جزئية البسملة من السور
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
المعروف أنّ البسملة جزء من كلّ سورة.
المعروف بل المتسالم عليه عند
الشيعة الإمامية لقد توقّف بعض الفقهاء المعاصرين في الحكم بجزئيتها في غير الفاتحة ، وإن لزم قراءتها قبل السورة في الصلاة فتوى أو
احتياطاً.
أنّ البسملة جزء من كلّ سورة بُدئت بها
، وذهب إليه
ابن عبّاس و
ابن المبارك، وأهل
مكّة كابن كثير وأهل
الكوفة كعاصم و
الكسائي وغيرهما سوى
حمزة، وذهب إليه غالب أصحاب الشافعي
، ونسب أيضاً إلى
ابن عمر و
ابن الزبير و
أبي هريرة وعطاء وطاووس و
سعيد بن جبير و
مكحول و
الزهري و
أحمد بن حنبل في رواية عنه و
إسحاق بن راهويه و
أبي عبيد القاسم ابن سلام ، اختاره
السيوطي و
الفخر الرازي.
وقد استدلّ فقهاؤنا على ذلك بما يلي:
وقد ادّعاه عدد من الفقهاء المتقدّمين والمتأخّرين، ك
الشيخ الطوسي و
الشهيد الأوّل و
المحقق الثاني ونسبه العلّامة الحلّي إلى مذهب فقهاء
أهل البيت عليهم السلام.
حيث إنّ ظاهر بعضها كون البسملة جزءاً من كلّ سورة- عدا
براءة- وبعضها وارد في خصوص سورة
الفاتحة.
۱- فمن طريق الجمهور وردت روايات كثيرة:
منها: ما رواه
أنس، قال: «بينا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثمّ رفع رأسه متبسّماً، فقلنا:ما أضحكك يا رسول اللَّه؟ قال: انزلت عَليَّ آنفاً سورة، فقرأ: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ» .
وظاهرها جزئية البسملة التي قرأها للسورة النازلة، لا أنّها من باب آخر من قبيل كون قراءتها أدباً قرآنياً، أو أنّها فاصلة بين كلّ سورتين، أو غير ذلك فإنّها عنايات فائقة بحاجة إلى بيان. ومنها: ما أخرجه
الدارقطني بسند صحيح عن
عليّ عليه السلام: «أنه سئل عن
السبع المثاني، فقال: الحمد لله رب العالمين، فقيل له: إنما هي ست آيات، فقال: «بسم اللَّه الرحمن الرحيم» آية».
ومنها: ما أخرجه الدارقطني أيضاً بسند صحيح عن
أبي هريرة قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: إذا قرأتم
الحمد فاقرءوا «بسم اللَّه الرحمن الرحيم»، فإنّها امّ القرآن وامّ الكتاب والسبع المثاني، و«بسم اللَّه الرحمن الرحيم» إحدى آياتها»
.إلّا أنّ هاتين الروايتين الأخيرتين تختصّان بالفاتحة، فلا تدلّان على جزئية البسملة في غيرها.
۲- ومن طريق الخاصّة:
روايات كثيرة:
منها: ما عن
معاوية بن عمّار، قال:«قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إذا قمت للصلاة أقرأ بسم اللَّه الرحمن الرحيم في فاتحة القرآن؟ قال: نعم. قلت: فإذا قرأتُ فاتحة القرآن أقرأُ بسم اللَّه الرحمن الرحيم مع السورة؟ قال: نعم»
.
وقد استدلّ جملة من الفقهاء بذيل الرواية على جزئية البسملة في كلّ سورة اخرى تقرأ في
الصلاة غير الحمد أيضاً، حيث إنّ السؤال ليس عن الجواز، فإنّه مسلّم عند الكلّ، بل من الضروريات، ولا عن الاستحباب؛ لوضوحه أيضاً لا سيّما لمثل معاوية بن عمّار، فإنّ جواز قراءة القرآن مساوق لرجحانه، فلا محالة يكون السؤال فيها عن الوجوب، وقد أمضاه الإمام عليه السلام بقوله: «نعم». ومن الواضح أنّ الوجوب في أمثال المقام يلازم الجزئية؛ لعدم احتمال الوجوب النفسي.
الروايات المعارضة:
وفي قبالها بعض
الروايات المعارضة الصريحة في عدم الجزئية، من قبيل صحيحة الحلبيّين-
عبيد الله بن عليّ و
محمّد بن عليّ- عن
أبي عبد الله عليه السلام أنّهما سألاه عمّن يقرأ بسم اللَّه الرحمن الرحيم حين يريد أن يقرأ فاتحة الكتاب؟قال: نعم، إن شاء سرّاً وإن شاء جهراً.فقالا: أ فيقرأها مع السورة الاخرى؟فقال: لا»
.وقد حمل ذلك فقهاؤنا على
التقيّة؛ قال
السيد الخوئي قدس سره: «وما في بعض الروايات كصحيحة الحلبيّين محمول على التقيّة كما لا يخفى»
ونوقش في ذلك بأنّ الحمل على التقيّة إنّما يصحّ فيما إذا استحكم
التعارض بين الخبرين ولم يكن في البين جمع عرفي.وفي المقام الصحيحتان صريحتان في عدم الجزئية بينما معتبرة عمّار المتقدّمة ظاهرة فيها، فيمكن حمل الأمر فيها على
الاستحباب كما في سائر موارد الأمر بشيء في رواية مع الترخيص بتركه في اخرى.
ودعوى: ظهور صحيحة الحلبيّين في النهي لا مجرّد عدم الوجوب والإلزام، فتكون معارضة مع معتبرة عمّار.جوابها: أنّ النهي أو النفي في الصحيحتين منصبّان على ما فرضه السائل من لزوم قراءتها في سورة اخرى، فيكون ظاهراً في نفي الوجوب، ولا أقلّ من أنّه في مورد توهّم الوجوب، فلا دلالة فيه على أكثر من نفي الوجوب.
لقد استقرّت سيرة المسلمين على قراءة البسملة في أوائل السور غير سورة براءة.إلّا أنّ هذا لازم أعمّ من الجزئية، فما لم يطمأنّ بأنّ قراءتها كانت على أساس الجزئية لكلّ سورة وبقصدها لا يمكن أن يستدلّ بالسيرة على المدّعى.
ممّا لا ريب فيه أنّ مصاحف
الصحابة و
التابعين- قبل جمع عثمان وبعده- كانت مشتملة على البسملة، ولو لم تكن من
القرآن لما أثبتوها في مصاحفهم، فإنّ الصحابة منعت أن يدرج في المصحف ما ليس من القرآن، حتى أنّ بعض المتقدّمين منعوا عن تنقيط المصحف وتشكيله، فإثبات البسملة في مصاحفهم شهادة منهم بأنّها من القرآن كسائر الآيات المتكرّرة فيه. قال
العلّامة الحلّي: «وقد أثبتها الصحابة في أوائل السور بخطّ
المصحف مع تشدّدهم في كتبة ما ليس من القرآن فيه، ومنعهم من النقط والتعشير.في
المفردات: «العُشور في المصاحف: علامة العشر الآيات».
العاشرة: حلقة من عواشر المصحف. ويقال للحلقة: التعشير. وما ذكرنا يبطل احتمال أنّ إثباتهم إيّاها كان للفصل بين السور لا لكونها جزءاً من القرآن، ويبطل هذه الدعوى أيضاً إثبات البسملة في سورة الفاتحة؛ فإنّه لم يتقدّمها سورة قبلها كي يحتاج إلى الفصل، وعدم إثباتها في أوّل سورة براءة، ولو كانت للفصل بين السور لُاثبتت في الثانية ولم تثبت في الاولى.
.
وهذا الاستدلال أيضاً قابل للمناقشة، فإنّ كون البسملة جزءاً من القرآن لا نقاش فيه عند أحد كما تقدّم، وكذلك استحباب قراءته في ابتداء كلّ سورة، إلّا أنّ البحث حول جزئيتها لها، وما ذكر في هذا الاستدلال لا يعدو أن يكون دليلًا على ذينك المطلبين الأوّل والثاني لا أكثر.فالمهم في مدرك هذا الحكم هو
الإجماع و
التسالم الفقهي المتقدّم.هذا، ويترتّب على جزئية البسملة بعض الأحكام، يراجع تفاصيل ذلك تحت عنوان (بسملة ).
الموسوعة الفقهية، ج۲، ص۱۷-۲۰