طهورية الماء
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
فهو مطلقا طاهر في نفسه، مطهّر له ولغيره
بالكتاب والسنّة والإجماع.
فهو مطلقا طاهر في نفسه، مطهّر له ولغيره
بالكتاب والسنّة والإجماع.
قال اللّه تعالى: «وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ»
، وقال ًأيضاً: «وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً»
.
والمناقشة فيهما بأخصّيّتهما من وجهين، من حيث إنّ
الماء فيهما مطلق فلا يعمّ جميع مياه السماء، مع اختصاصهما بمائها فلا يعمّان غيره، فلا يعمّان المدّعى. مدفوعة بورودهما في مقام
الامتنان المناسب للتعميم، كما صرّح به جمع
، مضافا إلى عدم القول بالفصل، فيندفع به أحدهما. ويندفع الآخر بالإجماع المزبور، وبما يستفاد من الكتاب والسنّة من كون مياه
الأرض بأجمعها من السماء، صرّح به
الصدوق في
الفقيه، وغيره
.
قال اللّه تعالى: «وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ»
؛ وروى
علي بن ابراهيم القمي في
تفسيره عن
مولانا الباقر (علیهالسّلام) قال: «هي الأنهار والعيون والآبار»
.
وقال تعالى أيضاً: «ألم تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ»
وقال تعالى أيضاً: «هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ ـ إلى قوله ـ يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ»
فتأمّل.
وفي الأخير بعدم جواز حمل الطهور على بابه من المبالغة في أمثاله، بناء على أنّ المبالغة في «فعول» إنما هي بزيادة المعنى المصدري فيه كأكول، وكون الماء مطهّرا لغيره أمر خارج عن أصل المعنى، فلا بدّ أن يكون بمعنى الطاهر. مدفوعة أيضاً إمّا:
بكون المراد منه المعنى الاسمي، أي ما يتطهر به، الذي هو أحد معانيه، كما هو المشهور بين
أهل اللغة، نقله جمع من
العامة والخاصة، وإن احتيج في وصفه به حينئذ إلى نوع تأويل.
أو بكونه بمعنى الطاهر المطهّر، كما هو المصرّح في كتب جماعة من أهل اللغة،
كالفيّومي،
وابن فارس عن ثعلب
،
والأزهري،
وابن الأثير، ونقل بعض: أن
الشافعية نقلت ذلك عن أهل اللغة، ونقله عن
الترمذي وهو من أئمة اللغة
.
ويستفاد من الأول كون الأكثر عليه، بل وعن
الشيخ كونه متفقا عليه بين أهل اللغة، قال: وليس لأحد أن يقول: إن الطهور لا يفيد في لغة
العرب كونه مطهّرا لأنه خلاف على أهل اللغة، لأنهم لا يفرقون بين قول القائل: هذا ماء طهور، وهذا ماء مطهّر. ثمَّ دفع القول بعدم كونه بمعناه من جهة عدم تعدية اسم فاعله، والمتعدي من الفعول في لغة العرب مستلزم لكون فاعله كذلك، بعدم الخلاف بين
النحاة في أنه موضوع للمبالغة، وعدم حصول المبالغة على ذلك الوجه لا يستلزم عدم حصولها بوجه آخر، والمراد هنا باعتبار كونه مطهراً
.
وبما ذكرنا يظهر ما في الاعتراض عليه بأنه إثبات اللغة بالترجيح وذلك لأنّه اعتمد حقيقة على
اتّفاق أهل اللغة، وإنّما ذكر ذلك تعليلا بعد الورود، وغرضه في ذلك الرّد على
أبي حنيفة، لإنكاره ذلك معللاً بما ذكر
.
وإنكار وروده في كلام أهل اللغة بهذا المعنى كما وقع لجماعة من متأخّري
الأصحاب لا وجه له بعد ملاحظة ما ذكرنا، وخصوص صحيحة
داود بن فرقد، عن
أبي عبد اللّه (علیهالسّلام)، قال: «كان
بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم قطرة من بول قرضوا لحومهم بالمقاريض، وقد وسّع اللّه تعالى عليكم بأوسع ما بين السماء والأرض، وجعل لكم الماء طهورا»
الحديث. مضافا إلى قولهم: في تعليل الأمر بالتيمّم: «جعل اللّه
التراب طهورا، كما جعل الماء طهوراً»
.
وممّا ذكرنا ظهر الدليل على أصل المطلب من جهة السنّة، مضافاً إلى قول
الصادق (علیهالسّلام) فيما رواه المشايخ الثلاثة: «الماء كلّه طاهر حتى تعلم أنّه قذر»
.
وهذه الأدلّة سوى الأخير عامة فيما ذكرنا من المطهّرية لنفسه ولغيره. إلّا أنّه ورد في بعض الأخبار أنّ: «الماء يطهّر و لا يطهّر»
. وهو مع الضعف
بالسكوني على الأشهر، وعدم المقاومة لما تقدّم قابل للتأويل القريب، بحمله إمّا على أنه لا يطهّره غيره، أو على حصول التطهير له مع بقائه على حاله، وهو في تطهيره به مفقود.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱، ص۸-۱۱.