دية الحيوان
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
دية الحيوان في بيان أحكام الجناية على الحيوان الصامت: من أتلف حيوانا مأكولا كالنعم
بالذكاة لزمه
الأرش، وهل لمالكه دفعه والمطالبة بقيمته؟ قال الشيخان: نعم، والأشبه: لا، لأنه إتلاف لبعض منافعه فيضمن التالف؛ ولو أتلفه لا بالذكاة لزمه قيمته يوم إتلافه؛ ولو قطع بعض جوارحه أو كسر شيئا من عظامه فلمالك الأرش؛ وإن كان مما لا يؤكل ويقع عليه الذكاة كالأسد والنمر ضمن أرشه؛ وكذا في قطع اعضائه من استقرار حياته؛ ولو أتلفه لا بالذكاة ضمن قيمته حيا؛ ولو كان مما لا يقع عليه الذكاة كالكلب والخنزير، ففي
كلب الصيد أربعون درهما، وفي رواية
السكوني: يقوم، وكذا
كلب الغنم وكلب الحائط، والأول أشهر؛ وفي كلب الغنم كبش، وقيل: عشرون درهما، وكذا قيل في
كلب الحائط، ولا أعرف الوجه؛ وفي
كلب الزرع قفيز من بر؛ ولا يضمن
المسلم ما عدا ذلك؛ أما ما يملكه
الذمي كالخنزير فالمتلف يضمن قيمته عند مستحليه؛ وفي الجناية على أطرافه الأرش، ويشترط في ضمانه استتار الذمي به مسائل: الاولى: قيل قضى
علي (علیهالسّلام) في البعير بين أربعة عقله أحدهم فوقع في بئر فانكسر: أن على الشركاء حصته، لأنه حفظه وضيع الباقون، وهو حكم في واقعة فلا يعدي؛ الثانية: في جنين البهيمة عشر قيمتها، وفي عين الدابة ربع قيمتها؛ الثالثة: روى السكوني عن
أبي جعفر (علیهالسّلام) عن أبيه علي (علیهالسّلام) قال: كان لا يضمن ما أفسدت البائهم نهارا ويضمن ما أفسدته ليلا،
والرواية مشهورة غير أن في السكوني ضعفا، والاولى اعتبار التفريط ليلا كان أو نهارا.
اعلم أن من أتلف حيواناً مأكولاً لحمه شرعاً كالنعم من الإبل والبقر والغنم بالذكاة متعلّق بقوله: أتلف لزمه
الأرش وهو تفاوت ما بين قيمته حيّاً ومذكى، بلا خلاف فيه في الجملة؛ دفعاً لضرر الجناية الغير المندفع حيث لا يعفو المالك عنها إلاّ به.
وهل لمالكه دفعه إلى الجاني والمطالبة له بقيمته يوم إتلافه مخيّراً بينه وبين الأرش؟ قال الشيخان
والقاضي والديلمي وابن حمزة: نعم له ذلك كذلك، نظراً إلى كونه مفوِّتاً لمعظم منافعه فصار كالتالف، وضعفه ظاهر؛ لأنّ فوات معظمها لا يقتضي دفع ماليته رأساً حتى يلزم بالقيمة بتمامها.
والأشبه الأشهر، بل لعلّه عليه عامّة من تأخّر وفاقاً
للمبسوط والحلّي أنّه لا يجوز له ذلك لأنّه إتلاف لبعض منافعه لا جميعها فيضمن عوض التالف خاصّة؛ لأصالة براءة ذمّة الجاني عمّا زاد عنه؛ ولأنّه باقٍ على ملك مالكه فلا ينتقل عنه إلاّ بالتراضي من الجانبين، ولا كلام في الجواز معه، كما لا كلام في جوازه لو فرض عدم القيمة له أصلاً، كذبحه في برية لا يرغب أحد في شرائه، فيلزمه القيمة؛ لأنّها حينئذٍ مقدار النقص.
ولو أتلفه لا بالذكاة كأن خنقه أو قتله بما لا يجوز
الذكاة به لزمته قيمته يوم إتلافه بلا خلاف، بل عليه في ظاهر
الغنية وصريح
الإيضاح الإجماع
؛ للضرر الغير المندفع مع عدم العفو إلاّ بها.
ويوضع منا ما له قيمة من الميتة كالشعر، والصوف، والوبر، والريش، ونحو ذلك، كما صرّح به جماعة
من غير خلاف بينهم أجده، ووجهه واضح لمن تدبّره، وعليه ينزل إطلاق العبارة.
ولو قطع بعض جوارحه أو كسر شيئاً من عظامه أو جرحه فللمالك الأرش إن كانت حياته مستقرّة، وإلاّ فالقيمة، وفاقاً لجماعة
؛ للأُصل المتقدّم إليه الإشارة.
مضافاً إلى
النصوص المستفيضة بربع ثمن الدابّة لو فقأ عينها، ومنها الصحيحان
وغيرهما
، لكن ظاهرها تعيّن الربع كما عليه
الماتن ويحكى عن
الشيخ وجماعة
.
ولا بأس به، إلاّ أن تحمل الروايات وكلماتهم على صورة اتفاق كون الربع أرشاً وتوافقهما مقداراً، لا تعيّن الربع مطلقا حتى لو زاد عن الأرش أو نقص عنه، لكنّه بعيد جدّاً.
وإن كان ممّا لا يؤكل لحمه شرعاً ويقع عليه الذكاة كالأسد والنمر والفهد ونحو ذلك فأتلفه بها ضمن أرشه كالمأكول، وفيه القول بتخيّر المالك الذي مضى.
وكذا يجب الأرش في قطع أعضائه وجراحاته وكسر عظامه مع استقرار حياته وإلاّ فقيمته.
ولو أتلفه لا بالذكاة ضمن قيمته حيّاً ويوضع منها ما مضى، ولا خلاف في شيء من ذلك أجده، ويدلُّ عليه بعده ما مرّ من الأدلّة.
ولو كان ممّا لا يقع عليه الذكاة
كالكلب والخنزير:
•
دية الكلب،
الدية في
كلب الصيد أربعون درهما
، وفي رواية
السكوني: يقوم، وكذا كلب الغنم وكلب الحائط
، والأول أشهر؛ وفي
كلب الغنم كبش
، وقيل: عشرون درهما
، وكذا قيل في
كلب الحائط، ولا أعرف الوجه؛ وفي
كلب الزرع قفيز من بر
؛ ولا يضمن
المسلم ما عدا ذلك.
أمّا ما يملكه الذمّي كالخنزير فالمتلف له يضمن قيمته عند مستحلّيه إذا استجمع شرائط الذمّة، بلا خلاف أجده؛ لأنّه إذا فعل ذلك حقن دمه وماله؛ وللنصوص: «أنّ عليّا (علیهالسّلام) ضمّن رجلاً أصاب خنزيراً
لنصراني قيمته»
.
ولا فرق في الجناية على ما يملكه بين وقوعها على نفسه أو أطرافه لإطلاق الدليل، إلاّ أنّ في الأخير يلزم الأرش، ويشترط في ضمانه استتار الذمّي به وإلاّ الحق بالحربي، فلا حرمة لنفسه فضلاً عن ماله.
وهنا مسائل ثلاث:
قيل
بل روي في
الصحيح على الصحيح: أنّه قضى
علي (علیهالسّلام) في بعير بين أربعة عقله أحدهم فعبث في عقاله فوقع في بئر فانكسر فقال أصحابه للذي عقله: اغرم لنا بعيرنا أنّ على الشركاء غرامة حصّته أي العاقل لأنّه أوثق حظّه فذهب حظّهم بحظه
. ومفهوم هذا التعليل غير ما أشار إليه الماتن وغيره
بقولهم: لأنّه حفظه وضيّعه الباقون.
وكيف كان هو مشكل على إطلاقه، وإن حكي القول به في
التنقيح عن الشيخ والقاضي
، وذلك فإنّ مجرّد وقوعه أعمّ من تفريطهم فيه، بل من تفريط العاقل، ومن ثمّ أوردها أكثر الأصحاب بلفظ
الرواية، مشعرين بالتوقّف فيها أو ردّها، كما هو ظاهر الماتن هنا وحكي عنه في
النكت أيضاً، حيث أجاب عنها بقوله: وهو حكم في واقعة فلا يتعدّى بها إلى غيرها.
ويمكن حملها على ما لو عقله وسلّمه إليهم ففرّطوا، أو نحو ذلك من الوجوه المقتضية
للضمان. لكنّه ينافي سياق الرواية، سيّما تعليلها الوارد فيها، ولعلّه لذا لم يجسر الأصحاب على ردّها صريحاً عدا شيخنا في
المسالك والروضة، فقال: والأقوى ضمان المفرِّط منهم دون غيره
.
في جنين البهيمة عشر قيمتها كما هنا وفي السرائر مدّعياً عليه
إجماع أصحابنا
وتواتر أخبارنا
.
ولم أقف على شيء منهما، إلاّ على عبارة الماتن
والقوي: «في جنين البهيمة إذا ضربت فأزلقت عشر ثمنها»
وهو قاصر
السند، يشكل الخروج به عن مقتضى
الأصل.
ولعلّه لذا اختار
الفاضل في
التحرير أرش ما نقص من أُمّها، قال: فيقوّم حاملاً وحائلاً ويلزم الجاني بالتفاوت
.
وهو حسن لولا دعوى الإجماع وتواتر الأخبار وقوّة سند الرواية، مع اعتضادها بما ورد من نظيره في دية جنين الأمة
.
وفي عين الدابة ربع قيمتها وفاقاً للمحكي عن الشيخ وجماعة
؛ للمستفيضة المتقدمة في مسألة لزوم الأرش بالجناية على أطراف الحيوان، مع تأمّل ما فيها تقدّم إليه الإشارة.
وعن الشيخ في المبسوط
والخلاف أنّه حكى عن الأصحاب أنّ في عين الدابّة نصف قيمتها، وفي العينين كمال قيمتها، وكذا كل ما في البدن منه اثنان.
ولم نقف على مستنده عدا القياس على الإنسان، وهو ضعيف.
روى الشيخ في
التهذيب في آخر باب الجناية على الحيوان في الصحيح عن
عبد الله بن المغيرة، عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن علي (علیهالسّلام) قال: «كان (علیهالسّلام) لا يضمّن ما أفسدته البهائم نهاراً ويقول: على صاحب الزرع حفظه وكان يضمّن ما أفسدت ليلاً»
).
وهذه الرواية مشهورة بين قدماء الأصحاب حتى لا يكاد يعرف بينهم خلاف، حتى أنّ
ابن زهرة ادّعى عليها إجماع
الإمامية، وادّعى جملة من الأصحاب الشهرة هنا، ومنهم
الشهيد في
نكت الإرشاد، بل زاد فادّعى إجماع الأصحاب.
إلاّ أنّ ظاهر المتأخّرين وفاقاً منهم
للحلّي الإطباق على خلافه، فقالوا بعد نقلها، والاعتراف بشهرتها: غير أنّ في السكوني ضعفاً، والأولى اعتبار التفريط من صاحب الدابة في ضمانه ما أفسدته ليلاً كان الإفساد أو نهاراً فلو لم يفرّط في حفظها بأن آواها إلى مبيتها وأُغلق عليها الباب مثلاً فوقع الحائط أو نقب اللّصّ نقباً فخرجت ولم يعلم به وأفسدت فلا ضمان عليه؛ لأنّه غير مفرّط.
وهو حسن؛ للأُصول، إلاّ أنّ في العدول عن الرواية المشهورة المدّعى عليها إجماع العصابة إشكالاً، بل اللازم المصير إليها؛ لانجبار ضعفها لو كان بالشهرة، مع قوّة راويها كما عرفته غير مرّة، سيّما وأن روى عنه عبد الله بن مغيرة المدّعى على تصحيح ما يصح عنه إجماع العصابة
.
ومع ذلك المستند غير منحصر فيها، بل النصوص بمعناها بعد حكاية الإجماع المتقدمة مستفيضة مرويّة جملة منها في التهذيب في باب الزيادات من كتاب
التجارة، وكذا في
الكافي في أواخر ذلك الكتاب
.
منها الصحيح على الظاهر: عن البقر والغنم (والإبل) بالليل تكون بالمرعى فتفسد شيئاً، هل عليها ضمان؟ فقال: «إن أفسدت نهاراً فليس عليها ضمان، من أجل أنّ أصحابه يحفظونه، وإن أفسدت ليلاً فإنّ عليها ضمان»
.
ومنها: عن قول الله عزَّ وجلَّ «وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ»
فقال: «لا يكون النفش إلاّ باللّيل، إنّ على صاحب الحرث أن يحفظ الحرث بالنهار، وليس على صاحب الماشية حفظها بالنهار، وإنّما رعيها بالنهار وأرزاقها، فما أفسدت فليس عليها، وعلى أصحاب الماشية حفظ الماشية باللّيل عن حرث الناس، فما أفسدت بالليل فقد ضمنوا وهو النفش»
الخبر، وقريب منه غيره
.
وفي جملة من النصوص أنّ ذلك ممّا قضى به
سليمان (علىنبيناوآلهوعليهالسلام).
وظاهر سياقها كما ترى صريح في أنّه ليس على صاحب الدابّة ضمان ما أفسدته نهاراً ولو قصر المالك في حفظها؛ لتعليلها بأنّه ليس عليه في النهار حفظها؛ لأنّ فيه رعيها وأرزاقها، وظاهر استناد الأصحاب إليها.
فما ذكره بعض الأفاضل
وفاقاً للشهيد
من كون النزاع بين القوم لفظيّاً، وأنّ القدماء إنّما ذكروا الليل والنهار تبعاً للرواية، وتمثيلاً للتفريط وعدمه؛ لكون الغالب حفظ الماشية ليلاً. ليس بجيّد.
ولذا اعترضه
شيخنا في المسالك
والفاضل المقداد والمولى الأردبيلي فقال بعد نقله: وهو جيّد، ولكن خلاف ظاهر عباراتهم؛ إذ لا يجب الجمع بين أقوالهم كالروايات والآيات والأدلّة، وأيضاً إنّ عادة بعضهم مثل الشيخ عدم الخروج عن لفظ الرواية ولا ينظر الوجه والعلّة، فتأمّل. انتهى.
ومن أخبار المسألة أيضاً النبوي المروي في كلام جماعة، ومنهم
ابن زهرة: أنّ ناقة براء بن عازب دخلت حائطاً فأفسدته فقضى (صلیاللهعلیهوآلهوسلّم) أنّ على أهل الأموال حفظها نهاراً، وعلى أهل المواشي حفظها ليلاً، وأنّ على أهلها الضمان في الليل
.
ويؤيّده ما ورد من أنّ «العجماء جُبار»
بناءً على أنّ غالب جنايتها وقوعها في النهار.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۶، ص۵۵۰-۵۶۳. الفئات في هذه الصفحة :
الدية