صفات دم الحيض
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وهو في الأغلب دم أسود أو أحمر غليظ حار له دفع؛ فإن اشتبه
بالاستحاضة ودار الأمر بينهما رجع في الحكم به إلى الصفات الثابتة له في الأغلب لحصول المظنة؛ فإن اشتبه
بالعذرة حكم لها بتطوق القطنة؛ وإن اشتبه
بالقرحة حكم لها إن خرج من الأيمن
وللحيض إن انعكس.
وهو شيء معروف بين الناس، له أحكام كثيرة عند أهل الملل والأطبّاء، ليس بيانه موقوفاً على الأخذ من
الشرع، بل هو كسائر الأحداث
كالمني والبول وغيرهما من موضوعات الأحكام التي لا نحتاج في معرفتها إلى بيان منه، بل متى تحقّق وعرف تعلّق به أحكامه المترتبة عليه عرفاً وشرعاً ولو خلت من الأوصاف المتعارفة لها غالباً، كترتب أحكام الأحداث عليها بعد معرفتها ولو خلت عن أوصافها الغالبة لها.
نعم ربما يتحقق الاشتباه بينه وبين غيره من الدماء فاحتيج إلى مميّز شرعي يميّزه عمّا عداه.
فإن اشتبه
بالاستحاضة ودار الأمر بينهما رجع في الحكم به إلى الصفات الثابتة له في الأغلب لحصول المظنة به وهي أنه دم أسود أو أحمر كما هنا وفي الشرح وعن
التذكرة وفي
الشرائع وعن
النهاية والمبسوط والوسيلة والمنتهى والتبصرة والإرشاد والتلخيص
والتحرير: الاقتصار على الأوّل
. وعن
المقنعة الاقتصار على الثاني
، غليظ حارّ عبيط له دفع.
للنصوص، منها:
الصحيح: «الحيض والاستحاضة ليس يخرجان من مكان واحد، إنّ دم الاستحاضة بارد، وإنّ دم الحيض حارّ»
. وفي آخر: «
دم الحيض ليس به خفاء، وهو دم حارّ تجد له حرقة، ودم الاستحاضة دم فاسد بارد»
. وفي
الحسن: عن المرأة يستمر بها الدم فلا تدري حيض هو أم غيره، قال، فقال لها: «إنّ دم الحيض حارّ عبيط أسود له دفع وحرارة، ودم الاستحاضة أصفر بارد»
.
وظاهره يعطي الاقتصار على وصف الأول، إلّا أنّ توصيف الاستحاضة بالصفرة وجعله في مقابلة توصيفه بالسواد قرينة إرادة الأعم من السواد الشامل لمثل الحمرة من الأسود في توصيفه. مضافاً إلى الاعتبار وشهادة بعض الأخبار الموصف له ب «البحراني»
المفسّر في كتب اللغة بالحمرة الشديدة الخالصة
وعن
المعتبر والتذكرة: أنه الشديد الحمرة والسواد
.
هذا مع ما في
المرسل الآتي في
الحبلى وفيه: «إن كان دماً أحمر كثيراً فلا تصلّي، وإن كان قليلا أصفر فليس عليها إلّا
الوضوء»
. ونحوه المرسل الآخر: «إذا بلغت المرأة خمسين سنة لم تر حمرة»
الخبر.
فظهر وجه صحة ما في المتن من التخيير بين الوصفين وعدم الاقتصار على أحد الأمرين. وليس في هذه الأخبار لاختلافها في بيان الأوصاف دلالة على كونها خاصةً مركّبةً للحيض متى وجدت حكم بكون الدم حيضاً ومتى انتفت انتفى إلّا بدليل من خارج كما زعم
، بل المستفاد من بعضها الرجوع إليها عند الاشتباه بينه وبين الاستحاضة خاصة. مضافاً إلى أنّ الخاصة المركّبة شيء غير قابل للتخلف، وتخلّفها عنه غير عزيز. هذا، مع ما عرفت من أنه كغيره من الموضوعات التي يرجع فيها إلى غير
الشرع، فلو قطع فيه بكون مسلوب الصفات منه حيضا ما كان لنفيه معنى والحكم له بغيره، كما هو الحال في
المني. ولما ذكرناه قيّدها
المصنف كالأكثر بالأغلب.
فإن اشتبه بالعذرة بضم العين المهملة والذال المعجمة: البكارة، بفتح الباء حكم لها أي
للعذرة بتطوّق القطنة التي تستدخلها، وللحيض بانغماسها، كما قطع به أكثر الأصحاب للصحيحين
، وبمعناهما الرضوي: «وإن افتضّها زوجها ولم يرق دمها ولا تدري دم الحيض هو أم دم العذرة، فعليها أن تدخل قطنة، فإن خرجت القطنة مطوقّة بالدم فهو من العذرة، وإن خرجت منغمسة هو من الحيض»
.
خلافاً لظاهر المصنف هنا وفي
الشرائع وصريحه في المعتبر
في الثاني، ويحتمله
القواعد، ووجّهه
الشهيد بأنه قد لا يستجمع مع ذلك الشرائط، ولذا اعترضه فقال: قلنا بثبوت الحيض فيه إنما هو بالشرائط المعلومة، ومفهوم الخبرين أنه ملتبس بالعذرة لا غير
. انتهى.
ويحتمل لما ذكره عدم المخالفة، وإنما لم يحكما بالحيضية في صورة الانغماس اتكالاً منهما إلى فرض انحصار الاشتباه بين الدمين خاصة، فإذا تميّز دم العذرة عن دم الحيض بمميّزه فقد ارتفع الإشكال في الحكم بالحيضية مع عدمه بحكم الفرض وما ذكراه تبعا للأصحاب من غير خلاف من أنّ الأصل في دم المرأة الحيضية وأنّ كل ما يمكن أن يكون حيضاً فهو حيض.
وإن اشتبه
بالقرحة حكم لها إن خرج من الأيمن وللحيض إن انعكس، على الأصح الأشهر، كما في
الفقيه والقواعد
والبيان والنهاية وعن
المقنع والمبسوط والمهذّب والسرائر والوسيلة والإصباح
والجامع. للخبر المنجبر ضعفه بالشهرة، وفيه: «مرها فلتستلق على ظهرها وترفع رجليها وتستدخل إصبعها الوسطى، فإن خرج الدم من الجانب الأيسر فهو من الحيض، وإن خرج من الجانب الأيمن فهو من القرحة»
كما في
التهذيب، وفي
الكافي بالعكس، وهو وإن كان أضبط إلّا أن القرينة على ترجيح الأول هنا موجودة، لشهرة مضمونه، والتصريح به في الرضوي
.
فظهر ضعف العكس المحكي عن
الإسكافي. وقصور الخبرين مع قوة الثاني وحجيته في نفسه منجبر
بالشهرة. فلا وجه لعدم اعتبار الجانب بالمرّة كما عن المعتبر وظاهر المتن والشرائع
. والاضطراب في متن الخبر مدفوع بما مضى من الترجيح. ومخالفة الاعتبار غير مسموعة في مقابلة
النص، لا سيّما مع شهادة المتديّنة من النسوة بذلك، على ما حكاه بعض المشايخ.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱، ص۲۴۲-۲۴۶.