ظهور العيب في الآبق
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
وقد اختلفت أنظار الفقهاء وكلماتهم في ثبوت
خيار العيب بل ومطلق تخلّف الوصف فيه وعدم ثبوته بين قائل بالثبوت مطلقاً وقائل بعدمه كذلك ومفصّل بين ظهور العيب- أو تخلّف الوصف- قبل اليأس عنه وبعده ومتوقّف فيه.
۱- قال
الفاضل المقداد : «السابعة: لو كان في الآبق عيب لم يعلم به المشتري لم يكن له به
أرش ولا ردّ ولا ينقص شيء من الثمن بسبب عيبه».
۲- وقال
ابن فهد الحلي : «لو وجد المشتري في الآبق عيباً سابقاً إمّا بعد القدرة أو قبلها كان له الرجوع بأرشه، فيقال: كم قيمة هذه الضميمة مع العبد الفلاني الآبق مع سلامته من العيب؟ فإذا قيل: عشرة وقيمته مع الضميمة بالعيب تسعة علم أنّ قسط العيب من الثمن وأرشه العشر، فيرجع المشتري بعشر ما وقع عليه العقد».
ومثله عبارة الحدائق.
ويمكن
استظهار ذلك ممن قال بثبوت الخيار للمشتري إذا ظهر الآبق مخالفاً للوصف المشترط فيه كما في الروضة
والرياض.
۳- وذهب بعض الفقهاء ممّن قارب عصرنا إلى التفصيل، قال
السيد الحكيم :«ولو وجد في الآبق عيباً بعد القدرة عليه أو قبلها جرى عليه حكم العيب من الرجوع بالأرش، نعم لو كان ذلك بعد تعذّر
الإدراك فليس له ذلك؛
لانقلاب المعاملة وخروج العبد عن بعض المبيع كما عرفت، فلا مجال حينئذٍ للرجوع بأرش عيبه».
وظاهره أنّه في صورة ظهور العيب عند حصول الآبق أو عدم اليأس عن تعذّر إدراكه يثبت أثر العيب من الخيار أو الأرش، وفي صورة ظهور العيب مع عدم حصوله وتعذّر إدراكه لا يترتب
الأثر المذكور؛ لخروجه عن المبيع عندئذٍ بحكم الروايات.
هذا، وقد تنظّر
الشهيد الثاني فقال:«فلو ظهر (أي الآبق) تالفاً قبله(أي قبل العقد) أو مستحقّاً لغير البائع أو مخالفاً لوصف البائع أو معيباً ففي
إلحاقه بتعذّره فلا يؤثّر في صحّة
البيع ولا يستحقّ أرشاً ولا ردّاً أو يلحق كلّ واحد حكمه فيبطل في الأوّلين ما قابله ويتخيّر في الأخيرين نظر».
وقال
الشيخ الأنصاري : «لو وجد المشتري في الآبق عيباً سابقاً إمّا بعد القدرة عليه أو قبلها كان له الرجوع بأرشه، كذا قيل».
وفسّر المحقق الايرواني العبارة المذكورة بقوله: «ثمّ الظاهر أن ليس الغرض من هذه العبارة تعيّن الرجوع بالأرش دون فسخ العقد؛ إذ لا وجه لنفي التخيير هنا من دون سائر الموارد، بل الغرض دفع توهم عدم جواز أخذ الأرش هنا لو لم يقدر على العبد من جهة أنّ الأرش جزء من الثمن واقع بإزاء وصف الصحّة، ومع عدم القدرة على العبد لا يقع شيء من الثمن بإزاء العبد ليسترجع بعنوان الأرش جزء منه، بل الكلّ يقع حينئذٍ بإزاء الضميمة.
لكن لا يختصّ هذا التوهّم بأخذ الأرش، بل يعمّ فسخ العقد بالنسبة إلى الآبق؛ إذ بعد أن وقع الثمن بإزاء الضميمة لا يكون أثر لفسخ عقد الآبق وعدم فسخه؛ فإنّه ينحلّ قهراً. ولعلّ الحكم بجواز أخذ الأرش اللازم منه جواز الفسخ أيضاً مبنيّ على حمل النصّ على الكناية عن عدم ضمان البائع للآبق كما سبق من المصنّف، لا وقوع مجموع الثمن بإزاء الآبق حقيقة، كما هو مفادّ النصّ».
والمستفاد من كلام هذا العَلَم أنّ المسألة مربوطة بما يستفاد من النص من وقوع تمام الثمن بازاء الضميمة حقيقة من أوّل
الأمر ، أو بعد اليأس عن إدراك الآبق، أو أنّه كناية عن عدم ضمان البائع للآبق لا أكثر وأنّه لا فرق في ذلك بين أخذ الأرش أو حق الفسخ، فمن يستفيد المعنى الأوّل من النص يحكم بعدم الخيار وعدم الأرش، ومن يستفيد المعنى الثاني يفصّل بين ما قبل التعذّر وبعده، ومن يستفيد المعنى الثالث يرى ثبوت الخيار والأرش مطلقاً. وبهذا تتّضح مباني الأقوال الثلاثة المتقدمة.وقد يناقش في التسوية بين الأرش وخيار العيب بأنّ الأوّل متوقّف على كون الآبق جزءاً من المبيع، بخلاف الثاني؛ لأنّ الخيار قد يثبت لمجرّد تخلّف الشرط ولو لم يكن راجعاً إلى المبيع ولا مؤثّراً في ماليته.
ومن هنا فسَّر بعضهم
اقتصار الشيخ الأنصاري على ذكر الأرش وعدم تعرّضه للخيار من جهة عدم كونه محلًاّ للخلاف ولا مورداً لتوهّم عدم ثبوته بخلاف الأرش.
إلّا أنّ هذا التفسير ممّا لا يمكن
المساعدة عليه؛ لأنّ موضوع خيار العيب- سواء كان ثبوته بملاك الأخبار والنصوص أو بملاك
السيرة العقلائية القاضية بوجود شرط ضمني ارتكازي في المعاوضة على سلامة العوضين- هو عدم سلامة ما يكون عوضاً ومقابلًا للثمن أو المثمن، لا ما يكون خارجاً عنه، فإذا ثبت بالنص في المقام أنّ الآبق بعد تعذّر حصوله يكون خارجاً عن المبيع وأنّ الثمن بتمامه في قبال الضميمة، فكما لا موضوع للأرش لا موضوع للخيار وحق الفسخ؛ لأنّ ما هو المبيع شرعاً ليس معيباً.لا يقال: إنّ الآبق عند تعذّره وإن صار خارجاً عن المبيع شرعاً إلّا أنّه غير خارج عنه عرفاً وعقلائياً وبحسب قصد المتبايعين وإنشائهما، وهذا يكفي في ثبوت الخيار بفقدان وصف السلامة.
فانّه يقال: إنّ هذا لو تمّ أوجب ثبوت الأرش له أيضاً؛ لأنّ الأرش كذلك لا بدّ وأن يلحظ بالنسبة لما قصده المتبايعان من المقابلة بين العوضين والمالين أو ما يعتبره العرف والعقلاء، والآبق داخل فيه فلا وجه للتفصيل بين الأرش والخيار أيضاً. وكون الأرش أمراً تعبّدياً خاصّاً بالشارع لا يقتضي التفصيل بعد أن كان ظاهر دليله أنّه في نفس ما هو موضوع خيار العيب، لا أمر آخر.
نعم، هنا بيان آخر لعدم ثبوت الخيار والأرش بظهور عيب في الآبق- وهو القول الأوّل- ينشأ من أنّ البائع في بيع الآبق لا يتحمّل ولا يضمن بحسب الفرض
أصل حصول الآبق وعدم تلفه، فكيف يتحمّل ويضمن سلامته أو ماليّته، فأصل ظهور حال البائع بضمان وصف الصحّة والسلامة في الآبق أو الضالّ والضالّة غير تامّ في أمثال هذه الموارد، فلا موضوع لخيار العيب والأرش فيها، ما لم يصرّح باشتراط ذلك وضمان المالية من هذه الناحية، أو يقال بثبوت خيار العيب والأرش بالروايات الخاصّة، وأنّها مطلقة، وليست محمولة على المبنى العقلائي المذكور.
الموسوعة الفقهية، ج۲، ص۲۴۷-۲۵۱.