الاستمتاع،
ومع الحكم بالبطلان يتسلّط المستأجر على فسخ الباقي
إن لم يكن يعلم بأنّها مأذونة في الإيجار.
إلّا أنّ
المحقق الاصفهاني وبعد مناقشته لأدلّة البطلان قال: «أمّا بعد فرض صحة الإجارة فالمسألة داخلة في تزاحم الحقّين، ومجرد سبق حق الزوج زماناً لا يوجب التقديم، بل لا بد من الأهمية... ولكن لم تثبت أهمية في البين، فللزوجة التخيير... وأمّا فسخ المستأجر لتعذّر
التسليم ففيه أنّه يمتنع حصوله بعد فرض تقديم حق الزوج، ولا ضرر هنا بحيث ينجبر بالخيار؛ لأنّ الضرر إن كان فوات الغرض المعاملي فهو لا يحصل بالفسخ، وإن كان ضرر الصبر إلى أن يتيسّر كما في تعذّر المبيع الشخصي فهو على الفرض ممتنع الحصول، وإن كان بلحاظ ذهاب الاجرة هدراً فالمفروض أنّه ملك المنفعة في قبالها، وحيث إنّ المرأة فوّتت المنفعة على المستأجر بتقديم حق الزوج فهي
ضامنة لمالية المنفعة للمستأجر».
هذا كلّه فيما إذا تأخّر زمان عقد الإيجار عن
النكاح ، أمّا مع تقدمه عليه بأن آجرت نفسها للإرضاع قبل النكاح وكانت الإجارة في مدة خاصة فحق المستأجر مقدّم على الزوج حينئذٍ.
ولو كانت الإجارة مطلقة فهل يقدّم حق الزوجة أم المستأجر؟ ظاهر كلمات أكثر الفقهاء تقديم حق المستأجر لسبقه زماناً.
لكن المحقق الاصفهاني قال: «حيث إنّ استحقاق (الزوج و) المستأجر غير مختص بهذه المدة الخاصة فلا مانع من نفوذ الإجارة المطلقة، كما لا مانع من استحقاق الزوج بمطالبة الاستمتاع، فهناك استحقاقان ثابتان بسببين صحيحين فيتزاحمان، ومجرد سبق الزمان لا أثر له، كما أنّه لم تثبت أهمية لحق أحدهما بل للزوجة التخيير في تقديم حق أحدهما».
وقد تقدم شرح هذا الفرع في بحث سابق.
لو آجرت المرأة نفسها
لكنس المسجد بنحو المباشرة فحاضت أو آجر الطبيب نفسه لقلع الضرس فزال الألم بحيث أصبح قلعه حراماً فإنّ المستفاد من كلمات الفقهاء انفساخ الإجارة بعروض الحيض مثلًا كما صرح بذلك العلّامة
والمحقق الثاني ،
نظراً إلى أنّ عدم اباحة كنس
الحائض يوجب فقد القدرة على التسليم أو عدم مملوكية المنفعة أو غير ذلك من الوجوه.
وخالف في ذلك بعض الفقهاء، فذكر الشهيد الثاني صحة الإجارة مع ثبوت الخيار فيما لو حاضت المرأة في الأثناء.
هذا ولكن بناءً على صحة استئجار الحائض لكنس المسجد نظراً إلى عدم حرمة الكنس بعنوانه ووجود القدرة الواقعية على التسليم فلا مانع من الصحّة إذا عرض الحيض في الأثناء،
وكذا لو قلنا بالصحّة بنحو الترتّب.
أمّا بالنسبة إلى مسألة زوال الألم قبل القلع فقد ذهب أكثر الفقهاء
إلى بطلان الإجارة بذلك، نظراً إلى عدم
إباحة المنفعة؛ لحرمة القلع،
وعدم جواز ادخال الألم على النفس بغير ضرورة، وهذا يوجب تعذّر التسليم
أو الاستيفاء شرعاً،
أو غير ذلك من الوجوه.
الموسوعة الفقهية، ج۴، ص۴۰۳-۴۰۶.