لواحق الشفعة
احفظ هذه المقالة بتنسيق PDF
ومن اللواحق مسألتان: الأولى: قال
الشيخ:
الشفعة لا تورث؛ وقال
المفيد،
وعلم الهدى: تورث، وهو أشبه؛ ولو عفا أحد الورثة عن نصيبه أخذه الباقون ولم تسقط؛ الثانية: لو اختلف المشتري
والشفيع في الثمن فالقول قول المشتري مع يمينه لانه ينتزع الشئ من يده.
قال
الشيخ في
النهاية وموضع من
الخلاف،
والقاضي والطبرسي: إنّ الشفعة لا تورّث بل تبطل بموت الشفيع. ونسبه في المبسوط إلى أكثر الأصحاب
؛ للخبر: «لا تورّث
الشفعة»
وأنّ ملك الوارث يتجدّد
على الشراء لا به، فلا يستحق به شفعة.
ويضعف الأوّل بضعف
الراوي وهو طلحة
بن زيد أبو الخزرج النهدي الشامي، عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب
الباقر (علیهالسّلام) وقال: بتري. وفي
الفهرست ورجال النجاشي أنّه عامي.
)، مع جهالة الراوي عنه أيضاً
. ولا جابر له أصلاً عدا الأكثريّة المحكيّة في
المبسوط، وهي موهونة باشتهار الخلاف بل ودعوى الإجماع عليه كما يأتي، مع أنّه موافق لرأي
أبي حنيفة كما نسبه إليه في الخلاف
شيخ الطائفة.
وقال شيخنا
المفيد وعلم الهدى والشيخ في موضع آخر من الخلاف
والحلي والشهيدان والصيمري أنّها تورّث وتبعهم جملة من المتأخرين. بل لعلّه عليه عامّتهم إذ لم أقف
على مخالف منهم. وصرّح بالشهرة المطلقة في المسالك والكفاية
.
وظاهر الثاني في الانتصار أنّ عليه إجماع
الإماميّة حيث قال في توجيه الخبر الوارد بأنّه إذا سمح بعضهم بحقوقهم من الشفعة، إلى آخر
الرواية: فيمكن أن يكون تأويله أنّ الوارث لحقّ الشفعة إذا كانوا جماعة، فإنّ الشفعة عندنا تورث متى سمح بعضهم بحقّه، كانت المطالبة لمن لم يسمح، إلى آخر ما ذكره؛ وهو
الحجّة، مضافاً إلى الرواية المرويّة في المسالك وغيره
المنجبرة بالشهرة: «ما ترك الميّت من حقّ فلوارثه».
هذا مع التأيّد بعمومات أدلّة
الإرث قال سبحانه «وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ»
.
ولذا كان هذا هو الأشبه.
وعليه فالمشهور بل كاد أن يكون إجماعاً أنّها تقسم
على سهام الورثة. وحجّتهم عليه غير واضحة عدا ما استدلّوا به لإثبات أصل المسألة من عمومات أدلّة الإرث.
وهو
حسن إن بلغ درجة الحجيّة كما ظنّوه، وإلاّ كما ذكره بعض الأجلّة
، ولعلّه لا يخلو عن قوّة ففيه مناقشة،
والأصل يقتضي التسوية، لكن المخالف لهم غير معلوم وإن ذكروه قولاً، والظاهر أنّه من
العامّة كما يستفاد من جماعة
.
ولو عفى أحد الورثة عن نصيبه أخذ الباقون ولم تسقط لأنّ الحقّ للجميع، فلا يسقط حقّ واحد بترك غيره. فلو عفوا إلاّ واحداً أخذ الجميع أو ترك؛ حذراً من تبعّض الصفقة
على المشتري، وهو ضرر منفيّ في
الشريعة اتّفاقاً فتوًى وروايةً.
ولا يقدح هنا تكثّر المستحقّ وإن كانوا شركاء؛ لاتّحاد أصل الشريك، والاعتبار بالوحدة عند
البيع لا الأخذ.
لو اختلف المشتري والشفيع في الثمن الذي وقع عليه العقد، فادّعى الأوّل أنّه مائة مثلاً، والثاني أنّه خمسون فالقول قول المشتري مع يمينه في المشهور بين
الأصحاب. بل لا يكاد يوجد فيه خلاف إلاّ من ظاهر شيخنا
الشهيد الثاني تبعاً لما حكاه هو،
والشهيد الأوّل في
الدروس عن الإسكافي من العكس، بناءً منه
على ضعف حججهم
على ما ذكروه.
ومنها: التي أشار إليها الماتن هنا بقوله: لأنّه ينتزع الشيء من يده فلا يرفع يده عنه إلاّ بما يدّعيه.
ومنها: أنّه أعلم بعقده.
ومنها: أنّ المشتري لا دعوى له
على الشفيع إذ لا يدّعي شيئاً في ذمّته ولا تحت يده، وإنّما الشفيع يدّعي استحقاق ملكه بالشفعة بالقدر الذي يعترف به، والمشتري ينكره. ولا يلزم من قوله: اشتريته بالأكثر، أن يكون مدّعياً عليه وإن كان خلاف الأصل؛ لأنّه لا يدّعي استحقاقه إيّاه عليه، ولا يطلب تغريمه إيّاه؛ ولأنّ الذي لو ترك الخصومة ترك هو الشفيع؛ إذ لا يطلب المشتري للأخذ بالشفعة بما يدّعيه.
وقد بيّن وجوه الضعف في
المسالك والروضة، وتبعه في
الكفاية لكن في الجملة، وفصّل، فقال بعد نقل القولين: وحجّة المسألة من الجانبين لا يخلو عن ضعف، ولا يبعد أن يقال: إذا سلّم المشتري المبيع بمطالبة الشفيع ثم اختلفا في قدر الثمن فالقول قول الشفيع؛ لأنّه منكر للزيادة فيكون داخلاً في عموم
اليمين على من أنكر. وإن لم يسلّم المشتري المبيع وقلنا بوجوب تسليم الثمن أوّلاً فيرجع الأمر إلى كون الشفيع مدّعياً والمشتري منكراً، فيكون القول قول المدّعى. انتهى
.
وربما ناقش المشهور أيضاً
الفاضل المقداد في
التنقيح فقال بعد الاستدلال لهم بأنّ الشفيع يدّعي استحقاق الحصّة بثمن معيّن، والمشتري ينكره ويده
عليها، فيكون القول قوله مع اليمين: ولقائل أن يقول: بل القول قول الشفيع؛ لأنّه منكر لزيادة يدّعيها المشتري، واليمين
على من أنكر، ويؤيّده قول الشيخ في الخلاف أنّهما إذا أقاما بينة يعمل ببيّنة المشتري، وإذا كان كذلك ينبغي أن يكون القول قول الشفيع عند عدم البيّنة. لكنّه قال بعد ذلك: ويمكن أن يجاب بأنّ
الشفيع إمّا أن يدّعي العلم أو لا، فإن كان الثاني لم يصحّ حلفه؛ لما تقدّم أنّه لا يمين إلاّ مع العلم. وإن كان الأوّل فكذلك؛ لأنّ الاختلاف في فعل المشتري، وهو أعلم به. انتهى
.
والمسألة لذلك قوية الإشكال، إلاّ أنّ الأصل مع العجز عن الترجيح يقتضي المصير إلى مذهب الأكثر، سيّما مع موافقته بمنافاة الشفعة للأصل، وبلوغ الشهرة قريباً من درجة الإجماع. ولذا لم يخالف شيخنا في المسالك صريحاً، بل ولا ظاهراً، وكذا التنقيح فإنّه وإن استشكل أوّلاً إلاّ أنّه وافقهم كما عرفت ثانياً.
وأمّا صاحب الكفاية فهو وإن صرّح بالمخالفة إلاّ أنّه لا ضير في خروجه جدّاً، مع كون مختاره خرقاً
للإجماع المركّب ظاهراً.
وكيف كان
فالاحتياط لا ينبغي تركه في أمثال المقام
على حال.
رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج۱۴، ص۹۹-۱۰۴.