انفساخ الإجارة بموت المستأجر
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
تارة يقع مباشرة المستأجر مورداً ومحلًّا
للإجارة بأن تكون المنفعة مقيّدة باستيفائه بنحو القيدية.
واخرى تكون مباشرة المستأجر في استيفاء المنفعة على نحو الاشتراط.
وثالثة: يكون
العقد مطلقاً من هذه الناحية ويكون المستأجر مالكاً
للمنفعة على المؤجر بلا قيد، فهذه ثلاثة أقسام تأتي فيما يلي.
فإنّها تنفسخ بموته عند أكثر الفقهاء؛
لكشفه عن عدم مملوكية هذه المنفعة من الأوّل بعد أن كانت ممنوعة التحقق خارجاً فهو من البطلان لا الانفساخ، ولعلّ التعبير به مسامحة.
هذا، وقد قوّى بعض الفقهاء
صحة الإجارة فتنتقل ملكية هذه المنفعة الخاصة إلى الورثة وإن كان لا يجوز لهم استيفاء المنفعة بدون إذن المالك، نظراً إلى أنّ المنتفي في أمثال المقام هو استيفاء المستأجر لا خصوص المنفعة- أي قابلية العين
للانتفاع بها كالدار لسكناها- فانّها حيثية قائمة بالعين بلحاظ المستأجر مع غض النظر عن كونه متمكناً من الاستيفاء وعدمه، ولذا فانّه لا ينبغي الشك في صحة إجارة الدار ليسكنها بنفسه، وعدم انفساخ الإجارة بقاءً إذا حبسه ظالم أو سلطان.
فظاهر جماعة من الفقهاء
انفساخ الإجارة بموت المستأجر، في حين أنّهم ذهبوا إلى عدم الانفساخ مع عدم الاشتراط.
وقد ذكر
السيد البروجردي في بيان وجه البطلان بأنّ الشرط بالنسبة إلى ما بعد الموت منافٍ لمقتضى العقد، نظراً إلى أنّ ملك الورثة لسكنى الدار مع عدم استحقاقهم لاستيفائها بأنفسهم وبغيرهم غيرهم غير معقول.
إلّا أنّ هذا- لو سلّم- فهو مبني على أنّ الشرط الفاسد مفسد للعقد، إمّا مطلقاً أو إذا كان من جهة منافاته لمقتضى العقد.
هذا، وذهب
المحقق النجفي إلى ثبوت الخيار للمؤجر بتعذّر الشرط، وتبعه عليه السيد اليزدي.
وفصَّل
المحقق الخوئي بين ما إذا تعلّق غرض المؤجر بسكنى المستأجر نفسه- بحيث لا يرضى ببقاء الدار خالية عن ساكن كما لا يرضى بسكنى غير المستأجر فيها- فيكشف بالموت عن عدم إمكان هذا الشرط من الأوّل، وحينئذٍ يصح العقد ويلغى الشرط بناءً على ما هو الصحيح من عدم كون الشرط الفاسد مفسداً.
وبين ما إذا اريد بالاشتراط المزبور الأمر المتعارف والمرتكز، أي تعلّق الغرض باللحاظ السلبي لا الايجابي، فيكون المراد عدم جواز سكنى غيره سواء سكنها هو أو تركها خالية، وهذا الشرط مقدور وممكن التحقق حتى بعد الموت، ولا مقتضي لبطلانه ولا لثبوت الخيار للمؤجر بمجرد موت المستأجر، بل يثبت له الخيار فيما لو سكنها أجنبي لصدق تخلّف الشرط حينئذٍ.
فالمشهور فيه
بين قدماء الفقهاء بطلان الإجارة بموت المستأجر أيضاً،
ونسبه في
المهذب إلى الأكثر منهم
إلّا أنّ الشيخ- بعد أن نقل الحكم بالبطلان عن بعض الفقهاء- نسبه إلى الشذوذ.
ويدل على البطلان- مضافاً إلى دعوى
الإجماع - تعذّر استيفاء الاجرة بموت المستأجر لاستحقاق المؤجر الاجرة من مال المستأجر، فتنتقل التركة حينئذٍ بالموت إلى الورثة.
وأيضاً ربّما كان غرض المالك خصوص هذا المستأجر؛ لتفاوت الأغراض بتفاوت شخص المستأجر، وقد تعذّر ذلك بالموت فالإجارة باطلة.
هذا، ولكن المنسوب إلى الأكثر
أو ما هو الأشهر
أو المشهور
بين المتأخّرين
عدم بطلان الإجارة بموت المستأجر، كما لا تبطل بموت المؤجر استناداً إلى عمومات لزوم العقود وإطلاق بعض الروايات لزوم
الكراء .
ومجرّد اختصاص غرض المؤجر في مستأجر بعينه بالانتفاع لا يوجب البطلان مع موته إذا لم يقيّد عقد الإجارة بذلك.
وأمّا دعوى لزوم استحقاق الاجرة وكونها في ملك الورثة فهي واضحة البطلان؛ لاستثناء الاجرة اللازمة بالإجارة السابقة من التركة قبل الانتقال إليهم.
هذا كلّه في موت مستأجر العين، وكذا الكلام في المستأجَر على عمل من خدمة ونحوها، فلو كان محلّاً للعمل بحيث يكون ذلك العمل من مختصاته فإنّ الإجارة تبطل بموت المستأجر قبل مضي مدة يمكن إتيان العمل فيها لكشفه عن عدم القدرة على القيام بالعمل خارجاً.
كما أنّها تنفسخ بموت المستأجر بعد مضي زمان يمكنه الإتيان بالعمل فيه لكنّ الأجير أخّر العمل حتى مات المستأجر.
هذا بناءً على أنّ عدم الوفاء بالعمل يوجب انفساخ الإجارة،
وإلّا فلا مقتضي للالتزام بالانفساخ.
ولو كان التأخير في الاستيفاء من ناحية المستأجر فقد مضى حكمه من استحقاق الأجير الاجرة بمضي مدة العمل أو مضي مدة يمكن فيها العمل على كلام في الأخير.
أمّا إذا لم يكن المستأجر محلّاً للعمل بل كان مالكاً له على المؤجر، كما إذا استأجر أجيراً للخدمة من غير تقييد بكونها له فإنها تنتقل بموته إلى ورثته، فهم يملكون ذلك العمل عليه.
الموسوعة الفقهية، ج۴، ص۳۸۹-۳۹۲.